رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل كانت الحكومة القطرية تنظر لهدفها ما وراء الأفق عندما تقدمت لتنظيم واستضافة كأس العالم 2022 ؟، الشواهد الماثلة تؤكد أن قطر كانت على درجة عالية من الاحترافية وهي تقذف بالكرة فوق حائط الصد نحو منطقة الظل من المرمى فأحرزت الهدف على طريقة اللاعب البرازيلي الموهوب روبرتو كارلوس.
جاءت مبادرة قطر لتنظيم مونديال 2022 في وقت كان فيه المواطن الغربي تحت قبضة الآلة الإعلامية الغربية التي سعت بقوة لترسيخ صورتها النمطية للعرب والمسلمين في الوجدان الجمعي الغربي.. لم يكن ذلك الأمر وليد سنوات بل تمتد جذوره إلى مطلع القرن التاسع عشر، وتبدي تلك الصورة العرب والمسلمين على درجة من التخلف، ساهم في ترسيخ تلك الصورة استغلال الإعلام الغربي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إضافة لممارسات القتل الجماعي التي قامت بها الجماعات الإرهابية، وظلت تلك الصورة للعرب والمسلمين متمترسة في العقل الباطن لمواطني تلك المجتمعات، واللافت أن ذات الآلة الإعلامية واصلت نشر سمومها حتى لحظات انطلاق مونديال قطر 2022 فتحدثت عن تدني فرص نجاح المونديال وكأني بها تقول لعشاق المستديرة أن ابقوا بدولكم ولا تذهبوا إلى الدوحة.
ورغم ارتفاع حمى المحاذير تدفق مئات الآلاف من أبناء الغرب وعشاق الكرة في أضخم رحلة جماعية لبلاد العرب.. جاء بعضهم تدفعه المغامرة.. والغربيون يعشقون المغامرات.. جاؤوا من شرق أوروبا من بولندا وصربيا وكرواتيا...جاؤوا من تخوم بحر البلطيق ومن شط بحر الشمال.. من الدنمارك وهولندا ليعيشوا لحظات من المغامرة على طريقة أجدادهم الذين ركبوا البحر فتجاوزوا إندونيسيا حتى بلغوا أقصى الشرق، وجاء أشقاؤهم من بلجيكا وسويسرا وألمانيا وإنجلترا وويلز.. جاؤوا من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وجاؤوا من وراء المحيط.. من الولايات المتحدة وكندا من البرازيل والأرجنتين والأورغواي.. من أستراليا واليابان ومن كل فج عميق.
وصلوا دوحة العرب.. عبر كافة خطوط الطيران.. استقبلتهم حاضرة الإنسانية كعادتها في احتضان زوارها.. التقتهم بمحبة ودفء غير معهود في المجتمعات الغربية.
كانت دهشة الحضور ممتدة وهم يتنقلون عبر المترو إلى مواقع سكناهم في وسط المدينة وفي أطرافها وشواطئها وكان مصدر الدهشة هو حرارة الاستقبال وكلمات الترحيب والمشاعر الفياضة التي وجدوها مرتسمة على وجوه مضيفيهم المضيئة وإن عجز البعض عن ترجمة ذلك الترحيب إلى جملة من المفردات اللغوية، ولكن روعة الاستقبال وموسيقى أغنية المونديال كانت تنساب فلامست شغاف قلوبهم فلم يكونوا في حاجة لترجمان.
تركزت أوجه الدهشة في وجوه مئات الآلاف من الأوروبيين وعموم الغربيين لدى وصولهم قطر في محورين رئيسيين هما الإنساني والمادي.
في المحور الإنساني كانت الصورة النمطية للإنسان العربي في عقل المواطن الغربي كما أشرنا في صدر المقال، وكما أشار لها الداعية الأمريكي المسلم يوسف إستس، وغيره، تجسد العربي والمسلم كإنسان متخلف يأبى التطور ولا يجيد سوى إرسال لحيته والاهتمام ببعيره الذي يمكنه من اجتياز كثبان الصحراء، وكيف أنه يرفض مواكبة الحداثة ويرفض التحرر من تخلفه.
هكذا كانت الصورة رغم جهود بعض الجهات إبراز الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين إلا أن نتائج مخرجات تلك الجهود تبقى محدودة أمام ضجيج ومخرجات ماكينات الإعلام الغربي.
لمس ضيوف قطر عند مضيفيهم تجسيداً حياً لشعار المونديال الذي يقول:
يا حي من جانا ويا زينه من جيه
بنمدلك يا ضيف فنجانا ع الكيف
بيوتنا بيتك جيت بشتا أو صيف
يا دوحة الناس يا حب وإحساس
يا دوحة الناس بلا حد وقياسشعر الوافدون بصدق تلك المشاعر وهم يتلمسونها من أبناء قطر والمقيمين في غدوهم ورواحهم.. في مواقع سكناهم وفي وسائل النقل فتحرروا من قيد الخوف الذي بذرته أدوات إعلامهم. ركل زوار الدوحة الخوف فتراهم وقد تفرقوا في أنحاء المدينة.. فرّوا في الطرقات جماعات وفرادى فشكلوا إضافة ديمغرافية جميلة للمدينة، إذ تجدهم في الكورنيش.. في حديقة البدع.. وحدائق أسباير ودحل الحمام تجدهم وقوفاً وجلوساً في سوق واقف يتناولون الطعام القطري من هريسة وعصيدة ومضروبة وخنفروش وغيرها، ساعد على ذلك إحساسهم بالطمأنينة والأمن وهو إحساس باتوا يفتقدونه في معظم مدنهم في أوروبا وأمريكا. واللافت في الأمر هذا الإقبال الكبير على ارتداء الغترة ومن فوقها العقال.. إن ارتداء أهم مقومات الزي القطري لا نفاق فيه ولا مراء وإنما هو تجسيد لمحبة أهل البلاد واعتراف بقيمها وموروثها السمح.
على المستوى المادي فقد كانت مشروعات البنى التحتية من مترو وفنادق برية وعائمة وطرق وجسور علوية وحدائق غناء ونظافة كانت كلها محل تعجب ضيوف المونديال، صحيح أنهم كانوا يدركون أن ثمة تحولاً ونهضة عمرانية قد طالت مدن الصحراء إثر ارتفاع عائدات النفط والغاز ولكنهم لم يتوقعوا مدناً تضاهي أجمل مدنهم حداثة وجمالاً فزاد استخفافهم وسخطهم على الآلة الإعلامية الغربية، كما رسمت المساحات الخضراء بالمدينة خطوط الدهشة بينهم، ذلك أنهم كانوا يتوقعون مدينة من أسمنت مجرد.
مخطئ من يعتقد أن مولد مونديال قطر سينتهي بانتهاء صافرة حكم مباراة الكأس، إذ تؤكد قرائن الأحوال أن مخرجات مونديال قطر ستحدث انقلاباً عالمياً هائلاً ليس فقط بسبب تغير الصورة النمطية للعرب والمسلمين والتي سيعكسها مئات الآلاف من الذين جاؤوا لأرض المونديال، صحيح أن هؤلاء سيكشفون زيف وكذب الإعلام الغربي، ستحدث آثار المونديال الكثير من التحولات على مستوى الشعوب أبرزها التحرر من سطوة الإعلام الكذوب وسيطال الأمر الحكومات التي ستضطرها شعوبها إلى معالجة الكثير من المواقف المتعلقة بالمنطقة، سيمتد أثر المونديال وستكون له تداعيات عظيمة على عديد الملفات.
تحية لقطر حكومةً وشعباً على توجهها في إحداث هذا الانقلاب الكبير للصورة النمطية للعرب والمسلمين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4548
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3387
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1350
| 28 سبتمبر 2025