تقارير وحوارات

1924

د. عبدالله سليمان لـ"الشرق": المقاومة الوطنية العراقية تعود للظهور باستراتيجية ميدانية جديدة

د. عبدالله سليمان الناطق الرسمي لكتائب ثورة العشرين في الذكرى 14 لاحتلال العراق:

الاحتلال لم يحقق أهدافه والمقاومة أثقلته بالخسائر المادية والمعنوية

المقاومة تستهدف كل الأهداف المشروعة للاحتلال الأمريكي الإيراني

لدينا مشروع متكامل في مواجهة أساليب الاحتلال المتعددة

شكّلنا رأس الحربة في ثورة العشائر منطلقين من المساجد والمحاضن الشعبية

تركنا الساحة لتنظيم داعش بعد أن رفض أي سلاح غير سلاحه

طبيعة المعركة فرضت علينا تعدد الرايات وهو ما ضمن لنا البقاء السنين الماضية

هناك تفاهمات سياسية وعسكرية ميدانية للأمريكان مع الإيرانيين

نشترك مع جميع فصائل المقاومة في استراتيجية إخراج الاحتلال

كتائب العشرين ما زالت تحافظ على هيكليتها ومكاتبها العسكرية

العملية السياسية فاشلة باعتراف أصحابها ولا حلّ إلا بعملية بديلة

المشاركون في العملية السياسية يحرصون على الحفاظ على مصالحهم الشخصية

احتلال العراق كان البداية لتمزق المنطقة وتقسيمها

انطلقت المقاومة العراقية منذ اليوم الأول لاحتلال العراق، وكانت أولى هجماتها عقب سقوط بغداد، ثم توالت عملياتها ضد الاحتلال الأمريكي تحت راية المقاومة الوطنية، إلا أنها تراجعت عن القيام بعمليات في الفترة الماضية "ما يقارب السنتين"، رغم أنها شكلت المجلس العسكري العام لثوار العراق.

تراجع المقاومة وصعود تنظيم داعش وسبقه القاعدة أثار الكثير من التساؤلات عن حقيقة وجودها، وسر اختفائها طيلة هذه المدة؟

في الذكرى الـ14 لاحتلال العراق، حاورت "الشرق" الدكتور عبدالله سليمان الناطق الرسمي لكتائب ثورة العشرين، للإجابة عن التساؤلات المفتوحة في الساحة العراقية، حيث أكد سليمان أن المقاومة الوطنية العراقية ستعود للظهور باستراتيجية ميدانية جديدة، لافتاً إلى أن المقاومة لم تنته كما قد يتوهم البعض، وأنها موجودة وتتوزع جغرافياً في عدد من المحافظات.

وقال: إن المقاومة هي التي طردت الأجهزة الحكومية التابعة للمالكي والميليشيات المتحالفة معها من الأنبار وديالى وصلاح الدين وحزام بغداد وكركوك، لكنها تراجعت مع انفراد تنظيم داعش بالساحة ورفضه لوجود أي راية أخرى، وفيما يلي نص الحوار:

* بعد مرور 14 عاماً على الاحتلال الأمريكي للعراق.. كيف تنظرون لوضعه حاليا؟

**بداية نشكركم على الاستضافة لتسليط الضوء على حقائق مغيبة من الواقع العراقي، فالعراق منذ الاحتلال حتى اليوم ينتقل من سيئ إلى أسوأ في شتى المجالات، فأربعة عشر عاما من الاحتلال الأمريكي للعراق حصدت ملايين الأرواح من الأبرياء ومعها ملايين الأرامل وأضعافهم من اليتامى، وهجّرت ملايين النازحين داخل العراق والمهجرين خارج البلاد، فضلا عن تدمير مدن عدة وقرى كثيرة، وسلب ونهب في شتى قطاعات البلاد، فالعراق اليوم - بسبب الاحتلال ومشاريعه - من أفسد البلدان وأكثرها فقداناً للأمان.

لكن رغم ذلك نعتقد أن مشروع الاحتلال لم يحقق جميع أهدافه، وتعرقلت بعض مراحله وفشل كثير من مخططاته، ونحمد الله أن فصائل المقاومة العراقية كانت السبب وراء ذلك الفشل للاحتلال، وهي التي أثقلت الاحتلال بالخسائر المادية والمعنوية.

موقع المقاومة

* ما موقع المقاومة العراقية الآن من الخريطة العراقية؟

**المقاومة العراقية لم تنته كما قد يتوهم بعضهم، فهي موجودة وتتوزع جغرافياً في عدد من المحافظات، ومن أهمها الوسط وغرب العراق وشماله، وهي موجودة في جميع المدن والقرى التي كان حضور المقاومة فيها قويًا في بدايات الاحتلال وسنواته التالية، فجميع الأحداث الماضية والحروب والدمار لم تؤثر بالكلية على وجود المقاومة وكياناتها.

* هل المواجهة مع داعش جعلتكم تتراجعون الى الوراء وتكتفون بالمراقبة؟

** فصائل المقاومة هي التي شكلت رأس الحربة في ثورة العشائر، واستطاعوا أن يطردوا الأجهزة الحكومية في زمن المالكي والميليشيات المتحالفة معها من محافظة الأنبار وديالى وصلاح الدين وحزام بغداد وأجزاء كبيرة من كركوك. وهي التي شكلت ما عرف وقتها بـ (المجلس العسكري العام لثوار العراق)، وكانت عموده الرئيس، ولكن حين ظهر تنظيم داعش وتفرد بالساحة ورفض أي راية أخرى؛ بل رفض أي سلاح آخر غير سلاحه، اضطرت الفصائل إلى ترك الساحة مجبرة في العديد من الجبهات.

* تحت أي لواء تنضوي المقاومة وما هدفها الرئيسي؟

** فرضت طبيعة المعركة على المقاومة أن تتعدد راياتها وتشكيلاتها التنظيمية، وهذا أمّن لها ديمومة بقائها ووجودها طوال السنين الماضية، فضلا عن التنوع في المدارس الفكرية، وهو تنوع كان في حدوده المعقولة ولم يتوسع كثيراً مقارنة بحالات أخرى قريبة أو بعيدة، وقد مرّت تجارب عدة استطاعت فيها المقاومة الاجتماع تحت عناوين جامعة وجبهوية قليلة العدد، ويمكن إعادة هذه التجربة عند توافر الظروف المناسبة، ولعل تجربة المجلس العسكري الذي شكل في عام 2013 وانحل بعد انتفاء الحاجة منه؛ خير شاهد على ذلك، حيث جمع تحت رايته 7 فصائل.

*هل الاحتلال الأمريكي الهدف الرئيسي للمقاومة أم الإيراني أيضا؟

**نحن نعتقد أن الاحتلال الأمريكي والإيراني وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يشترك في مشروع واحد وهو احتلال العراق، نعم توجد بعض التفاصيل التي يختلفان عليها؛ لكن من حيث الجملة هما متفقان وبينهما تفاهمات سياسية وعسكرية ميدانية، وخير دليل اشتراكهما الآن في الحرب ضد مدننا وأبناء شعبنا.

* نريد أن نعرف القارئ ما هي المقاومة العراقية وكتائب العشرين ومن قائدها وأهدافها وأماكن تموضعها ؟

** المقاومة حركة تحرر انطلقت من المساجد والمحاضن الشعبية؛ للقيام بواجبها الشرعي والوطني، من منطلق أنها حق مشروع حثنا عليه الشرع الحنيف وكفله المنطق البشري بما فيه القوانين الوضعية، التي أعطت الشعوب التي تتعرض للاحتلال حق الدفاع عن نفسها.

وقد نشأت المقاومة عقب الاحتلال بمجموعات صغيرة في أماكن متفرقة، ثم ما لبثت أن تطورت وتوسعت، وهي على تعدد فصائلها إلا أنها تشترك في الغالب الأعم في استراتيجية واحدة وهي إخراج الاحتلال الأمريكي ومن معه من العراق، ثم بناء مشروع سياسي عراقي خالص.

وكتائب ثورة العشرين إحدى تلك الفصائل التي تأسست عقب الاحتلال مباشرة، وسرعان ما تطورت وامتدت كتائبها لتنتشر من بغداد العاصمة إلى جنوبها وشمالها، وإلى الأنبار غربا وديالى شرقا وصلاح الدين وكركوك ونينوى شمالا، ولها تاريخها المقاوم المعروف، فهي من أقدم الفصائل انطلاقاً بعد الاحتلال، وستحتفل قريبا بذكرى تأسيسها الرابعة عشرة، وقد نشطت تحت مسمى حركة المقاومة الإسلامية - كتائب ثورة العشرين في بادئ أمرها، ثم غلب عليها اسم (الكتائب)، ومازالت حتى اللحظة محافظة على هيكليتها العامة ومكاتبها العسكرية والسياسية والإعلامية، والأذرع المساندة لها، لاسيما الجهد المدني المتعلق بالإغاثة وتوابعها.

* أيضا أريد معرفة استراتيجيتكم في المرحلة المقبلة؟

**استراتيجيتنا ثابتة وهي تحرير العراق وإنهاء الاحتلال وإزالة جميع آثاره، واستعادة العراقيين لأمنهم واستقرارهم، واستعادة العراق لمكانته في المنطقة، ولم تتغير هذه الاستراتيجية، لكن من حيث التكتيك فلكل مرحلة متطلباتها، وفي المنظور القريب سنعمل على الانتقال من مرحلة الإعداد وإعادة التنظيم إلى الظهور الميداني واستهداف كل الأهداف المشروعة سواء كانت احتلالا أمريكيا أم إيرانيا، أما إعلاميا وسياسيا ومدنيا فعلينا واجبات ثقيلة في مداواة جراح الناس وإعادة الأمل في نفوس الكثير ممن فقدوه أو كادوا، كما نحتاج إلى جهد كبير لإعادة التنسيق بين الفصائل بعد مدة طويلة من الغياب الميداني الاضطراري.

* ماذا بعد رحيل الاحتلال.. هل تملكون مشروعا وطنيا لإعادة العراق إلى حاضنته العربية والإسلامية ؟

** للأسف يتوهم كثيرون بأن (المقاومة) محصورة في حمل السلاح فقط، ونحن نقول إننا مشروع متكامل في مواجهة مشروع احتلال متعدد الأساليب، وبالتأكيد الجانب العسكري هو الركيزة الأساسية للمقاومة لكنه ليس الوحيد، ومن هنا فإننا إذ نقاوم الاحتلال الأمريكي ونواجه مشروعه عسكريا؛ فإننا أيضا نواجهه سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وعليه فإن البديل لمشروعه السياسي الذي يريد منه تثبيت الاحتلال؛ سيكون مشروعا وطنيا، وقد سبق وأعلنا عنه في مطلع عام (2012) بعد إعلان الاحتلال عن سحب اكثر قواته في نهاية عام (2011)، بالتعاون مع إخواننا في جبهة (الجهاد والتغيير)، وتضمن برنامجًا تنفيذيًا لما يمكن أن يعمل لأجل العراق بعد التحرير، ومن أهم مبادئه عدم تفرد جهة بإعلانه ولا الوصاية على تنفيذه، فهو مشروع وطني تشترك فيه جميع القوى العراقية المخلصة، التي لم تلوث نفسها بمساندة الاحتلال ولم تكن جزءاً من مشاريعه.

* كيف تنظرون لبعض المشاريع السياسية التي تهدف لإجراء إصلاحات في بنية الدولة مع إبقاء الوضع على ما هو عليه؟

** لقد وصلت العملية السياسية الحالية إلى طريق مسدود، وفشلها يعترف به أصحابها، لكنهم رغم هذا الاعتراف؛ متمسكون بها والسبب هو الحرص على البقاء فيها ما أمكن؛ نظرًا للوضع الذي تتيحه لمن هو فيها، من منافع على حساب العراق والعراقيين، ونحن إذ شخصنا هذه الحالة منذ البداية فإننا نزداد اليوم قناعة بوجوب إزالتها كأثر من آثار الاحتلال الأمريكي الإيراني، ونؤمن بأن جميع ما حلّ بالعراقيين من كوارث كان من نتائج هذه العملية السياسية أو تمّ تحت مظلتها.

* ما رأيكم في دعوات شيعية عراقية تطالب بتغيير الحكومة وتحرير العراق من النفوذ الإيراني؟

** جميع الذين دخلوا في العملية السياسية يحرصون على مصالحهم الشخصية والحزبية على حساب الوطن، وأي تصريحات منهم نجدها تنحصر في إطار (إصلاح العملية السياسية) ويعنون ذلك الإبقاء على الهيكل العام وتغيير بعض المفردات بما يتناسب مع مصالحهم، وأي تصعيد في نبرة الخطاب نجدها دائما تتزامن مع مرحلة انتخابية جديدة، فالإصلاح الذي يقصدونه هو تحسين مواقعهم في مواجهة منافسيهم داخل هذه العملية السياسية.

فصائل المقاومة العراقية

* شكك بعض المحللين بالبيان المشترك الذي نشر باسم عدد من فصائل المقاومة العراقية قبل أيام وكنتم أحد الموقعين عليه.. فما حقيقته؟

** نعم لقد أصدرنا بيانا مشتركا مع عدد من فصائل المقاومة العراقية، وكان هدفنا من البيان إثبات وجودنا ردا على الذين يقولون بانتهاء عهد المقاومة العراقية، ولبيان سبب عدم ظهور عمليات عسكرية نوعية في السنتين الأخيرتين، وبينا الظروف القاهرة التي أجبرتنا على هذا الخيار، وأردنا من البيان أيضا تحذير بعض الأطراف التي تتاجر للأسف باسم المقاومة وتاريخها لتحقيق مكاسب دنيوية.

* بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض خرجت بعض التصريحات الأمريكية تطالب إيران بتقليل نفوذها في العراق وتحجيم دورها.. برأيكم الإدارة الأمريكية جادة في إجبار إيران على الانسحاب من العراق؟

** ربما أشرنا فيما سبق إلى أن التحالف الأمريكي الإيراني هو تحالف استراتيجي ولا سيما في ما يتعلق بالعراق، وكل من الطرفين يحقق أهدافه بمساعدة الآخر، ولولا هذا التحالف والتعاون لما استطاع أحد منهما تحقيق ما وصلا إليه، وعليه فلا نتوقع أن يضحي أحدهما بهذا التحالف ويخسر الآخر فيما يتعلق بالملف العراقي، أما الخلافات الأخرى بينهما فالطرفان فيمكنهما التوصل فيها إلى حلول، ومنذ سنوات طويلة ونحن نشاهد هذا التناقض بين الأقوال والأعمال؛ فإعلاميا وسياسيا نشهد شحنا وتوترا؛ بينما على الأرض نجد تعاونا وثيقا.

الموقف من سوريا واليمن

* أخيراً.. ما موقفكم مما يحدث في سوريا واليمن؟

** لقد حذرنا في السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق من أن ما حدث من احتلال العراق إنما هو مقدمة لتنفيذ مشروع تمزيق المنطقة جميعا، وبالفعل هذا ما حدث بعد سنوات حين عمّت الفوضى جميع المنطقة بعد الضوء الأخضر الأمريكي لإيران بالتمدد وتنفيذ مشروعها في سوريا واليمن بعد العراق، وقد ذكرنا في بيانات سابقة هذا الأمر بكل وضوح، ودعونا بقية البلاد العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف حاسم لمواجهة التمدد الإيراني، فالمشروع واحد، والشعوب التي تواجه هذا المشروع تنطلق من منظور واحد.