رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبدالعزيز آل إسحاق

عبدالعزيز آل إسحاق

مساحة إعلانية

مقالات

942

عبدالعزيز آل إسحاق

النجاح ليس بالأرقام فقط

28 يناير 2025 , 02:00ص

في عالم يطغى فيه التركيز على الأرقام والإنجازات المادية، يأتي النجاح الحقيقي ليكشف عن أبعاده الأعمق، تلك التي ترتكز على الإنسان والقيم المستدامة. إن تحقيق الأهداف الكبرى لا يتوقف فقط عند تحقيق الأرباح أو تسجيل أرقام قياسية، بل يتجاوز ذلك إلى بناء إرث طويل الأمد يخدم المجتمع، الدولة، والإنسان. في هذا السياق، تُعد قطر مثالًا رائدًا في تحويل المفاهيم التقليدية للنجاح إلى رؤية أكثر شمولية وعمقًا.

في بعض القطاعات، قد تكون الأرقام هي المقياس الأهم للنجاح. فعلى سبيل المثال، تحقيق الأرباح في القطاع التجاري أو تحسين نسب النمو الاقتصادي يعكس تقدمًا ملحوظًا. لكن، في قطاعات أخرى مثل التعليم، الثقافة، والرياضة، يصبح الإنسان هو المعيار الحقيقي للنجاح. فالاستثمار في تطوير الكوادر البشرية، بناء المجتمعات المستدامة، وترسيخ القيم الثقافية لا يمكن قياسه بالأرقام وحدها، بل بتأثيره المباشر على الحياة اليومية للأفراد.

إن رؤية قطر الوطنية 2030 تركز على هذا الجانب، حيث تسعى الدولة إلى بناء مجتمع متقدم لا يعتمد فقط على موارده الطبيعية، بل على استثمارها في الإنسان والبنية التحتية الاجتماعية والثقافية. وهذا يعكس فلسفة عميقة بأن النجاح ليس بما تحققه الدولة من أرباح فحسب، بل بما تخلقه من تأثير إيجابي يمتد لعقود قادمة.

لقد كان تنظيم قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022 خير مثال على هذه الرؤية. فعلى الرغم من الأرقام المبهرة التي حققتها البطولة من حيث العائدات المالية وعدد المشاهدين، إلا أن الإنجاز الحقيقي تجلى في الإرث الذي تركته هذه البطولة للعالم. لقد نجحت قطر في تغيير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين، وإظهار الوجه الحضاري والثقافي للمنطقة، وإيصال رسالة الكرم والتسامح التي تشتهر بها البلاد.

لم تكن الأرباح المادية هي الهدف الأساسي، بل كان التركيز على الترويج للثقافة القطرية، تعزيز السياحة، وتحقيق التأثير الإيجابي الذي سيمتد لسنوات طويلة. كما أن البنية التحتية التي تم تطويرها للبطولة ستظل تخدم الأجيال القادمة، مما يثبت أن الاستثمار في الإنسان والمجتمع هو الأهم.

إن المسؤولية الحقيقية لأي مسؤول تكمن في النظر إلى ما هو أبعد من الأرباح الآنية. لا يمكن لأي قرار أن يكون ناجحًا إذا تسبب في أضرار مستقبلية على الصحة العامة أو البيئة أو المجتمع. على سبيل المثال، تحقيق أرباح مالية من مشاريع صناعية قد يبدو إنجازًا، لكن إذا كانت هذه المشاريع تستهلك موارد بيئية بشكل غير مستدام، فإن تكلفتها المستقبلية ستكون باهظة على الدولة والمواطنين.

المسؤول الناجح هو من يضع تأثير قراراته على الإنسان نصب عينيه. فالاستثمار في مشاريع تعزز جودة الحياة، تحافظ على البيئة، وتحمي صحة المواطنين هو ما يخلق نجاحًا مستدامًا لا ينضب مع مرور الزمن.

من السهل في عالم اليوم إطلاق المبادرات والمشاريع، ومن السهل أن نفتح مكتباً لموسوعة غينيس للأرقام القياسية ونحطم كل يوم رقماً، لكن هذا ليس هو النجاح، وليس هو المعيار، وليس هي فلسفة الإدارة الحقيقية في رؤية قطر وإستراتيجية تنميتها الوطنية، الاستدامة والإنسان هما معيار كل شيء، وما يحقق «نجاحاً مؤقتاً» مقابل «ضرر لاحق» لا يجب أن يكون له مكان في جدول مشاريعنا وحياتنا، مهما كان المقابل «الآني» له.

إن ما نحتاجه اليوم هو قادة ومسؤولون ينظرون إلى ما وراء الأرقام، ويركزون على بناء مستقبل أفضل للأجيال القادم وهنا يأتي دور المجلس الوطني للإحصاء الذي يجب أن يكون حاضراً في التفاصيل، وأن يطلق منصة إلكترونية شفافة توضح الأداء الحقيقي لكل مؤشر مع تأثيراته على القطاعات الأخرى، فتكلفة الخطأ المادية يمكن إصلاحها، لكن التكلفة الدائمة على الإنسان والأرض لا يمكن إصلاحها، وكل محاولات ذلك، ستكلف الدولة والإنسان أكثر وأكثر.

مساحة إعلانية