رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لو أن هناك رجلا وُلد على صهوة الخيل، ونشأ في ساحة الحرب، لكان ذلك الرجل هو خالد بن الوليد ، إنه الرجل الذي شهد زُهاء مائة زحف في جاهليته وإسلامه، كما قال هو نفسُه، كان يخوضها بقوته وإقدامه، ويخوضها أيضا بدهائه وحيلته، فقد أوتي رأيا سديدا، وفكرا ثاقبا، نتيجة عقله الحكيم المدبِّر الذي يحسن سياسة الحروب، ويجيد قيادة الجيوش، كان رجلا منذ عنفوان شبابه، وريعان أيامه، لا يعرف الراحة، ولا يحب لها طعما ولا يطيق لها وجها، بل كان يجد راحة نفسه في ميادين المصاولة، وساحات المبارزة، فهو جسور مقدام لا يهاب شيئا حتى الموت، فكيف يهاب شيئا دونه، وهو هادم كل شيء، حتى كأن قلبَ خالد قد قتل معنى الخوف فيه، ولم يعد يستطيب إلا تجشم المشاق، واقتحام الصعاب، وهو صاحب هذا القول المشهور الذي صار مثلا مأثورا أُخذ عنه: عند الصباح، يَحْمَدُ القومُ السُّرى.
كان قبل إسلامه يقاتل مع قومه قريش ضد المسلمين قتالا شديدا، دفاعا عما نشأ عليه من معتقدات موروثة باطلة، تشبث بها الآباء أخذا عن آبائهم الأولين، والتزموها اتباعا لهم على آثارهم، ومحاكاة لأفعالهم، وإن رأوا فيها خطأ ودَخَلا، وظنوا بطلانها، وأنها مجافية عن الحق، لا تغني عنهم شيئا، ولا تؤتي لهم نفعا، إلا أن الحرص عليها آتٍ من كونها مواريث ماضي الأجداد القديم التليد، وهم بأسلافهم يقتدون. ولكن رجلا كخالد بن الوليد له عقل وبصيرة لا بد له في يوم من أن ينظر الحق، ويتبين الصواب، فيهتدي من ثم إلى جادة الطريق، وإن امتد الزمن وطال، فإن ذا البصر، لا يعمى عن النور، ولو تغشاه الظلام، وذا البصيرة لا يخفى عنه الحق، ولو خدعته الأيام.
قرر خالد بن الوليد، في ذات يوم الخروج من مكة إلى المدينة مهاجرا إلى رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ليعلن إسلامه، وقبل خروجه لقي صاحبا أراد مثل ما يريد، وهو عثمان بن طلحة، فخرجا معا، وانطلقا سَحَرا، وفي أثناء سيرهما في الطريق، تقابلا مع عمرو بن العاص، الذي كان يريد الإسلام أيضا، والذهاب إلى المدينة، فاصطحبوا جميعا، حتى بلغوا غايتهم، في شهر صفر من السنة الثامنة للهجرة، وقصدوا رسول الله، الذي سُر لمقدمهم، وقال حينما رآهم: (إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها). واستقبلهم بوجهٍ طليق كما هي سنته المأثورة عنه، وأسلموا وشهدوا بالشهادتين، وفي ذلك الموقف أثنى النبي على خالد، فقال:(قد كنت أرى لك عقلا، رجوتُ ألا يسلمك إلا إلى الخير)، فقال خالد: يا رسول الله، استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله. فقال رسول الله:(إن الإسلام يجبُّ ما قبله).
منذ ذلك اليوم الذي أسلم فيه خالد، تشوقت نفسه إلى الجهاد في سبيل الدين، من أجل الذود عنه، ورفع لوائه ونشره عاليا في أفق السماء، حيث اعتاد وتمرس، حيث صهيل الخيول، وصليل السيوف، تعترك في ظلام القَتام، هنالك في ميدانه المبرَّز فيه، ميدان ساحة الحرب، وسط طليعة الجند، واتفق في تلك السنة الثامنة، أن جهز رسول الله، جيشا بلغ عدده ثلاثة آلاف مقاتل، وأمرهم بالسير إلى (مؤتة)، من بلاد الشام، للقِصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير رسوله إلى أمير بُصرى، وأمّر على هذا الجيش، زيد بن حارثة، وقال:(إن أصيب فالإمارة لجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فلعبد الله بن رواحة، فإن أصيب فليرتضِ المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم)، أما خالد بن الوليد، فقد كان في تلك المعركة جنديا في صفوف المقاتلين.
توجه المسلمون إلى حيث أمرهم رسول الله، فواجهتهم هناك جموع الروم المحتشدة في جيش عرمرم، زاد عدده عن مائتيْ ألف جندي، وتقابل الجمعان، ودار القتال، واحتدم النزال، ولنصغِ إلى رسول الله، الذي أخبر المسلمين في المدينة أنباء المعركة في مؤتة بوحي من السماء، فقال لهم:(أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد)، وذرفت عينا رسول الله بكاءً على أصحابه الشهداء، وسكت قليلا، ثم قال:(اللهم إنه سيف من سيوفك أنت تنصره). الله أكبر، أجل هذا هو لقب خالد بن الوليد، الذي اشتهر به، واقترن باسمه في دواوين التاريخ، حتى عُرف بسيف الله المسلول.
بعد استشهاد أولئك القادة الأمراء الثلاثة، اصطلح الجنود على خالد بن الوليد، وعقدوا لواء الجيش بيمينه، ولننظر كيف استطاع خالد بدهائه وعبقريته إنقاذ جيش المسلمين، والنجاة به من موت محتوم، ومصير مشؤوم، نتيجة الكثرة الهائلة لجيش الروم، إذ رأى خالد، أن الذي ينفعهم في مأزقهم هذا هو تدبير مكيدة وحيلة، تقومان مقام الإمداد والعتاد، وكذلك كانت الحرب منذ القِدم خُدعة، ولقد قيل: رب حيلة أنفع من قبيلة. فقام بتغيير نظام الجيش، فجعل المقدمة ساقة، والساقة مقدمة، وفعل مثل هذا التبديل بين الميمنة والميسرة، مما جعل العدو يعتقد أن المسلمين قد جاءهم مدد وغوث، ثم أمر خالد الجيش بالتراجع إلى الوراء رويدا رويدا، فأرهب ذلك الروم، إذ توهموا أن المسلمين يحاولون استدراجهم إلى الصحراء، إلى حيث يكمنون لهم في بقعتهم، التي يعرفونها جيدا. هنالك تزعزعت نفوسهم، ورجعوا القهقرى مخافة المغامرة، والانجرار إلى الخداع، ومن ثم السقوط في المكيدة، وبذلك تمكن خالد من أن يبقي على الجيش، ويفلت من هلاك محقق بهذا الانسحاب المخطط المدبر، الذي بدا كأنه ليس انسحاب المهزومين، ثم عاد الجيش إلى المدينة، وفي تلك المعركة دُقّ وتكسّر في يد خالد تسعة أسياف، ولم يبق في يده إلا صفيحة يمانية، ذلك هو فعل سيف الله في السيوف.
لم يهدأ خالد من بعدُ وما استقر سيفه في غمده، فبعد وفاة النبي، استمر في حماسته من أجل الإسلام، بل إنه ازداد حماسة وصرامة، في قتال المرتدين، ثم في قتال الفرس والروم، وكان لا يوجه ضربة لعدو إلا قصمه، ولا يدخل حربا إلا أيده الله بنصره، فكان ذلك مدعاة لافتتان الناس بشخصه، وذهابهم فيه كل مذهب، حتى ظنوا أن النصر يأتي من عنده لا من عند الله سبحانه، وأن في يده سيفا لا كسائر السيوف، بل سيف أُنزل عليه من السماء. في عهد خليفة رسول الله، أبي بكر الصديق، أرسله لمقاتلة الروم، وأمّره على جيش عظيم، حارب في واقعة اليرموك العظيمة، التي حدثت فيها أورع البطولات، وأعظم التضحيات، وفيها وقع هذا الحادث لخالد بن الوليد، الذي امتحن فيه أيَّ امتحان، فتصدى له بأبدع مثال.
بينما كان خالد يدير رحى القتال، ويصدر أوامره للجيش، في أيام القتال الشديدة الضارية، على أرض اليرموك، إذ فوجئ بكتاب قادم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فيه نَعْي خليفة رسول الله، وفيه أمر بتنحية خالد بن الوليد، عن إمرة الجيش، وتقليد أبي عبيدة بن الجراح، قيادة الجيش، يا له من نبأ عظيم! فما كان من خالد إلا أن استجاب لهذا الأمر، وانقاد له وأطاع، وتقبله بصدر رحيب، وخلق متين، ولم تفتر همته، ولم تتغير نفسه، وما خمدت جذوة إخلاصه لأمته وأميره، فهو لا يعنيه أن يكون قائدا، أو جنديا في صفوف المسلمين، ما دام يقاتل في سبيل دين، فكلٌّ في ذلك سواء.
كان ذلك الأمر من عمر بن الخطاب، صدّا للناس، وحجزا عن مبالغتهم وغلوهم في مآثر خالد ومناقبه، المفتونين بها. ولكن... ولكن لله درك يا خالد.
أما آن لهذا الفارس الهُمام المقدام أن يستريح بعد إتعاب الأعداء، وإرهاق الخصوم؟ بلى. لقد كان خالد بن الوليد، يمنّي نفسه بنيل الشهادة في الموطن الذي خُلق له، وعاش فيه جلَّ حياته، في ساحة الحرب، إلا أن المقادير شاءت أن ينال الشهادة لا قتلا في الميدان، بل موتا على الفراش، وأن يَقْضي شهيدا، وإن لم يقتل، ألم يأتِ في الحديث:(من سأل الله الشهادة بحق، بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)، غير أن خالداً توجع وتحسر على عدم موته مقاتلا والسيف في يده، وقال قولته الشهيرة الموجِعة المبكية، عند دنو أجله:(لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم، ثم هأنذا أموت على فراشي حَتْف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء).
فلا نامت أعين الجبناء يا خالد، فلا نامت أعين الجبناء، ولو شئتُ لرددتها مرات ومرات، ولكن نمْ يا خالد هانئا مطمئنا، قرير العين، ولينم كذلك أمثالك من الرجال المخلصين الكرماء، في عالم الخلود، وجنان الفردوس، بإذن الله الكريم.
عجزت النساء أن يلدن مثل خالد
هكذا أُغمد سيف الله في الثرى، ولو كان للأرض قلب وضمير، ما رضيت إلا أن يكون مسلولاً منشورا، تباهى به كواكب السماء ونجومها، ذلك خالد بن الوليد، رضي الله عنه، الذي قال في نعيه عمر بن الخطاب:(عجزت النساء أن يلدن مثل خالد).
التزام ثابت بدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الإنسانية
جاءت إشادة منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، الذي أجرى جولة في أحد مراكز توزيع المساعدات... اقرأ المزيد
87
| 01 ديسمبر 2025
المنطق والتفكير المنهجي وبناء الوعي المعاصر
من العلوم المهمة التي يتراجع الاهتمام بها مع وجود حاجة ماسة في ميدان التعليم بشكل خاص، ومفيدة في... اقرأ المزيد
153
| 01 ديسمبر 2025
زيارة البابا إلى الشرق الأوسط والعلاقات الكاثوليكية ـــ الإسلامية
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر، بعد تولّيه قيادة الفاتيكان ورئاسة العالم الكاثوليكي، بأول زيارة خارجية... اقرأ المزيد
147
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
1827
| 30 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1740
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1590
| 25 نوفمبر 2025