رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إنه شهر الساحرة المستديرة، شهر كرة القدم، شهر شد أنظار العالم في مختلف أنحاء المعمورة، شباب وكهول، نساء ورجال من مختلف الأعمار والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. رؤساء دول، سياسيون، مشاهير، نجوم وفنانون الجميع يشاهد ويراهن ويشجع ويفرح ويبكي، إنها كرة القدم اللعبة الأشهر على الإطلاق في العالم. حفل افتتاح المونديال في البرازيل يوم 12 يونيو الفائت شاهده 4 مليارات نسمة والنهائي يوم 13 يوليو مرشح لأن يُشاهد من قبل أزيد من هذا الرقم. فالعرس الكروي العالمي في البرازيل جلب مئات الآلاف من جميع أنحاء العالم إلى بلد السامبا. مئات الآلاف بألوان أعلام بلدانها مرسومة على وجوهها جاءت لتشجع وتستمتع وتظهر ولاءها وحبها لبلدها وكيف لا وأن البلد تأهل ضمن أحسن 32 دولة في العالم لمونديال كرة القدم. على مدى العقود الماضية أصبحت كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، بل بالنسبة للعديد من الدول والشعوب أصبحت رمزا للتفوق والتميز. إن استقبال المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم بعد عودته من البرازيل بعد تأهله لدور الستة عشر لأول مرة في تاريخه من قبل رئيس الدولة ورئيس الوزراء والحكومة والشعب لخير دليل على الزواج السعيد بين الرياضة والسياسة.
افتتاح المونديال تم بحضور شخصيات سياسية بارزة من رؤساء وملوك ومسؤولين سياسيين كبار من عدة دول من جميع أنحاء المعمورة. الحضور في مدرجات الملعب في مراسم الافتتاح فاق ال70 ألف متفرج وأمام شاشات التلفزيون عبر القارات الخمس فاق 4 مليارات نسمة. هذا الحضور وهذا الاهتمام العالمي يعتبر فرصة ذهبية للساسة وللحكام وللدول لإبراز العضلات والقوة ولاستغلال الاهتمام الجماهيري لتمرير الرسائل السياسية التي يريدها هذا الرئيس أو ذاك الزعيم. نهائيات كأس العالم لكرة القدم لم تعد لعبة ورياضة فحسب وإنما تخطت هذا البعد الرياضي لأبعاد أخرى مثل الاقتصاد والسياسة.
الرياضة إذن في القرن الحادي والعشرين ليست بريئة، مجرد رياضة بل هي تجارة ورعاية وإعلانات وسياسة…إلخ. وصدق "هتلر" يوما عندما قال " إن ملايين الناس المدربين على الرياضة الشغوفين بحب الوطن، المتشبعين بالروح الهجومية يمكن أن يتحولوا في رمشة عين إلى جيش". فالمنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم لكرة القدم سنة 2002 جعل 170 مليون برازيلي آنذاك ينسون هموم الفقر والمشاكل اليومية وسوء الإدارة والتسيير من قبل الحكومة البرازيلية، واستطاع أن يجعل هذه الملايين من البشر ترقص السامبا في عرس واحد وحفل واحد، الأمر الذي تعجز عن تحقيقه أية مؤسسة أخرى داخل البرازيل بما فيها مؤسسة رئاسة الدولة. ومن خلال الفوز بكأس العالم أدرك الرأي العام البرازيلي أنه بألف خير وأنه الأحسن والأقوى عالميا في ميدان كرة القدم وهذا إنجاز عظيم يجب أن تشكر علية وزارة الرياضة والشباب والاتحادية البرازيلية لكرة القدم والحكومة والرئيس البرازيلي. أكثر من هذا شعوب في دول عديدة رقصت السامبا وساندت الفريق البرازيلي وهنأت الرئيس البرازيلي والشعب البرازيلي بالإنجاز العظيم. هذه هي إذن الرياضة التي تخترق الهموم والمشاكل وتبرز الإنجازات والنجاحات. من جهة أخرى نلاحظ أن المونديال العشرين لكرة القدم في البرازيل جلب ويجلب الكثير من المتاعب للحكومة البرازيلية حيث أن المعارضة السياسية والنشطاء من مختلف أطياف المجتمع المدني تظاهروا ويتظاهرون ونظموا وينظمون مسيرات ضخمة لاستغلال الحدث العالمي والوصول للرأي العام المحلي والدولي للتعبير عن استيائهم من سياسة الدولة ومن استثمارها 11 مليارات دولار في بناء الملاعب على حساب أولويات أخرى كالمرافق الصحية والبنية التحتية وتوفير فرص العمل للبطالين.
في القرن التاسع عشر ربطت القوى الاستعمارية التطور والتفوق الرياضي بحركة الاستعمار وتفوق النظام الرأسمالي الغربي، وأصبح المتفوق في الرياضة هو المتفوق في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحضارة وأصبح المنتصر في الرياضة هو المنتصر في الحرب. وهكذا دخلت الرياضة السياسة وكيف لا وهناك دول استثمرت مليارات الدولارات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم أو لاستضافة الألعاب الأولمبية أو الألعاب الأسيوية أو الإفريقية أو ألعاب البحر الأبيض المتوسط إلى غير ذلك. وبذلك تم توظيف الرياضة في خدمة السياسة وأصبحت السياسة الرياضية جزءا لا يتجزأ من سياسة الدولة؛ وأصبح الأبطال في مختلف الألعاب والرياضات وخاصة الألعاب الأكثر شعبية ككرة القدم يقلّدون الأوسمة ويستقبلون استقبال المحررين المنتصرين من رئيس الدولة وتقدم لهم التهاني والتبريكات من قبل كبار السياسيين.
مع مطلع القرن العشرين تحوّلت الملاعب إلى فضاءات للدعاية السياسية وللتجنيد ولغسل الأدمغة وحتى للانقلابات العسكرية. فعبرت الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) عن حقها في تقرير مصيرها من خلال مشاركاتها المختلفة في المحافل الرياضية الدولية وكان فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري إبان استعمار فرنسا للجزائر خير سفير للقضية الجزائرية، ونلاحظ اليوم المنتخبات الفلسطينية ودورها الريادي والاستراتيجي بالتعريف بالقضية الفلسطينية وإسماع صوت أطفال الحجارة للعالم. كما عبّرت الأقليات والأعراق عن حقوقها من خلال الرياضة وخير دليل على ذلك الزنوج الأمريكيين ابتداء من العداء المشهور "جيسي أوينس" إلى الملاكم العالمي محمد علي الذي رفض أن يلتحق بالجيش الأمريكي في فيتنام. وهكذا بلغ استغلال الرياضة سياسيا ذروته مع صعود الأنظمة الشمولية في ألمانيا الهتليرية النازية وإيطاليا الموسولينية الفاشية والاتحاد السوفيتي من لينين إلى ستالين إلى كروتشف و بريجنيف…الخ. ففي سنة 1934 استضافت إيطاليا بطولة العالم لكرة القدم واستغل موسوليني والفاشيون الحدث وحوّلوا ملاعب كرة القدم إلى حلبات للدعاية وغسل الأدمغة وتجنيد الجماهير واستغلال حماسهم وروحهم الوطنية ومشاعرهم القومية. وفي سنة 1936 استضافت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية وجمعت برلين الرياضيين من جميع أنحاء العالم لكن بشرط أن يعلم الجميع أن العرق الآري هو أحسن عرق فوق الأرض وأنه وُلد ليتفوق وليحكم العالم. وهكذا زحفت ألمانيا من الملاعب المختلفة للرياضات الأولمبية إلى غزو جيرانها وإعلان الحرب على العالم. كما لا ننسى أن "هيتلر" رفض أن يسلم الميدالية الذهبية للعداء الأمريكي الأسود " جيسي أوينز" لا لشيء إلا لأنه أسود وحسب منطق "هتلر" لا يمكن للأسود أن يتفوق على الأبيض الألماني الآري.
الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية هي بدورها استغلت الرياضة لتأكيد تفوقها وقوتها. الاتحاد السوفيتي ومن كان يدور في فلكه وخاصة ألمانيا الديمقراطية ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا كانت هذه الدول كلها تستثمر استثمارا لا حدود له في مجال الرياضة وكانت تنفق مئات الملايين من الدولارات على رياضييها كما كانت تستعمل المنشطات وكل الوسائل للتفوق على المعسكر الرأسمالي. وكان الصراع يشتد دائما بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي في المحافل الرياضية الدولية وكانت دولة مثل ألمانيا الديمقراطية بحجمها الصغير وإمكانياتها المحدودة آنذاك تهزم في المسابقات الرياضية العالمية دولا عريقة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبريطانيا واليابان…الخ.
وابتداء من السبعينات من القرن الماضي ظهرت الحروب الخفية في المجال الرياضي باستعمال المقاطعة الرياضية، ففي سنة 1976 قاطعت معظم الدول الإفريقية الألعاب الأولمبية احتجاجا على مشاركة نيو زيلا ندا التي كانت تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع الأبارتيد بجنوب إفريقيا. وفي سنة 1980 قاطعت أكثر من 60 دولة الألعاب الأولمبية بموسكو احتجاجا على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. وفي الألعاب الموالية في سنة 1984 ردّ المعسكر الاشتراكي الصاع صاعين وتعامل بالمثل وقاطعت 18 دولة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها الولايات المتحدة الأمريكية في لوس أنجلوس متعذرة في ذلك بانعدام الأمن.
المونديال والألعاب الأولمبية والرياضة بصفة عامة ليست فقط كما نظّر لها "بيير دي كوبرتان" وغيره، مبادئ ومثل عليا وترقية المنافسة الشريفة وتربية الشباب بواسطة الرياضة وروح التفاهم المتبادل والصداقة من أجل بناء عالم أفضل وأكثر سلما، عالم تسوده القيم الإنسانية العليا، تسوده الأخلاق والمحبة والوئام، وإنما هي كذلك مظهر من مظاهر الصراع السياسي بين دول تتنافس وتتصارع كلها من أجل إثبات أنها هي الأقوى وهي الأحسن والأجدر بالفوز. فالخوف كبير على رئيسة البرازيل أن تتبخر أحلامها في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة إذا لم تفز البرازيل بكأس العالم وهذا أمر وارد جدا نظرا للأداء الباهت لفريق السامبا إلى حد الآن.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1719
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1572
| 25 نوفمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
1407
| 30 نوفمبر 2025