رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حصة لفهيدة

مساحة إعلانية

مقالات

510

حصة لفهيدة

النصر يولد من الداخل

22 أغسطس 2025 , 01:53ص

النصر ليس حدثاً عابراً يُكتب في سجلات التاريخ، ولا هو مجرد صراع ينتهي بغلبة جيش على آخر؛ بل هو في حقيقته شعلة تضيء أولاً في أعماق النفوس. فالأمة لا تنتصر ما لم ينتصر أفرادها على أنفسهم أولاً وعلى أهوائهم وشهواتهم، على الغرور والنفاق وعلى الأنا في النفوس.

والنصر مشروط بصلاح الباطن قبل ظاهر القوة، بدليل قوله تعالى:  «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم»  [محمد: 7] 

فالنصر هنا يبدأ من نصرة الله تعالى في القلب، ثم تأتي من بعد ذلك معية الله تعالى بالنصر والتمكين.

وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم [الرعد: 11] 

وهذا النص واضح على أن أي تغيير خارجي، سواء كان عزاً أو هزيمة، مرهون بالتغيير الداخلي في النفوس. 

وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن المجاهد الحق هو من بدأ جهاده من داخله فقال: « المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله عز وجل «.

ولعل من أعظم الدروس ما وقع في غزوة حنين، حين اغتر المسلمون بكثرتهم، فكان الدرس قاسياً، قال تعالى: «وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيا  [التوبة: 25]

لم تنفعهم كثرتهم، حتى عادوا إلى الله تعالى بقلوب خاشعة، فنزلت السكينة وعاد النصر. وهنا نفهم أن الكثرة بلا إيمان بأن النصر من عند الله تعالى، قد تتحول إلى عبء بدل أن تكون قوة.

التاريخ الإسلامي يثبت كل نصر عظيم سبقته نهضة داخلية، ففي غزوة بدر كان الإيمان أقوى من قلة العدد، وحين وحَد صلاح الدين صفوف الأمة، وحرَر القلوب من فرقتها، كان الطريق ممهداً لتحرير القدس وعلى الضد، كل هزيمة مُرَة سُبقت بالانتصار لهوى النفس؛ كما حدث في ضياع الأندلس، حيث سبق الهزيمة العسكرية انهيار داخلي في القيم والمبادئ.

إنها معركة مستمرة في داخل كل واحد منا، فإذا غلبنا أنفسنا انتصرنا، وإذا استسلمنا لأهوائنا انهزمنا، مهما علت أصواتنا وارتفعت شعاراتنا.

فليكن أول ميدان نخوضه هو ميدان القلب، وأول عدو نغلبه هو هوى النفس، عندها فقط يولد النصر من الداخل، فيثمر نصراً خارجيا ملموساً يصنع للأمة مجدها وعزتها.

مساحة إعلانية