رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أثنى الرئيس الأمريكي جو بايدن على دور الجهود القطرية والمصرية التي أسهمت في التوصل إلى نجاح عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، مؤكدا أن الجهود لا تزال متواصلة والاتصالات لا تزال قائمة بغية التوصل الى اختراق ثان يمكن من تحرير المزيد من الرهائن ويوقف آلة الحرب التي دمرت كل شيء، في نفس الوقت أبدت حركة المقاومة الاسلامية تجاوبا مع مساعي التهدئة من أجل زيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى مقابل هدنة أطول وهو ما نقلته إحدى الوكالات الفرنسية للأنباء من مصدر مقرب من قياديي الحركة .
في مقال نشرته في الأسبوع الأول من بداية الأحداث تحت عنوان «هل تنجح قطر في تحقيق اختراق يدفع الى التهدئة ؟» كنت قد أشرت الى أن الإدارة الأمريكية تعول على الدور القطري في أزمة الرهان الأمريكيين المتواجدين في غزة بالنظر إلى علاقتها الوطيدة مع قيادات حركة حماس التي تستضيفها على أراضيها، وسلطت الضوء عن الرصيد الدبلوماسي لقطر والتي نجحت في العديد من المرات في دور الوساطة في العديد من الملفات، منها ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط وما يتعلق بملفات أفريقية، وفي الأمس القريب عاد الفضل للدوحة في التوصل الى هدنة 4 أيام تحصلت فيها غزة على جرعة من المسكنات من خلال السماح لشاحنات الوقود والمساعدات الطبية والغدائية بالدخول.
عزز الدور القطري قطر في صفقة التبادل بين واشنطن وطهران ومؤخرا في حرب غزة صفقة تبادل الأسرى، مكانة الدولة الخليجية كشريك مفضل للادارة الأمريكية وهو ما سيمكن الدوحة من لعب ورقة ضغط قوية تسمح بقطع الطريق أمام مسألة إنهاء حكم حماس بالقوة في المقابل ستضطر قطر الى اقناع حلفائها في غزة بتقديم كل الضمانات الممكنة من أجل التوصل الى هدنة طويلة المدى وهو الأمر الذي سيصل بعد مفاوضات ينتظر منها أن تكون شاقة ومعقدة الى انهاء الصراع بعد شهرين من القتال الدموي والذي خلف خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الطويل.
في نفس الوقت تلعب مصر دوراً متوازناً في إدارة العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالاضافة لما يمليه البعد العربي الاسلامي من واجبات نحو القضية الفلسطينية فهي تفعل ذلك حفاظا عن أمنها القومي لما يشكله التصعيد من تأثير مباشر عليها بالنظر للقرب الجغرافي، ولا يقتصر الدور المصري على الجهود الدبلوماسية بل يتعدى الى الدور الفني من خلال التنسيق مع مختلف الأطراف والهيئات الأممية من أجل ضمان وصول المساعدات وترتيب حركة الأشخاص من والى غزة في زمن السلم والحرب وهو دور في بالغ الأهمية ويكسب مصر ثقلا لا يقل عن ثقل قطر بالنسبة للإدارة الأمريكية، ولا يستبعد أن تأخذ القاهرة زمام المبادرة والترتيب لعملية اعمار قطاع غزة ما بعد الحرب وقد تستضيف مؤتمرا اقليميا من أجل ذلك .
حصلت قطر ومصر على اشادة واسعة بعد جهودهما التي أفضت الى تحقيق أول مؤشر ايجابي منذ اندلاع الحرب وتخطتا التعقيدات الشكلية التي كانت ستؤدي الى نسف الهدنة في الربع ساعة الأخير من التفاهمات، وبفضل الانفراجة الأخيرة تعبد الطريق نحو إمكانية استكمال مسار التفاوض الذي سيفضي الى صفقة تبادل جديدة أو ربما الى هدنة أطول قد تكون اعلانا لنهاية الحرب، وبهذا النجاح تمكنت الادارة الأمريكية من تخفيف الانتقادات المتصاعدة التي حملتها مسؤولية الفشل في بعث عملية السلام والذي ترتب عنه المزيد من التوتر في الشرق الأوسط، الأهم قبل كل شيء ان سكان غزة قد تحصلوا على استراحة قصيرة وتمكنوا من استعادة انفاسهم بعد أن دخلت الحرب منعرجا خطيرا مع نفاد الدواء والغذاء والوقود.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1587
| 26 سبتمبر 2025