رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هو وبحق وزير خارجية من طراز نادر, وسيذكره التاريخ طويلا كأحد أهم أعلام الدبلوماسية في العالم خصوصا الدبلوماسية التي تسعى بصدق لترسيخ الأمن والسلم العالميين بعيدا عن الأزمات والحروب, وبعيدا عن مغامرات الساسة التي تجر العالم إلى ويلات الحروب.
كقائد دبلوماسي عالمي الرجل كان مؤهلا لذلك فدراسته كانت في واحدة من أفضل الجامعات في العالم كما أنه كان محظوظا حين تعلم أكثر من ذلك من زعيم مسلم وعربي كان علما في السياسة الخارجية لعقود وهو والده الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله.
درس الاقتصاد في جامعة برنستون في ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة وبجوار مقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث كان ولا يزال رسم الأحداث العالمية وتصارع الدول لتحقيق المصالح, لهذا كان خبيرا في كيفية صناعة القرار العالمي والأمريكي.
ولهذا وعلى سبيل المثال لم تخب رؤيته ذات يوم حين استغرب من رغبة الولايات المتحدة في الحكم المباشر للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003، حين استغرب في حينه كيف سيستطيع جنرال أمريكي أن يحكم قبائل عريقة كشمر والظفير والدليم وغيرها, وتوقع في ثنايا ذلك الفشل وهو ما حصل بالفعل حيث فشلت الولايات المتحدة عبر جنرالاتها في حكم العراق, وغادرت بعد أن حولت هذا البلد العريق إلى ساحة حرب إقليمية لا يزال الجميع يُلسع بنارها, وهي النار التي لم تكن لتندلع بالأصل لو اتبعت الولايات المتحدة ما نادت به السعودية والأمير سعود الفيصل تحديدا بنصائح بعدم التدخل المباشر في العراق وترك الأمر لتغيير من داخل نظام صدام حسين .
طوال أربعة عقود كان الأمير سعود الفيصل بحق مدرسة متفردة في الدبلوماسية العالمية والعربية، فالرجل رسخ سياسة الوضوح والمباشرة في الطرح من دون تضييع الوقت في الألعاب السياسية التي كانت تسود في الدبلوماسية العالمية بسبب صراع النسر الأمريكي مع الدب الأمريكي. كما واجه بسياسة الأمر الواقع وحقائق الأرض العنتريات والمعارك اللفظية التي كانت سائدة بين الدول العربية في صراعاتها التي لا تنتهي.
لم يكن في أسلوبه مهينا أو جارحا لأحد خلال زياراته المكوكية لدعم قضية معينة أو لمنع اندلاع أزمة متوقعة, لكنه كان واقعيا إلى درجة الصدمة أو الدهشة فهو يعرف متى يتكلم بود ومتى يكون واضحا في عباراته كي لا تحمل ما لا تحتمل.
لهذا كانت السعودية تواجه خلال تاريخها بحملات دبلوماسية وإعلامية قاسية ومتجنية من أجل تغيير هذا النمط الواضح والمنطقي من السياسة الخارجية التي مارسها سعود الفيصل والتي لم تترك فرصة للمزايدين ليخفوا حقيقة نواياهم في المناطق الضبابية.
في غزو الكويت تألق سعود الفيصل كثيرا حين تصدى لألاعيب صدام حسين ووزير خارجيته الثعلب طارق عزيز، ولا عجب فهذه المعركة الدبلوماسية التاريخية أدارها من الجانب السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وسعود الفيصل بحنكة ومهارة جعلت من صدام حسين يندم أشد الندم على قيامه بخداع السعودية بحقيقة موقفه حين طمأن الأمير سعود الفيصل خلال زيارة الأخير لبغداد قبيل الغزو بأيام وبين له أن العراق لن يغزو الكويت.
وفي تلك المرحلة كان هناك تنسيق عالي المستوى بين عميد وزراء الخارجية في العالم آنذاك الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الحالي وبين الأمير سعود الفيصل ما جعل هذا الثنائي يقود -كل في مجاله- معركة تحرير الكويت دبلوماسيا عبر محاصرة كل الألاعيب العراقية ووأدها.
من معركة دبلوماسية إلى أخرى كان الأمير سعود الفيصل ينتقل بكل مهارة وغير تنسيق عال مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي جعل دول الخليج العربي تتجنب أزمات حقيقة تهدد استقرارها.
ومن ذلك ما قامت به السعودية عبر الأمير سعود الفيصل والدبلوماسية السعودية من حملات عدة لتجنيب السعودية الهزات الارتدادية لزلزال الحادي عشر من سبتمبر حين شارك 15 سعوديا في هجمات نيويورك وواشنطن, وحين حاولت إسرائيل واللوبي الصهيوني في واشنطن استغلال ذلك لتحجيم السعودية وتقزيم دورها في المنطقة من أجل مرحلة جديدة من الهيمنة الإسرائيلية, وهو ما لم يتم بالطبع بسبب فطنة الأمير سعود الفيصل ومعه وزراء خارجية عديدون انتبهوا لحجم المؤامرة وتعاملوا معها بصبر وأناة وهدوء ودهاء.
وفي مرحلة الربيع العربي الذي انطلق من قلوب محطمة بسبب الظلم والقهر والذي وللأسف استغل لاحقا لأهداف جاوزت طبيعته، كان للأمير سعود الفيصل دور مهم ضمن السياسة الخارجية السعودية للتصدي للتدخلات الإيرانية في المنطقة, وهي التدخلات التي أرادت منها إيران استغلال ظروف المنطقة وآلام شعوبها لتحقيق مصالحها الخاصة وأهمها تحقيق مكانة إقليمية مؤثرة لإيران تفيدها لاحقا في مفاوضات الملف النووي والذي كان آخذا في التصاعد وكان مرشحا ليكون سببا لتدخل دولي ضد إيران.
في سوريا تم فضح الدور الإيراني المدمر والذي كان السبب الرئيسي في تحول المظاهرات الشعبية في سورية من مطالبات سلمية إلى حرب أهلية حين رد النظام السوري الذي يحظى برعاية إيرانية على تلك المظاهرات بسيل لم يتوقف من المذابح .
وكم كان مؤثرا وصادما للعالم رفض السعودية لعضوية مجلس الأمن الدولي حين ذكر الأمير سعود الفيصل أن هذا المجلس فشل في ممارسة دوره المقرر في منع المذابح في سورية وفي وقف ما يتعرض له الشعب السوري من مآس.
واستمر الأمير سعود الفيصل في مواجهة الأطماع الإيرانية التوسعية حتى وهو يعاني المرض ولا يكاد يمشي إلا بعربة خاصة يستند عليها بذراعيه, ولا يكاد حتى يستطيع الحديث, ففي ملف سورية تصدى على الفور لكلمة للرئيس الروسي فلاديمير قرأها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شفهيا خلال القمة العربية في شرم الشيخ، فعقب الأمير سعود الفيصل على كلمة بوتين فبدأ بنقل تحيات خادم الحرمين الشريفين ليبين أنه يتكلم باسم الملك وأنه يرد على المستوى نفسه الذي تحدث فيه بوتين، ثم فند الأطروحات الروسية ورد عليها ولم يترك لكلمة بوتين أي أثر في أوساط المؤتمر.
هذا التدخل غير المعد له من الأمير سعود الفيصل أحبط المناورة الروسية التي كانت تهدف للتسويق للرئيس السوري بشار الأسد مرة أخرى عربيا وعالميا.
على المستوى الإنساني عُرف الأمير سعود الفيصل بعفة اللسان فلم يسبق أن صدرت عنه طوال أربعين سنة من الدبلوماسية أي إساءة لشخص أو مسؤول في دولة أخرى رغم ما كانت تتعرض له السعودية وما يتعرض له شخصيا من حفلات شتائم في الإعلام العربي الثورجي .
كما عرف بالتعامل الراقي مع الجميع حتى مع خصومه السياسيين ما جعله ذا شخصية تحظى بالتقدير دوما وهو أمر يصعب في ظل حدة الصراعات الدولية.
واشتهر الأمير سعود الفيصل بالعبارات الطريفة ذات المغزى خلال المؤتمرات الصحفية والمؤتمرات ومن ذلك حين حاصره الصحفيون في أحد المؤتمرات في الكويت من أجل تصريح صحفي وكان ذلك في شهر رمضان فرد عليهم وهو يغادر المؤتمر بالآية القرآنية "إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا"، ( الآية 26 سورة مريم ) فاختلطت حينها صدمة الصحفيين بضحكاتهم بسبب قدرة الأمير سعود الفيصل ولباقته وطريقته في الاعتذار عن التصريح .
وحصل خلال مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكان ظهوره الأول في عربه يستند عليها للمشي أن مازح الصحفيين بالقول "من يسابقني بهذه العربة.... هل من مبارز"؟
والأمير سعود الفيصل اشتهر عنه في وزارة الخارجية السعودية أنه كان يزور المرضى من موظفي الوزارة بشكل شخصي ومن دون تحضيرات أو مرافقين أمنيين ومن دون نشر خبر عن الزيارة.
الحديث عن الأمير سعود الفيصل لا ينتهي فللرجل مواقف ومقولات وقصص لا تنتهي سواء على مستوى العمل الدبلوماسي الذي امتهنه، أو على مستوى العمل البيئي حيث كان عضوا فعالا في هيئة الحياة الفطرية حيث ترجم خلال ذلك حبه الشديد للحياة الفطرية.
رحم الله الأمير سعود الفيصل فقد ترك للأجيال المقبلة مثالا يحتذى في مجالات عدة، وستتذكر الدبلوماسية في العالم طويلا أحد أهم رموزها وفرسانها.
التزام ثابت بدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الإنسانية
جاءت إشادة منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، الذي أجرى جولة في أحد مراكز توزيع المساعدات... اقرأ المزيد
48
| 01 ديسمبر 2025
المنطق والتفكير المنهجي وبناء الوعي المعاصر
من العلوم المهمة التي يتراجع الاهتمام بها مع وجود حاجة ماسة في ميدان التعليم بشكل خاص، ومفيدة في... اقرأ المزيد
51
| 01 ديسمبر 2025
زيارة البابا إلى الشرق الأوسط والعلاقات الكاثوليكية ـــ الإسلامية
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر، بعد تولّيه قيادة الفاتيكان ورئاسة العالم الكاثوليكي، بأول زيارة خارجية... اقرأ المزيد
60
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1722
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1575
| 25 نوفمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
1422
| 30 نوفمبر 2025