رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي محمد اليافعي

علي محمد اليافعي

مساحة إعلانية

مقالات

1632

علي محمد اليافعي

الشهيد خبيب بن عَدِيّ

07 يونيو 2016 , 12:40ص

إنه أنصاريٌّ أوسيّ من أهل بدر، واحدٌ من أولئك الثلاثمائة وبضعة عشر صحابيا، من الذين شهدوا يوم بدر، يوم الفرقان، ذلك اليوم العظيم في تاريخ الإسلام، الذي وقعت فيه أول معركة حاسمة بين جيش الحق، وجيش الباطل، نصر الله فيها جنده، وأعزهم وأظهرهم على عدوهم، وأظفرهم منهم مغانم كثيرة قد وعدها الله رسوله الكريم، والذين آمنوا معه، وكذلك يتولّى الله المؤمنين الصابرين، إذ استجاب سبحانه لاستغاثتهم وأمدهم بجند من الملائكة ظهير مترادف متتابع، بمددٍ من السماء، ممن بيده النصر، وله كلُّ الأمر.

هنالك في ذلك اليوم كُسرت شوكة المشركين، وغلبوا وتجرعوا شر هزيمة، وانقلبوا خاسرين صاغرين، قد قتل كبار رؤوسهم، وسادة زعمائهم، وتبددوا مذعورين، راجعين بالغُرم والندم، جزاء من حادَّ الله ورسوله.

إنه كان يومئذٍ بطلاً مجاهدا، وأسدا مقاتلا، أبلى البلاء الحسن، يصاول ويجالد عن الحق والإيمان لتعلو راية الإسلام، وليكتبَ للدين النصر والتمكين، لم يكن إلا ثابت القدم، صادق العزم، فأناله الله من عدوه، وأعمل فيهم سيفه، إنه ذلك الشهيد، إنه الصقر الكريم، ذو الروح الحميد، إنه خُبيب بن عَديّ، رضي الله عنه.

تحقق للمسلمين إذن في يوم بدر نصر مبين، وفوز ثمين، ولحقت بالكافرين، هزيمة منكرة، أذلتهم وأقضت مضاجعهم، وجعلت قرارهم لا يستقر، ونفوسهم لا تهدأ، قد ملئت غلاً وحقداً لما أصابهم من المسلمين، فأضمروا الانتقام، وأزمعوا عليه، وأخذوا يفكرون فيه، ويستعدون له، وشرعوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ليطفئوا ما في صدورهم من سخائم.

رأى رسول الله، والحالة تلك، أن يبعث عيوناً ليترصدوا الأخبار، ويتحسسوا الأنباء، ويستطلعوا الأحوال، فاختار لهذا رهطا من عشرة رجال، أمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، وكان من بينهم خبيب. انتَدَبَ الرهط لما أمروا به، ووُكِل إليهم، فساروا متوكلين على الله ربِهم، لا يعوق مسيرهم شيء، حتى بلغوا موضعا بين عُسفان ومكة، وساعتئذٍ عرف بهم وأحس، حيٌّ من عرب هذيل، يقال لهم بنو لحيان، فانطلقوا إليهم بنحو مئة رامٍ من رجالهم، وأخذوا يقتصّون آثارهم ويقتفونها، حتى أحس بهم عاصم وأصحابه، وعندئذٍ رأوْا أن يلجأوا إلى جبل، ويصعدوا قمته، ليحتموا منهم، ولكنّ القومَ أحاطوا بهم، وطوقوا عليهم الحصار، ثم صاحوا بهم: انزلوا، انزلوا، واستسلموا ولكم العهد والميثاق، ألا نقتل ولا نؤذي منكم أحداً.

تحيَّر العشرة، ونظر بعضهم إلى بعض، فبادر أميرهم عاصم، فقال: أيها القوم، أمّا أنا فلا أنزل على ذمة كافر. فاستقروا جميعا على رأيه هذا، والحق معه، إذ كيف يكون لمن لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر، عهد وذمة وخلق. وإذ ذاك طفق الرماة يرمونهم بالنبل، فقتلوا عاصما، وقتلوا معه آخرين، حتى بقي منهم ثلاثة، أحدهم خبيب بن عدي، والآخر زيد بن الدَثِنة، ورجل ثالث، نظروا بعد رويّة أن ينزلوا على عهدهم وميثاقهم.

لما نزلوا واقترب منهم القوم، واستمكنوا منهم، جعلوا يطلقون أوتار قسيّهم، ليوثقوهم بها، فقيدوهم، وإذ فعلوا ذلك، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والخيانة، والله لا أصحبكم، إن لي بمن استشهد من إخوتي هؤلاء أسوة حسنة. حاولوا أن يجروه غصْبا، فأبى واستعصى عليهم، ثم لم يروا محيصا غير قتله.

ثم إنهم انطلقوا بخبيب وصاحبه إلى مكة، وهم يعلمون أن معهم صيداً عظيما، سيفرح به أهل مكة، فيغنمون من هذا الصيد غُنما كبيرا، فلما بلغوا مكة، وذاع الخبر فيها، بمقدم هذين الأسيرين، كان له وقع جليل، وخاصة عند بني الحارث بن عامر بن نوفل، الذين قُتل أبوهم في يوم بدر، ولم يكن قاتلُه إلا خبيبا نفسه، القادم إليهم أسيرا مكبلا، فما كان منهم إلا أن سارعوا إلى ابتياعه بثمن غالٍ، وساقوه إلى دارهم وهم شامتون.

لبث خبيب عندهم أسيرا، لا يلقى ما للأسرى من حق، ومن معاملة حسنة، فقد كان الحقد قد أعمى بني الحارث وأوغر صدورهم، وصدهم عما كان في الأعراف والأخلاق عند العرب، من إكرام الضيف، وإغاثة المنقطع، فكيف بالأسير الرهين المقيد. ويا لله من الأحقاد، وطمسها لأنوار البصائر، وتقسيتها للأكباد.

لما علم خبيب بإجماعهم على قتله، وضربهم لذلك موعداً، وتيقن أن لا خلاص له من هذا المصير، أراد أن يتهيأ لملاقاة ربه، فطلب إلى بعض بنات الحارث، مُوسى، ليقضي بها تفثه، إذ كان في حياته نظيفا متطهرا، قد اعتاد على النظافة والطهارة، ويريد عند الممات أن تصعد روحه إلى بارئها وهو نظيف طاهر كذلك، هكذا هو طبعه، وهكذا علّمه دينه. فأعطته ابنة الحارث الموسى. ثم كان أن دخل على خبيب صبي لها حتى أتاه، وهي غافلة عنه، فلما شعرت ودرت، طار لبها، واستطار قلبها، وظنت ظن السوء، فهَرَعت تجري إلى حيث صغيرها، فوجدت خبيبا قد أجلسه على فخذه، وهو يهش به ويناغيه، فهدأ رُوعها، وخفّ ما وقع بها من فزع، وأحس خبيب ذلك منها، فقال لها متعجبا: أتخشين أن أقتله؟! والله ما كنت لأفعلَ ذلك أبداً. فأخذت ولدها وانصرفت وهي ذاهلة لا تدري ماذا تقول.

ثم إنها أخذت تفكر في أمر هذا الأسير، وتقول في نفسها: ما أكرم وأنبلَ هذا الرجل، أشهد أن له خلقا ومروءة، وطال تفكيرها في شأنه، حتى قالت لنفسها لا شك أن له دينا حسنا يأمره بالإحسان والخير، والمعروف والعدل، وينهاه عن الشر والسوء، والمنكر والبغي. وما استقر تفكيرها حتى شعرت بتقصيرها تجاه ما يجب لأسيرها من الإكرام والإحسان، فعزمت على أن تذهب إليه، وتقدم له ما كان ينقصه من طعام وشراب، ولكنها ما إن بلغته حتى راعَها ما شاهدت وعاينت.

شاهدت في يد خبيب عنقوداً كبيرا من عنب، يأكل منه، وما بمكة حينئذٍ عنب، فضلا عن أن هذا ليس إبان موسمه، ولكن الله على كل شيء قدير، يرزق من يشاء من عباده بغير تقتير. فانصرفت وقد أخذ منها العجب والدَّهَش، قائلة: أنّى له هذا؟! أنى له هذا؟! وذلك قبل أن يتبين لها الإسلام واليقين، وترى الحقائق بنور الإيمان المبين.

لقد حان الحَيْن، وقَرُب البَيْن، واقترب الوعد الحق، الذي ينتظره خبيب من ربه، وهو لا يبالي بشيءٍ في سبيله، إنهم قد خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلِّ، لم يجُل في خاطر خبيب يومئذٍ، ولم يذكر شيئاً من دنياه، إلا شيئاً واحداً هو عنده أغلى وأهم ما في الدنيا جميعا، ذلك الشيء هو الصلاة، أراد أن تكون آخر عهده بالدنيا، واشتاق قبل موته أن يسجد لله مولاه، فقال لهم: دعوني أُصلِ ركعتين. فتركوه وما أراد، فصلى ركعتين تجوَّز فيهما رغما عنه، وهو يود لو أطال، ولكنّ هناك سببا، في نفسه منعه، إذ قال لهم بعد أن فرغ من صلاته: والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت، لأطلت في صلاتي. ثم دعا عليهم بهذه الدعوة المخيفة المرعبة، التي أزعجت الكافرين: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحداً.

اشتد غضبهم إذ ذاك، وأزمعوا أن يصلبوه على جذوع النخل، ويشدوه إليها، وجاءوا من أمامه وفي أيديهم السيوف والرماح والحِراب، وفي وجوههم غلظة وغيظ وجفاء، وقال له بعضهم هازئاً: أتحب أن محمداً مكانك وأنت في أهلك سليم معافى؟ قال: والله ما أحب أني في أهلي، ويصاب محمدٌ رسول الله بشوكة. اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة بما يصنع بنا.

أبلغ الوحي رسولَ الله بأمر خبيب، فقال بينما هو جالس مع أصحابه: وعليك السلام يا خبيب، قتلته قريش.

ثم قُتل خبيب، ولحق بالرفيق الأعلى، ونفسه راضية مرضية، وكان آخر ما صَدَع به هذين البيتين، اللذين كانا خير ردٍّ منه على قاتليه:

ولست أبالي حين أُقتلُ مسلماً على أيِّ جَنبٍ كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإنْ يشأ يبارك على أوصالِ شِلْوٍ مُمزّعِ

اقرأ المزيد

alsharq صراخ يجرح القلوب الصغيرة

تعد الأسرة البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتلقى منها أولى خبراته الاجتماعية والنفسية. ويتأثر الطفل بدرجة كبيرة... اقرأ المزيد

486

| 10 أكتوبر 2025

alsharq ضيم المرض يمه

‏لديَّ هواية قراءة الشعر العراقي وأحببت أن أشارككم تجربتي في وضع أبيات باللهجة العراقية أشتكي فيها ضيم المرض... اقرأ المزيد

288

| 10 أكتوبر 2025

alsharq القضية تعرض شكواها في المحاكم الدولية

(سافرت القضيةَ تَعرضُ شكواها في رُدهةِ المحاكم الدولية، وكانت الجمعيةَ قد خَصصت الجلسةَ للبحث في قضيّةِ القضيّةَ، وجاءَ... اقرأ المزيد

78

| 10 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية