رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات alsharq
القرضاوي: الخطبة المحرمة غير مقارنة للعقد فلم تؤثر فيه

الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة : الثامنة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) أثر خطبة المعتدة والمخطوبة في صحة عقد الزواج: ذهب الجمهور إلى صحة عقد الزواج على امرأة تحرم خطبتها على العاقد، ولا يحرم زواجها به، كأن يكون خطبها على خطبة أخيه، أو خطبها في عدتها، مع الإثم والحرمة؛ لأن الخطبة المحرمة غير مقارنة للعقد فلم تؤثر فيه؛ ولأنها ليست شرطا في صحة النكاح، فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة. وعن المالكية ثلاثة أقوال ذكرها ابن رشد قال: ((واختُلف إن خطب الرجل على أخيه في الموضع الذي لا يجوز له، فأفسد عليه وتزوَّج هو، فقيل: النكاح فاسد لمطابقة النهي له، يفسخ قبل الدخول وبعده، ويكون فيه الصداق المسمى، وقيل: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، وقيل: يمضي النكاح ولا يفسخ، وقد حَرِج وأَثِم وظلم الذي أفسد عليه، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره ويتحلَّل الرجل، فإن حلَّله وإلا ترك المرأة وطلَّقها، فإن لم يتزوَّجها الرجل تزوَّجها هو بعدُ إن شاء)). والمشهور من المذهب أن العقد يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده. وذهب الظاهرية إلى أن العقد على من خُطِبت في عدتها باطل، يجب فسخه، سواء أكان ذلك قبل الدخول أو بعده، قال ابن حزم: ((ولا يحل لأحد أن يخطب امرأة معتدَّة من طلاق أو وفاة، فإن تزوجها قبل تمام العدة فسخ أبدا — دخل بها أو لم يدخل، طالت مدته معها أو لم تطل — ولا توارث بينهما، ولا نفقة لها عليه، ولا صداق ولا مهر لها)). والذي نميل إليه أن الخِطبة إذا كانت محرمة، يجب على المسلم الذي يخشى الله ويخاف عقابه أن يبتعد عنها، وعن كل ما يغضب الله تعالى، ولكننا مع ذلك لا نرتب على هذا التحريم إبطال العقد أو فسخه، خاصة بعد البناء، وعلى من خطب على خطبة أخيه، أو خطب امرأة في عدة طلاقها: أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما فعل، وأن يسترضي الخاطب الأول أو الزوج الأول ما أمكنه ذلك. ما يباح رؤيته من المخطوبة لم يحدد الحديثان السابقان القدر الذي يباح النظر إليه من المرأة المخطوبة، وقد روي الإمام أحمد وأبو داود عن جابر أن النبي قال: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها (زواجها) فليفعل". قال جابر: فخطبت جارية من بني سَلِمة، فكنتُ أتخبَّأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى زواجها". ومذهب الإمام أحمد جواز النظر إلى الوجه والعنق واليدين والقدمين. وقال بعض العلماء: لا ينظر إلا إلى الوجه والكفين. ولكن الوجه والكفين تـجـوز رؤيتـهـا — بدون شهوة — في غير الخِطبة، وما دام ظرف الخِطبة مستثنًى، فلا بد أن يجوز له أن يرى منها أكثر مما يجوز في الظروف المعتادة الأخرى. وقد جـاء في حديث جابر الذي ذكرناه: "إذا خطب أحدكم المرأة، فقدر أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". وقد تطرَّف بعض العلماء في الترخيص بالقدر الذي يُرى، وتطرف آخرون في التشديد والتضييق، والخير في التوسط والاعتدال. وقد حدَّده بعض الباحثين بأن للخاطب في عصرنا الحالي أن يراها في الملابس التي تظهر بها لأبيها وأخيها ومحارمها بلا حرج، قال: بل له في نطاق الحديث الشريف أن يصحبها مع أبيها أو أحد محارمـهـا — وهـي بزيـهـا الـشـرعـي — إلـى ما اعتادت أن تذهب إليه، من الزيارات والأماكن المباحة؛ لينظر إلى عقلها وذوقها وملامح شخصيتها، فإنه داخل في مفهوم (البعضية) التي تضمنها قوله عليه السلام: "فقدر أن ينظر منها إلى بعض ما يدعوه إلى زواجها". ومن حديث المغيرة الذي ذكرناه نعلم أنه لا يباح للأب المسلم باسم التقاليد أن يمنع ابنته أن يراها من يريد خِطبتها صادقًا، فإن الواجب أن تخضع التقاليد للشريعة، لا أن تخضع شريعة الله لتقاليد الناس. كما لا يحل للأب ولا للخاطب ولا للمخطوبة أن يتوسَّعُوا في الرخصة، فيلقوا الحبل على الغارب للفتى والفتاة باسم الخِطبة، يذهبان إلى الملاهي والمتنزهات والأسواق، بغير حضور أحد من المحارم، كما يفعل اليوم عُشَّاق الحضارة الغربية والتقاليد الغربية. إن التطرف إلى اليمين أو اليسار أمر تأباه طبيعة الإسلام. الخطبة في أثناء الإحرام اختلف الفقهاء في خطبة المحرم وزواجه، وكذلك خطبة المحرمة وزواجها، فذهب الجمهور إلى أنه يكره للمحرم أن يخطب امرأة ولو لم تكن محرمة، كما يُكره أن يخطب غير المحرم المحرمة، ويحرم عليهما عقد النكاح، واستدلوا بحديث مسلم عن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح ولا يخطب". ولأن الخطبة تراد لعقد النكاح فإذا كان ممتنعا كره الاشتغال بأسبابه؛ ولأنه سبب إلى الحرام. وخالف ذلك الأحناف، فقالوا بإباحة الخطبة والزواج للمحرم، واستدلوا بحديث ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة وهو محرم. وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالًا. هكذا رواه أكثر الصحابة، قال القاضي عياض وغيره: ولم يَرْوِ أنه تزوجها محرمًا إلا ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوَّجها حلالًا، وهم أعرف بالقضية لتعلُّقهم به، بخلاف ابن عباس؛ ولأنهم أضبط من ابن عباس وأكثر. الجواب الثاني: تأويل حديث ابن عباس على أنه تزوجها في الحرم وهو حلال، ويقال: لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالًا. وذهب ابن تيمية إلى تحريم خطبة المحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيًا واحدًا، ولم يفصِّل، وموجب النهي التحريم، وليس ما يعارض ذلك من أثر أو نظر. ونحن نرى ما يراه الجمهور من كراهة الخطبة في أثناء الإحرام بحج أو عمرة، ونتأول ما قاله ابن عباس بما تأوَّله به الجمهور. النظر إلى المخطوبة ومن جميل ما شرعه الإسلام أن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، ليطمئن إلى خلوها من العيوب الظاهرة، ويرى موقفها من نفسه: أهو القبول والرضا، أم الصدود والنفرة؛ فإن العين رسول القلب. فيشرع للمسلم إذا عزم على الزواج، واتجهت نيته لخِطبة امرأة معينة أن ينظر إليها، قبل البدء في خطوات الزواج، ليقدم عليه على بصيرة وبينة، ولا يمضي في الطريق معصوب العينين، حتى يكون بمنجاة من الوقوع في الخطأ، والتورط فيما يكره. هذا لأن العين رسول القلب، وقد يكون التقاء العين بالعين سبيلًا لالتقاء القلوب، وائتلاف الأرواح. روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنتُ عند النبي، فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فقال رسول الله: "أنظرتَ إليها؟". قال: لا. قال: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا"( ). وروى المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما". فأتى أبويها، فأخبرهما بقول رسول الله، فكأنهـمـا كـرهـا ذلك.. فسمعت ذلك المرأة وهي في خِدْرها، فقالت: إن كان رسول الله أمرك أن تنظر، فانظرْ. قال: فنظرتُ إليها: فتزوجتها. وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن هذا النظر مندوب، للأمر به وتعليله بأنه: "أحرى أن يؤدم بينهما". أي تدوم المودة والألفة. وأزيد أن توجيه النبى إلى رؤية المخطوبة للتأكيد على حق الخاطب في ذلك، لئلا يمنعه وليها من ذلك. وهنا ينبغى أن نفرق بين أعراف الناس وتقاليدهم وأحكام الشريعة إذا وجد تعارض، وعلى المسلم أن يتحرَّى الشرع، ويشرع في تصحيح ما يتعارض معه. يحرم على المسلم أن يخطب امرأة يحرم عليه الزواج بها يحرم على المسلم أن يخطب امرأة يحرم عليه الزواج بها؛ لأن الخطبة مقدمة للزواج، ويشمل ذلك محارمه المذكورات في سورة النساء: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء:22 — 23]. وكذلك تحرم خطبة المشركة غير الكتابية، سواء أكان لها دين غير سماوي كالهندوس والبوذيين وغيرهم، أو كانت ملحدة ليس لها دين أصلًا، كمن تتبنى الفلسفة الشيوعية أو الوجودية، لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}[البقرة:221]. أما خطبة المسلم لمرأة كتابية وزواجه منها فمستثنى من ذلك الحكم بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة:5]. وكذلك يحرم خطبة الزانية المعالنة بالزنى، لقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور:3]. وسنفصل الحديث في ذلك في المحرمات من النساء.

5394

| 12 يونيو 2016

محليات alsharq
القرضاوي: أفضل الطرق للزواج هو الاختيار الهادئ العاقل من كلا الطرفين

الزواج أنجع الوسائل لعلاج الحب العذرى الحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية العشوائية عواقبه غير محمودة المرأة الخالية من الزواج والعِدَّة وموانع النكاح تجوز خطبتها الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: السابعة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) الحب قبل الزواج أود أن أؤكِّد أني لا أحبذ ما يقوله بعض الناس في عصرنا من ضرورة (الحب قبل الزواج)؛ لأن هذا الطريق محفوف بالخطر، محاطٌ بالشبهات. فكثيرًا ما يبدأ بداية غير سليمة ولا مستقيمة، كالحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية التليفونية العشوائية، التي يتسلَّى بها بعض الشباب في فترات فراغهم أو مللهم أو عبثهم، فتستجيب لهم بعض الفتيات، وهذا يحدث عادة من وراء الأهل، وبدون اختيار ولا تفكير، لا من الفتى ولا من الفتاة، فهو يبدأ — كما قالوا في التدخين — (دلعًا) وينتهي (وَلَعًا)، يبدأ هزلًا وينتهي جدًّا. وكثيرًا ما يؤدِّي إلى عواقب غير محمودة؛ لأنه يكون بعيدًا عن دائرة الضوء، مع طَيْش الشباب، وتحكم العواطف، وغلبة الهوى، وسيطرة الغرائز، ووسوسة الشياطين من الإنس والجن، وفي مثل هذا المناخ لا يبعد من الفتى والفتاة أن يقعا في الخطأ، وهما ليسا من الملائكة المطهَّرين، ولا الأنبياء المعصومين. وفضلًا عن هذا وذاك قد يكون الحب بين طرفَيْن غير متكافئَيْن اجتماعيًّا أو ثقافيًّا، فتحول دونهما الحوائل، وتقف العقبات والعوائق دون ارتباطهما بالزواج، وفي هذا ما فيه من حرج الصدر وشتات الأمر. وأرى أن أفضل الطرق للزواج هو ما تعارفت عليه مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل الغزوة الثقافية الغربية لأمتنا، وهو الاختيار الهادئ العاقل من كلا الطرفين لشريكة الحياة أو شريكها، بعد الدراسة المتَّزِنة لشخصية كل من الشابِّ والشابة، وملاءمة كل منهما للآخر، من الناحية الشخصية، ومن الناحية العائلية، وإمكانات النجاح لهذا الزواج من النواحي المزاجية والنفسية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود موانع وعقبات في طريق الزواج من جهة أحد الطرفين، أو أسرته، أو أعراف المجتمع أو قوانينه المرعية.. إلخ. وبعد هذه الدراسة المتَّزِنة المتأنِّية يدخل الخاطبُ البيتَ من بابه، ويتقدَّم إلى أهل الفتاة، ويُتاح له رؤيتها، كما تتاح لها رؤيته، وحبَّذا أن تكون الرؤية الأولى بغير علم من الفتاة، رعاية لمشاعرها، إذا رأها الخاطب فلم تعجبه، ولم تدخل قلبه. لم يُرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح: ومع هذا كله أرى أنه إذا (دخلت الفأس في الرأس) كما يقال، أي (وقع الحب) بالفعل، وتعلَّق كل من الشابِّ والشابَّة أحدهما بالآخر، وكان من نوع الحب الطاهر الشريف — الذي عرفه تراثنا الإسلامي باسم "الحب العُذْري" نسبة إلى بني عذرة — واستمر مدة طويلة، دلَّت على أنه لم يكن نزوة طارئة، أو (لعب عيال)؛ هنا ينبغي للأهل أن ينظروا في الأمر بعين البصيرة والحكمة، ولا يستبدُّوا بالرأي، ويرفضوا الخاطب بأدنى سبب، أو بلا سبب. وينبغي الإصغاء جيدًا لما أرشد إليه الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: "لم يُرَ للمتحابَّيْن مثلُ النكاح". يعني أن النكاح — أي الزواج — هو أنجع الوسائل لعلاج هذا التعلُّق العاطفي، الذي يصل إلى درجة (الحب) أو (العشق) بين قلبي رجل وامرأة، خلافًا لما كان يفعله بعض قبائل العرب في البادية من حرمان المحبِّ ممن يحبها، وخصوصًا إذا عُرف ذلك، أو قال المحب في محبوبته شعرًا، ولو كان حبه من الحب العذري الطاهر العفيف، كما فعل أهل ليلى مع قيس، حتى أصابه الجنون في قصتهما المشهورة — كما زعموا — ومن غزله الذي قال فيها: يا رَبُّ لا تَسلُبَنِّي حُبَّها أَبَدًا وَيَرحَمُ اللَهُ عَبدًا قالَ آمينَا ووصيتنا للأولياء أن يراعوا بصفة عامة رغبات الفتيات، ما دامت معقولة، فهذا هو الطريق السليم، وهو الطريق الذي جاء به الشرع، وما جاء الشرع إلا لمصلحة العباد في المعاش والمعاد. إن الإسلام شريعة واقعية، ولهذا رأى ضرورة تتويج الارتباط العاطفي بارتباط شرعي قانوني، تتكوَّن على أساسه أسرة مسلمة، يغذِّيها الحب، كما يغذِّيها الدين. هل وعد الفتاة لشخص ما بالزواج منه ملزم لها؟ قد تتصرف بعض الفتيات تصرُّفًا ليس فيه حكمة أو نضج، فتعد فتى بالزواج منه، وأنها ستنتظره حتى يتقدم لخطبتها، دون علم أهلها واستشاراتهم، وفى أثناء ذلك يتقدم لها بعض الخُطَّاب من الشباب الصالح، ويرى أهلها فيه الزوج المناسب لابنتهم، فهل يعتبر وعد الفتاة للشاب الأول ملزمًا لها؟ وهل تأثم إذا تركته ووافقت على الزواج ممن جاء يخطبها إذا رأت فيه مواصفات الزوج الصالح المناسب في ظل موافقة الأسرة ورضاهم؟ الذى أراه أنه ما دام تصرف الفتاة هذا بغير علم أهلها ومن دون علم أوليائها، فإن تصرفها باطل، ولا تخاف مما عقدته من عهد مع الفتى من وراء الأهل ومن وراء الأولياء، فعهدها هذا لا قيمة له، إذا لم يقره أولياؤها ولم يقره أهلها، فلا تخشى الفتاة من هذا العهد. الخِطْبة وأحكامها الخِطْبَة — بكسر الخاء — مصدر خَطَب، يقال: خطب المرأة خِطبةً وخَطْبًا، واختطبَها، إذا طلب أن يتزوَّجها، واختطب القوم فلانًا إذا دَعَوْه إلى تزويج صاحبتهم( )، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، إذ هي في الاصطلاح: طلب الرجل التزوج بامرأة معينة خالية من الموانع الشرعية( ). وقد أجمع الفقهاء على أن المرأة الخالية من الزواج والعِدَّة وموانع النكاح تجوز خطبتها تصريحًا وتعريضًا، وهو ما سنفصله فيما يأتي: الخِطبة المحرَّمة: هناك أنواع من الخِطْبة حرَّم الإسلامُ إقدامَ من يفكر في الزواج عليها، وهي: 1 — خطبة المرأة المتزوجة: المرأة المتزوجة سواء أبنى بها زوجها أم لم يَبْنِ، لا يحل لها الزواج بآخر، ولا يحل لأحد من الناس أن يخطبها تصريحًا أو تلميحا؛ لأن الخطبة مقدمة للزواج؛ لقوله تعالى في سورة النساء عطفا على المحرمات من النساء: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}[النساء:24]. ولا تحل المرأة المتزوجة لرجل آخر إلا بأن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق. 2 — خطبة المعتدة من طلاق أو وفاة: ويحرم على المسلم أن يتقدم لخطبة امرأة مُطَلَّقة أو متوفَّى عنـهـا زوجُها فـي عدتها؛ لأن وقت العدة حَرَمٌ للزوجية السابقة، فلا يجوز الاعتداء عليه، وله أن يُفهِم المرأة المتوفَّى عنها زوجها، وهي في العدة رغبته في زواجها بالتعريض والتلميح، لا بالإظهار والتصريح، كأن يقول: إني أريد التزوَّج، ولوددت أنه ييسر الله لي امرأة صالحة. أو: سيعوضك الله خيرا، أو ما شبه ذلك. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا}[البقرة:234 — 235]. أما المعتدة من الطلاق فلا تحل خطبتها تصريحًا أو تلميحًا، لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}[البقرة:228]. أي: في العدة( ). والعدة أمر الله بها وفاء للزوجية السابقة، وسياجًا لها، ومدة هذه العدة للمتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال، كما في قوله تعالى الذي ذكرناه قريبا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234]. وعدة المطلقة المدخول بها ثلاثُ حيضات، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة:228]. وقيل: إنما جعلت ثلاثًا، للتأكد من ضمان براءة الرحم، خشية أن يكون قد علق به حمل من ماء الزوج السابق، فلا بد من هذا الاحتياط؛ منعًا لاختلاط الأنساب. والحق أن براءة الرحم تثبت بحيضة واحدة، لكن الأمر تعبد محض وربما يكون من علله إثبات عظيم خطر الزواج (أو الميثاق الغليظ كما سماه القرآن) ورفع قدره وإظهار شرفه، وتطويل زمان الرجعة للمطلِّق لعله يندم ويفيء فيصادف زمنًا يتمكن فيه من الرجعة، وكذا تراجع المرأة الأسباب التي وقع بسببها طلاق زوجها لها، وتحاول أن ترمم ما خرب من عاطفة زوجها تجاهها. فهذه الإطالة مقصودة شرعًا لتمكين الزوج من التفكير في أمره ومراجعة زوجته فيه كفاية، ويكفى لاستبراء الرحم حيضة واحدة، ولم نعلم بأن امرأة حاضت في عدتها الحيضة الأولى، ثم حدث أن حملت من علوق ماء الرجل بعد ذلك في العدة، وإذا حدث ذلك — فرضًا — فهو نادر، والنادر لا حكم له. وعدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض ثلاثة أشهر لقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق:4]. 3 — خطبة الرجل على خطبة أخيه: ويحرم أن يخطب الرجل على خِطبة أخيه، إذا كانت الخطبة قد تمت وتم الاتفاق بين الطرفين؛ ذلك أن الخاطب قبله قد اكتسب حقًّا يجب أن يُصان؛ رعاية للعلاقة وحسن المودة بين الناس، وبُعدًا بالمسلم عن سلوك ينافي المروءة، ويشبه الاختطاف والعدوان. فإذا صرف الخاطبُ الأول نظرَه عن الخِطبة، أو أذِن للخاطب الثاني، فلا حرج حينئذ عليه. روى مسلم: أن رسول الله قال: "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلُّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خِطبة أخيه"( ). وروى البخاري أن رسول الله قال: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له" ().

3737

| 11 يونيو 2016

محليات alsharq
القرضاوي: فلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج هو أساس الأسرة

الكتاب : فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة : الخامسة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) الشذوذ الجنسي من كبائر المحرمات وكما حرم الإسلام الزِّنَى وحرم الوسائل المفضية إليه، حرم كذلك الشذوذ الجنسي الذي يُعرف بـ(عمل قوم لوط) أو (اللِّواط). فهذا العمل الخبيث انتكاس في الفطرة، وانغماس في حمأة القذارة، وإفساد للرجولة، وجناية على حق الأنوثة. وانتشار هذه الخطيئة القذرة في جماعة، يفسد عليهم حياتـهـم، ويجعلهم عبيدًا لها، وينسيهم كل خُلُق وعرف وذَوق. وحسبنا في هذا ما ذكره القرآن الكريم عن قوم لوط، الذين ابتكروا هذه الفاحشة القذرة، وكانوا يَدَعون نساءهم الطيبات الحلال، ليأتوا تلك الشهوة الخبيثة الحرام. ولهذا قال لهم نبيهم لوط: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165 — 166]. ودمغهم القرآن — على لسان لوط — بالعدوان، والجهل، والإسراف، والإفساد، والإجرام، في عدد من الآيات. ومن أغرب مواقف هؤلاء القوم التي ظهر فيها اعوجاج فطرتهم، وفقدان رشدهم، وانحطاط أخلاقهم، وفساد أذواقهم: موقفهم من ضيوف لوط عليه السلام، الذين كانوا ملائكة عذاب، أرسلهم الله في صورة البشر؛ ابتلاء لأولئك القوم، وتسجيلًا لذلك الموقف عليهم عقوبة من يرتكب فاحشة اللواط وقد اختلف فقهاء الإسلام في عقوبة مَن ارتكبا هذه الفاحشة:: أيُحدَّان حد الزِّنى أم يقتل الفاعل والمفعول به؟ وبأي وسيلة يقتلان؟ أضربة بالسيف أم حرقًا بالنار أم إلقاء من فوق جدار؟ وكان علي رضي الله عنه يقول: يجلدان إن كانا غير محصنين، ويرجمان إن كانا محصنَيْن. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يُعلى أعلى الأماكن من القرية ثم يُلقى منكوسا فيتبع بالحجارة، وهو قوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}[الحجر:74]. وكان ابن الزبير رضي الله عنه يقول: يحبسان في أنتن المواضع حتى يموتا نتنًا. وهذا التشديد الذي قد يبدو قاسيًا، إنما هو تطهير للمجتمع الإسلامي من هذه الجراثيم الفاسدة الضارة، التي لا يتولد عنها إلا الهلاك والإهلاك. ويرى الشافعية أن عقوبة اللواط هي حد الزنى؛ فإن كان اللائط محصنًا وجب عليه الرجم، وإن كان غير محصن وجب عليه الجلد والتغريب. ويرى المالكية والحنابلة في أظهر الروايتين عن أحمد أن عقوبته الرجم بكل حال، سواء أكان ثيبًا أم بكرًا. ويرى أبو حنيفة أن عقوبة من يأتى فاحشة اللواط تعزيرية، موكولة إلى القاضى تقديرًا بما يناسب الجريمة، ويعتبر هذه الجريمة لا عقوبة لها في الشرع مقدَّرة، فيجب التعزير فيها يقينًا، وما وراء ذلك من السياسة موكول إلى رأي القاضى إن رأى شيئًا من ذلك. ويعلل أبو حنيفة لذلك: بأن هذا الفعل ليس بزنى لغةً؛ لأنه ينفى عنه هذا الاسم بإثبات غيره. فيقال: لاط وما زنى. وما ورد في الحديث: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان". فهو مجاز لا تثبت حقيقة اللغة به، والمراد به الإثم دون الحد، ألا ترى أنه قال: "وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان". أي في الإثم، كما أن الله تعالى سمى هذا الفعل فاحشة، فقد سمى كل كبيرة فاحشة، فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام:151]. وأما قوله في حق من يأتون هذه الفاحشة: "اقتلوا الفاعل والمفعول به". وفي رواية: "ارجموا الأعلى والأسفل". فمحمول عنده على من استحلَّ ذلك الفعل، فإنه يصير مرتدًّا فيقتل لذلك. وقد اتفق الصحابة على أن هذا الفعل ليس بزنى؛ لأنهم عرفوا نص الزنى، ومع هذا اختلفوا في ما يجبُ من العقوبة بهذا الفعل، ولا يظن بهم الاجتهاد في موضع النص؛ فكان هذا اتفاقًا منهم أن هذا الفعل غير الزنى، ولا يمكن إيجاب حد الزنى بغير الزنى. ولذلك أرجح أن العقوبة هنا في جريمة الشذوذ الجنسي من الرجل أو من المرأة، هي عقوبة تعزيرية، والعقوبة التعزيرية تخضع للاعتبارات المختلفة للزيادة أو النقص، يقدرها أهل الرأي والقدرة على ذلك. حكم الاستمناء ولما كان الشيء بالشيء يذكر، رأينا أن نتحدث عن حكم الاستمناء، فنقول: قد يثور دم الغريزة في الشابِّ، فليجأ إلى يده، يستخرج بها المني من جسده، ليريح أعصابه، ويهدئ من ثورة الغريزة، وهو ما يعرف اليوم بـ(العادة السرية). وقد حرمها أكثر العلماء، واستدل الإمام مالك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:5 — 7]. والمستمني بيده قد ابتغى لشهوته شيئًا وراء ذلك. وجاء عن الإمام أحمد بن حنبل أنه اعتبر المنيَّ فضلة من فضلات الجسم، فجاز إخراجه كالفصد، وهذا ما ذهب إليه وأيَّده ابن حزم. وقيَّد فقهاء الحنابلة الجواز بأمرين: الأول: خشية الوقوع في الزنى. والثاني: عدم استطاعة الزواج. ويمكن أن نأخذ برأي الإمام أحمد في حالات ثوران الغريزة، وخشية الوقوع في الحرام؛ كشاب يتعلم أو يعمل غريبًا عن وطنه، وأسباب الإغراء أمامه كثيرة، ويخشى على نفسه العَنَت، فلا حرج عليه أن يلجأ إلى هذه الوسيلة يطفئ بها ثوران الغريزة، على ألا يسرف فيها ويتخذها ديدنًا. وأفضل من ذلك ما أرشد إليه الرسولُ الكريمُ الشابَّ المسلمَ الذي يعجز عن الزواج؛ أن يستعين بكثرة الصوم، الذي يربِّي الإرادة، ويعلِّم الصبر، ويقوِّي ملكة التقوى، ومراقبة الله تعالى في نفس المسلم، وذلك حين قال: "يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءَة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".

6927

| 09 يونيو 2016

محليات alsharq
القرضاوي : النظر مشروط بأمن الفتنة والشهوة فإن وُجِدَت زالت الإباحة

النظرة البريئة إلى غير عورة من الرجل أو المرأة حلال النظراتُ الجائعةُ الشرهة من أحد الجنسين إلى الآخر زِنى للعين التحذير من فتنة النساء كالتحذير من فتنة الأموال والأولاد النبي نهى عـن النظر إلى العورات ولو كان من رجل إلى رجل الإسلام عفا عن النظرة الخاطفة التي تقع من الإنسان فجأة عورة المرأة للرجل الأجنبي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها فتنة المرأة بلغت حدًّا فاق كل العصور السابقة وخيالات أهلها الكتاب : فقه الأسرة وقضايا المرأه المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة : الرابعة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها يقوم تماسك المجتمع وقوته، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو - إذ يُيَسِّر أسباب الحلال - يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، لا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). غض البصر: فالغض من البصر ليس معناه إقفال العين عن النظر، ولا إطراق الرأس إلى الأرض، فليس هذا بمرادٍ ولا مُستطاع، كما أن الغض من الصوت في قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}[لقمان:19] ليس معناه إغلاق الشفتين عن الكلام، وإنما معنى الغض من البصر خفضه، وعدم إرساله طليق العِنان، يلتهم الغاديات والرائحات، أو الغادين والرائحين. فإذا نظر إلى الجنس الآخر لم يغلغل النظر إلى محاسنه، ولم يُطِل الالتفات إليه والتحديق به. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعليِّ بن أبي طالب: "يا عليُّ، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة". وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام النظراتِ الجائعةَ الشرهة من أحد الجنسين إلى الآخر زِنًى للعين، فقال: "العينان تزنيان وزناهما النظر". وإنما سمَّاه (زِنًى)؛ لأنه ضرب من التلذُّذ والإشباع للغريزة الجنسية، بغير الطريق المشروع. ويطابق هذا ما جاء في الإنجيل، عن المسيح عليه السلام: ((لقد كان مَنْ قبلكم يقولون: لا تزنِ. وأنا أقول لكم: مَنْ نظر بعينه فقد زَنَى)). إن هذا النظر المتلذِّذ الجائع، ليس خطرًا على خُلُق العفاف فقط، بل هو خطرٌ على استقرار الفكر، وطمأنينة القلب، الذي يصاب بالشرود والاضطراب. قال الشاعر: وكنتَ إذا أرسلت طرفك رائدًا لقلبك يومًا أتعبتك المناظرُ رأيتَ الذي لا كلَّه أنت قادرٌ عليه، ولا عن بعضهِ أنت صابرُ تحريم النظر إلى العورات: ومما يجب غض البصر عنه: العورات، فقد نهى النبي عـن النظر إلى العورات، ولو كان من رجل إلى رجل، أو من امرأة إلى امرأة، بشهوة أم بغير شهوة، قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر الـمـرأة إلى عـورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". العفو عن نظر الفجاءة: ومن سماحة الإسلام: أنه عفا عن النظرة الخاطفة، التي تقع من الإنسان فجأة، حين يرى ما لا تُباح له رؤيته، فعن جرير بن عبد الله قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجَاءة، فقال: "اصرف بصرك". يعني: لا تعاود النظر مرة ثانية. حدود عورة للرجل: وعورة الرجل التي لا يجوز النظر إليها من رجل أو امرأة تتحدَّد فيما بين السُّرَّة والركبة، كما ورد في الحديث. ويرى بعض الأئمة كابن حزم وبعض المالكية أن الفخذ ليس بعورة. حدود عورة المرأة: وعورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبي عنها هي جميع بدنها، ما عدا وجهها وكفيها، وأضفنا إليهما قدميها ، أما عورتها بالنسبة لمن كان ذا محرمٍ منها، كأبيها وأخيها فسيأتي الحديث عنها، عند الكلام على إبداء الزينة. وما لا يجوز النظر إليه من العورات لا يجوز أن يُمَسَّ باليد أو بجزء من البدن. وكل ما ذكرنا تحريمه من العورات- نظرًا أو لمسًا- مشروط بـعـدم الضرورة أو الحاجة، فإذا وجدت كما في حالة الإسعاف أو العلاج، فقد زالت الحُرمة. وكل ما ذكرنا من جواز النظر مشروط بأمن الفتنة والشهوة، فإن وُجِدَت، فقد زالت الإباحة، سدًّا للذريعة. حدود إباحة النظر إلى الرجل والمرأة: ومما ذكرنا يتبيَّن أن نظر المرأة إلى ما ليس بعورة من الرجل- أي ما فوق السُّرة وتحت الركبة- مباح ما لم تصحبه شهوة، أو تُخَف منه فتنة. وقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون بحرابهم في المسجد النبوي، وظلت تنظر إليهم، حتى سئمت هي، فانصرفت. دليل عدم عورة الوجه والكفين: ومثل هذا نظر الرجل إلى ما ليس بعورة من المرأة - أي إلى وجهها وكفيها وقدميها- فهو مباح، ما لم تصحبه شهوة، أو تُخَف منه فتنة، وإن كان الغض من البصر أولى. فعن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر (أختها) دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في لباس رقيق، يشِفُّ عن جسمها، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها وقال: "يا أسماءُ، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجهه وكفيه. وفي الحديث ضعف، ولكن تُقوِّيه أحاديث صحاح في إباحة رؤية الوجه والكفين عند أمن الفتنة. وخلاصة القول: أن النظرة البريئة إلى غير عورة من الرجل أو المرأة حلال، ما لم تتخذ صفة التكرار والتحديق الذي يصحبه- غالبا- التلذذ الذي تُخاف منه الفتنة. فتنة المرأة للرجل: وقد ورد التحذير من فتنة النساء في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" . وننبِّه هنا إلى إن التحذير من الافتتان بشيء لا يعني أنه شرٌّ كلُّه، وإنما يعني أن لهذا الشيء تأثيرًا قويًّا على الإنسان يُخشى أن يشغله عن الله والآخرة. ومن هنا حذَّر الله من الفتنة بالأموال والأولاد في أكثر من آية في كتاب الله، ومن ذلك قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[التغابن:15]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون:9]. هذا مع تسميته سبحانه المال (خيرًا) في عدة آيات من القرآن، ومع اعتباره الأولاد نعمة يهبها الله لمن يشاء من عباده: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}[الشورى:49- 50]. وامتنانه على عباده بأن منحهم الأولاد والأحفاد، كما رزقهم من الطيبات: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[النحل:72]. فالتحذير من فتنة النساء كالتحذير من فتنة الأموال والأولاد، ولا يعني أن هذه النعم شر، وشر كلها! بل يحذر من شدة التعلق بها إلى حد الافتتان، والانشغال عن ذكر الله. ولا ينكر أحد أن أكثر الرجال يضعفون أمام سحر المرأة وجاذبيتها وفتنتها، وخصوصًا إذا قصدت إلى الإثارة والإغراء، فإن كيدها أعظم من كيد الرجال. ومن ثم لزم تنبيه الرجال إلى هذا الخطر، حتى لا يندفعوا وراء غرائزهم، ودوافعهم الجنسية العاتية. وقليل من الرجال من يقف من فتنة النساء موقف سيدنا يوسف الصديق، التى راودته سيدته و{هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[يوسف:23]، وعندما لم ينجح معه سلاح الإغراء، اتخذت سلاح التهديد أمام نسوة المدينة، وقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[يوسف:32- 34]. وفي عصرنا نجد أن فتنة المرأة بلغت حدًّا فاق كل العصور السابقة وخيالات أهلها، وأصبح الهدَّامون يتخذون منها معولًا لهدم الفضائل والقيم المتوارثة، باسم التطور والتقدم. والواجب على المرأة المسلمة أن تتنبه لهذه المؤامرات، وأن تربأ بنفسها أن تُتَّخذ أداة هدم في أيدي القوى المعادية للإسلام، وأن تعود إلى ما كانت عليه نساء الأمة في خير قرونها: البنت المهذَّبة، والزوجة الصالحة، والأم الفاضلة، والإنسانة الخيِّرة العاملة لخير دينها وأمتها، وبذلك تفوز بالحسنيين، وتسعد في الدارين.

11423

| 08 يونيو 2016

محليات alsharq
القرضاوي: لا للخلوة التي قد تبعث على الرِّيبة وتسبب الفِتْنة

خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية من الوسائل التي حرَّمها الإسلام الخلوة بالقريب أشد خطراً من غيره والفتنة به أمكن لا يجوز للرجل أن يُعرِّض زوجته للفتنة العينَ مفتاح القلب والنظر رسول الفتنة وبريد الزِّنَى الكتاب : "فقه الأسرة وقضايا المرأة" المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة : الثالثة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها يقوم تماسك المجتمع وقوته، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو - إذ يُيَسِّر أسباب الحلال - يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لابد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). تحريم الخلوة بالأجنبية من الوسائل التي حرَّمها الإسلام خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهي التي لا تكون زوجة له، ولا إحدى قريباته التي يحرم عليه زواجها حرمة مؤبدة، كالأم والأخت، والعمة والخالة، وبنت الأخ وبنت الأخت، كما سنذكر بعد. وليس هذا فقدانًا للثقة بهما أو بأحدهما، ولكنه تحصين لهما من وساوس السوء، وهواجس الشر، التي من شأنها أن تتحرك في صدريهما، عند التقاء فحولة الرجل بأنوثة المرأة، ولا ثالث بينهما. وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلوَنَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان". وفي الصحيحين: "لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". وفي تفسير قوله تعالى في شأن نساء النبي: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ"[الأحزاب:53]. يقول الإمام القرطبي: يريد: من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، أي أن ذلك أنفى للرِّيبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية. وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يـثـق بنفـسـه فـي الخلوة مـع مَنْ لا تحل له، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته. تحريم الخلوة بالحمو ويحذر الرسول تحذيرًا خاصًّا من خلوة المرأة بأحمائها- والحمو أحد أقارب الزوج كأخيه وابن عمه- لما يحدث عادة من تساهلٍ في ذلك بين الأقارب، قد يجرُّ أحيانا إلى عواقب وخيمة؛ لأن الخلوة بالقريب أشد خطرًا من غيره، والفتنة به أمكن، لتمكُّنه من الدخول إلى المرأة من غير نكير عليه، بخلاف الأجنبي. ومثل ذلك أقارب المرأة من غير محارمها، كابن عمها وابن خالها وابن خالتها، فلا يجوز لأحد منهم الخلوة بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيتَ الحَمْوَ؟ قال: "الحَمْوُ الموت". وحَمو المرأة: أقارب زوجها. يعني أن في هذه الخلوة الخطر والهلاك؛ هلاك الدين إذا وقعت المعصية، وهلاك المرأة بفراق زوجها، إذا حملته الغَيرة على تطليقها، وهلاك الروابط الاجتماعية إذا ساء ظن الأقارب بعضهم ببعض. وليس مثار هذا الخطر هو الغريزة البشرية، وما تجلبه من خواطر وانفعالات فحسب؛ بل يضاف لذلك الخوف على كيان الأسرة، ومعيشة الزوجين وأسرارهما، أن تتطاول إليها ألسنة الثرثارين والفضوليين، أو هواة تخريب البيوت. وفي ذلك يقول ابن الأثير: "الحمو الموت": هذه كلمة تقولها العرب، كما تقول: (الأسد الموت) و"السلطان النار". أي: لقاؤهما مثل الموت والنار. يعني أن خلوة الحمو معها أشد من خلوة غيره من الغرباء؛ لأنه ربما حسَّن لها أشياء، وحملها على أمور تثقل على الزوج، من التماس ما ليس في وسعه، أو سوء عشرة، أو غير ذلك. توضيح حول الخلوة بزوجة الأب وأم الزوجة: إن الشرع الشريف حينما أباح للمرأة أن تبدي بعض الزينة لبعض الفئات من الناس، ومنهم أبناء بعولتهنَّ، أراد الشارع بذلك أن يرفع الحرج وأن يدفع العنت والمشقة عن الناس، فلو كلفنا المرأة وهي تسكن في بيت واحد مع أبناء زوجها أن تغطي جسمها كله من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، كلما دخل عليها أحد أبناء زوجها، أو كلما دخلت هي عليه، لكان في ذلك حرج كثير. لهذا قال: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ.." الآية [النور:31]. فابن البعل اعتبر بهذا من الناس المخالطين والمعاشرين دائمًا، فلم يُطلب من المرأة أن تتحفظ منه كما تتحفظ من الأجنبي تمامًا، كأن نطلب منها أن تغطي شعرها، وألا تكشف شيئًا من ذراعيها، أو رقبتها.. أو غير ذلك؛ لأن في ذلك حرجاً شديداً، وما جعل الله في هذا الدين من حرج. ولكن ليس معنى هذا أن يصبح ابن البعل كالابن تمامًا، أو كالأخ، له مثل هذه المحرمية، لا.. لابد أن يُراعَى الفرق، كما نبَّه على ذلك الإمام القرطبي وغيره من الأئمة المحقِّقين، خصوصاً إذا تزوج رجل كبير السن فتاة لا يزيد عمرها على عشرين سنة مثلًا، وله ابن في مثل سنِّها أو قريب منه، في مثل هذه الحالة نجد فرقا شاسعا بين المرأة وزوجها، بينما نجد تقاربا بينها وبين ابنه، وهنا تُخشى الفتنة، وعلى هذا نص الفقهاء، وقالوا: إن كل ما أبيح في مثل هذا الموضوع يحرم عند خوف الفتنة سدًّا للذريعة، كما أن كل ما حرم هنا يباح عند الضرورة أو الحاجة. وذلك مثل علاج المرأة على يد طبيب لا يوجد سواه من الطبيبات، وفي مقابل ذلك يمنع ما أبيح عند خوف الفتنة، كالمسألة التي نحن بصددها. فلو فرضنا أن هذا الزوج سافر، فهل نقول بجواز أن يختلي ابنه الشاب بزوجة أبيه الشابة مع خشية الفتنة؟! بالتأكيد لا.. وإنما خفَّف الشارع على المرأة في موضوع التستر، وأما الخلوة التي قد تبعث على الرِّيبة، وتسبب الفِتْنة، فلا.. ولا يجوز للرجل أن يُعرِّض زوجته للفتنة. ومثل هذا أيضًا الحماة- وهي بطبيعة الحال بمنزلة الأم- ولكن إذا خشيت الفتنة ينبغي على المرء أن يتجنب دواعيها. قد لا يكون هناك تفكير في الشر، ولكن حينما يُفتح الباب قد يؤدي إلى الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". ولهذا ينبغي الحذر والاحتياط في مثل هذه الحالات، وسد أبواب الفساد، حتى نتجنبه ولا نقع فيه. تحريم النظر إلى الجنس الآخر بشهوة: ومما حرَّمه الإسلام- في مجال الغريزة الجنسية- إطالة النظر من الرجل إلى المرأة، ومن المرأة إلى الرجل. فإن العينَ مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزِّنَى. وقديماً قال الشاعر: كل الحوادثِ مبداها من النظرِ ومُعظْم النَّارِ من مُستصغر الشَّرَرِ وحديثًا قال شوقي: نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامُ فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ! لهذا وجَّه الله أمره إلى المؤمنين والمؤمنات جميعاً، بالغض من الأبصار، مقترِناً بأمره بحفظ الفروج: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:30- 31]. وفي هاتين الآيتين عدة توجيهات إلهية، منها توجيهان يشترك فيهما الرجال والنساء جميعا، وهما الغض من البصر وحفظ الفرج، والباقي موجَّه إلى النساء خاصة. ويُلاحظ أن الآيتين أمرتا بالغض من البصر، لا بـغـض البـصـر، ولـم تـقـل: (ويحفظن من فروجهن)، كما قالت: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ فإن الفرج مأمور بحفظه جملة، دون تسامح في شيء منه. أما البصر، فقد سمح الله للناس بشيء منه؛ رفعًا للحرج.

15640

| 07 يونيو 2016

محليات alsharq
"فقه الأسرة للقرضاوي 2" الزواج الطريق الوحيد لتكوين الأسرة نواة المجتمع

الزواج تمام الدين لأنه يغض البصر ويعف النفس ومتنفس الشهوة في الحلال في ظلال الأمومة والأبوة تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة بالزواج تكتمل شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً والمرأة زوجة وأمّاً الزواج يغلق كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذ إلى الحرام الكتاب : فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الحلقة : الثانية الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها يقوم تماسك المجتمع وقوته، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). مقاصد الإسلام من الزواج بالزواج يحدث النسل، الذي يمتد به وجود الإنسان، فيطول عمره، ويتصل عمله، بذريته الصالحة من بعده، ولهذا امتن الله على عباده فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72]. ولهذا دعا نبى الله زكريا ربه فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}[الأنبياء:89]. {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}[مريم:5 — 6]. ودعا أبو الأنبياء إبراهيم ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[الصافات:100 — 101]. {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}[إبراهيم:29]. وذكر القرآن من أوصاف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[الفرقان:74]. وبالنسل تنمو الأمة، ويكثر عددها، فتعمر أرضها، وتُستغَل كل طاقاتها، وتقوى على مجابهة أعدائها، ولا شك أن لكثرة العدد قيمة في ميزان القوى العالمية. ومن هنا امتن الله على قوم بالكثرة، فقال على لسان شعيب لقومه: {وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}[الأعراف:86]، وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى". وبالنسل يبقى النوع الإنساني كله، وتستمر حياته على الأرض إلى ما شاء الله من أجل معلوم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:12]. والزواج من جهة أخرى تمام الدين للمرء المسلم، به يغض بصره، ويعف نفسه، ويجد متنفسا لشهوته في الحلال، فلا يفكر في الحرام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الزواج: "إنه أغض للبصر وأحصن للفرج". وقال: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتقِ الله في الشطر الباقى". والشطر: النصف. السعادة الدنيوية والزواج ليس حفظا للدين فقط، ولكنه أيضا من مقومات السعادة الدنيوية، التي لا يكرهها الإسلام، بل يحبها لأتباعه، ويوفِّرها لأبنائه، ليفرغهم لما هو أعظم، من السمو بالنفس، والاتصال بالملأ الأعلى، قال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة". وقال: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء". وعن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة؛ من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء". والزواج هو الطريق الوحيد لتكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع، وأساس بنائه، ولا يقوم مجتمع إنساني كريم، إلا إذا قامت قبله الأسرة، ففي ظلال الأمومة والأبوة، والبنوة والأخوة، تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة والإيثار والعطف والرحمة والتعاون. وبالزواج تنمو الصلات الاجتماعية، فيضم الإنسان عشيرة إلى عشيرته، وأسرة إلى أسرته، أولئك هم أصهاره وأخوال أولاده وخالاتهم. وبذلك تتسع دائرة الألفة والمودة، والترابط الاجتماعي، فقد جعل الله المصاهرة لُحْمة كلُحمة النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}[الفرقان:54]. وبالزواج تتاح الفرصة الملائمة التي تكتمل بها شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً، وتكتمل شخصية المرأة بتحمل مسؤوليتها زوجة وأمّاً. إن كثيراً من الرجال يفرون من الزواج؛ لأنهم — كما قلنا — يريدون أن يعيشوا عمرهم أطفالاً كباراً، دون رباط يربطهم، أو بيت يضمهم، أو تبعة تلقى على كواهلهم. ومثل هؤلاء لا يصلحون للحياة، ولا تصلح بهم الحياة، أما الزواج فإنه رباط وميثاق غليظ، ومسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة من أول يوم، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]. {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}[النساء:34]. احسان العمل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: فالرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها". "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت". "إن الله سائل كل راعٍ عمَّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع". "إن لزوجك عليك حقّاً". وبالزواج يتفرَّغ الرجل لإتقان أعماله في خارج البيت، مطمئناً إلى أن في بيته من يدبِّر أمره، ويحفظ ماله، ويرعى أولاده. وفى هذا ما يُعينه على إحسان العمل وزيادة الإنتاج، بخلاف ذلك القَلِق المضطرب المشغول، الموزَّع بين عمله وبيته، وبين شغله في الخارج وهمِّ مطعمه ومشربه وملبسه في الداخل. وقديماً قال الشاعر: إذا لم تكن في منزل المرء حرَّةٌ تدبِّره، ضاعت مصالح دارهِ! المنافذ إلى الحرام والإسلام وهو يرغب أتباعه إلى الزواج، ويجعله هو السبيل الوحيد لقضاء الشهوة الجنسية، فإنه يغلق في وجوههم كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذهم إلى الحرام من الزنى واللواط، وغيرهما من طرق قضاء الشهوة خارج إطار الزواج الشرعي، ويضع ضوابط للتعامل بين الجنسين حتى لا تنجرف فتزل بعد ثبوتها، وتلتاث بعد طهارتها. حرمة الزنى وحرمة ما يؤدى إليه: الأديان السماوية كلها مُجمعة على تحريم الزنى ومحاربته، وآخرها الإسلام الذي شدَّد النهي عنه، والتحذير منه، لما يؤدي إليه من اختلاط الأنساب، والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض، وطغيان الشهوات، وانهيار الأخلاق، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:32]. ومنهج الإسلام أنه إذا حَرَّم شيئاً سَدَّ الطرق المُوصِّلة إليه، وحَرَّم كل ما يُفضي إليه من وسائلَ ومقدمات. فما كان من شأنه أن يستثير الغرائز الهائجة، ويفتح منافذ الفتنة على الـرجـل أو المرأة، ويغري بالفاحشة أو يقرِّب منها، أو ييسر سبيلها، فإن الإسلام ينهى عنه ويحرمه؛ سدّاً للذريعة، ودرءاً للمفسدة.

3779

| 06 يونيو 2016