رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من أبسط قواعد الإفصاح هو أن تبين الشركات تفاصيل أرباحها ومصادر تلك الأرباح بمعنى كم هي قيمة الربح المتحقق نتيجة نشاط الشركة الأساس وكم هي قيمة الربح المتحقق من نشاطات أخرى غير تشغيلية والتي لا يمكن لها أن تتكرر سنويا وما هي نسبة تلك إلى مجموع الأرباح المتحققة.
وتعرف الأرباح الناتجة عن نشاطات غير تشغيلية على أنها أرباح جاءت نتيجة عمليات ثانوية مارستها الشركة إلى جانب نشاطها الرئيس ولا تتكرر في فترات أخرى من عمر الشركة ومن هنا فإن تلك الأرباح تسمى أيضاً أرباحا استثنائية لأنها أضافت أرباحا إلى الأرباح التشغيلية الناتجة عن النشاط الرئيس للشركة مما أدى إلى ارتفاع في صافي أرباح الشركة بشكل استثنائي وغير متكرر ربما لسنوات أخرى مما أسهم في زيادة معدلات النمو والمؤشرات المالية المختلفة في الشركة وبخاصة المتعلقة بالربحية.
إن الشيء الطبيعي والصحيح هو أن يتم قياس أداء الشركة ومن مختلف النواحي على أساس الأرباح المتحققة من النشاط الرئيس للشركة على اعتبار أن النشاط الرئيس للشركة هو النشاط المتواصل والذي أسست الشركة على أساسه والمتوقع منه أن يتواصل ويتعاظم سنة بعد أخرى وعلى سبيل المثال شركة صناعية اشترت معدات رأسمالية بمعظم ما لديها من سيولة لكي تنتج منتجات مختلفة ولتزويد السوق بها وبالتالي يتوقع أن يتم تشغيل تلك المعدات لكي تنتج المنتجات المخطط لها وبيعها في السوق ومن ثم تحقيق أرباح من بيع تلك المنتجات وبالتالي فإن الأرباح المتحققة تكون هي أرباح تشغيلية ومن المفترض أن تتكرر طالما أن الشركة تواصل إنتاجها وتوسعها في السوق سنة بعد أخرى وهكذا.
وهناك أرباح غير تشغيلية أخرى وغير متكررة ومثالها أن تقوم الشركة ببيع بعض من معداتها ونتيجة ذلك قد تكون حققت ربحا فإن ذلك بطبيعة الحال سيزيد من قيمة الأرباح بشكل غير طبيعي مقارنة مع السنة السابقة وفي السنة اللاحقة قد لا تتكرر عملية بيع الأصول وبالتالي فإن الصحيح عند مقارنة أداء الشركة بين سنة وأخرى أن يتم استبعاد تلك الأرباح غير المتكررة عند احتساب مختلف المؤشرات المالية والاقتصادية والعكس صحيح وضروري أيضا.
وكذلك عندما تكون هناك شركة في بداية نشاطها وقبل ممارستها لعملها فقد يكون لديها سيولة مالية نقدية غير مستغلة حينها فإنها قد تودعها في البنوك من أجل الاستفادة من بعض الفوائد، فإن تلك أيضاً هي من الأرباح غير المتكررة لأنه وفي السنوات اللاحقة فإن الشركة ستستعمل تلك الأموال في شراء المعدات وغيره وبالتالي لا توجد فوائد بنكية دائنة وبالتالي ما قيد كأرباح نتيجة ذلك في تلك السنة لن يتكرر مره أخرى.
وكذلك عند قيام البعض بإعادة تقييم موجوداته أو بعضها فإنه قد تكون هناك أرباح ناتجة عن الفارق فيما بين القيمة الدفترية أي الشرائية والسوقية لتلك المعدات أو الأصول مما قد يرفع من قيمة الأرباح المتحققة بشكل استثنائي في سنة إعادة التقييم فقط.
إن مبدأ الإفصاح والشفافية تتطلب التوضيح الكامل عن مصادر الربح وهل هو متكرر أم لا لكي يستطيع المستثمرون وقارئو البيانات المالية من التعرف الأكثر دقة على أوضاع الشركة ومدى ديمومة أرباحها ونموها نتيجة نشاطها التشغيلي الرئيس وليس غير المتكرر لأن في عدم إظهار ذلك وبوضوح تام قد يؤثر بشكل كبير وجوهري على قرارات المستثمرين عند تقييمهم ومقارنتهم لأوضاع الشركة أو عند تقييمهم لسعر سهم معين أو حتى الاستثمار في تلك الشركة من عدمه.
وبالنتيجة فإن علينا جميعا التمحيص جيدا في مصادر أرباح أي شركة والارتكاز على الأرباح الناتجة عن النشاط التشغيلي الرئيس للشركة وليس على الأرباح غير التشغيلية وغير المتكررة واستبعادها عند المقارنة مع فترات مالية سابقة أو عند التنبؤات بالأرباح المستقبلية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
3117
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2742
| 25 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2385
| 22 سبتمبر 2025