رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات alsharq
قطر فقدت مرجعًا لتاريخ الدولة برحيل الشيخ جاسم بن ثاني

مرّ هذا العام ونحن نفقد عزيزًا تلو آخر، ففي نهاية السنة السابقة أواخر شهر ديسمبر من سنة 2013م فقدنا العمة الشيخة مريم بنت علي بن عبد الله آل ثاني، وفي شهر فبراير من سنة 2014م توفيت والدة الشيخ عبد الله بن حسن بن علي بن جاسم آل ثاني، وبعدها بأيام توفيت حرم الشيخ أحمد بن حمد بن أحمد بن خالد الأحمد آل ثاني، وفي الشهر التالي شهر مارس فقدنا الشيخ فيصل بن طلال بن أحمد بن حسن بن عبد الله آل ثاني، وبعده بأيام فقدنا حرم الشيخ أحمد بن علي بن جاسم آل ثاني، وفي الشهر التالي شهر أبريل توفيت الشيخة روضة بنت خليفة بن أحمد بن علي آل ثاني، وبعدها بأيام توفي الشيخ عبد الله بن سعود بن فهد بن جاسم آل ثاني، وبعده بأيام توفيت حرم الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله بن جاسم آل ثاني، وفي الشهر التالي شهر مايو فقدنا الشيخ مبارك بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد الله آل ثاني، وبعده بأيام توفيت آخر بنات الشيخ عبد الله بن جاسم، العمة الشيخة مريم بنت عبد الله بن جاسم آل ثاني، وفي آخر الشهر توفيت الشيخة عائشة بنت محمد بن حمد بن عبد الله آل ثاني، وفي نهاية الشهر التالي شهر يونيو توفيت الشيخة لولوة بنت محمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، وبعدها بأيام توفي الشيخ فيصل بن عيد بن محمد بن ثاني آل ثاني وذلك في شهر يوليو، وفي شهر سبتمبر فجعنا بوفاة الشيخ خليفة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد الله آل ثاني، وفي شهر أكتوبر توفي الشيخ ناصر بن سيف بن أحمد الأحمد آل ثاني، وفي شهر نوفمبر حزنا لوفاة الشيخ سعود بن محمد بن علي بن عبد الله آل ثاني، ولد بعد وفاة جده بأربع سنوات وفي هذا الشهر فجعنا بوفاة الشيخ تميم بن جاسم بن ثاني بن جاسم آل ثاني وأخته الشيخة حمدة بنت ثاني، وبعدهما بأيام في يوم الإثنين 30 صفر 1436هـ يوافقه 22 ديسمبر 2014م توفي الوالد الشيخ جاسم بن ثاني بن جاسم آل ثاني رحمهم الله تعالى جميعًا وغفر لهم وأسكنهم فسيح جناته أكبر أحفاد المؤسس الشيخ جاسم وذلك بعد أيام من الاحتفال باليوم الوطني يوم تولي جده الشيخ جاسم الحكم، والشيخ جاسم بن ثاني رحمه الله سميُّ جده المؤسس؛ حيث ولد سنة 1917م بعد وفاة جده بحوالي أربع سنوات، وسمي عليه، وكان مولده في رميلة الوكرة؛ حيث كان يسكن والده الشيخ ثاني بن جاسم ثالث أنجال المؤسس وأكبر من له ذرية فيهم، وقد بسطت شيئًا من سيرة والده الشيخ ثاني في كتابي "أدلة المعالي في سيرة الشيخ عبد الله آل ثاني" الذي سيطبع قريبًا إن شاء الله تعالى، ووالدة الشيخ جاسم هي الشيخة هيا بنت أحمد بن محمد آل ثاني، فهو حفيد الشيخ جاسم من جهة والده، وحفيد الشيخ أحمد من جهة والدته، وهو كذلك أخو الشيخ أحمد بن علي بن عبد الله بن جاسم آل ثاني بالرضاعة وخاله في نفس الوقت؛ حيث كان الشيخ علي متزوجًا من أخته الشيخة حمدة بنت ثاني، وفي هذه الأسرة الكريمة تربى الشيخ جاسم ونشأ في طاعة الله واتصف بحسن الخلق وكريم الطبع، وتعلم في صغره مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وقرأ القرآن على يد مطوع من أهل نجد على عادة أبناء آل ثاني، ودرس عليه علوم التوحيد والفقه، يقول الشيخ جاسم رحمه الله: قرأت على يده القرآن الكريم إلى أن وصلت إلى سورة الأعراف، ثم أكملت بنفسي قراءة القرآن وتدارسه، فضلاً عن ما تعلمته من مجلس والدي الذي كان أشبه بمجلس علم، يرتاده العديد من العلماء والفقهاء والشعراء وعموم المثقفين، الذين كانوا يجتمعون بشكل يومي في مجلس الوالد كما يفد إلينا علماء نجد بين حين وآخر. تميز بقوة الذاكرة وحفظ الشعر ولما بلغ عمره تسع سنوات انتقل مع والده من رميلة الوكرة إلى الدوحة؛ حيث سكن والده في قصر الشيخ جاسم المؤسس، وذلك بطلب من أخيه الشيخ عبد الله بن جاسم وبجوار قصره ومحل إقامته الذي أصبح فيما بعد متحف قطر الوطني. تميز الشيخ جاسم رحمه الله بقوة ذاكرته وحفظه للشعر وأيام العرب، واحتفظ بهذه الذاكرة القوية إلى آخر حياته رحمه الله، وكان راوية لتاريخ الأسرة، وشاهدًا على الكثير من الأحداث التي جرت، فقد عاصر عهد عمه الشيخ عبد الله، وشهد فترة حكم الشيخ علي بن عبد الله والشيخ أحمد بن علي والشيخ خليفة بن حمد والأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة وجانبًا من عهد سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد حفظه الله تعالى. وكان مشاركًا في الكثير من أحداث هذه الفترات، فمن ذلك مشاركته في حرب الزبارة سنة 1937م وكان ذلك في عهد الشيخ عبد الله بن جاسم رحمه الله. ولذا كان مرجعًا لمؤرخي قطر وتاريخ الأسرة، ومقصدًا للنسابة والمؤرخين والباحثين من قطر وخارجها، فكان مجلسه لا يخلو من ضيف يسأل عن مسألة أو يتحقق من رواية، إلى جانب ما يلقاه في هذا المجلس الحافل من إكرام وحسن استقبال. وممن كان يزوره في مجلسه العامر سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله تعالى وكبار الأسرة الحاكمة، وشخصيات من الأسر الحاكمة الخليجية، وغيرهم من العلماء والوجهاء والأعيان. وقد أعد لهذا المجلس قارئًا يقرأ له ورده من الكتب، ليستفيد الحضور ويدور عليها النقاش، وكثيرًا ما يستشهد بما فيها من علم ويطلب إحضارها من مكتبته العامرة التي جمعها عبر سني حياته، والتي تزخر بمختلف أنواع العلوم والفنون. وممن كان ملازمًا له وأخذ الكثير من رواياته وأخباره الوالد الشيخ ناصر بن حسن بن عبد الله آل ثاني والوالد الشيخ ثاني بن خالد بن ثاني آل ثاني والوالد الشيخ حمد بن خالد بن ثاني آل ثاني، وغيرهم، وقد سجل الدكتور الشيخ حسن بن محمد بن علي بن عبد الله آل ثاني الكثير من رواياته في كتاب جمعه باسم: صفحات من تاريخ قطر، وقد استفدتُ كذلك من مجالسته ودونت عنه الكثير من الأخبار التي كانت رافدًا مهمًّا لكتبي ككتاب الحلي الداني وكتاب الشيخ عبد الله ورسالة الماجستير لي، وكان رحمه الله يكرمني غاية الإكرام بحسن الاستقبال وسمح لي بتسجيل العديد من المقابلات التي أجريتها معه، ولا أعرف أنه سمح بذلك لغيري؛ حيث كان يمنعهم من التسجيل وإنما يطلب منهم الاكتفاء بالحفظ أو الكتابة. وكان رحمه الله شاعرًا يقول الشعر العامي أو الحر، وقد جُمعت مجموعة منه في كتاب أهداه لي وكتب لي عليه رحمة الله إهداء، ومن شعره وهو يتذكر إخوانه: تذكرت اخواني وفي القلب زفرة * ولابد للمحزون أن يتذكرا وأما حفظه لشعر العرب وأيامهم وأنسابهم فحدث عن ذلك ولا حرج، فيخبرك عنهم كأنه حاضر لهم أو كأن الكتاب بين عينيه، فكان مرجعًا لأنساب أهل قطر والجزيرة والعرب عمومًا يسردها من حفظه رحمه الله، وكان دائمًا ما يردد في سنيه الأخيرة قول زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم وكان رحمه الله يطبق هذه الأخلاق والشيم العربية عمليًّا، فكم له من يد بيضاء على القريب قبل البعيد، وكم له من بذل للمال والجاه، ومواقفه رحمه الله تشهد له بذلك، وهي كثيرة سنذكر بعضها في معرض آخر، إن شاء الله تعالى. وكان رحمه الله صاحب رؤى وفراسة، وله قصص كثيرة مع رؤى رآها ثم تحققت كفلق الصبح، وكذلك كان شديد الفراسة ومن ذلك أني عندما زرته أوّل مرّة وكان ذلك من سنين، ولم يكن يعرف من أنا أو شكلي، وكنت بصحبة حفيده الدكتور الشيخ محمد بن حمد بن جاسم آل ثاني، فجلسنا في مجلسه الصغير، وعندما كثر الجمع طلب منا الانتقال إلى مجلسه الكبير، وعندما قام الناس أشار لحفيده فقرّب منه، واستأخرت أنا عند الباب حتى أخرج مع الدكتور، فكنت أسمعه ولا يراني، وسأل حفيده عني، وقال له "عندما نظرتُ إليه تذكرت عمي الشيخ عبد العزيز بن جاسم لشبهه به، فمن هو؟" فذكر له حفيده اسمي، وأن فراسته صحيحه؛ حيث اني حفيد للشيخ عبد العزيز بن جاسم من جهة الوالد والوالدة فكلاهما حفيدان للشيخ عبد العزيز من جهة الأم. راوية لتاريخ الأسرة ومع اهتمامه بكتب التراث والتاريخ، وكبر سنه، ظلت همته رحمه الله كبيرة وروحه مرحة، فتسمعه مرّة يلاطف أحدهم، ومرة يلقي بالحكمة والقول البليغ، وأخرى بالقصة الهادفة، وكان متابعًا لتطور الوسائل، فأنشأ موقعًا ومنتدى له على الشبكة، يضع فيه بعض أشعاره أو رواياته التاريخية، أو آرائه حول بعض الأنساب والقبائل، وهذا لسعة اطلاعه ومعارفه وتجاربه التي اكتسبها طوال سني حياته؛ حيث كانت حياته دائمة التجدد، ممتلئة بالتجارب ومخالطة الناس، فقد زار رحمه الله العديد من البلدان وطوّف بها، وتربطه أواصر الصداقة والنسب بكثير من وجهائها. وبفقده رحمه الله فقدت قطر مرجعًا كنا نركن إليه لمعرفة التاريخ والاستزادة من أخبار الماضين، فقد كان رحمه الله صلة وصل بين الأجيال، وملحقًا الأحفاد بالأجداد. وأنا أشارف على الانتهاء من كتابة هذه المقالة بلغني خبر وفاة الشيخ محمد بن جاسم بن فهد بن جاسم آل ثاني، فاللهم أعظم أجرنا فيهم واغفر لهم وارحمهم.

11804

| 23 ديسمبر 2014