رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا أريد الحديث عن الديمقراطية بوصفها نمطا من أنماط الحكم السائد في العالم حاليا، فقد تحدثت عنها في كتاب مطبوع، ولكن مقالي سيتناول الحديث عن ديمقراطية العرب وكذلك ديمقراطية بعض حكامهم، ولعل الانتخابات (الديمقراطية!!) التي تجري حاليا في مصر وسوريا والعراق تلقي ضوءا كبيرا على طبيعة تلك الديمقراطية التي سأخصص لها مقالي هذا.
في مصر جرت انتخابات شهد لها القوم (داخليا وخارجيا) بالنزاهة، وفاز فيها الدكتور (مرسي)، ولأن قوى داخلية وخارجية لم تكن راضية عن منهجه، فقد تحالفت على إسقاطه - شخصيا لم أكن راضيا عن أدائه وقد كتبت ذلك وهو على سدة الحكم - وقد استطاعت تلك القوى تحقيق غايتها، وادعت أن حكومة مرسي لم تكن ديمقراطية، لأنها تناست فئة من الشعب، وضربوا عرضا بكل القواعد الديمقراطية التي تعارف عليها الديمقراطيون كافة، والمؤكد أنهم إنما قالوا ذلك لأن الديمقراطية لم تأت بهم أو بمن يريدون.
دعاة الثورة في مصر لم يكونوا أفضل حالا ممن ثاروا عليه؛ انتشر القتل والسجن، كما تم تقييد الحريات بشكل كبير، كما أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءا، وبدأت مصر تعاني من بعض الأعمال الإرهابية، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية جاءت الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبدعوى أن الديمقراطية تتطلب هذه الانتخابات - ولست أدري عن أي نوع من الديمقراطية يتحدثون؟!! - كما لست أدري كيف ستتم هذه الانتخابات ومن سيثق بنتائجها في ظل الأوضاع الداخلية المتردية؟! المهم أن هذه الانتخابات ستتم، والمهم - أيضا - عند الفائز أن يصمت الشعب تماما عما سيفعل حتى وإن كانت ديمقراطيته الموعودة ستأتي بعد ربع قرن!! خاصة أن الدولة تتعرض لحرب إرهابية وهذا يتطلب من الشعب الصبر والتضحية مهما حدث لهم!!
والسؤال: من المستفيد من هذا النوع من الديمقراطية.. الشعب أم الحاكم؟!
وفي العراق انتخابات، وفيها ديمقراطية - كما يقول المالكي، والمالكي، كما هو معروف، حكم فترتين متتاليتين، وكانت من أسوأ الفترات في تاريخ العراق الحديث، ورغم أن المالكي كان هو الحاكم الأوحد، لأن كل السلطات كانت بيده إلا أنه كان فاشلا وعنصريا بامتياز، كما كان تابعا للخارج بامتياز!! هذا الرجل يريد أن يحكم العراق لفترة ثالثة، ولأنه يدرك حجم الجرائم التي ارتكبها، ولأنه يخشى من العقاب، فقد بذل - وما زال يبذل - كل شيء، حتى العمالة المفضوحة للخارج، كي يفوز في الانتخابات التي يدعي أنها ستكون ديمقراطية بامتياز!!
فزاعة محاربة الإرهاب كانت من ضمن برنامج المالكي، وهذه الفزاعة استخدمها كلّ مدعي الديمقراطية، ومع أن معظم العراقيين وغيرهم يعرفون أن المالكي لا يحارب الإرهاب، بل يحميه أحيانا، ويعرفون أيضا أنه يحارب أتباع المذهب السني ويقتل أتباعه، إلا أنه ولكي يحمي نفسه ويحقق مصالحه الشخصية، لجأ إلى الانتخابات بالرغم مما يجري من أحداث دامية تصبح معها الانتخابات شبه مستحيلة، إلا أنه أصر عليها حماية لنفسه وتحقيقا لمصالح من يحميه وكذلك المستفيدين من وجوده!!
والسؤال مرة ثانية: من المستفيد من هذه الانتخابات، الشعب العراقي أم الحاكم فقط؟!!
وثالث هذه المهازل الانتخابية مهزلة الانتخابات في سوريا، فبشار الأسد الذي حكم والده عشرات السنين، وقتل من السوريين عشرات الآلاف، ثم جاء حاكما بعيدا عن الديمقراطية، جاء هذه الأيام ليتحدث عن الديمقراطية وعن الانتخابات، لأنه يعرف أنه سيفوز في مهزلة الانتخابات، ويتوقع أن فوزه سيبعد حبل المشنقة عن رقبته، وقد يبعد عنه شبح الإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل عشرات الآلاف من السوريين!!
بشار الأسد - الباحث عن الديمقراطية - هدم مدنا على رؤوس ساكنيها، وقتل الآلاف بالأسلحة الكيماوية، وشرد الملايين من السوريين، ومع هذا فهو يتحدث عن انتخابات ديمقراطية نزيهة يصل فيها إلى الحكم ليدعي أن الشعب لا يزال متعلقا به وأن كل دعاوى الثوار كاذبة!! ولست أدري هل بلغ به الغباء إلى درجة أن يعتقد أن أحدا سيصدقه؟!
الأسد لا يبحث عن الديمقراطية ولا يهمه الشعب السوري كله، وإنما كل ما يريد أن يبقى حاكما مهما كان الثمن!! أصبح تابعا ذليلا للخارج، وقدم لإسرائيل وأمريكا كل ما تريدان كي تصمتا على جرائمه، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير!! ومع أن بشار الأسد تبنى (داعش) إلا أنه يدعي محاربتها ومحاربة الإرهاب!! إنه مثل سابقيه يمتطي فزاعة محاربة الإرهاب كي يحظى بعطف الغرب والأمريكان والإسرائيليين، وقد تحقق له شيء من ذلك كما قلت.
أعتقد أن المرشحين الثلاثة سيفوزون في الانتخابات الديمقراطية!! فالتنازلات التي قدموها، سواء لإسرائيل أو الأمريكان أو غيرهم تؤهلهم لذلك، ولكنهم سينجحون بطرق ديمقراطية وسيقمعون شعوبهم أو يقتلونهم، وبطرق ديمقراطية أيضا.
يقال: إن الإعلان عن الذمة المالية للحاكم من أولويات الديمقراطيات الحديثة، فهل سيعلن هؤلاء عن ذممهم المالية أم أنهم فوق الشبهات، وأن الشعوب تثق بهم ولا تريد أن تحرجهم؟!! ولكن: هل سيجرؤ أحد من أبناء الشعوب الديمقراطية أن يطلب منهم ذلك؟!!
مجموعة من الحكام الذين يتحدثون عن الديمقراطية أحيانا يقولون إن شعوبهم ليست مؤهلة للديمقراطية ولهذا يجب أن تُحكم بالدكتاتورية!! والغالبية العظمى من الليبراليين العرب الذين صدّعوا رؤوسنا بالمطالبة بالديمقراطية هم أول من يرفضها ويحاربها إذا لم تأت بهم حكاما!! هم يريدون ديمقراطية تأتي على مقاساتهم وإلا فلا!! والضحية هي الشعوب التي تصدق هؤلاء أو تصدق أكاذيبهم.
الديمقراطية العربية مجهزة على مقاسات الحكام؛ يستخدمونها متى شاءوا وينبذونها متى شاءوا أيضا، أما الشعوب فعليها أن تستمتع بالحديث عنها، وستبقى كذلك حتى تتضح لها تلك اللعبة وتتخذ مواقف تصب في صالحها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2322
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1206
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025