رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل أصبح الإرهاب لعبة هذه الأيام؟! ربما أراده البعض كذلك، لكنه استجاب لهم في البداية ثم استعصى عليهم بعد ذلك فأصبح غصة في حلوقهم!!
لعبة الإرهاب الحقيقية بدأت عام ٢٠٠١م وكانت أمريكا هي اللاعب الأساس فيها، بدأتها باحتلال أفغانستان ثم العراق، وكانت طبيعة هذه اللعبة تقتضي قتل عشرات الآلاف من المسلمين، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم إذا اقتضت قواعد اللعبة ذلك، كما أن الأمر كان يقتضي جر بعض البلاد العربية وغير العربية للمشاركة في هذه اللعبة كي تبدو مكتملة الاركان وقوية البنيان!!
وجدت أميركا وفي بداية تشكٌل لعبتها أن اللعب على أوتار الطائفية العمياء قد يخدمها كثيرا ويجعل مهمتها في احتلال العراق وأفغانستان أكثر سهولة وأمنا لها ولقواتها الغازية!! وبدأ الحاكم الفعلي للعراق آنذاك (برايمر) بوضع قواعد لعبة الطائفية ومن ثم تجربة هذه اللعبة على أرض الواقع!! وقد سمعت آنذاك - وعلى سبيل المثال - عراقيا يقول: عندي ولدان أحدهما عمر والآخر جعفر، وأنا أخشى على عمر من القتل إذا مرٌ من حارة شيعية كما أخشى على جعفر من الفتل إذا مر بحارة سنية!! وكان الحل لديه - كما قال - أن يودع كلا منهما عند أخواله حتى تنفرج الغمة!! ومن ذلك الوقت وحتى اليوم ونحن نسمع عن تفجيرات في الحسينيات وفي مواكب العزاء يقوم بها بعض السنة كما نسمع في الوقت نفسه عن تفجيرات في مساجد السنة يقوم بها بعض الشيعة، وما زال الأمر هكذا حتى اليوم.
العراق ومنذ مئات السنين وهو يعيش حالة انسجام تام بين سنته وشيعته، وبينهما تزاوج وتآلف وتعاون منقطع النظير فما الذي حدث حتى إنقلبت الأمور فجأة فأصبح الوضع مؤلما مبكيا لا يطاق؟ هل هي مناهج العراق الدينية أم قنوات التحريض أم المساجد والحسينيات؟!! في اعتقادي أن الأمر غير ذلك تماما!!
عدوى العراق انتقلت إلى باكستان وبدأت أعمال القتل والتفجير - ولم تكن هذه معروفة من قبل - ومارسها السنة والشيعة وإن كان السنة أكثر بحكم كثرتهم العددية قياسا للشيعة!! وهنا أعيد طرح السؤال مرة أخرى: هل مناهج التدريس في باكستان لها علاقة بالاقتتال الطائفي؟! وهل يتابع الباكستانيون قناة وصال أو قناة فدك؟! قطعا لا!! فالأمر مختلف جدا والاسباب غير ذات الاسباب التي يرددها بعض السعوديين في بلادنا خاصة بعد حادثة الدالوة المحزنة.
والدالوة قرية صغيرة في شرق الاحساء كانت تمارس طقوسها المعتادة كل عام بمناسبة استشهاد الامام الحسين عليه السلام وفي ليلة العاشر من محرم الحرام وقريبا من منتصف الليل هاجم بعض الإرهابيين حسينيتها فقتلوا مجموعة من أهلها وجرحوا مجموعة أخرى ثم فروا هاربين!! هذا الحدث كان بشعا ومؤلما، ولعل حدوثه لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية كان مصدر الألم والاستنكار والخوف أيضا!! هذا الحادث طرح أسئلة عديدة كان من أهمها: ماهي الأهداف الحقيقية التي أرادها المجرمون وهل ستتحقق؟! ثم هل سيكون هذا الحادث هو الأخير أم أن في ذهن أولئك القوم خطط أخرى بغية تحقيق مآربهم!!
وهنا لابد من القول: أنه وحتى كتابة هذا المقال لم تعلن وزارة الداخلية عن القبض على الفاعل الحقيقي للجريمة، وإنما كانت كل إعلاناتها أنها قبضت على مجموعة لهم علاقة بالجريمة، وهذا يتطلب عدم الاستعجال في طرح التهم هنا أو هناك حتى تتضح الحقيقة وإن كنا جميعا نتفق على بشاعة الجريمة وأن من قام بها مجرم يجب أن ينال عقابه.
ردة فعل أهالي المتوفين وكذلك أهالي الدالوة خاصة ثم كل شيعة السعودية كانت إيجابية إلى حد كبير، فهؤلاء ادركوا أن مواطنيهم السنة بريئون من هذه الجريمة فهم يعرفونهم حق المعرفة، كما أن السنة في السعودية كلها أثبتوا أنهم مع اخوانهم في الدالوة ضد تلك الجريمة النكراء والوقائع التي تلت تلك الجريمة وإلى هذه الأيام تؤكد ماأشرت اليه.
ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا يريد المجرمون من ارتكاب جريمتهم؟ وهل سيعيدون الكَرّة مرة أخرى مادامت أهدافهم لم تتحقق؟! الواضح للعيان أنهم كانوا يريدون إحداث فتنة طائفية بين السنة والشيعة في السعودية ربما على غرار مايحدث في العراق أو باكستان، لكنهم جهلوا أن الوضع في السعودية مختلف كثيرا عما يحدث هناك، ولكن جهلهم - الذي نعرفه نحن - قد لا يعرفونه هم وهنا لا بد من الاحتياط من تكرار تلك الفعلة وإن كانت بصور مغايرة.
وأسأل مرة أخرى: هل كانت المناهج الدراسية وخطباء الجمعة والحسينيات وقنوات التحريض حاضرة في هذا المشهد الدالوي المحزن؟! أقول: هذه كلها لها تأثير دون شك ولكنها ليست هي السبب وحدها فيما جرى، وما قلته عن العراق شاهد على ذلك!
وإذا كان السنة والشيعة جادون فعلا في تجاوز هذه الأزمة التي تضخمت وتورمت بعد أحداث ٢٠٠١ م وبمساعدة مافعله ويفعله الأميركان في العالم العربي فيجب أن يناقشوا الأمور والاسباب بكل صراحة وجدية!! فالكلام المعسول لا يكفي وحده وقد سمعنا مثله كثيرا ولكنه لم يوقف نزف الدماء على الإطلاق وانما مد جذوره الخبيثة إلى السعودية!!
أعتقد أن الاسباب السياسية التي مرت بها بلادنا العربية بعد الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان ثم مايجري هذه الايام في سوريا والعراق وفلسطين هو الدافع الأهم لكل مانراه ونسمعه!! يخطئ من يظن أن تلك الأحداث لا تؤثر على الواقع السني والشيعي في السعودية والبحرين بل وفي كل بلاد المسلمين عامة!! ويخطئ من يظن أن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين في ظل الدعم الأميركي لها، وكذلك قتل الأميركان للابرياء سواء في العراق او سوريا او اليمن او أفغانستان ليس لها علاقة بما يجري بين السنة والشيعة!! فالعقلية السنية ترى أن على الشيعة أن يستنكروا ذلك وهم لا يفعلون، وعقلية المتطرفين ترى أن محاربة السنة والشيعة واجب شرعي لأنهم يقفون مع الكفار، كما يرون أن احداث خلل امني مهما كان نوعه سواء في دول الخليج أو غيرها هو محاربة للأميركان لأنهم يعتقدون أن حكام هذه الدول يصطفون إلى جانب الأميركان فكل خسارة تحدث فهي بزعمهم خسارة للأميركان!!
لعبة الإرهاب مارستها بعض الدول مع شعوبها - وهذه هي الاخطر - فكل من يراد التخلص منه - لأي سبب - يمكن وصفه بالإرهاب، وهذه التهمة أصبحت من التهم المقدسة!! بمعنى إذا قيل إن فلانا إرهابيا فلا يجوز لأحد أن يناقش الأمر أو يتاكد من مصداقيته، وفي بعض الأحيان فالسائل قد يصبح هو الآخر إرهابيا!! هذا الواقع أوجد إرهابيين كثر ردة فعل عما شاهدوه من ظلم لحق بمن يعرفون براءته مما نسب اليه.
واقع الإرهاب معقد إلى حد كبير ولكن التعامل معه ليس مستحيلا إذا حسنت النيات من كل الأطراف ومن كل الحكومات فهو ليس أصلا في ديننا ولا في ثقافتنا، والذين يعتقدون أنهم سيحققون بعض المصالح إذا استخدموا لعبة الإرهاب فهم واهمون بلا ريب!! قد تتحقق مصالحهم بعض الوقت لكنه سينقلب عليهم حتما وسيذوقون ويلاته.
البحرين تستضيف هذه الايام مؤتمرا حول مكافحة تمويل الإرهاب ويشارك فيه مجموعة من الدول ومن المنظمات الإقليمية والدولية وكذلك جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون، وأتمنى النجاح لهذا المؤتمر، ولكنه - ولكي ينجح - لا بد له من مناقشة كل الاسباب التي تقود إلى الإرهاب والمال جزء بسيط منها، لا نريده أن يكون مثل عشرات المؤتمرات التي عقدت ولم يتحقق منها شيئ!! تشخيص المرض بدقة هو الذي يقود إلى العلاج الصحيح وبدون ذلك سيبقى الإرهاب يضرب بأطنابه هنا وهناك وسنبقى نتحدث عنه المرة تلو الأخرى ثم ننسى ماقلناه حتى نتفاجؤ بكارثة جديدة وهكذا دواليك.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2382
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2262
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025