رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
توقفت، قبل أيام، حرب غزة باتّفاق وقف إطلاق النار، ولكن الذي لم يتوقّف هي الدروس والعبر المستخلصة من مدرسة المقاومة الفلسطينية بعد عام وثلاثة أشهر من القتال الناري والنادر والمتميّز!
وبهذا الخصوص عرضت فضائية الجزيرة الفضائية يوم 24 كانون الثاني/يناير 2025 حلقة مميّزة من برنامج «ما خفيّ أعظم»، تناولت بعض بطولات المقاومة، وتفاصيل مضمرة حول عملية «طوفان الأقصى»!
وكشف البرنامج خطّة «الطوفان» بتفاصيل مثيرة وجديدة، ولكن الذي شدّني هو الواقع العجيب والخطير الذي عاش فيه القائد الشهيد يحيى السنوار، قائد حركة «حماس»، ولهذا آثرت أن أُركّز على تلك اللقطات النادرة التي ظهر فيها الشهيد الشجاع!
برز «السنوار» القائد بأرض المعركة وهو يلتحف معطفا عسكريا أو بطّانيّة ويتنقّل بصلابة بين المنازل المهدّمة والمواقع القتالية، والغريب هي تلك الابتسامة التي لم تفارق مُحيّاه رغم سماع دويّ الصواريخ والطائرات التي تحيط بالمكان!
ومسيرة «السنوار» مليئة بالمهامّ الجسام التي هزّت كيان «إسرائيل»، كيف لا وهو الذي أذهلها بتأسيس الجهاز الأمني لحماس قبل اعتقاله في العام 1988!
وقد وثّقت اللقطات التي تعرض لأوّل مرّة «السنوار» القائد في الخطوط الأمامية وفوق الأرض، وليس في الانفاق كما حاولت «إسرائيل» تصويره خلال الحرب!
تحرّكات «السنوار» الميدانية الخطيرة وثّقتها «كتاب القسام» خلال مجريات الحرب الدموية، وهذا يؤكّد قوّة وجرأة الجهد الإعلامي للمقاومة الباسلة، وإن الإعلام هو الجيش الثاني في المعارك!
وأظهرت اللقطات «السنوار»، وهو يقود إحدى المعارك في رفح جنوبي غزة، وأظهرته وهو يتجوّل في أكثر من منطقة بين الكمائن والمقاومين لرفع معنويّاتهم القتالية!
ثمّ برز «السنوار» مع قائد كتيبة تلّ السلطان محمود حمدان، رفيقه في القتال والاستشهاد، وهما يفترشان الأرض، وأمامهما خريطة ميدانية للمعركة، وهما بلا حمايات، وبين الأنقاض، وفي بيت مهجور!
ولاحقا ظهر «السنوار» وأمامه ناقلة صهيونية بعد استهدافها واعطابها، وكان كأنّه جبل شامخ لا تهزّه الريح ولا الأعداء!
«السنوار» الذي كان يتجوّل بعصاه وسلاحه الشخصيّ بين المقاتلين دوّخ الاستخبارات «الإسرائيلية» في تتبع أماكن تنقّلاته وقد كان يوم استشهاده قدرا، وبلا تخطيط صهيوني، واكتشفت «إسرائيل» لاحقا أن «المقاوم» في البيت المستهدف هو «السنوار»، وهي حتّى اليوم تحتفظ بجثمانه!
«السنوار» الشهيد الذي حُكِم عليه بأكثر من أربعة مؤبّدات، وأمضى منها (22) عاما في السجون الصهيونية، وخرج بصفقة «جلعاد شاليط» في العام 2011، ارتبط اسمه بالصور المليئة بالصمود والتحدّي، وهو الذي يمتلك تاريخا طويلا مليئا بالصبر والنضال!
وبعد الافراج عنه خرج «السنوار» أكثر صلابة وإصرارا على المقاومة، ورفض التّنحّي على الرغم من التهديدات «الإسرائيلية» باغتياله، وأكّد مرارا بأن «حياته ليست أغلى من حياة أيّ فلسطيني آخر»!
وقد ساهم «السنوار» بعزيمة منقطعة النظير في معركة «سيف القدس» في العام 2011، واختير قائدا لحماس في غزة في العام 2017 ولاحقا انتخب قائدا عامّا للحركة في آب/ أغسطس من العام 2024 بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في إيران، وبقي يؤدّي أدواره السياسية والعسكرية لغاية استشهاده ليلة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 في تلّ السلطان!
واليوم صار المنزل الذي استشهد فيه «السنوار» مزارا ومركزا لجذب مُحِبّيه، وأكّد صاحب المنزل «أشرف أبو طه» بأن الكرسي الذي استشهد «السنوار» وهو يجلس عليه، بعد اصابته، أصبح رمزاً وطنياً، والناس يطالبون بتسمية الحيّ بتلّ السنوار بدلا عن تلّ السلطان!
رحم الله «السنوار»، الشهيد السعيد، الذي نُحِتَت صورته في أذهان الأحرار، ودروس بطولاته ستُدَرّس، وتُذْكر بفخر واعتزاز لمحبّي الحرّية في أرجاء الأرض!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9039
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6729
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6162
| 14 أكتوبر 2025