رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بهاء الدين مكاوي

مساحة إعلانية

مقالات

807

بهاء الدين مكاوي

استعادة التماسك الاجتماعي في السودان بعد الحرب (2-3)

10 أبريل 2025 , 02:00ص

من أنجح التجارب لإعادة التماسك الاجتماعي تجربة جنوب أفريقيا. شهدت جنوب أفريقيا فترة من التمييز العنصري الممنهج، حيث صُنف السود والملونون والهنود كمواطنين من الدرجة الثانية. فُرضت إجراءات تمييزية صارمة شملت تخصيص مرافق عامة منفصلة للبيض، وتقديم تعليم متدني الجودة لغير البيض، وتقييد حركة السود من خلال نظام التصاريح. أدت هذه الممارسات العنصرية إلى شعور الجماعات غير البيضاء بالاضطهاد والظلم، ما أفضى إلى توترات اجتماعية حادة وصدامات عنيفة بين البيض من جهة والملونين والسود من جهة أخرى. هذا النظام العنصري، المعروف باسم «الأبارتهايد»، استمر لعقود قبل أن يتم تفكيكه في التسعينيات من القرن الماضي.

وبعد تاريخ طويل من التمييز العنصري تجاوز ثلاثمائة عام، سعت حكومة نيلسون مانديلا المنتخبة في عام 1994 إلى إشراك مواطني جنوب أفريقيا والمجتمع الدولي في نقاشات حول قضايا المساءلة عن الانتهاكات الماضية وتعويض الضحايا. استجابت منظمات المجتمع المدني لهذا النداء، وتشكل ائتلاف يضم أكثر من خمسين منظمة شاركت في حوار عام استمر لمدة عام كامل، وأسفر عن صدور قانون تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة لسنة 1995، والذي على أساسه تشكلت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا.

حُددت أهداف اللجنة في ثلاث نقاط هي: كشف أسباب وطبيعة انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في جنوب أفريقيا بين عامي 1960 و1994، وتحديد الضحايا بغية تقديم التعويضات المناسبة لهم، وأخيراً إتاحة العفو لأولئك الذين يقومون بالإفصاح الكامل عن دورهم في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت بدوافع سياسية. وقد تجنبت اللجنة نهج الانتقام في مقابل التركيز على كشف الحقيقة، واضعة نصب أعينها هدفاً نبيلاً يتمثل في «بناء جسر تاريخي بين ماضٍ مثقل بالجراح ومستقبل يقوم على أسس التعايش السلمي».

استمعت هذه اللجنة إلى شهادات نحو 21,000 ضحية، شارك 2,000 منهم في جلسات استماع علنية، وعملت إحدى لجانها الفرعية على تقديم الدعم والمساعدة للضحايا وأسرهم، كما نظرت في طلبات العفو التي قدمها مرتكبو الانتهاكات كجزء من عملية المصالحة الوطنية.. قدمت اللجنة تقريرها الذي اشتمل على توثيقٍ دقيقٍ للانتهاكات وتحديد الجهات المسؤولة عنها، وترافقت اعترافات الجناة مع شعور بالندم أخذ بُعداً روحياً، حيث كان للكنيسة دور محوري في هذا السياق، معتبرةً هذه العملية توبة عن الماضي الأليم وطياً لصفحاته السوداء، وتهيئةً لبداية جديدة تتسم بالخير وتبتعد بمرتكبيها عن الشرور والخطايا.

أصدرت جنوب أفريقيا دستوراً جديداً في عام 1996 أكدت من خلاله على ضرورة معالجة الانقسامات التاريخية وبناء مجتمع قائم على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية. كما نص الدستور على ضرورة بناء دولة موحدة وديمقراطية تقوم على أساس المواطنة المتساوية بين جميع أفراد الشعب، وصيانة الكرامة الإنسانية، والمساواة وحرية المعتقد الديني.

* ثالث التجارب التي يمكن الوقوف عندها والاستفادة منها هي تجربة أيرلندا الشمالية، فبعد صراع طويل في أيرلندا الشمالية يمتد جذوره إلى القرن السابع عشر، تفاقمت التوترات الطائفية بين الكاثوليك الذين طالبوا بالانفصال عن المملكة المتحدة وتوحيد أيرلندا، والبروتستانت الذين دعوا للبقاء جزءاً من المملكة المتحدة. استمر هذا الصراع من عام 1968 حتى 1998، وأسفر عن مقتل أكثر من 3500 شخص. انتهى الصراع بتوقيع اتفاق الجمعة العظيمة في 10 أبريل 1998، الذي نص على تقاسم السلطة بين الطائفتين، وتعزيز حقوق الإنسان، والمساواة في فرص العمل، ونزع سلاح المجموعات شبه العسكرية، وفتح قنوات للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.

مساحة إعلانية