رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
28 سنة مرت على تاريخ تأسيس اتحاد المغرب العربي بمدينة مراكش المغربية، سنة 1989، اتحاد أرادت من خلاله شعوب ودول المنطقة الخمس تنمية وتطوير التعاون الإقليمي ومواجهة أوروبا الشريك الرئيسي لبلدان المغرب العربي، وكذلك التكتلات الجهوية والإقليمية والدولية. إلا أن هذه السنوات الطوال بعد التأسيس بقيت «سنوات عجاف»، ولم يكتب للحلم أن يتحقق نتيجة اعتبارات عدة، وبقي في أدراج البيروقراطية والخلافات والنزاعات الأيديولوجية وكذلك نقص الرؤية وإستراتيجية العمل المشترك. فجمدت مؤسسات الاتحاد، كما لم تعقد أي قمة على مستوى رؤساء الدول منذ قمة تونس عام 1994.
في السابع عشر من فبراير 1989 أعلن زعماء دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا في مدينة مراكش المغربية قيام اتحاد المغرب العربي، ونصت معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي على توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض، وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها، والمساهمة في الحفاظ على السلام القائم على العدل والإنصاف، كما نصت المعاهدة على انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيًا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها. وأشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة تهدف إلى تحقيق الوفاق والوئام والتفاهم بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون سياسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار وصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، وتحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصًا من خلال إنشاء مشاريع مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية تحقق التكامل بين الدول الخمس.
بقيت الأهداف حبرًا على ورق رغم تزايد الحاجة إليه في عالم تحكمه التكتلات السياسية والجغرافية والاقتصادية. فمؤسسات الاتحاد التي تم تجميدها بقرار من المغرب احتجاجًا على السياسة الجزائرية المناوئة لمصالحه (الصحراء الغربية) لم تفعل حتى الآن.
تبلغ مساحة دول اتحاد المغرب العربي مجتمعة حوالي 5.782.140 كلم² وتشكل ما نسبته 42% من مساحة الوطن العربي، وتشكل مساحة الجزائر وحدها ما نسبته 41% من مساحة الاتحاد، ويبلغ طول الشريط الساحلي حوالي 6505 كلم، أي 28% من سواحل الوطن العربي بأكمله. ويصل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول اتحاد المغرب العربي إلى نحو 400 مليار دولار أمريكي بأسعار السوق الجارية، وهو ما يعادل 32% من إجمالي الناتج المحلي للوطن العربي تقريبًا، ويشكل الناتج المحلي للجزائر ما نسبته 43% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد، في حين لا يتعدى نصيب موريتانيا 1.3%. ويصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد إلى 4865 دولارًا في السنة، ويتفاوت هذا الرقم بين أعضاء الاتحاد، إذ يصل نصيب الفرد في ليبيا إلى 8900 دولار في السنة، في حين لا يتعدى نصيب الموريتاني 2000 دولار في السنة، لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية إلا 2% من قيمة معاملاتها الخارجية وهذا تناقض صارخ لدول يجمعها اتحاد، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو بلدان أمريكا اللاتينية. ويعود فشل تحقيق أهداف اتحاد المغربي العربي إلى عدة أسباب يتعلق بعضها بطبيعة الاقتصاد لكل بلد، وبعضها الآخر بالأيديولوجيا والثقافة وبعضها الآخر بالتاريخ والمؤسسات الموجودة.. فلا يوجد تماثل بين دول المغرب العربي اقتصاديًا، بل توجد اختلافات جوهرية؛ فالجزائر وليبيا مثلًا تشتركان في اعتماد اقتصادهما على تصدير المحروقات من نفط وغاز الذي تتجاوز نسبته من التصدير الإجمالي الــ 90%، أما المغرب وتونس وموريتانيا فيعتمدون أساسًا على قطاعات الفلاحة والصناعة وبخاصة الخدمات التي ترتكز على السياحة، وتعيش هذه البلدان، تونس والمغرب بالأساس، تنافسًا شديدًا فيما بينها، فهي تعتمد في مبادلاتها التجارية على السوق الأوروبية، حيث نجد تنافسًا كبيرًا بين المغرب وتونس في قطاع السياحة وتصدير الفوسفات والمنتج الفلاحي والأنسجة.
ويعتبر مشكل الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب من الأسباب الرئيسية لفشل هذا الاتحاد، وكان لتخلي إسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تحصل على الدعم من الجزائر قد جعل من قضية الصحراء الغربية من أهم أسباب عدم الاستقرار في العلاقات المغاربية عامة والعلاقات المغربية - الجزائرية خاصة، وأن إحاطة الإقليم بأقطار لكل منها مشاكله مع الآخر قد عقّد المشكلة وجعل منها منطقة تنازع بين كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
كما يتميز اتحاد المغرب العربي بتعدد معوقاته المؤسساتية الناجمة عن الطبيعة المتخلفة للمعاهدة المؤسسة له مما جعله عرضة لأي خلاف سياسي بين الدول الأعضاء، خاصة فيما يتعلق بمبدأ الإجماع لتمرير أي قرار، فأحكام معاهدة مراكش تشترط موافقة وتوقيع كل الدول الأعضاء لتنفيذ أي اتفاقية تم التوقيع عليها، هذه الآلية عطلت وتعطل العمل المغاربي المشترك، فمن بين 37 اتفاقية وُقعت في إطار اتحاد المغرب العربي صادقت الجزائر على 29 وصادقت تونس على 27 وصادقت ليبيا على أقل من ذلك، في حين لم يصادق المغرب إلا على خمس اتفاقيات فقط، وعليه لم تدخل حيز التنفيذ إلا تلك الاتفاقيات الخمس، ولذا تقترح دول مثل الجزائر تعديل هذه الآلية بطريقة تسمح بتنفيذ الاتفاقيات بمجرد تصديق غالبية الدول عليها، وقد درس الوزراء في اجتماعهم في مارس 2001 في الجزائر اقتراح تعديل المعاهدة المؤسسة واستبدال مبدأ الأغلبية في اتخاذ القرارات بقاعدة الإجماع، ولكن هذه القضية أحيلت إلى لجنة فنية للبحث فيها في انتظار انعقاد قمة مغاربية.
إن تحقيق اتحاد المغرب العربي هو أقصر الطرق لمواجهة هذه التحديات. إذن لماذا المماطلة؟
بعض “الخبراء” يؤكدون أن تحقيق الوحدة الاقتصادية للمغرب العربي يقوم على حل المشاكل السياسية العالقة بين الدول الأعضاء، خاصة قضية الصحراء الغربية التي تشكل المعوق الرئيسي لأي بناء مغاربي. إن التضامن في مواجهة التحديات الاقتصادية في كل بلد من شأنه أن يؤدي حتما إلى تسوية النزاعات السياسية.
عادة المصالح الاقتصادية المشتركة تساعد في "حلحلة" الخلافات السياسية. ومن الأمثلة على التكامل الاقتصادي الإقليمي في العالم، وليس أقلها أهمية هو الاتحاد الأوروبي الذي شهد في بدايته صراعا حادا ومشاكل كبيرة بين ألمانيا وفرنسا، لكن في النهاية سادت الرشادة الاقتصادية والبراجماتية التي هزمت السياسة لصالح مصلحة الشعوب الأوروبية.. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا لا تستفيد دول الاتحاد المغاربي من تجارب الآخرين؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
11676
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1755
| 21 نوفمبر 2025