صدرت رواية «مخطوطة ابن بطوطة السرية» للكاتب جاسم سلمان، عن داري الرافدين والوتد، وتعتبر هذه هي الرواية الثالثة للكاتب، وتعد انطلاقة حقيقية وقوية، من حيث جودة العمل، واحترافية الكاتب في صوغ متخيل تاريخي أقرب للتصديق والواقع، حيث يقرأه المتلقي وكأنها المخطوطة الفعلية والأكثر دقة للرحالة العربي الشهير ابن بطوطة. ويقترب العمل من الوصول إلى مناطق غير مطروقة وأماكن تجول فيها الرحالة، وذكر الكثير من التفاصيل، ليتحول السرد إلى نقاط ضوء حول الكثير من الأسرار والعجائبية بأسلوب يمتزج فيه الأدب مع الفن والتاريخ، لدرجة وجود الكثير من الحقائق المغيبة، ومحاولة جديرة بالوقوف عندها، وهي كتابة التاريخ من جديد بأسلوب فني، وبجرأة متناغمة مع تطلعات وأسئلة قراء التاريخ الذي لا يجدون فيه ضالتهم، حيث تتجسد في أبطال الرواية الكثير من معاني التقارب، وتطرح الكثير من الحقائق كالعلاقة بين الأديان، والإنس والجن، وتتراقص الحقائق والوقائع كالأفكار بين أصابع الكاتب، مع تناغم المتناقضات، ويحاول أن يثبت وجود اتفاقات وتحالفات بين الدويلات في ذلك الوقت، ووجود من يحركون التاريخ والجغرافيا، بعناية دينية، وتطلعات شخصية بنظرات ثاقبة للأشياء. وأثبت الكاتب وجود تنظيمات سرية، وعدم تحرك الأمور بشكل عفوي وطبيعي، ووصول ما وصلت إليه المناطق التي مر بها ابن بطوطة لحالها الماضي والحاضر، بشكل أكثر ميلا للصدفة، كما أدخل تقنيات سردية جديدة واحترافية، في الانتقال عبر الأزمنة، بين الواقع الحالي لهذه المناطق، وارتباطها بالماضي، مع اختلاف الشخصيات، وأحيانا جعلها تعيش لهذا اليوم. ولم تغب عن الكاتب حقائق مسكوت عنها مثل الرق، والمكائد في العصور الوسطى، والحروف الخفية والدسائس. وأثبتت الرواية أن المتخيل التاريخي فن قائم بحد ذاته بات يتطور ويأخذ دوره في إعادة كتابة التاريخ، بالإضافة إلى أن الكاتب يستطيع معالجة الآلام وجمع الفلسفة مع الأدب والفن والتاريخ والشعر. وسيرة ابن بطوطة، محاولة قراءة ثانية، بجرأة كبيرة يحاول جاسم سلمان أن يسبر أغوارها، فابن بطوطة كان موجوداً في سجن بأقصى الشام، وربما في العراق، أو حتى في بادية الموصل، فهو القادم من نهايات الماضي صوب الحاضر، وهو الساكن بين الرحلة والأخرى، لديه ما يمكن أن يعيد قصه وروايته، ولكن بروح أخرى، روح الباحث المتطلع إلى معرفة أسرار الرحلة. ومن الاكتشافات الخيالية هو أن ابن بطوطة هو لا يزال حيا، ويثبت الكاتب جاسم سلمان ذلك بأن الرحالة من الجن، ويعيش أكثر من سبعمائة عام، ويعيش ليسرد للمتلقي الكثير من الأسرار والخفايا، كما يربط بن الأزمنة والأمكنة والأحداث، مبررا رحلاته بأنها محاولة للخلود، وأن الكتب مثل الأبناء، كما يؤكد الكاتب في آخر صفحة أن هناك أجزاء أخرى من المخطوطات، ستصدر تباعا ولن يتوقف الأمر عند هذه الرواية، بل إنها سلسلة، من المتوقع أن تحقق نجاحات وتصل للعالمية، وتتعدى حدود العالم العربي.

يستدل الستار، مساء اليوم، على العمل المسرحي الاستعراضي ابن بطوطة، ضمن فعاليات مهرجان دريشة للفنون الأدائية، والذي تنظمه مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، بالتزامن مع بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وتختتم فعالياته مساء اليوم، في حديقة الأكسجين بالمدينة التعليمية. ويحمل عرض ابن بطوطة العديد من الرسائل، التي أراد توجيهها للجمهور، ومن بينها التأكيد على أهمية الحوار بين الثقافات والتمسك بقيم التسامح والمحبة والسلام بين الشعوب. وقال سمير عبود، مخرج العرض، خلال تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إن عرض ابن بطولة ضمن مهرجان دريشة للفنون الأدائية، هدفه توصيل عدة رسائل الى الناس جميعا، أولاها أن الأمور الحياتية الصغيرة من الممكن أن تحدث الاختلاف، فقد تنقل ابن بطوطة من قارة الى قارة، ومن بلد الى بلد، وفي كل بلد انتقل له، استطاع أن يحدث تغييرا في أشياء كثيرة، وبالتالي رسالة العرض للناس هي ضرورة الانتباه إلى التفاصيل في حياتنا، لأنها من الممكن أن تحدث الفارق أو التغيير المنشود. وأضاف ان إحدى الرسائل الهامة للعرض كذلك، هي التأكيد على ضرورة الحوار بين الثقافات المختلفة، وهذا يتلاقى مع ما حققته بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 في قطر، والتي جمعت جماهير من 32 دولة شاركت في البطولة، وخلقت بينهم حوارا ثقافيا، شهد الجميع له بالنجاح، لأن الرياضة هي ثقافة وفرصة للتلاقي بين الشعوب، وفي العرض التقى ابن بطوطة خلال رحلته بأشخاص من بلاد مختلفة ودار بينه وبينهم حوار ثقافي وحضاري، وبالتالي فالهدف والرسائل التي حملتها بطولة كأس العالم في قطر، وهي التأكيد على التسامح والمحبة والسلام بين الشعوب، هي نفس الرسائل التي يحملها عرض ابن بطوطة ويقدمها للجمهور. وأوضح مخرج العرض أن ابن بطوطة كان له محطة في فلسطين والقدس ضمن العرض، وهي التأكيد على أهمية المسجد الأقصى لدينا كشعوب مسلمة، وتطلعنا الدائم إلى لحظة الانتصار التي يتحرر فيها الأقصى من الاحتلال، وهي اللحظة التي ننتظرها دائما. وبشأن التحضيرات والاستعدادات التي سبقت العرض وفكرته، قال إن النص كتبته هبة مشاري حمادة، وقد عرض عليه وبعدها وضع رؤيته الإخراجية للعمل، ومن ثم بدأت التحضيرات، موضحا أن فريق العمل هو من طلاب مؤسسة قطر، وهذا كان تحديا بالنسبة له، لأنه يتعامل معهم للمرة الأولى، وعددهم يقارب الـ 50 مشاركا، ولكن حضورهم كان مميزا، إضافة الى التزامهم أثناء فترة التحضير التي استغرقت قرابة 6 أشهر وبعدها كانت هناك تجهيزات على مستوى الملابس والإكسسوارات والديكورات والإضاءة، وفي الشهر الأخير الذي سبق انطلاق المهرجان تم التركيز على عمل بروفات، شملت بروفات على مسرح العرض نفسه في الأسبوع الذي سبق الانطلاق. وتابع مخرج عرض ابن بطوطة، أنه كان قلقا من فكرة مشاركة طلاب للمرة الأولى في عرض مسرحي من هذا النوع في مهرجان كبير، مثل مهرجان دريشة، ولكن وجد لديهم استعدادا قويا والتزاما ورغبة بالمشاركة في عرض ابن بطوطة وما يحمله من رسائل هامة.

أكد سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري مستشار بالديوان الأميري مرشح دولة قطر مديراً عاماً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عمق العلاقات بين الثقافتين العربية والصينية. وقال سعادته في محاضرة ألقاها بجامعة بكين تحت عنوان "الصين والعرب ودرس حوار الثقافات"، إن جامعة بكين العريقة كانت رمزاً للعلاقة الوطيدة بين الصين والعرب في التاريخ المعاصر، عندما أنشأت قسم اللغة والثقافة العربية سنة 1946، كما كان من ثمار انفتاحها توقيع مذكّرة التفاهم للتعاون بينها وبين جامعة قطر في عام 2012. وأشار إلى تقديم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى "حفظه الله" منحة مالية قدرها عشرة ملايين دولار أمريكي، وذلك لإنشاء كرسي دولة قطر لدراسات الشرق الأوسط في جامعة بكين، مضيفاً أن تخصيص دولة قطر هذه السنة 2016 لتكون السنة الثقافية مع الصين جاء تعبيراً عن تقديرها لدور العلاقات بين البلدين وأهميّة الثقافة في تحقيق التقارب بين الشّعوب. وشدّد الدكتور الكواري على أن دولة قطر وجمهورية الصين الشعبية تربطهما علاقات ثنائية قوية في مختلف المجالات ولهما دور مشترك في نشر الحوار بين شعوب العالم ، كما حافظ البَلدان على العروة الوثقى التي جمعت العرب بالصين منذ قديم الزّمان. واستعرض الدكتور الكواري في كلمته تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي، وروى مسيرة الرحالة العربي ابن بطوطة والرحالة الصيني وانغ دا يوان اللذين ساهما مساهمات جليلة في التبادل الصيني العربي، فضلاً عن الروابط الثقافية والتجارية الأخرى مثل طريق الحرير الذي ربط الصين بالعرب منذ أكثر من ألفي عام، لافتاً إلى أن "اليونسكو" قد ضمّت هذا الطريق إلى قائمة التراث العالمي لما لعبه من دور تاريخي في تطوير العلاقات الاقتصاديّة والثقافيّة لشعوب المنطقة ،متناولا بشكل تفصيلي تأثير الصين في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وتأثرها بها من خلال العديد من الآثار التاريخية. و تابع "إنّني أجد في الصّين التّعبير الأمثل للتنوّع الثقافي سواء في داخل تركيبتها الاجتماعيّة أو في علاقتها بالعرب أيضا، وهو ما يجعل الصينيين أكثر تفهّما لمدى أهميّة دور اليونسكو في هذه المرحلة بالذّات حين يتعلّق الأمر بضرورة توسيع دائرة الحوار الثقافي لأجل إحلال السّلام في العالم". وتناول مرشح قطر مديراً عاماً لـ"اليونسكو"، خلال محاضرته بجامعة بكين، الأزمة المالية للمنظمة، مؤكداً أن التحديات التي تمر بها "اليونسكو" تجعلها في حاجة لانطلاقة جديدة تتّسم بالإبداع في الطرح لتحقيق أهدافها النبيلة، ولذا فإن شعار حملته للترشّح لإدارة المنظمة هو "نحو انطلاقة جديدة"، وذلك لاستعادة المبادئ الرئيسيّة التي أرساها المؤسسون. وتطرق إلى الحديث عن الثقافة بوصفها قوّة ناعمة، مجددا دعوته التي أطقها في عدد من العواصم خلال جولاته الانتخابية بإنشاء يوم عالمي للثقافة ضد الإرهاب. كما تعرض الدكتور الكواري لاهتمام كل من دولة قطر والصين بالتعليم، مؤكداً أن قضايا التربية والتعليم تأتيان في مركز الصّدارة في برنامجه الانتخابي حتّى تواصل اليونسكو مجهوداتها في هذا المجال، وتعمل في المستقبل على تسخير كافّة الوسائل التكنولوجيّة لمقاومة الانحسار التعليمي وخلق شراكات جديدة فيما بين الدّول وأفضل الجامعات في العالم لتمويل الالتحاق بالمدارس لفائدة ملايين الأطفال في المناطق المحرومة حتّى تكون المعرفة هي السبيل الأمثل لمحاربة الجهل. وشدد على ضرورة تحقيق التنمية المستدامة وتوفير القوى العاملة، عن طريق تمكين الدّارسين للتقنيات والمهارات والقيم لتنمية المجتمع، مطالباً بإعادة النّظر في مناهج التعليم ورسم سياسات جديدة تقوم على إنشاء شراكات مع القطاع الخاصّ ليكون التّعليم سبيلاً للتنمية المستدامة، لافتاً إلى أهمية الاستفادة من التجربة الصينيّة في هذا المجال. وتطرق الدكتور الكواري خلال المحاضرة إلى أن المرحلة الراهنة تتطلّب إحلال التّفاهم الدّولي القائم على الحوار بين الثقافات، معتبرا أنّ الصين تلعب دورا مميّزا في تكريس هذا المسار، داعياً في نهاية المحاضرة إلى تحقيق التوازن في العالم بين الجميع وأن يقوم على احترام الثقافات. وقد شهد المحاضرة سعادة السيد سلطان بن سالمين المنصوري سفير دولة قطر لدى جمهورية الصين الشعبية، وعدد من السفراء العرب المعتمدين لدى الصين، والمسؤولون والأساتذة والطلاب في جامعة بكين.