رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كيفين كارتر مصور فوتوغرافي ذهب عام 1993 إلى السودان لتغطية آثار المجاعة.. التقط عدة صور وكان أبرزها صورة أطلق عليها اسم (الطفلة والنسر)، وهي صورة لطفلة لا يتجاوز عمرها 3 سنوات هزل جسمها وظهرت عظامها من خلف جلدها وانتفخت بطنها من الأمراض والجوع، تعبت وهي تزحف لمركز الغذاء فتوقفت وهبط بجانبها نسر ينتظر موتها ليلتهمها.
نشرت الصورة في نيويورك تايمز مارس 1993 ونال عليها كارتر أرفع جائزة في التصوير الصحفي وهي جائزة بوليتزر وانتشرت الصورة انتشار النار في الهشيم ونقلت قضية المجاعة في السودان ونقلت معها العديد من الأسئلة وجهت لكارتر ماذا حدث للطفلة ؟ ولماذا لم تنقذها ؟.. هذا الأسئلة وهذا اللوم وافتقاده الجانب الإنساني وضعه تحت ضغط نفسي وصل به للإصابة بالاكتئاب وانتهى به المطاف منتحراً يوليو 1994. وان كانت الصورة أحدثت هذه الضجة في العالم وسلطت الضوء على قضية إنسانية فإن في غزة الآلاف من الصور والمشاهد التي من شأنها أن تهز العالم وتغير المواقف وتهدم سياسات وتبني أخرى.
الصورة في غزة أخرجت العالم في مظاهرات بمئات الألوف وحركت العالم وأعلنت اكبر حملة مقاطعة تجارية لكل من يتعامل مع العدو الصهيوني. وإن كانت الصور العشوائية التي تلتقط من كاميرات الأجهزة المحمولة غيرت مواقف فما بالك إذا كانت هذه الصورة تدار من قبل جهة إعلامية توظفها التوظيف الصحيح المبني على مهنية واحترافية وأهداف واضحة لا شك أن الأثر سوف يكون ابلغ وأعمق.
وفي هذا المجال استوقفني مشروع أطلق عليه منحة التصوير الإنساني.. وهو منصة تقدم منحة مالية كل عام للمصورين الذين يقدمون مشروع تصوير (مجموعة صور) عن حدث إنساني تحت عنوان واحد، واختارت المنحة موضوع غزة لمشروع هذا العام ويقوم على المشروع جهات غير ربحية انطلقت من الكويت وتدعمها جهات خيرية وفنية خليجية وعلى رأسها مؤسسة نماء الخيرية.
والموضوع ربما يعتبره البعض مثله مثل غيره من الآلاف المشاريع المبنية على المشاعر المتعاطفة مع غزة ولكن ما يميزه أنه مع أول اعلان للمشروع شارك فيه اكثر من 5 آلاف مشترك من داخل غزة نقلوا كل ما يدور في غزة من أحداث ومآس وآثار دمار وقصف حتى أصحاب الهواتف المحمولة والهواة وغير المحترفين بالتصوير شاركوا في المنحة ولا ننسى أن المصور هذه المرة ليس مراسلا صحفيا ولا مصورا محترفا بل انسان يعيش الحدث وهو جزء من الصورة والقصة.
وتقوم منحة التصوير الإنساني بعد استقبال المشاركات بتحويل الصور العشوائية التي لا تحمل عنوانا إلى مشروع وكل مشروع مجموعة صور بموضوع واحد تكتب قصة المشروع أسفل منه، ويقوم المحكمون بتقييم الصور وبعد الفرز والتحكيم وإعلان النتائج تنقل منحة التصوير هذا الإنتاج الفني التي يجعلك تعيش المأساة وكانك في غزة عبر معارض دولية تجوب العالم لتنقل معاناة أهل غزة وكان أول معرض افتتح في ولاية فرجينيا بأمريكا، والمعرض الثاني في امارة الشارقة بالإمارات، ويوم الأحد المقبل، سوف يقام المعرض في كتارا تحت عنوان (حكاية النجاة من الجحيم) .
ويقول المصور الكويتي، المسؤول عن منحة التصوير الإنساني سامي الرميان: عندما أقمنا أول معرض كنا ندرك أن الصورة لها قوتها في التأثير ولكن التفاعل كان أكبر من توقعاتنا وتصوراتنا وبعد معرض الدوحة مستمرون لإقامة في معارض في الكويت وبغداد ولبنان وتركيا ولندن، وسعداء أننا اصبحنا جزءا من تاريخ النضال في غزة واستطعنا ان ننقل القصة بطريقة واقعية، فاليوم عدسة الكاميرا لا تقل أهمية عن فوهة البندقية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2403
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2304
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2301
| 25 سبتمبر 2025