ثقافة وفنون

567

بالصور.. "أرت بازل".. طوفان الإبهار البصري

تبدأ رحلة الابحار في عالم الفن الحديث عبر معرض"أرت بازل" في هونج كونج بمفارقة تحتم عليك التخلي عن سمة العصر (الايقاع السريع) .. خطاك المتسارعة للوصول إلى صالات العرض بمركز المؤتمرات في هونج كونج سرعان ما تتباطأ بمجرد ولوج الباب الرئيسي حيث تطالعك مجسمات كبيرة على شكل تحف فنية مبهرة.. تتوقف, تمعن النظر باللوحات والمشغولات والمنحوتات تتحرك بخطى متثاقلة وكأن قدميك لاتقوى على الحراك.. يشخص بصرك تخالطه دهشة الابهار والاعجاب بتلك الأعمال الابداعية التي تتحدى قواعد ونظريات الفن الكلاسيكي.

قد ينتابك الاستغراب وأنت تشاهد مُجسماً يجمع عشرات الدرجات الهوائية لكن الاستغراب يتحول إلى إعجاب عندما تتأمل بإمعان وتكتشف أنك أمام منحوتة تروي حكاية الإنسان مع عجلة الزمان. ثم تتفاجأ بطفلة غريبة عجيبة تجلس على الأرض تحتضن شيئاً غامضاً تثير الشفقة وتأخذك الرأفة بها فتقترب لمساعدتها فتجد أنها مجرد عمل فني يروي معاناة الطفولة.

في حضرة الفن الحديث تتحطم كل القيود تتحرر اللوحة من الإطار والألوان وتخرج الصورة من حدود الظل والضوء لتلامس نبض الحركة بالشكل والاحساس. كل الأدوات مباحة

في حضرة الفن الحديث تتحطم كل القيود تتحرر اللوحة من الإطار والألوان وتخرج الصورة من حدود الظل والضوء لتلامس نبض الحركة بالشكل والاحساس. كل الأدوات مباحة: أقلام, ألوان، أسلاك كهربائية, ملابس قديمة, معادن, أخشاب, علب فارغة.. وأيضاً كل الوسائل ممكنة تقنيات حديثة, إنترنيت, كمبيوتر, تكنولوجيا الاتصال.. لا محظورات في الفن الحديث.. إنه فن الممكن مثل السياسة تماماً لا يعرف المستحيل.

الابتكار والإبهار

لاحدود في هذا الفن أمام الإبهار كل شيء متاح ومباح.. الأصل هو التعبير عن الفكرة بأسلوب فني والجوهر هو الإبداع في ابتكار أعمال لم يجرؤ عليها أحد ولم يسبق أن نفّذها أحد.. هكذا تبدو لوحة الملابس القديمة حيث تغيب الألوان ليحل مكانها معطفين قديمين تم لصقهما على اللوحة بطريقة تلزمك بالتأمل طويلاً والتعمق بفكرة أشبه بثورة فنية.

في معرض "أرت بازل" لا تخلو صالة عرض من مفاجأة.. رُكن بأكمله خُصص لكرسي خيزران ملوث ببقايا طلاء وفوقه تماماً عُلّق برميل طلاء.. لك أنت أن تُقرر ماذا ترى.. في رُكن آخر يسود مفهوم تفريغ المضمون من محتواه حيث لوحات الشكل غير المكتمل.

ثم تطالعك أشكال هندسية على الأرض تلزمك بدخول الصالة وفق خطوات مدروسة تتحكم في الزاوية التي يجب عليك أن تتأمل بها لتكتشف أهمية الأبعاد في لعبة الظل والضوء.

كل رُكن وكل صالة تحمل حكاية إبداع مُستَلهم من عالم افتراضي ترجَمَته أنامل مبدعين إلى أعمال فنية تنتسب إلى لغة مشتركة تجمع كل لغات البشر في الحس المرهف والقيم الإنسانية التي يلتقي في ظلالها الأسيوي والأوروبي والعربي والأجنبي والمشرقي والمغربي.

الحضور العربي

بين عشرات الجنسيات للفنانين المشاركين من مشارق الأرض ومغاربها تجد حيزاً للحضور العربي لفنانين من لبنان والعراق وسوريا أبرزهم الفنان التشكيلي العراقي المقيم في هولندا حليم الكريم الذي قدم أعمالاً سرقت الأضواء وجذبت الزوار والمهتمين بعالم الفن والابداع. فهو إلى جانب أفكاره المبتكرة في استخدام الألوان والعطور انفرد باستخدام تقنية الصورة الشبح التي استوقفت النقاد.

الفنان حليم الكريم، من مواليد بغداد، حيث التحق بأكاديمية الفنون الجميلة، عام 1991. ثم هاجرت العائلة، وتوزعت على دول أوروبا وأستراليا وأمريكا. وكانت هولندا مستقره حيث تابع دراساته الفنية، وأثبت حضوراً جعله العربي الوحيد الذي يعرض المتحف الوطني الهولندي أعماله، ثم بدأت هذه الأعمال بالسفر خارج حدود إقامته، حتى تسنّى له أن يعرضها في عام 2007، في متحف الفن المعاصر في بولدر في كولورادو بالولايات المتحدة، وهو أحد الأماكن الفنية الأرقى في العالم.

يروي الفنان الكريم لـ"الشرق الثقافي" الطريقة التي يبدع بها أعماله الفنية حيث يقول: انفرد بتقنية التصوير باستخدم كاميرا 35 مم، وما بين التقاط الصورة ومعالجة الفيلم، أقوم بتلوين الصورة السالبة ومسحها ضوئياً وتكبيرها، ثم أُضيف ستاراً حريرياً أسود اللون أمام بعض الصور مما يضيف مزيداً من الغطاء، وهذا يكتسب أهميته كونه يزيل الخط الفاصل بين الواقع والخيال حتى لا تعرف ما الذي تراه. ويكون المشاهد أمام اللوحة الشبح.

كلما انتقلت من صالة إلى أخرى وتابعت التجوال أيقنت اللغة المشتركة بين شعوب الأرض في عالم الفن المعاصر.

العروض في فضاء المدينة

هذا الفن اتخذ من مركز المؤتمرات في هونج كونج مُنطلقاً لعرض أعمال أكثر من ألفي فنان عالمي في 245 قاعة غصت بالزوار وعشاق الفن ومُدمني الإبداع على مدى 4 أيام (من 15 حتى 18 من مايو) لكن مركز المؤتمرات على سعته ورحابته لم يتسع لكل الأفكار الإبداعية ففاضت العروض إلى آفاق المدينة لتكون متاحة أمام الجمهور في جميع المناطق الحيوية، حيث قدم الفنان الألماني كارستن نيكولاي عرضاً موسيقياً ضوئياً على واجهة أعلى ناطحة سحاب في المدينة التي تضم 1250 ناطحة سحاب.

تلك العروض جعلت هونج كونج تزهو بالفن المعاصر وبحسب كلير هوس أن "الانطباع السائد هو أن هونج كونج ليست من أسواق الفن الكبيرة وعاصمة الفن في آسيا، بل أصبحت مركزاً مؤثراً في تغير مفهوم الفن الحديث".

وقد سطع مركز التجارة الدولية المرتفع على علو 490 متراً عند مغيب الشمس بعروض ضوئية أبهرت الجمهور. وقد خُصص تطبيق للهواتف الذكية يسمح بالاستماع إلى "الدقات الضوئية" لهذا البرج الذي يشكل نبض المدينة.

إبداعات "أرت بازل" امتدت أيضاً إلى عدد من المباني الأخرى المهمة في هونج كونج، أبرزها فندق "بينينسولا" الفخم حيث عُلّقَ على واجهته قلب أحمر كبير من تصميم الفنانة البريطانية ترايسي إمين كتبت عليه بالانجليزية "قلبي دوماً معك".

مفاجأة "أرت بازل"

مفاجأة "أرت بازل" هذا العام أطلقها المصممان البريطانيان باتريك فريدريكسن وإيان ستالرد اللذان كشفا عن منحوتة كبيرة أطلق عليها اسم "برولوغ" مؤلفة من 8 آلاف قطعة كريستال "شواروفسكي".

لقد اختارت أن تحتفي بالفن عبر معرض "أرت بازل" وأطلقت تشكيلتها الجديدة لموسم ربيع وصيف 2014 التي تستمد إلهامها من مجموعة هائلة من المؤثرات إذ تتقاطع الطبيعة مع الفن الحديث والثقافات المتنوعة والمهارات المختلفة.

تشكيلة "سواروفسكي" تحاكي الطبيعة وتقدم نوعاً من الفنون المشكلة من الخطوط العضوية والمواد البسيطة. وسمحت ألوان الطبيعة بتشكيل ألوان أولية ثرية والتي كانت القاعدة التي خرجت منها جميع الدرجات اللونية. من ضمنها اللون الأزرق: فالكريستال يمتزج بشكل رائع مع الأقمشة مثلما يحدث في مجموعة «Amazing» التي ترص رقائق Crystal Rock وهي مادة سواروفسكي الجديدة المفضلة في درجات ألوان الجينز من لون الإنديجو الخام وحتى المظهر المتهالك الذي سبق لبسه. خليط من التقنيات والجماليات تعبر عن الجوهر الأصيل لسواروفسكي ويوضح مهارات الشركة بدءً من التعامل مع الكريستال وحتى ألوانه ولمعته

الرحلة في معرض أرت بازل استكشاف لرؤية فناني هذا العصر لعالمهم الجامع بين الافتراضي والواقعي. إنه تجربة إنسانية فريدة.. ولأهميته تم تحديد موعد دورة العام 2015 من معرض "أرت بازل" في هونج كونج بين 13 و17 مارس، أي قبل الموعد المحدد عادة للمعرض، في مسعى إلى "زيادة المشاركة الدولية".