رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تسارعت وتيرة الأحداث في الأيام الماضية لدرجة آلت إلى جعل المواطن العربي لا يستطيع تفسير بعضها إن لم يكن مجملها. البداية كانت مع زيارة تاريخية — كما أطلق عليها الإعلام العربي — لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز لمصر الحبيبة ومكوثه أياماً معدودة بها ليلتقي كافة المفكرين وأطياف المجتمع السياسي والمدني والديني والعسكري. ربما هلّل الكثير وطبّل في بداية الحديث عن تلك الزيارة التي أتت من وجهة نظري لاحتواء المواقف المصرية في الفترة الماضية التي ربما ابتعدت بشكل غير متوقع عن مجريات الأحداث في العالم العربي والتصرف دون الرجوع إلى الصف الخليجي خاصة في الموقف السوري — الروسي. سلمان الحازم أثبت في زيارته لكافة أطياف المجتمع المصري أنه يقدّر الشعب المصري ويثني عليه ذاكراً أن والده الملك عبد العزيز قد زار مصر مرتين الأولى كانت في الفيوم للقاء تشرشل والثانية جمعت والده مع الملك فاروق رحمهما الله. وتخصيص وقت في زيارة الملك سلمان لزيارة الأزهر الشريف مفاده إجلاله للدين ولعلمائه ودعم كبير للأزهر وجهوده على المستوى العالمي والعربي والمحلي، إضافة إلى جلسات جمعته بالمستثمرين والمفكرين وأعضاء مجلس النواب المصري، (ربما) أعود وأكرر (ربما) للبحث عن الحليف المثالي للمملكة الذي يلتزم بقراراته ومعاهداته ويقنن خطاباته!! المملكة كشفت عن جسر بري يربط السعودية بشقيقتها مصر واقترح السيسي تسميته باسم الملك سلمان بن عبد العزيز — حفظه الله — إلا أن هذا الجسر وفرحة الستين مليار ريال حجم الصفقات والاستثمارات التي أبرمتها السعودية مع مصر لم تدم طويلا! وذلك بسبب توقيع الجانبين المصري والسعودي اتفاقاً بنقل السيادة على جزيرة تيران التي تبعد ثمانية كيلو مترات عن شرم الشيخ وجزيرة صنافير، من مصر إلى السعودية فاحتدم الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية والاجتماعية المصرية وخرجت جموع من الشعب المصري محتجة على سياسات السيسي ورافضة التنازل عن الأراضي المصرية للسعودية معتقدة أن هذا التنازل جاء مقابلاً للاستثمارات السعودية في مصر بينما يرى عادل الجبير وزير الخارجية السعودي أن استعادة الجزيرتين هو حق المملكة العربية السعودية وترسيم حدودها البحرية مع كافة أشقاء المملكة أمر مهم لكلا الطرفين. السعودية بقيادة ملكها الحازم الفذ أثبتت للعالم أجمع أنها نشطة دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً فتحالفها الإسلامي قادر على ردع أي خطر تجاه المملكة وما تضمه من مقدسات إسلامية تهتز لها أفئدة ما يقارب الملياري مسلم.
وقفة ثانية، مع القمة الإسلامية التي استضافتها إسطنبول التركية قمة أثبت للجميع حكمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أدار القمة بحنكة عالية بحضور قارب الــ 33 دولة. استطاع الرئيس التركي أن يفنّد الشائعات التي سربتها بعض الأجهزة ضده محاولةً زعزعة أمن واستقرار تركيا متوهمة بانها تستطيع أن تستأسد بالبعض الآخر على تركيا وهؤلاء يصدق عليهم قول الشاعر:
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
تركيا تنتهج نهجاً واضحاً لا تخشى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى الأمر الذي جعل المملكة العربية السعودية تدعم المواقف التركية تجاه الإرهاب الموجّه ضد المنطقة ووأد الفتنة الطائفية التي تسعى إيران إلى إشعالها في المنطقة خاصة في دول الخليج، فطهران لا تكتفي بدس الشائعات والفتن بل بلغ الأمر درجة التسليح وإرسال الجنود الإيرانيين إلى كلٍّ من اليمن ولبنان. القمة الإسلامية أتت قاسية على إيران وطالبتها صراحة بعدم التدخل في الشؤون العربية واحترام سيادة الدول، قرارات أدت إلى تسارع خطوات روحاني نحو طائرته ليعود إلى وطنه دون أن يصدق الحاضرون تبريراته المضحكة. ولقد حرصت القيادة الحكيمة في قطر منذ سنوات على تعزيز الدور التركي في المنطقة واعطاء تركيا دوراً أكبر كدولة مسلمة وهو ما تجلى في القمة الأخيرة فدبلوماسية قطر كانت واضحة منذ سنوات من خلال تأكيدها على أن الرئيس أردوغان يهتم بشؤون المسلمين كافة ويدعو دائما إلى تأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.
وقفة أخرى، مع تقبيل لاجئين سوريين من — رجال ونساء وأطفال — يد بابا الفاتيكان والصدمة الكبرى عندما جثت طفلة عند قدمي البابا لتقبّل قدميه أملاً في تسهيل لجوء أسرتها إلى إيطاليا. إنها رسالة مفادها بان القيم الإنسانية وكرامة الإنسان منسية إن لم تكن محرّمة على العرب بسبب النظرة العنصرية من قِبَل البعض في الغرب وأكررها مراراً وتكراراً "البعض" فالشمول لا يمكن أن يكون إلا بسؤال الجميع وهو أمر يحتاج إلى خطوات من التدقيق والتجارب. ولكن يبقى التساؤل هل مات الوازع الديني عند الكبار والصغار؟! إن كان الجواب بنعم فهذا يدل على خذلاننا لأهلنا في سوريا، وتخاذل الأمم المتحدة ودعم روسيا لبشار فهو الأسد الحامي لعرين إسرائيل! أي عدل نتحدث عنه وكافة أنواع التعذيب والتنكيل والتهجير تستخدم في حق هذا الشعب؟! أي كرامة لنا كعرب ونحن نرى أطفالنا يقبلون يد البابا وقدميه عله يرأف بحالهم ويمنحهم حق اللجوء أو تأشيرة دخول لبلدٍ ما تتبعها فاتورة ثقيلة قد تؤول إلى المساس بالدين والعقيدة؟ أي مستقبل نتحدث عنه ونحن نسمع ونشاهد كل يوم رجالاً يُقتلون وأطفالاً يصرخون وأمهات ثكالى وشباباً معتقلين وآخرين منسيين ومراكب تغرق، وبشار يستقبل ويضحك؟ لقد عشنا سنوات ونحن نتهم هتلر بأنه عذّب وارتكب مجازر في حق اليهود دفعت ألمانيا ثمن ذلك باهظاً، وها نحن اليوم نشاهد هتلر العصر يرتكب أبشع المجازر في حق السوريين فهو ينتهك الحرمات ويسفك الدماء وييتم الأطفال، يفعل كل ذلك دون حساب أو حتى استنكار، قطر وتركيا والسعودية لجأت إلى الحوار مع الطاغية ولكن باءت محاولاتها بالفشل لأن الحديث والتفاوض مع إرهابي خان شعبه ووطنه لن يجدي نفعاً ولا أمل في نجاحه.
ولكن يبقى سؤال واحد للمتخاذلين عن دعم سوريا والسوريين. ما هو شعورك إذا رأيت ابنتك تقبّل قدمي البابا؟
الجواب عند القارئ!
تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع
لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد
81
| 24 أكتوبر 2025
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد
75
| 24 أكتوبر 2025
لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح
في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد
27
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4890
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3657
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في دولة قطر، الخاص بمكافحة المنشطات في المجال الرياضي، تحولًا مفصليًا في مسار التشريع الرياضي العربي. فالقانون لا يقتصر على تحديد المخالفات والعقوبات، بل يؤسس لفلسفة جديدة قوامها الإنسان، بوصفه غاية الرياضة قبل أن يكون وسيلة للإنجاز. هذا التوجه التشريعي يعكس نضجًا مؤسساتيًا يربط بين الطب والقانون والأخلاق، في محاولة لصياغة مفهوم حديث للنزاهة الرياضية داخل بيئة تتسارع فيها التطورات العلمية والتقنيات الطبية. على الصعيد العلمي والطبي، يُدرك المشرّع أن قضية المنشطات ليست مجرد مخالفة قانونية، بل قضية صحة عامة تمس توازن الجسد الإنساني. فالمواد المحظورة، مهما كان أثرها في تحسين الأداء، تُحدث اضطرابًا فسيولوجيًا وتشوه المسار الطبيعي للقدرة البدنية. ومن ثم، فإن تشجيع الرياضي على الاعتماد على جسده لا على العقار يُعبّر عن احترام للعلم في جوهره، لأن الطب وعلوم الحياة وُجدت لفهم الطبيعة البشرية وصونها لا لتجاوزها. وهكذا يرسخ القانون مفهوم "الطب الأخلاقي” الذي يوازن بين العلاج والحماية من الانحراف الدوائي. وإذا كان الجانب العلمي قد كشف خطورة المنشطات على الجسد، فإن الجانب القانوني يسعى لضبط مسؤوليات المنظومة بأكملها. فالقانون ينقل عبء المسؤولية من الفرد الرياضي إلى الهيئات والمدربين والمختبرات والإدارات التنظيمية. وهذا تطور مهم، لأن التجارب العالمية أثبتت أن الرياضي ليس دائمًا الجاني، بل قد يكون ضحية نظام يضغط نحو الفوز بأي ثمن. لذلك يتبنى التشريع القطري فلسفة المسؤولية المشتركة، فيتحول من أداة عقاب إلى نموذج إصلاحي متوازن يعزز الشفافية داخل المنظومة الرياضية. أما في البعد الأخلاقي والفلسفي، فيفتح القانون نقاشًا عميقًا حول معنى العدالة في الرياضة: هل العدالة مساواة شكلية أمام القانون أم حماية لجوهر الجهد الإنساني الطبيعي؟ الإجابة تميل إلى الثانية، إذ ينحاز التشريع إلى الفطرة الرياضية وإلى التنافس النزيه الذي يستمد شرعيته من الإرادة لا من الكيمياء. إن هذه الرؤية لا تُعلي من شأن العقوبة بقدر ما تُعلي من شأن القيمة، وتضع الرياضة في سياقها الأسمى: تهذيب الجسد والروح معًا. ومع ذلك، يظل التنفيذ هو التحدي الحقيقي، فمكافحة المنشطات ليست معركة قوانين بل معركة وعي وثقافة. ومن دون إدماج هذه المبادئ في المناهج التربوية والأكاديميات الرياضية، سيبقى القانون نصًا بلا روح. آخر الكلام: إن تجربة قطر تُجسد فهمًا عميقًا للرياضة كقيمة إنسانية وثقافية لا كصناعة للألقاب، وتؤسس لمرحلة عربية جديدة تجعل من الأخلاق الرياضية جزءًا من الأمن الصحي الوطني. وهكذا يصبح القانون رقم (24) لسنة 2025 أكثر من تشريع؛ إنه إعلان فلسفي عن هوية رياضية جديدة قوامها المعرفة، والإنصاف، واحترام الجسد الإنساني كأسمى معمل للطاقة والإبداع.
2751
| 21 أكتوبر 2025