رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أتعلمونَ، رئيس أقوى دولةٍ في العالم دونالد ترامب صرح بكلامٍ كاذبٍ أو على الأقل نصفُ صحيحٍ خمسةَ آلافِ مرة في أول 600 يوم من توليه للسلطة؟ وقد وصلَ هذا الرقم إلى عشرةِ آلاف بعد 226 يوماً له في البيتِ الأبيض.
ولكن الغريب بالموضوع أن واحداً من بين كل 6 أشخاص أمريكيين يُصدِقون تصريحاتهِ ويقبلون أكاذيبهُ على أنها حقيقةٌ لا نقاش فيها!
لماذا نكذِب نحنُ البشر، وما الذي يدفعُنا لذلك؟ وهل الأطفال يتعلمون الكذب من الكبار أم انهم يتعلمونه بمفردهم؟ وكيف يمكن تعديل هذا السلوك؟ قد تكون هذه الاسئلة لدى البعض سطحيةً جداً بل وحتى تافهةً، ولكن هي عند العلماءِ محلُ دراسةٍ منذ عشراتِ السنين.
الكثيرُ من الدراساتِ تبينُ أنَ معظمَ البالغينَ قد كذبوا كِذبةً واحدةً على الاقل (في المتوسط) خلال ال24 ساعة الماضية، منها ما قامت به مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك في عام 2017 وعللت الكذب كإستراتيجية خروج بأحد عشر سبباً، أولها للتغطية على خطأ ما وثانياً لتحقيق منفعة شخصية أو مادية وثالثا قد يكون تجنباً لشخص أو شيء ما.
في دراسةٍ قام بها بروفسور علم النفس كانغ لي من جامعة تورينتو، تهدفُ لاكتشافِ الآلية التي يتعلمُ بها الأطفال قول الأكاذيب.
كان العلماء يقومونَ بإحضارِ دميةٍ أو لعبةٍ ما وتغطيتها وتشغيلِ صوتْ، مهمةُ الطفلِ هنا هي معرفةُ ما الذي يوجدُ تحتَ الغطاءِ بناءً على سماعهم لذلك الصوت.
وأخبروهم إذا عرفوا اللعبةَ، سيحصلون على جائزة.
في البدايةِ قام العلماءُ بتشغيلِ صوتٍ له علاقة باللعبة، فمثلا: إذا كانت اللعبة سيارة شرطة فالصوتُ هو صافرةُ سيارةِ الشرطة وإن كانت اللعبة قطارا يكون الصوت صافرة قطار وهكذا. ولكن بعد ذلك قاموا بتشغيل أصواتٍ لا علاقةَ لها باللعبة على الإطلاق، فمثلا اللعبةُ هي قطار ولكن الصوت سيمفونية لموزارت أو اوركسترا !! وفي منتصفِ اللعبة، كانوا يخترعون عذراً ويتركون الغرفة.
وقبل مغادرتهم الغرفة، طلبوا منهم ألا يختلسوا النظر الى الألعاب.
السؤال الأهم هنا هو: عندما عادوا وسألوا الأطفال فيما إذا كانوا اختلسوا النظر إلى الألعاب، هل سيعترف الأطفال الذين اختلسوا النظر أم سيكذبون؟ طبعاً هنا (عدا أن الغرفة مراقبة بالكاميرات) ولكن الطفل في هذه اللحظة لا أحد يراهُ والموقف مغر جداً.
وجد الباحثون، وبغضِ النظرِ عن الجنس والبلد والدين، أنه في عمر السنتين، كذب 30% من الأطفال، وقال الحقيقة 70%.
وفي عمر ثلاث سنوات، كذب 50% وقال الحقيقة 50%. وفي عمر أربع سنوات، كذب أكثر من 80%. وبعد عمر أربع سنوات، معظم الأطفال كذبوا. واضح تماما أن عملية الكذب تطورية.
يقول البروفسور لي: إن الكذبَ المتقن يجب أن يحتوي على عنصرينِ أساسينِ. العنصرُ الأول هو التفكير واستخدام العقل، أو المقدرة على قراءة ما في أذهان الآخرين. والقدرة على التمييز بين ما أعرفه أنا وما تعرفونه أنتم. أما العنصر الثاني فيكمن في القدرة على التحكم في النفس وفي تعبيرات الوجه ولغة الجسد. ويختتم الدراسة: إذا اكتشفتم أن طفلكم البالغُ من العمر سنتين يكذبُ لأولِ مرةٍ، فبدلاً من الشعور بالفزع، عليكم الاحتفال!! وذلك بسبب أن الطريقة التي يفكر بها طفلكم هي اكثر تعقيدا ومتقدمة بأشواط عن باقي الأطفال. ولكن ذلك لا يعني أبداً أن نسكت أو نتجاهله لأنه حتماً سيتحول بمرور الوقت إلى عادة.
والحل بسيط ولكن ليس سهلاً، وهو أن تقلل قدر المستطاع من العقاب وأن يكون معقولاً، لأن العقاب في أفضل أحواله لن يخلق ذلك السلوك الإيجابي الذي تتمناه.
وإذا أصر طفلك على الكذب بشكل متعمد، فكل ما عليك فعله هو تعزيز فكرة أن الكذب عملٌ سيئ، واشرح له ذلك بهدوء و بأسلوب مبسط ومباشر.
كما نرى، فالكذب ينشأ معنا منذ الصغر كآلية لتحصيل مكسبٍ أو منفعةٍ أو للتخلصِ من موقفٍ صعبٍ كتهرب الطفل من غضب والديه أو عقابهما له خاصة إذا كان العقاب قاسياً ولا يتناسب مع الموقف. تعددت الأسباب والكذب واحد.
بطولتنا يا صديقي في هذه الحياة ومصدرُ أجرِنا وثوابنا أن نتحرى الصدقَ ونصحبَ الصادقينَ كما قال الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" وأن نتقبل العذر من الكبيرِ والصغيرِ "حتى ونحن نعلم أنه كذب" كي نرأب الصدع ونحل الخلاف وأن نتذكر دائما أننا لسنا أحسن حالاً منهم، فلا نطالبهم بمثالية الصدق على الدوام ونحن كاذبون.
وأخيراً أن نُشجع مَن حولنا على أن يكونوا صادقينَ معنا، بالحفاظِ على هدوء أعصابنا في المواقفِ الحرجة، وتشجيع السلوكِ الايجابي للصدقِ بالثناءِ على الصادقِ وشجاعتهِ باختيار الصدق طريقاً له، ونلتمس الأعذار لأحبابنا وأعزائنا ونلقاهم دائماً بسعة صدرٍ وطيب خلقٍ.
لماذا تفشل أنظمتنا؟ البحث عن «البركة» في أوراق الحوكمة
هل سبق لك أن جلست في اجتماع عمل، ونظرت إلى اللوائح المعقدة المعلقة على الحائط، أو التقارير الدورية... اقرأ المزيد
75
| 12 نوفمبر 2025
ثقافة إيجابية الأخطاء
في بيئتنا الإدارية العربية، ما زال الخطأ يُعامَل كجريمة مهنية لا كمحطة تعلّم. يخاف الموظف من المجازفة لأن... اقرأ المزيد
87
| 12 نوفمبر 2025
الذكاء الاصطناعي في المدارس
أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومع مرور الوقت تحوَّل إلى لغة العصر في... اقرأ المزيد
72
| 12 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية


مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
6384
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
5469
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2622
| 05 نوفمبر 2025