رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. يحيى زكريا الأغا

مساحة إعلانية

مقالات

7446

د. يحيى زكريا الأغا

مدارس السلم بالدوحة.. تجربة رائدة لحماية التعليم

08 سبتمبر 2024 , 02:00ص

إن التعليم يعزز المعارف والمهارات، وينمي القيم الأصيلة، ويبني الأوطان، ويساهم في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، ويساعد على تحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة للدول، فما من دولة في العالم أولت اهتماماً بالتعليم، إلا وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة.

وما اهتمام الدول المتحضرة بالعلم والبحث العلمي إلا من أجل رفع مستوى الحياة للأفراد والمجتمعات، وتحقيق استقرار الشعوب، وفتح مجالات لخلق فرص عمل للجميع.

ونحن اليوم على أعتاب الاحتفال باليوم الدولي لحماية التعليم والمتعلمين من الحروب والكوارث والأزمات، والذي يصادف التاسع من سبتمبر من كل عام، يتجدد معه الأمل بضرورة التزام الدول دون استثناء بقرار الأمم المتحدة رقم 2601 لحماية التعليم وقت الأزمات، والذي تقدمت به دولة قطر، وحظي بموافقة العالم، لأنه يغطي أكبر شريحة فعّالة، ونشطة في المجتمعات، ويسلّط الضوء في نفس الوقت على ما تعرض ويتعرض له التعليم والقائمون عليه في مناطق النزاع من ويلات وكوارث لا يمكن السكوت عنها، وخاصة في الشرق الأوسط وبعض دول العالم، حيث وصل الاعتداء على التعليم من بعض الدول حدّاً لا يمكن أن يتصوره العقل، من هدم للمدارس والجامعات ومؤسسات التعليم، والتعدي على المعلمين، وقتل للأطفال الذين هم في عمر التعليم، ولنا في قطاع غزة مثال واقعي مؤلم، لذا كان لابد من هذا القرار الذي نأمل مع الدول الالتزام به بالشكل الذي يحفظ للتعليم والمتعلم مكانته.

لم تكن موافقة جميع دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تقدمت به دولة قطر إلا لاستشعارها بأن الخطر الذي لحق ويلحق المؤسسات التعليمية، أصبح يمثل كارثة إنسانية لا تهدد الدول محل النزاع بل هو كارثة على الدول المحيطة بها، بل والبعيدة، لِما يسببه من تطرّف فكري للمنقطعين عن التعليم، وسلوك غير منضبط في حياتهم، فيصبحون ورقة رابحة في أيدي المتنفذين، وصُنّاع الحروب.

إن الحق في التعليم لكل البشر ليس في وقت الرخاء فحسب، بل وفي زمن الكوارث والأزمات والحروب، وإذا كان الحق في التعليم واجب، فحماية التعليم والمتعلمين والقائمين عليه، وسائر العاملين في هذا المجال، هو حق أكثر وجوباً، سواءً كانوا داخل أوطانهم، أم الهاربون من الحروب، ومن هنا يأتي دور الدول والمؤسسات للقيام بدورها على أكمل وجه من أجل تطبيق القرار الصادر من الأمم المتحدة.

إن احتفال قطر مع العالم من أجل التذكير والتنويه بأهمية حماية التعليم وقت الأزمات، والوقوف إلى جانب الدول والأفراد دون النظر لجنس ولون وديانة الآخر والذين حرمتهم الحروب من استكمال دراستهم، فقد أسست مؤسسة التعليم فوق الجميع في إطار مشروع " سويا" بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، وبعض المؤسسات الخيرية، للطلاب الناطقين باللغة العربية وغير العربية، مدارس السَّلَم لتكون ترجمة صريحة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اقترحته قطر لحماية الطلاب من التسرب التعليمي، ومعالجة العوائق التي تمنع الأطفال في قطر من الالتحاق بالمدارس، وإتاحة إمكانية إتمام تعليمهم الجامعي، وتزويدهم بفرص متساوية للحصول على تعليم جيد، وكذلك للذين وجدوا في دولة قطر من الجاليات العربية وغير العربية مكاناً وملاذاً آمنا للعيش فيها هرباً من ويلات الحروب في بلادهم.

وتعتبر مدارس السَّلَم الخمس حتى الآن نموذجاً يُحتذى به، حيث تضم بين جنباتها العديد من الطلاب الذين وصلوا لقطر إما مستضافين أو زائرين لها، لتكون هذه المدارس حبل النجاة لهم، ومتساوقاً للقرار الأممي بحماية الطلاب، مع تقديم كافة التسهيلات لهم من أجل استكمال تعليمهم، في الدولة، ولم يقتصر الأمر فقط على التعليم النظامي، والمهني، بل يتعداه إلى التعليم الجامعي عن طريق تقديم منح للطلاب المتفوقين عبر برنامج "الفاخورة"،الذي هو جزء آخر من التعليم فوق الجميع. عندما أطلقت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر مؤسسة التعليم فوق الجميع عام 2012 كانت استجابة لفكر مُلهم نابع من المسؤولية الإنسانية التي تتمتع بها، واستجابة للواقع المؤلم الذي يعيشه بعض الطلاب في المناطق المهمشة في دولهم، والتي يصعب انتقال الطلاب من أماكن سُكناهم إلى المدارس، وكذلك ما يتعرض له الطلاب أثناء الحروب من عدم القدرة على مواصلة تعليمهم لأسباب كثيرة، فجاءت هذه الفكرة لتؤسس لمرحلة جديدة من مراحل العمل الإنساني الذي أتاح للطلاب فرصة استكمال تعليمهم في مدارس تم تأسيسها خصيصاً لهم في دولة قطر.

إن تجربة مدارس السَّلَم بدولة قطر يمكن اعتبارها تجربة رائدة، تفتح المجال أمام الطلاب لأمل كان صعب المنال، ولمستقبل كان مظلما، فبدأت أحلامهم تتحقق، وتُتَرجم على أرض الواقع، وأصبحوا ينظرون إلى العالم نظرة تفاؤل لتحقيق طموحاتهم، وكم هي القصص الملهمة التي كانت حبيسة في أفئدة الطلاب والطالبات التي تعكس طموحهم ورغبتهم في استكمال تعليمهم، وهذا ما شعرنا به عند دعوة الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم فوق الجميع وإدارة برنامج " سويا" لِلقاء المتفوقين من طلاب الثانوية العامة لهذا العام لتكريمهم، وكم كان مخزونهم الفكري قبل انضمامهم للمدرسة مؤلماً، فكانوا يشعرون بحالة إحباط شديد.

اليوم بدأت سفينة النجاة ترسو بالطلاب إلى بر الأمان، وبدأت مدارس السَّلَم تُخرّج طلاباً متفوقين سينضمون هذا العام، إلى طلاب الجامعات، وبدأت معها أحلامهم، ورؤاهم تتحقق في دولة قطر.

اليوم، وبعد إنجازات مؤسسة التعليم فوق الجميع بافتتاح هذه المدارس، وما تحقق من نجاحات، لم يبق أمامنا إلا توجيه رسالة شكر وتقدير لمن أطلق مبادرة "علّم طفلاً"، ولمن يُعلّم طفلاً، أو طفلة، ويبني مدرسة، فما بالكم بالذي يعلم أطفالاً، ويبني مدارس أو مؤسسات، وتحية لمن يرمم مدرسة، أو يؤسس مؤسسات تعليمية، أو يضع مدرسة أو جامعة على قائمة التراث العالمي لحمايتها من التدمير، وحماية جميع الطلاب والمعلمين، تحية لمن يرسم البسمة على جباه وعيون الطلاب بعد ان انقطعت بهم السُّبل، وتحية خاصة للكادر التعليمي والإداري بمدارس السَّلَم الخمس لجهودهم الجبارة في تحقيق هدف، ورؤية ورسالة المدارس التي من أجلها انطلقت، واستجابة للقرار الأممي، وتحية للتعليم فوق الجميع الذي يرعى هذه المدارس.

مساحة إعلانية