قارنت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية بين ردة فعل الشرطة الأمريكية في مواجهة اقتحام الكونغرس من قبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يوم الأربعاء 6 يناير، واستجابتها لاحتجاجات حركة حياة السود مهمة (Black Lives Matter). فهنالك اختلاف كبير وواضح بين وحشية الشرطة الأمريكية في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد وانتشار احتجاجات لمناصري حركة حياة السود مهمة (BLM)، واستجابتها لاقتحام الكونغرس الأمريكي والتي وصفها موقع كوارتز بمقاومة ضعيفة نسبيًا. فاستطاع أنصار ترامب دخول مبنى الكونغرس الأمريكي بكل سهولة وحطموا النوافذ وخربوا المجلس ونهبوا محتوياته مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص و واعتقال 52 شخصًا على الأقل حسب موقع فوكس نيوز. وصرحت الشرطة في العاصمة واشنطن، في وقت متأخر من يوم الأربعاء، بأنه تم العثور على قنبلتين، ومسدس وزجاجة مولوتوف ولا يقل عن ستة أسلحة نارية داخل المبنى. فماذا لو كان اليساريون أو الدمقراطيون أو مناهضو العنصرية أو مناصري حركة حياة السود مهمة هم من قاموا بأعمال الشغب وحاولوا اقتحام الكونغرس الأمريكي؟ اتفق بايدن حسب مونت كارلو الدولية في خطاب أدلى به يوم الخميس مع فكرة وجود تناقض صارخ في التعامل مع المجموعتين. وقال: لا يمكن لأحد أن يقول لي إن المعاملة لن تختلف اختلافًا تامًا إن كان من احتجوا أمس هم مجموعة من حياة السود مهمة بدلًا من حشد الخارجين عن القانون الذين اقتحموا الكابيتول. وقال مشاركون في احتجاجات حياة السود مهمة في واشنطن إن طريقة التعامل معهم كانت مختلفة للغاية. ويرى تشارلز مكيني الأستاذ المساعد في التاريخ بكلية رودس في ولاية تينيسي أن أحداث يوم الأربعاء في واشنطن كانت تذكرة بالفوارق الضخمة في الطريقة التي تعاملت بها جهات إنفاذ القانون بين السود والبيض. وقال: رد قوات إنفاذ القانون كان إعلانا صارخا للعنصرية الممنهجة. كان إظهارا لحظوة البيض والفوارق في تنفيذ القانون في هذا البلد. لماذا يحابي النظام والشرطة اليمين المتطرف؟ عرضت صحيفة واشنطن بوست المشاهد الوحشية للشرطة الأمريكية أثناء مواجهتهم للاحتجاجات بعد مقتل وفاة جورج فلويد على يد شرطي أبيض للمقارنة بينها وبين ردة فعل الشرطة على اقتحام الكونغرس. ووصفت الصحيفة الاقتحام بأنه فشلًا أمنيًا كبيرًا، فاستطاع أفراد غير مسلحين من اقتحام مبنى يضم ألف ضابط، وتراخت القوات الفيدرالية والحرس الوطني الأمريكي في احتواء الأحداث. وأكدت الصحيفة أن الشرطة لم تظهر في موقف مدافع عن الكونغرس ولم تحاول اعتقال المشاغبين وساعدت بعضهم باقتحام الكابيتول. ردة فعل الشرطة الأمريكية والنظام السياسي الأمريكي لانتهاكات اليمين هي مسألة سياسية تعود إلى جذور نشأة أمريكا وطبيعة الحزبين الحاكمين. هيمن الحزب الجمهوري في حكم الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأة نظام ثنائي الحزبية الأمريكي، وكان هو حزب السلطة ورجال الأعمال وحزب يُعرقل حقوق السود والأقليات بعد أن كان الحزب الأكثر ليبرالية وحزب إبراهم لينكولن محرر العبيد. فأول رئيس أمريكي كان من الحزب الجمهوري إبراهم لينكولن الذي فرض على ولايات الجنوب إنهاء العبودية حتى لو أدخل ذلك البلاد الحرب الأهلية. ويدعم الحزب الجمهوري خفض الضرائب، ورأسمالية السوق الحرة، والقيود على الهجرة، وزيادة الإنفاق العسكري، وحقوق السلاح، والقيود على الإجهاض، وإلغاء القيود على النقابات العمالية. وأصبح الحزب الجمهوري يسوق لنفسه على أنه حزب البيض والحزب الذي يعبر عن روح الأمريكيين الأوائل الذين نزعوا الأرض من الهنود الحمر وطردوهم. وذلك على عكس الحزب الديمقراطي الذي يدعم الأقليات المهاجرة. ووصل الحزب الجمهوري إلى ذروة العنصرية في عهد ترامب الذي سمح بممارسة العنصرية ضد المسلمين والمكسيكين والسود. فلماذا تساهلت الشرطة الأمريكية؟ يُعتبر ضعف الحزب الديمقراطي وقوة الحزب الجمهوري على الرغم من أقليتهم في المجتمع الأمريكي سببًا في الاستجابة السلبية للشرطة الأمريكية مع أعمال الشغب. ويحافظ الحزب الجمهوري على هيبة تمنع التعامل معه بسبب قوة نفوذ الحزب، وتظل كثير من المؤسسات الدولة المركزية الأمريكية أقرب لليمين والجمهوريين، خاصة الأمنية والسياسية. فالخطاب الذي يتبناه الحزب الجمهوري والذي يتسم بالقوة والقانون والنظام أقرب لتركيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية والتي يُسيطر عليها البيض. في المقابل، يُنفر الخطاب الحقوقي الليبرالي مؤسسات الدولة.

أعلنت حركة حياة السود مهمة البريطانية مناصرتها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي في تغريدة نشرتها الحركة على حسابها الرسمي، الأمر الذي فجّر معركة سياسية حقيقية بين الحركة وبين أنصار إسرائيل الذين وصفوها بأنها تدعم معاداة السامية، وهو ما رفضه أعضاء الحركة المناهضة للعنصرية. ووفقا لـ الجزيرة نت فقد كانت التغريدة ضمن الأكثر تداولا في بريطانيا، بعد أن حصدت عشرات الآلاف من التعليقات وإعادة التغريد، مما جعلها تتحول إلى مادة دسمة للنقاش الإعلامي والسياسي، بعد أن قام اللوبي المناصر للاحتلال بإنزال مكثف إعلامياً وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لوسم التغريدة بكونها معادية للسامية. وتعتبر هذه التغريدة أول موقف علني من الحركة تساند فيه صراحة القضية الفلسطينية وتناهض الاحتلال. وجاء في التغريدة: بينما تمضي إسرائيل قدما في ضم الضفة الغربية، وفي ظل السياسة البريطانية الكاتمة للحق في نقد الصهيونية وممارسات الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية، فإننا نقف بصوت عال وواضح إلى جانب رفاقنا الفلسطينيين. ويستمد الموقف الذي عبرت عنه حركة حياة السود مهمة قوته، من قوة الحركة التي تحولت في ظرف أسابيع قليلة إلى فاعل حقيقي قادر على تحريك الشارع وتنظيم مظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف، فضلا عن قدرتها على التأثير في تغيير أجندة النقاش السياسي، وهو ما يجعل أي تصريح لها يحظى باهتمام وتفاعل واسعين. وجاء هذا الموقف مفاجئاً لكثيرين لم يتوقعوا أن تخوض الحركة في مواضيع خارج القضايا البريطانية، أو أن تعبر عن مساندة شعوب وقضايا أخرى خارج بريطانيا، ولعل ما زاد الأمر أهمية، هو الجدل المثار في الساحة السياسية البريطانية، بعد قرار زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر إقالة القيادية في الحزب ربيكا لونغ بيلي من حكومة الظل، وذلك بعد إعادة نشرها مقالا يتحدث عن كون الشرطي المسؤول عن قتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، قد تلقى تدريبا لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي. وبعد ذلك انهالت الانتقادات على لونغ بيلي التي كانت تعتبر وريثة جيرمي كوربن في حزب العمال، وتحمل تقريبا نفس أفكاره بشأن القضية الفلسطينية. وأمام الضغط قرر زعيم الحزب المعارض إقالتها، تحت ذريعة معاداة السامية. وبعد التفاعل الكبير مع التغريدة الأولى، واصلت الحركة نشر تغريدات أخرى تؤكد فيها أنها لن تتراجع عن دعم الفلسطينيين، مشيرة إلى أن التضامن والتعلم من نضال الفلسطينيين ضد العنصرية الممنهجة كان دائما جزءا من نضالنا المشترك وقوتنا المشتركة. ونشرت الحركة الكثير من المقاطع لعدد من الأكاديميين اليهود الذين يحذرون من الخلط بين انتقاد إسرائيل والاحتلال وبين معاداة السامية، إضافة إلى مقولة لرمز الكفاح ضد العنصرية المناضلة البريطانية أنجيلا ديفيس، التي كانت تردد أن الشعب الفلسطيني يشكل مصدر إلهام لكل من يناضل العنصرية والظلم. من جهته، اعتبر رئيس تجمع البرلمانيين اليهود في بريطانيا ماري فان دير زيل أن الحركة التي ترى أن هناك خنقا لأي نقاش حول إسرائيل، هي معادية للسامية. واعتبر البرلماني البريطاني أن موقف الحركة يعتبر محبطا بالنسبة له، وأن كل ما جاء هو ادعاء وليس هناك أي تضييق على النقاش حول إسرائيل. ولم يتوقف الهجوم عند هذا الحد بل إن الحملة المناهضة لمعاداة السامية في بريطانيا، ذهبت حد اتهام الحركة بأنها سكتت عن اعتداءات قام بها أنصارها ضد بعض المواطنين البريطانيين اليهود. وكتبت الحملة تغريدة غاضبة اتهمت فيها الحركة بأنها تنشر الكراهية والانقسام داخل المجتمع، ودعت القائمين عليها لتعليم أنفسهم وعدم الاكتفاء بالصور النمطية. ولا يظهر أن الهجوم العنيف الذي تم شنه على الحركة جعلها تتراجع عن موقفها، بل على العكس واصلت نشر سلسلة تغريدات تقول فيها إن مواجهة كل أشكال الاستعمار والاحتلال هي معركة كل أنصار العدالة والمساواة، وسيكون من الصعب سحب الشرعية الحقوقية والشعبية من هذه الحركة التي تحظى حاليا بتعاطف واحترام عالمي. وهو ما يفسر الارتياح والترحيب الكبيرين في صفوف أنصار القضية الفلسطينية في بريطانيا، الذين اعتبروا أنهم كسبوا صديقا قويا لهم في المملكة المتحدة.