يبدو أن أنقرة قد اضطرت لتغير قواعد "اللعبة الجيوسياسية" مع خصومها في ظل تعدد الجبهات المفتوحة على حدودها الجنوبية، حيث يأتي الجدار الخرساني الذي تبنيه تركيا، خيارها الأمثل لضبط الأمن، وبداية جديدة لتغيير قواعد الاشتباك. فالاشتباكات شبه يومية المتزايدة والهجمات المسلحة التي تشهدها المحافظات الجنوبية الشرقية لتركيا، والتي أسفرت عن سقوط 55 قتيلا من الجيش التركي وأكثر من 770 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني خلال شهر ونصف الشهر، وفق ما أكدته المصادر الرسمية، دفعت أنقرة للإعلان سريعًا عن إقامة جدار من الإسمنت المسلح على طول حدودها مع سوريا، وذلك ردا على هذا التصاعد اللافت في الهجمات. وقد بدأت تركيا في العمل بتشييد الجدار بين بلدتي الريحانية في الجانب التركي وأطمة في سوريا،حيث يتكون الجدار من قطع إسمنتية متراصة يبلغ ارتفاع الواحدة منها ثلاثة أمتار وبعرض مترين وزنة سبعة أطنان، حسبما نقلت وكالة "الأناضول" الرسمية. تعزيز الفاعلية وحسب باحثين ومحللين سياسيين، فإن بناء هذا الجدار يبرز رغبة تركيا في ضبط حدودها وتعزيز سيطرتها الأمنية عليها من ناحية، كما أنه يمثل تغييرا في قواعد الاشتباك الذي تخوضه أنقرة مع خصومها من ناحية أخرى. وقد رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزغان أن بلاده تريد من هذا الجدار منع التسلل المتبادل بين أراضيها والمناطق السورية التي تخضع أجزاء كبيرة منها لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" المعادي لأنقرة. وقال أوزغان إن الجدار سيتيح للمنظومة الأمنية التركية الاستفادة من المراقبة والإنذار المبكر الذي سينصب عليه، الأمر الذي سيعزز فعليا قدرة أنقرة على التدخل في الوقت المناسب لصد أي هجوم محتمل على أراضيها. وأشار إلى أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني استخدموا الأراضي التركية للعبور والقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في عين العرب "كوباني" السورية قبل نحو عام دون الحصول على إذن من الحكومة التركية. وكان العديد من الخبراء والباحثين قد أرجعوا صعوبة ضبط الحدود التركية مع سوريا إلى طولها البالغ أكثر من 220 كيلومترا وانتشار اللاجئين والنازحين من القتال في سوريا على جانبيها. انتقادات خارجية وأوضح أوزغان أن كثيرا من المسؤولين الغربيين يوجهون انتقادات غير مباشرة لتركيا بسبب تدفق المقاتلين إلى تنظيم الدولة مرورا بأراضيها، الأمر الذي اضطر أنقرة "لتغيير قواعد الاشتباك". واستبعد أوزغان أن يكون بناء الجدار خطوة أحادية تركية تعبر عن انزعاجها من سحب بطاريات صواريخ الباتريوت الأميركية والألمانية من أراضيها. وفي ذات الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي التركي جان آجون إن تغيير قواعد "اللعبة الجيوسياسية" بين تركيا وخصومها على الحدود الجنوبية قد بدأ منذ الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصين ومباحثاته هناك بشأن تعزيز قدرات بلاده الدفاعية. الدفاع المشروع وأضاف أن التهديد السوري لتركيا ما يزال قائما، وإن كانت جميع المؤشرات توضح أنه غير متصاعد، مشيرا إلى أن النظام السوري ما زال قادرا على إدارة قواعده الصاروخية في طرطوس واللاذقية لتهديد أمن تركيا. وأوضح آجون أن تركيا تلقت الرسالة الألمانية والأميركية حول عدم رضا الطرفين عن تحركها العسكري الأخير ضد حزب العمال الكردستاني في محافظاتها الجنوبية وعن سياساتها تجاه سوريا، بحسب الجزيرة نت. وسبق أن وجهت محافل غربية عديدة انتقادات لأنقرة قائلة إنها ترد على هجمات حزب العمال الكردستاني بقوة غير متكافئة، وهو الأمر الذي طالما رفضته الأخيرة، معتبرة هجماتها دفاعا مشروعا عن النفس.