رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشكل رواية «شتاء فرانكفورت» لجمال فايز واحدة من الروايات المهمة في الأدب العربي المعاصر حيث تقدم الرواية رؤية عميقة ومعقدة للعديد من القضايا الاجتماعية والنفسية...
ومؤلف الرواية كاتب حذر يكدح في تنظيم ما يختاره من بين تلك الوفرة، فكان الانتقاء دقيقًا وحاسمًا أمام تلك الإغراءات المتاحة في ساحة الرواية. أسلوب جمال فايز ثري جدًّا بالتفاصيل الدقيقة، والشخصيات القوية والمتنوعة وقد سبق هذه الرواية رواية زبد الطين حيث نرى الكون الإنساني من خلال عيون شخصياته.
ملخص الرواية:
تتناول الرواية قصة الفتى أحمد البطل الرئيسي والذي يقرر قضاء إجازته في مدينة فرانكفورت الألمانية، لكن هذا الفتى يضيع أمتعته، ومن ضمنها جواز سفره وهويته وبطاقاته البنكية وكل ما يثبت شخصيته، حتى التقى برجل الشارع أوليفر الذي ساعده في البحث عن العصابة، وطيلة فترة البحث ظلَّ أحمد يحن لبلده وأسرته متمنيًا العودة، وهكذا تظل الأحداث تتشابك وتتصارع فيما بينها حتى يستعيد أحمد مسروقاته بمعاونة صديقه اوليفر ويعود إلى موطنه. يتناول الروائي في روايته مواضيع مهمة مثل الهوية، والهجرة، والعلاقات الإنسانية بعيدًا عن المعتقدات والعرق والجنس والعنصرية... ويقدم لنا ببراعة الحاذق بتصوير المشاعر والعواطف للشخصيات، مثل عازفة الكمان ديلما، وتايلر، وأوليفر وآيدن التابع لأصدقائه المنحرفين.. وحتى الكلب أدريان له دور لا يستهان به في الرواية. وهكذا يوفر لنا الروائي رؤية عميقة للتحولات النفسية التي تمر بها الشخصيات خلال الأحداث، ولكل شخصية قصة ومعاناة مع هذه الحياة، وفي هذا الجانب جانب الشخوص وليس الموضوع، يذكرني الكاتب برواية «توم سوير» لمارك توين حيث يمكن تحويل الشخصيات الثانوية إلى شخصيات رئيسية واستبدال البطل الذي يصبح ثانويًا... وهذا ما حدث مع رواية مارك توين فعلا ولا أستبعد حدوثه مع رواية جمال فايز. من الناحية الفنية، يتقن القاص والروائي جمال فايز استخدام اللغة والسرد بشكل محترف ودقيق، مما يجعل القارئ يشعر بالاندماج في عالم الرواية وتفاعله مع الأحداث والشخصيات. كما يستخدم الكاتب التشويق والترقيق بشكل متقن، مما يبقي القارئ مشدوهًا ومتحمسًا لمعرفة مجريات الأحداث القادمة..
معايير وعناصر جمالية في رواية شتاء فرانكفورت
- تصوير الأمكنة والأزمنة: يتميز الكاتب بقدرته على وصف المكان والزمان بشكل واقعي وجذاب وكأنه شريط سينمائي أمامنا، مما يعمل على نقلنا -نحن القراء- إلى عوالم مختلفة ويعزز تجاربنا الروائية والقرائية معًا خاصة في وصف مدينة فرانكفورت التجارية...
- التطور الشخصي للشخصيات: تتمتع شخصيات الرواية بعمق نفسي واجتماعي، وتطور ملحوظ خلال تقدم الأحداث، مما يجعل القارئ يشعر بالانتماء إليها ويعيش تجاربها.
- الرمزية والمغزى: يمكن تفسير العديد من الأحداث والرموز في الرواية على مستوى أعمق، حيث تتناول مواضيع مثل الهوية الثقافية والبحث عن الذات والتضحية.
-البنية السردية: يستخدم الكاتب تقنيات سردية متنوعة مثل التشويق والفلاش باك لجعل الرواية مشوقة ومثيرة للاهتمام.
اللغة والأسلوب: تتميز الرواية بلغة روائية فائقة الجمال والدقة، ويتقن الكاتب استخدام الأساليب الأدبية المتنوعة لإثارة الاهتمام وتعزيز فهم القارئ حتى في تعدد الرواة.
ويظهر الأسلوب الفني والسردي في رواية «شتاء فرانكفورت» براعة وإتقان في استخدام التقنيات الأدبية المتنوعة لخلق تجربة قرائية ممتعة وملهمة.
-تطعيم الرواية بالروحانية والتاريخ والهوية القومية ومعاناة الغربة، والانتماء للوطن.
وهذا يتمثل بوضوح في حديث الروائي عن الحج وكرم حاتم الطائي وكأس العالم 2002 والمغترب بسبب الفاقة السائق الباكستاني ومشاهدة الفلم القطري عقارب الساعة.
-استخدام الرموز والمجاز: يستخدم جمال فايز الرموز والمجاز في الرواية، مما يشجع القارئ على التفكير في معانٍ متعددة ومحتملة كتوظيف الكلب أدريان وهذا شيء مستحدث في عالم الرواية.
-التوازن بين الوصف والحوار: يتقن الكاتب التوازن بين الوصف المفصل والحوار الديناميكي، مما يساعد في خلق توازن مثالي بين تطوير الشخصيات وتقديم الأحداث.
-التشويق والإثارة: يستخدم جمال فايز تقنيات الإثارة والتشويق بشكل متقن، مما يجعل القارئ متشوقًا لمعرفة مجريات الأحداث وما ينتظر شخصيات الرواية.
-الاستخدام الفني للحوارات: تبرز الشخصيات من خلال الحوارات التي تجري بينها، ويستخدم الكاتب هذه الحوارات ببراعة لكشف عن أفكارها ومشاعرها وتطورها النفسي.
-العنوان ومتعة التأويل: عنوان الرواية «شتاء فرانكفورت» يُعد اختيارًا موفقًا يحمل في طياته العديد من المعاني والرموز.
-البيئة الجغرافية والزمانية: تُشير كلمة «فرانكفورت» إلى مدينة فرانكفورت في ألمانيا، وهذا يمكن أن يكون مؤشرًا على الإعدادات الجغرافية لجزء من الرواية. بالإضافة إلى ذلك، كلمة «شتاء» تعطي إحساسًا بالبرودة والعزلة، مما قد يكون مؤشرًا على الأجواء القاسية التي تتناولها الرواية وهي قاسية بالفعل.
- التناقضات والصراعات: يُظهر الاختلاط بين كلمة «شتاء» وكلمة «فرانكفورت» تناقضًا مثيرًا للاهتمام، حيث تُعد البرودة والعزلة من الصفات المرتبطة بالشتاء، بينما تُعد فرانكفورت مدينة نابضة بالحياة والنشاط، هذا التناقض قد يُشير إلى الصراعات والتناقضات التي تعيشها الشخصيات في الرواية.
-الرمزية: قد يحمل العنوان معاني رمزية تعبر عن حالة الشخصيات أو عن مضامين الرواية بشكل عام، مما يضيف طبقة إضافية من العمق والتعقيد إلى العمل الأدبي..
باختصار، عنوان الرواية «شتاء فرانكفورت» يمثل بداية مثيرة ومليئة بالتساؤلات للقارئ، وقد يعمل كمقدمة للمواضيع والأحداث التي ستُطرح في أعماق الرواية.
كما تعد الرواية، من الأعمال المميزة التي تستحق القراءة، حيث تجمع بين الجودة الأدبية والعمق الفكري والفلسفي في تناولها للمواضيع المعاصرة بشكل ملهم ومثير للتفكير.
أثناء القمة العربية الإسلامية الطارئة التي أقيمت في الدوحة يوم 15 من الشهر الجاري والتي ناقشت العدوان الصهيوني... اقرأ المزيد
180
| 30 سبتمبر 2025
تعرف كلمة مارق في اللغة العربية بأنه الشخص الماكر أو المنحرف والذي لا قيمة له، وهي تعنى الشخص... اقرأ المزيد
153
| 30 سبتمبر 2025
ما السعادة إلا قرارٌ تتخذه الروح بوعيٍ كامل لتتصل بنبع حقيقتها، قرارٌ يهمس به المرء لذاته بأن يسمح... اقرأ المزيد
234
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
4575
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4179
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4083
| 25 سبتمبر 2025