رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل يحتاج رجل مثل جعفر بن أبي طالب، إلى تعريف؟ وهو الحسيب النسيب، ابن أبي طالب، عم رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وشقيق علي بن أبي طالب، ذلك هو من حيث نسبه الشريف، النامي في فروع آل هاشم، خير العرب قاطبة، أما من حيث مآثره في الإسلام، وسيرته الحسنة في تاريخه المجيد، الناصع الصفحات، فلنقترب من جعفر أكثر، ولنزدد عنه علما وخُبرا، لتتضح وتتجلى لنا ملامح شخصيته، ومحاسن سيرته، وفضائل خليقته.
نطق جعفر بالشهادتين، فكان واحدا من المسلمين الأولين السابقين، الذين بادروا بالانضواء تحت راية الإسلام، وسارعوا في إجابة دعوة نبيه، وصبروا على دينهم، وواجهوا في سبيله، أشد البلايا، وأشنع الرزايا، التي صب عليهم حميمها ولهيبها، أعداء الدين ومناوئوه في مكة، حتى أذن رسول الله لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، ورضي لهم هذه الهجرة، فكان في ركب من هاجر إلى هناك، جعفر الذي خرج من مكة، ونزح عنها برفقة زوجه، أسماء بنت عميس، إلى تلك البلدة، على شَحَط الدار، وتنائي المَزار.
حطّ المسلمون المهاجرون، أمتعتهم في أرض الحبشة، وعاشوا في حمى ملكها العادل، النجاشي، بسلام وأمان، لا يكدر صفو عيشهم شيء، ولا ينغص عليهم حياتهم، منغص من نكد الدنيا، سوى ما كانوا يجدونه من حزن وأرق، كلما تذكروا حال النبي في مكة، ومن بقي معه من المسلمين. ولكن هل تُرى تركتهم قريش وشأنهم في الحبشة، ووَقفوا مكائدهم وشرورهم، التي اعتادوا ممارستها وهم في مكة، ولم تطاردهم وتلاحقهم إلى حيث ذهبوا؟ كلا، لقد استمرت قريش في ظلمها وعتوها، وإلقاء عِصيّها وحبالها، فقد عزّ عليها أن يفر أولئك المسلمون، من قبضتها، ويجدوا ملجأ آمنا يؤويهم، ينعمون فيه بالحرية والأمن، وأحست في ذلك ما يجرح جبروتها، ويطعن هيبتها، فأرسلت من ثم على أثَرهم رجلين، واختارت أن يكون عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وكانا لم يسلما بعد، وحمّلتهما قريش الكثير من الهدايا الثمينة والمستطرفة، ليقدمانها إلى النجاشي، وإلى رجال الدين من القسيسين والأساقفة، بين يدي طلبهم الذي جدّوا فيه، وهو إخراج أولئك الذين جاءوا إليهم لائذين مستجيرين. بدأ رسولا قريش أولا بمقابلة رهبان الكنيسة، وتحدثا إليهم بما قدما من أجله، وقاما بإتحافهم بما جلبا من هدايا، لاستمالتهم حتى يقفوا معهما، ويقولوا برأيهما بإقصاء المسلمين من أرضهم، أمام ملكهم النجاشي، ثم سعى رسولا قريش إلى لقاء الملك، وفي يوم جلس فيه النجاشي مجلسه، على عرش حكمه، اجتمع الخصوم عنده، المسلمون في ناحية، ورسولا قريش في الناحية المقابلة، في حضور القساوسة وغيرهم من رجال الحاشية.
هنالك قام عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، واستأذنا النجاشي في الحديث، فأذن لهما، فبثا ما في صدورهما من فكر زعماء قريش وسادتهم، فقال أحدهما للنجاشي:(أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك، غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم، أشراف قومهم، من آبائهم وأعمامهم، وعشائرهم، لتردهم إليهم)، حينئذ اندفع رهبان الكنيسة بقولهم مؤيدين ما قيل: صدقا، أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم. ولكن النجاشي رجل له عقل وحكمة، ونفس طيبة كريمة، فلم يسمع من طرف واحد فقط، وإن كان لذلك الطرف من طرفي القضية مناصرون كثيرون، فيقعَ في الظلم والجور والخطأ، ويضل في رأيه، ثم يتعسف في حكمه، فإنه التفت نحو المسلمين، سائلا إياهم ليعلم جليّة أمرهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني، ولا دين أحد من هذه الملل؟.
يومئذ تجلى جانب من الجوانب الرائعة المتألقة لنفس جعفر، الذي انبرى بشجاعة وثبات، ووقف يتصدى لما قيل، وأنشأ يناضل عن المسلمين والإسلام، فكفَّ ووفَّى، إذ بيّن بجلاء ووضوح حقيقة الدين، وأساس دعوته، القائمة دعائمها على أصول مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، مما أُمر به المسلمون، والقائمة أيضا على ما نهوا عنه مما يخالف الخلق الكريم، فيوقع النفس الإنسانية في حضيض الرذائل، ويهوي بها في درك الفواحش، ذلك الذي إن غاب عن المسلم، فقد جهل دينه، وبعُد عنه، وإن زعم أنه من المسلمين. قال جعفر ردا على سؤال النجاشي:(أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه...فأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم...فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله). فما كان من النجاشي إلا أن قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. وتوجه بنظره وقوله إلى المسلمين قائلا: اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي. ورد إلى رسولي قريش هداياها، فعادا إلى قومهما بالخيبة والخزي، ولم ينالوا شيئا، وأقام المسلمون في الحبشة بخير دار، مع خير جار. ظل جعفر في مهجره ذاك يتعبد الله تعالى، ويدعو إلى الدين بعمله قبل قوله، هو ومع الذين هاجروا، إلى أن قدموا على رسول الله بُعيد فتح خيبر، في السنة السابعة للهجرة، ففرح بمقدمهم فرحا كبيرا، وسُرَّ سرورا بالغا، وخاصة حينما رأى ابن عمه جعفر، فأقبل نحوه وعانقه، وهو يقول:(لا أدري بأيهما أنا أُسرَّ، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر)، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، قولا مسجوعا بادي الحلاوة، ظاهر الطلاوة، مرحبا ومحييا بقدوم جعفر، بعد طول غياب.
منذ أن قدم جعفر المدينة ونعِم بقربه من النبي، وقربه أيضا من إخوانه الصحابة، تاقت نفسه إلى نصر الدين، والذِّياد عنه بالجهاد في سبيل الله، خصوصا بعدما علم ما بذله المسلمون، من تضحيات جسام، وبطولات عظام، في المشاهد والمعارك، أيام كان في الحبشة، وصدَّق الله نفس جعفر المخلصة التواقة إلى ما يرضيه سبحانه، ففي جمادى الأولى، من السنة الثامنة للهجرة، أعد رسول الله جيشا لمقاتلة الروم المعتدين، وجعل عليه ثلاثة أمراءَ قوّاد أولهم زيد بن حارثة، وثانيهم جعفر بن أي طالب، وثالثهم عبد الله بن رواحة، بحيث إذا قتل الأول أخذ الثاني منه الراية، وفق ذلك الترتيب. انطلق الجيش من المدينة، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء بقرية مؤتة من أرض الشام، التقى الجيشان، واحتدم بينهما الصراع، وقاتل القائد الأول زيد بن حارثة، حتى قتل، فأخذ الراية جعفر، وتقدم بها نحو صفوف جنود الروم، الذين كانوا من كثرتهم كأمواج البحر المتلاطمة، فأعمل فيهم سيفه، يضرب ويقتل منهم، حتى ضُربت يمينه فقطعت، فحمل الراية بشماله، فأصابوها أيضا، فحضن الراية بعضديه، وضمها إلى صدره، حتى لا تسقط، ولم يزل رافعا إياها حتى قتل وما ترك الراية تصيب التراب، وحينئذ تقدم القائد الثالث، عبد الله بن رواحة، وتناول الراية من جثمان الشهيد.
نفس جعفر
علم النبي بالوحي أنباء أصحابه، فبكى عليهم وقال في جعفر: (رأيت جعفراً، يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين)، ومن هنا عُرف جعفر بلقبه الشهير: (جعفر الطيار)، وعُرف أيضا بذي الجناحين، ثم قام رسول الله إلى بيت ابن عمه، ودعا أطفاله الصغار، فاحتضنهم وقبلهم، وعيناه تذرفان.
بقي جانب من نفس جعفر الكريمة الشريفة، لا بد لنا من تبيانه، وهو بره بالفقراء والمساكين، وحبه لهم وعطفه عليهم، حتى لقب بأبي المساكين، وشهد له بذلك أبو هريرة، إذ قال:
(كان خير الناس للمساكين، جعفر بن أبي طالب).
رضي الله عنه، وهنيئا وطوبى له هذا الجزاء والثواب والثناء.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8553
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5463
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4752
| 05 أكتوبر 2025