رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لست أدري كيف سيكون الوضع في العراق عندما يُنشر هذا المقال، فالأحداث هناك تبدو متسارعة ومن الصعوبة التكهن بما ستؤول إليه، غير أن المرجح عندي أنها ستكون كارثية إلا أن يتدارك الله العراقيين برحمته.
بدأت أحداث العراق بسقوط الموصل (ثالث أكبر مدن العراق)، وقيل وقتها: إن دولة الإسلام في العراق والشام هي من تولت إسقاطها!! ثم توالت الأخبار عن هروب جماعي للجيش العراقي، تاركين أسلحتهم، الخفيف منها والثقيل، غنائم لجيش الدولة الإسلامية!!
وتسارع تقدم (الثوار)، فقتلوا وأسروا وفتحوا المعتقلات التي كانت تضم آلاف السجناء والسجينات من أبناء السنة وأطلقوهم، وتقدموا نحو بغداد بغية استردادها من المالكي، وتواترت الأخبار عن سقوط معسكر التاجي وهو مفتاح مدينة بغداد كما ذكرت قناة الـ(abc)، وهناك أخبار أخرى كثيرة ومتتالية حول الوضع في العراق عامة وفي بغداد على وجه الخصوص، وستستمر كذلك مادامت الأحداث قائمة فيها.
هذه الأحداث تستدعي أسئلة كثيرة: هل حقيقة أن دولة الإسلام هي وراء تلك الأحداث أم أنها جزء منها؟ ثم ما هي الأسباب الحقيقية وراء انهيار الجيش العراقي بتلك الطريقة المزرية التي جعلت طاغية العراق (المالكي) يتبرأ من جيشه ويدعو لتكوين ميليشيات للدفاع عن العراق؟! ولم يكتف بتلك الدعوة المزرية لكنه - وبطريقة أسوأ - طالب سادته الأمريكان بتقديم العون العاجل له للقضاء على الإرهابيين - حسب زعمه!!
في ظني أن الذين قاموا بهذه الثورة هم سنة العراق الذين أذاقهم المالكي الويل والظلم والاضطهاد والتهميش طيلة فترة حكمه، ولا أشك أن عناصر من دولة الإسلام كانت مشاركة بشكل فعال في هذه الحرب، لكنهم كانوا تحت قيادة الثوار، لكن المالكي ومن معه وكذلك الإعلام الذي يناصره لم يتحدثوا عن الثوار الذين هم أساس الثورة، لكنهم قصروا حديثهم عن دولة الإسلام لكي يقولوا: إن الحرب هي بين داعش الإرهابية وبين العراقيين!! وهذا يعطيهم الحق في طلب النصرة من الخارج باعتبار أن الإرهاب ظاهرة عالمية وستطال الجميع!!
المالكي ومنذ حكمه للعراق وهو يمارس الإرهاب ضد السنة، كما يمارس عليهم حربا طائفية بغيضة؛ ولم يكتف بهذا كله، لكنه بدأ يقصف مدنهم بالبراميل المتفجرة على غرار ما يقوم به مثيله طاغية الشام بشار الأسد، وقد قلت مرارا: إن هذه الطائفية والتمييز والقتل والملاحقة ستجعل كل عراقي سنيا (داعشيا)، فالإنسان لا يمكنه تحمل الظلم والاستبداد زمنا طويلا مهما كانت النتائج، ولكن المالكي أعماه غروره ووقوف إيران وأمريكا إلى جانبه، فلم يتوقف عن استبداده، فوصلت الأمور في العراق إلى ما وصلت إليه حاليا.
تحرك الثوار نحو بغداد جعل إيران تخرج عن طورها، فالسيد حسن روحاني أكد للمالكي أن بلده لن تسمح بزعزعة الاستقرار في العراق!! وأكدت بعض الصحف الأمريكية أن إيران أرسلت فرقا من الحرس الثوري إلى بغداد بحجة حمايتها!!، والرئيس الأمريكي هو الآخر عقد مؤتمرا صحفيا في البيت الأبيض قال فيه: إن داعش لا تشكل خطرا على العراق وحده، بل قد تهدد مصالح الأمريكيين في نهاية المطاف!! وأكد أنه لن يرسل قوات برية، لكنه بحاجة إلى بعض الوقت لتحديد كيفية التعامل مع الوضع في العراق!!
الشيء الذي اعترف به الرئيس الأمريكي أن قادة العراق يمارسون تمييزا طائفيا في العراق وطالبهم بتركه هذا إذا أرادوه أن يتدخل في العراق!!
المالكي لم يبتعد عن طائفيته المقيتة، بل أوغل فيها كثيرا وربما ظن أنها هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذه؛ وأحسبه طالب المرجعيات الدينية بإصدار فتاوى تلزم طائفته كلهم بالقتال إلى جانبه، وسارعت المرجعية بفعل ذلك، كما فعل الشيء نفسه عدد من علماء الشيعة، فمنهم من طالب بقتل السنة، ومنهم من أفتى بوجوب القتال على كل فرد، رجلا كان أم امرأة، وهكذا توالت الفتاوى الطائفية التي تفرق العراقيين ولأجيال قادمة!! ولست أدري أين كانت تلك المرجعية وأولئك العلماء عندما احتل الأمريكان بلادهم، إذ لم نسمع لهم صوتا وربما كان بعضهم سعيدا بذلك الاحتلال ومستفيدا منه!! وقد كان من الأفضل لهؤلاء العلماء أن يأخذوا بنصيحة الشيخ علي الأمين الذي قال لهم: (إن إصدار الفتاوى بالتعبئة العسكرية يساهم في تأجيج النزاعات وتلقي عليها الصبغة الطائفية والمذهبية، وأن دور المرجعية الدينية الدعوة لعدم سفك الدماء والعمل على جمع كلمة المسلمين).
الواضح أن المالكي سيبقى على مواقفه السابقة رغم فشله طيلة سنوات حكمه، والراجح حتى الآن أن إيران - وهي اللاعب الأساسي في العراق حاليا - ستبقى إلى جانبه وبكل قوة، فالعراق أهم بكثير عندها من سوريا ولا أظنها ستثنيه عن طغيانه وظلمه، ويبقى دور الأمريكان ثم بعض العرب الذين قد تستغلهم أمريكا لدفع تكاليف حربها الجديدة - وإن كانت بشكل مختلف - فهؤلاء كان يجب عليهم ألا يصمتوا عن جرائم المالكي تجاه السنة وهم يعرفون ذلك جيدا، كما يعرفون آثاره أيضا، أما وقد صمتوا أو آزروه سابقا، فيجب عليهم تدارك أخطائهم وبأقصى سرعة!! فالأمريكان اعترفوا صراحة بأنهم فشلوا في تحقيق الديمقراطية في العراق!! والذي أجزم به أنهم لم يريدوا أصلا تحقيق الديمقراطية لا في العراق ولا في غيرها من الدول العربية، ولكن عليهم إصلاح ما أفسدوه قبل فوات الأوان، وإذا كانوا يظنون أن طائراتهم ستحل المشكلة فهم مخطئون وتجربتهم في أفغانستان مازالت واضحة للعيان!! وأجزم أنهم يعرفون الطريق الصحيح لتحقيق الديمقراطية لكل العراقيين وكذلك إبعاد المتطرفين عن العراق وسوريا وغيرها!! وبدون ذلك سيصدق على الأمريكان ما قالته صحيفة الإندبندنت عليهم في مقالها: (العراق نهاية الحلم الأمريكي)، أما الدول التي قد تساعد المالكي على طغيانه بحجة أنه يقاتل الإرهابيين فهم مخطئون أيضا، لأنهم يعرفون أن ثوار العراق هم من يقاتل المالكي بشكل رئيسي وهم قادرون على لجمه وإعادته للصواب ومن ثم تحقيق العدالة لكل العراقيين على تنوع مذاهبهم وبغير ذلك سيزداد الإرهاب وقد ينتشر في أماكن كثيرة.
أما هيئة علماء العراق وكذلك مفتي العراق ومجموعة من علماء السنة فقد أحسنوا صنعا عندما طالبوا الثوار بتجنب الإساءة لكل العراقيين ومقدساتهم وكذلك الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وعدم التعرض لممتلكاتهم، وكم كنت أتمنى أن يفعل علماء الشيعة الشيء نفسه بدلا من التحريض على قتل السنة، بل كم كنت أتمنى أنهم وقفوا ضد طغيان المالكي حفاظا على وحدة العراق وتماسكه، لاسيَّما وهم يعرفون مخاطر الحروب المذهبية، لاسيَّما إذا كانت بين أبناء الوطن الواحد، وعلى أي حال مازالت الفرصة سانحة أمامهم لإصلاح ما يمكن إصلاحه وتدارك أخطاء صمتهم في السابق.
العراق مقبلة على أخطار جسيمة؛ فالتمزق الداخلي والخطر الخارجي قد يسهمان في تمزقها وتفتيتها وهناك من يعمل من أجل ذلك، وما لم يتدارك العراقيون بلادهم، فلن يفعل لهم الآخرون شيئا، أما العرب فعليهم إدراك أن مصير العراق سيؤثر عليهم، طال الزمن أم قصر، ومن هنا عليهم أن يحسنوا التعامل مع تلك الأحداث دون الانسياق إلى فكرة محاربة الإرهاب التي يعرفون أنها ليست دقيقة على الإطلاق.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4353
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2289
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2250
| 10 ديسمبر 2025