رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التاريخ لا يروي لنا حكايات الماضي فحسب، بل يقدم لنا مرايا عاكسة نرى فيها ملامح المستقبل. لقد شهدت البشرية تحولات جذرية أعادت تشكيل مسارها، لكن كل تحول منها حمل طابعاً مختلفاً. فالثورة الصناعية التي انطلقت شرارتها في القرن الثامن عشر، غيّرت بشكل جذري علاقة الإنسان بالآلة، وحوّلته من كائن يعتمد على قوته الجسدية إلى سيد للطاقة الميكانيكية. لقد زادت هذه الثورة من قوته العضلية آلاف المرات، ومكنته من تشييد الصروح العملاقة وقطع المسافات الشاسعة، لكنها مع هذا كله لم تمس جوهر عقله أو تنازعه سيادته على عملية التفكير والإبداع.
ومع بزوغ فجر الثورة الرقمية، جاء اختراع الحاسوب ثم الإنترنت ليشكلا نقلة نوعية أخرى. هذان الاختراعان غيَّرَا مفهوم الزمان والمكان بشكل لم يسبق له مثيل، واختصرا المسافات، وسهّلا تدفق المعلومات بشكل غير مسبوق. لكنهما مع ذلك لم يسلبا الإنسان دوره الأساسي كفاعل معرفي وصانع للمعنى. لقد بقيت الآلة أداة طيعة في يد العقل البشري، تخضع لسيطرته وتنفذ أوامره.
أما الذكاء الاصطناعي، فإنه يمثل تحولاً مختلفاً جذرياً. فخطورته لا تكمن في كونه مجرد أداة مساعدة، بل في كونه يتجه ليحل محل العقل نفسه. بكلمات أخرى: إذا كانت الآلات السابقة قد ساعدت الإنسان على العمل أسرع وأقوى، فإن الآلات الذكية تسعى لأن تفكر بدلاً منه، بل وربما بطريقة لا يستطيع هو فهمها أو توقعها. هذه النقلة النوعية هي ما يجعل «الانفجار الذكي» مختلفاً عن كل ما سبقه من تحولات؛ فهو لا يغير الوسائل فحسب، بل يعيد صياغة الفاعل ذاته، ويطرح أسئلة وجودية حول مكانة الإنسان في عالم تتفوق فيه الآلات على خالقها في مجالات متزايدة.
لطالما كان الأدب والسينما مختبراً مبكراً لتجسيد هذه المخاوف الوجودية. من فيلم «2001: A Space Odyssey» الذي صور صراع الإنسان مع الحاسوب HAL 9000 المتعطش للسلطة، إلى فيلم «Ex Machina» الذي استكشف تجربة وعي الآلة وحدود السيطرة البشرية، وصولًا إلى فيلم «Her» الذي صور انحلال الحدود بين الإنسان والنظام الذكي في علاقة عاطفية معقدة. هذه الأعمال التي كانت تبدو ضرباً من الخيال العلمي قبل عقود، أصبحت اليوم قريبة من الواقع بدرجة مقلقة. الفارق الوحيد أننا لم نعد نناقشها كقصص فنية تهدف إلى التسلية، بل كاحتمالات عملية تطرحها تقارير بحثية جادة وسياسات حكومية وخطط إستراتيجية للشركات التقنية الكبرى. وهكذا، يتحول الخيال العلمي من نافذة للتسلية إلى مرآة عاكسة لأسئلة المستقبل المصيرية التي تواجه البشرية.
في مواجهة هذا المشهد المتشابك والمعقد، تتزايد الدعوات إلى وضع أطر حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي. فقد خطا الاتحاد الأوروبي خطوة مبكرة عبر قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يعد أول إطار قانوني شامل يهدف إلى تنظيم هذه التكنولوجيا، واضعًا معايير واضحة تميز بين التطبيقات «عالية المخاطر» وتلك الأقل خطورة. وعلى الصعيد العالمي، بدأت الأمم المتحدة مناقشات جادة حول إمكانية صياغة «معاهدة للذكاء الاصطناعي» شبيهة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، على أساس أن المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي لا تقتصر على دولة أو شركة واحدة بل تمس مصير الإنسانية جمعاء.
ثمة مراكز أبحاث مستقلة مثل «معهد مستقبل الإنسانية» في أكسفورد و»معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» و»مؤسسة أبحاث الذكاء الاصطناعي» في كاليفورنيا، دعت منذ سنوات إلى ضرورة بناء أطر أخلاقية وقانونية ملزمة تسبق التطور التقني. الهدف من هذه الجهود ليس وقف التطور أو عجلة الابتكار، فهذا أمر مستحيل وغير مرغوب فيه، بل توجيه مسار هذا التطور بحيث يعظم الفوائد ويقلل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. وفي غياب مثل هذه الحوكمة الفعالة، قد نجد أنفسنا في مواجهة مستقبل قاتم تتخذ فيه الآلات قرارات مصيرية تتعلق بحياة البشر ومصيرهم دون رقيب أو حسيب، في سيناريو يشبه تلك الأفلام التي كنا نشاهدها كمادة للترفيه لنكتشف أنها أصبحت واقعاً نعيشه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• متخصص بالسياسة السيبرانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1131
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
945
| 16 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
705
| 22 ديسمبر 2025