رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لقد شكلت معركة "جالديران"، التي وقعت بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الصفوية، عام 1514، منعطفًا تاريخيًّا وحدثًا هامًّا، من أهم الأحداث التاريخيّة في التاريخ الإسلامي، كما حوّلت تلك المعركة التي دارت بين الشاه إسماعيل الصفوي والسلطان سليم الأول مسار التاريخ إلى جهة مختلفة تمامًا، وأبقت العالم الإسلامي تحت تأثيرها لمئات السنين. فلو كتب للشاه إسماعيل الظفر بتلك المعركة، لكنا نعيش اليوم في عالم مختلف تمامًا.
لطالما وجهت الإمبراطورية العثمانية وجهها نحو الغرب، محققة فتوحات كبيرة داخل أراضي العالم المسيحي، فيما دأبت إيران على الدخول بحروب مع دول مسلمة مجاورة طيلة تاريخها. وعليه، فقد أوقفت الحرب التي أعلنها الشاه إسماعيل على السلطان سليم الأول، فتوحات العثمانيين وتقدمهم نحو الغرب، وأجبرتهم على التوجه نحو الشرق.
سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه إيران
لقد أصبحت الإمبراطورية العثمانية بعد معركة "جالديران" مركزًا للعالم السنّي، فيما ذُكِرت إيران منذ ذلك الحين، على أنها ممثلٌ للعالم الشيعي، ولم تدخل الدولتان في حرب مرة أخرى بعد ذلك التاريخ، ولم يطرأ أي تبدّل على الحدود المشتركة بينهما، والتي تم ترسيمها وفق معاهدة "قصر شيرين" الموقعة بين البلدين في 17 أيار\ مايو 1639، وبقي البلدان يتشاركان تلك الحدود حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من عدم اندلاع أي حرب فعليّة بين البلدين، إلا أنهما كانا في حالة منافسة دائمة داخل العالم الإسلامي والمنطقة.
وقد عززت تركيا علاقاتها مع إيران، خلال حكم حزب العدالة والتنمية، حيث شهدت العلاقات التركية الإيرانية تطورات ملحوظة، في إطار سياسة تعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية، التي بدأ بها رجب طيب أردوغان، وسادت حالة من الدفء في العلاقات بين البلدين.
وكانت تركيا ربما البلد الإسلامي الوحيد، الذي دافع عن إيران، وطالب أن يتم التعامل معها بشكل أكثر عدالة، عندما بدأت السجالات تدور حول ملفها وبرنامجها النووي. ورأت تركيا ضرورة امتلاك إحدى الدول الإسلامية لبرنامج نووي، مقابل امتلاك إسرائيل لبرنامج نووي في المنطقة. لقد استفادت إيران من الأطروحة التركية الموجهة لجميع دول العالم الإسلامي في مفاوضاتها الدولية، ما جعلها تقدم على المفاوضات بقدر عال من الاطمئنان. إضافة إلى أن تركيا، كانت البلد الوحيد الذي قدم دعمه لحزب الله اللبناني، إبان الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
سياسة التمدد الشيعي وجهت انتكاسة للعلاقات التركية الإيرانية
شاركت في العديد من اللقاءات والزيارات الرسمية، التي جرت بين الجانبين التركي والإيراني، في الفترة التي كنت فيها مستشارًا لرجب طيب أردوغان، وأستطيع القول إن أسلوب إدارة العلاقات السياسية الذي تنتهجه إيران، سبب لنا مفاجأة كبرى، حتى في تلك الفترة، حيث كان هنالك فرق شاسع بين ما يتم الحديث فيه خلف الأبواب المغلقة وما نشهده من تطورات على الأرض، بل وحتى أن إيران رفضت أن تكون إسطنبول مركزًا ونقطة انطلاقٍ للمفاوضات التي ستجريها حول برنامجها النووي، لكي لا تعطي تركيا التي طالمًا كانت لها عونًا أمام الدول الغربية، فرصة أن تكون بلدًا يمتلك دورًا حيويًا في ذلك الملف، لقد كانت السياسات الإيرانية تنتهج أسلوبًا غريبًا لهذه الدرجة.
شهدت العلاقات التركية - الإيرانية، برودًا ملحوظًا، بسبب الأزمة السورية وسياسات التمدد الشيعي التي اعتمدتها إيران في المنطقة، كما لم يرق لتركيا أسلوب "السياسة الفارسية" الذي تنتهجه إيران، فعمدت على تغيير أسلوبها، واتباع سياسات حذرة في التعامل معها. أمّا إيران، فقد سعت خلال تلك الفترة إلى بث مشاعر العداء تجاه تركيا، في سوريا والعراق ولبنان، وتقديم دعم خَفي، لأتباع المذهب الشيعي داخل تركيا، ولكم أن تتخيلوا كيف قام حزب الله، بتوجيه كلمات معادية لتركيا، والسعي لتشويه صورتها في المنطقة، بالرغم من أن تركيا، كانت البلد الوحيد الذي وقف إلى جانبه، خلال حربه مع إسرائيل في لبنان.
تركيا تحذّر "إيران الجشعة" لأول مرة
إن إيران، ترتكب ثاني أكبر خطأ في تاريخها، وتلقي بالعالم الإسلامي إلى نار الحرب الطائفية، بسبب سياساتها التوسعية، التي تعتمد على المد الشيعي في المنطقة، كما أن السياسات الهجومية والعدوانية التي تنتهجها إيران، إلى جانب سياساتها التوسعية، كانت السبب وراء احتراق سوريا والعراق ولبنان واليمن، بنار الحروب والنزاعات الطائفية.
وبعد الحرب الأهلية الأخيرة التي نشبت في اليمن، لم يبقَ بلد إسلامي واحد يقف إلى جانب إيران، ويتحالف معها، باستثناء الدول الواقعة تحت الاحتلال الإيراني، كما وجّهت تركيا، وللمرة الأولى، انتقادات لاذعة للسياسات التوسعية التي تتبعها إيران اعتمادا على التمدد الشيعي في المنطقة، والمواقف العدوانية تجاه دول الشرق الأوسط. ووصف الرئيس أردوغان السياسات التوسعية الإيرانية، ومساعيها لاحتلال عدد من دول المنطقة، بـ "غير المقبولة"، مطالبًا إياها صراحة بتغيير نهجها، والانسحاب فورًا من الدول التي تحتلها.
ما الذي تريد إيران فعله؟
أعتقد أن هذا السؤال هو السؤال الذي يدور في أذهان الجميع. يبدو أن إيران، وافقت على استعداء جميع دول العالم الإسلامي، مقابل تحقيق سياساتها الطائفية والتوسعية، وبما أنها وافقت أيضًا على خسارة تركيا، الحليف الأكثر أهمية بالنسبة لها، إذًا يجب أن يكون هنالك أسبابٌ مهمة جدًا، تقف وراء ذلك الإصرار على تحقيق تلك السياسات. إن الأوساط المتطرفة في إيران تطلق الآن زغاريد النصر، قائلين أنهم تمكنوا من تأسيس أكبر إمبراطورية شيعية عبر التاريخ، وأن العالم الشيعي بات يمتلك خمس عواصم، فهل هذا حقيقي؟ نعم، إنه حقيقي لكن كحلم عابر.. ذلك أن العملية العسكرية التي بدأت بقيادة المملكة العربية السعودية، واستهدفت مراكز الحوثيين في اليمن، أظهرت أن التأثير الذي تفرضه إيران على دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء اليوم، هو عبارة عن تأثير مؤقت، لا يمتلك جذورًا راسخة في الأرض، وهنا أود الإشارة إلى أن تركيا أعربت عن دعمها وتأييدها للعملية العسكرية التي حملت اسم "عاصفة الحزم".
وعليه، فإن "عاصفة الحزم"، تظهر قيام تحالف واسع ضد إيران، لن يقف عند حدود اليمن، بل سيمتد نحو البلدان الأخرى التي تشهد احتلالًا إيرانيًا. إيران من جهتها، ترى أنها تمكنت من تحقيق نصرٍ مؤَزَّر، من خلال "السياسات الفارسية" التي تتبعها، والتي تستمد القوة من روسيا والصين، وإسكات الولايات المتحدة من خلال مجموعة من الحيل والمكائد، ولكن الواقع ليس على ذلك النحو البتة، ذلك أن الدول الداعمة لإيران، هي نفسها الدول التي طالما دأبت على السعي وراء إشعال فتيل الحروب والنزاعات الطائفية، داخل العالم الإسلامي، وقد نجحت أخيرًا في الوصول إلى غايتها، لتبدأ صفحة جديدة من الحروب والنزاعات الطائفية في العالم الإسلامي، وذلك بفضل سياسات إيران الجشعة وتعصبها الطائفي الأعمى.
نحتاج لشرق أوسط جديد
تحول الشرق الأوسط إلى حمام دم، نتيجة اقتتال المسلمين بين بعضهم البعض، وبتنا بحاجة لشرق أوسط جديد، شرق أوسط جديد يُبنى من قِبلنا، تُحقن فيه دماء المسلمين، ويُوضع فيه حدٌّ للحروب والنزاعات الطائفية، ويَتم السعي فيه من أجل بناء وحدة إسلامية شاملة، تعلي من شأن الأمة وتنهض بها، وإلا فإن أوار ذلك الحريق سيفتك بنا جميعًا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2184
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
1965
| 10 ديسمبر 2025