رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

312

سعدية مفرح

هل يمكن للكلمة أن تحمي نفسها؟

18 أغسطس 2025 , 01:56ص

اللغة.. تلك الأداة التي اكتشفها الإنسان ليعبر عن أفكاره ومشاعره، يمكن أن تصبح في يد من يجيد التلاعب سلاحًا مزدوج الحد. 

كم من كلمة بريئة أُلبست ثوب الاتهام، وكم من حقيقة ناصعة جرى تسخيفها لتبدو مجرد رأي عابر، وكم من موقف نبيل جرى تشويهه ليظهر كأنه انحياز غير مبرر! وفي هذا العالم، لا يكفي أن تكون الكلمة صحيحة، بل يجب أن تحمي نفسها من الذين يملكون مهارة التلاعب بمعانيها.

لكن، هل يمكن للكلمة أن تحمي نفسها؟ أم أن على صاحبها أن يظل واقفًا في وجه العواصف، مستعدًا للدفاع عنها كلما حاول أحدهم اقتلاعها من سياقها الطبيعي؟ 

هنا تكمن المعضلة، وهنا يبدأ الاستنزاف غير المجدي. فالمحاججة مع من لا يبحث عن الفهم، بل يسعى إلى ليّ عنق الحقيقة لتناسب قناعاته، ليست سوى عبث مرهق. فليست المشكلة في وضوح الفكرة، بل في نوايا المستمع الذي قد يختار عمدًا أن يفهمها بشكل مختلف، ثم يصرّ على جرّك إلى ساحة معركة وهمية، حيث عليك أن تشرح ما لا يحتاج إلى شرح، وتبرر ما لا يحتاج إلى تبرير.

إنه اختبار قاسٍ، لكن الحل ليس في الدخول في معركة التفسيرات مع كل من يصرّ على تحوير الكلام، بل في إدراك أن بعض النقاشات ليست سوى فخاخ، لا تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، بل إلى استنزاف القائل وإرهاقه حتى يتخلى عن كلمته أو يشعر بأنه مسؤول عن تصحيح الفهم الخاطئ لدى الآخرين. 

والحقيقة أنه لا أحد مسؤول عن ذلك. فالكلمة الواضحة ليست بحاجة إلى شهادة حسن سلوك، وليست مطالبة بأن ترضي الجميع، ولا أن تلتوي لتناسب من لم يكن ينوي تقبلها منذ البداية.

والأمر يشبه محاولة شرح اللون الأزرق لمن يصرّ على رؤيته أخضر. يمكنك أن تذكر كل التعريفات العلمية، أن تستعين بالمصادر، أن تضع الأدلة أمامه، لكنه إن قرر أن اللون ليس أزرق، فلن يراه كذلك مهما فعلت. هنا، يكمن الدرس؛ لا تجهد نفسك في الشرح حين يكون الإنكار مقصودًا، وحين يكون الفهم الخاطئ جزءًا من استراتيجية الآخر لإرهاقك وإفقادك الثقة بكلامك.

والمرء الذي يعرف نفسه، ويثق في كلمته، لا يحتاج إلى أن يقضي عمره في تصحيح سوء الفهم المتعمد. يقول كلمته ويمضي، لأنه يدرك أن الصادقين سيفهمونها كما هي، وأن المخلصين سيقرأونها بنقاء، أما الآخرون، فليس مهمًا أن يقنعهم، لأنهم لم يأتوا ليقتنعوا، بل ليعيدوا تشكيل الحقيقة وفق ما يناسبهم. وهؤلاء، مهما اجتهدت في شرح وجهة نظرك لهم، سيظلون يدورون في دوائرهم المغلقة، يبحثون عن ثغرة، أو زاوية، أو حتى كلمة واحدة يمكنهم استغلالها ليعيدوا ترتيب المشهد كما يريدون.

لهذا، لا ينبغي أن نكون أسرى لرغباتنا في أن يفهم الجميع ما نقوله، ولا أن نرهق أنفسنا في محاولة تصحيح كل سوء فهم متعمد. نقول كلماتنا بوضوح، وننطقها بثقة، ثم نواصل الطريق. فالوضوح ليس في عيون الآخرين، بل في يقينك الداخلي أنك قلت ما يجب أن يُقال، كما يجب أن يُقال، من دون تردد أو تبرير زائد أو استجداء لفهم من لم يكن ينوي الفهم أصلاً.

مساحة إعلانية