سئل أحد الأدباء الأنجليز وهو في مطار لندن يتأهب للسفر. إلى أين؟ قال: إلى لندن. قيل له: إنك فيها. قال: لا: أريد أن أراها في الغياب.. سقت هذه القصة وأنا أحاور المذيع والشاعر السوري نزار عابدين الذي يقيم بيننا منذ أكثر من 35 سنة. كان يتحدث عن حالة الغياب والحضور كما لو أنه ينظم قصيدة.. بينه وبين سوريا بلد النشأة مسافة عمر.. لكنه لا يعتبر نفسه غريبا عن الدوحة، بل كلاهما قدّا من حنين وعشق معيناهما لا ينضب. لم يحدث أن فكر في الرحيل إلا كي يرى المكان في الغياب. يتحدث عابدين عن أوجه التشابه والاختلاف بين الدول العربية في شهر رمضان المبارك فيقول: تتشابه عادات رمضان وتقاليده في جميع الدول العربية، وحتى الخلل الذي حدث في هذه العادات والتقاليد شملت كل، بمعنى أن رمضان في السابق أي في طفولتي كان مليئا بالمعاني الروحانية، والأحاديث الطيبة، وتبادل الزيارات، واجتماع الأسرة، وتزاور الجيران، وأشياء أخرى من هذا القبيل افتقدناها في السنوات الأخيرة. هنا في الدوحة أو في أي عاصمة أخرى صار الناس يتبادلون التهاني بقدوم رمضان أو بالعيد مثلا عن طريق الهاتف النقال. لم تعد هناك زيارات، وإذا حدثت لا يسأل أحد الآخر عن قراءة القرآن أو عن الأحاديث الشريفة أو سير الصالحين، أو عن معاني رمضان، بل ينصب الحديث على المسلسلات وبرامج المسابقات والكاميرا الخفية وما شابه. هنا في الدوحة وجدت أن أجواء رمضان لم تفسد كليا كما في عواصم أخرى مثلا. أمر صغير لكنه بالغ التعبير وهو أن كل أسرة تخصص جزءا مما تطبخ لإهدائه إلى الأصدقاء والجيران. هذه كانت عادة طيبة في الماضي، بمعنى يكفي أن تطبخ ربة المنزل نوعا واحدا من الطعام وترسل منه الى جيرانها وأصدقائها لأنه سيأتيها أنواع متعددة من هؤلاء الجيران والأصدقاء أنفسهم.. هذه عادة جميلة مازالت موجودة في قطر وأظنها اختفت في كثير من الدول العربية.مضيفا: هنا في قطر ومنذ سنوات، انتشرت ظاهرة موائد الرحمن التي تقدمها جهات كثيرة، وقد وجدت اهتماما بالغا بالدروس والمحاضرات والندوات وقراءة القرآن وتفسيره وما شابه ذلك.. هذا شيء طيب. حتى الملحقات الرمضانية في الصحف اليومية وأنا أتابعها جيدا تقدم وجبة جميلة ومتنوعة من الفكر النظيف ومن المقالات الممتعة المفيدة، ومن تلخيص الأحداث التي جرت في اليوم السابق. إنما بشكل عام أعيب على جميع العرب انشغالهم بالمسلسلات التي تجرح رؤيتها الصيام. وتابع: منذ أيام حدثني أحد الأصدقاء فقال لي حتى التواصل بالمكالمة لم يعد يجدي نفعا، صار الكل يرسل على الوتس اب. هذه التكنولوجيا أفقدتنا الكثير من نكهة رمضان. وأريد هنا أن أعرج على مسألة هامة، وهو مدفع رمضان، والمسحراتي. لماذا في الدول المتقدمة جدا يحتفظون ويهتمون بتقاليدهم وفلكلورهم ونحن نريد أن نتخلى عن كل شي؟ لماذا لا نطور التراث؟ إن هوية الأمة بلغتها وفلكلورها وتراثها والفلكلور يشمل كل شيء.. إذا تخلينا عنها نصبح نسخة مشوهة. ويضيف نزار عابدين قائلا: إقامتي في الدوحة تعود الى 35 سنة أي إن أكثر من نصف عمري قضيته هنا. كانت الأجواء أجمل، وكان التقارب بيننا كإعلاميين سوريين مغتربين في السنوات الأولى أكبر بكثير، وأذكر أنه كان من النادر أن يفطر أحدنا بمفرده في رمضان. يأتي كل واحد بطبق من الطعام، فتتنوع الأطباق على المائدة، ولم تكن سيطرة التلفزيون بالشكل الذي عليه الآن. وأكد أن طقوس العبادة لن تتغير، وأن رمضان يبقى متميزا بقراءة القرآن وصلاة التراويح وقيام الليل في العشر الأواخر. مضيفا: في السنوات الماضية كنت زبونا دائما في الخيمة الخضراء التي يقيمها مركز أصدقاء البيئة، حيث تقام ندوات لمناقشة القضايا العامة يتحدث فيها مختصون وهذا نشاط طيب أشجعه. إضافة إلى نشاطات ثقافية شعرية مشابهة نتبادلها ونشارك فيها. ويصف عابدين مفهوم الغربة بأنه تغير، حيث يقول: انسجمنا مع قطر وأهلها الطيبين ولم نعد نعتبر أنفسنا غرباء، بل بالعكس، فقد نشعر بالغربة في بلادنا أكثر مما نشعر بها في قطر. لأننا في بلدنا، ولكن كل انسان يظل يحن الى مسقط رأسه والى أهله وأخوته واخوانه وأسرته. هاتفني أحد الأصدقاء قبل أيام فودعني وقال لي هذه أول مرة أسافر فيها الى مصر في شهر رمضان. بينما أنا منذ 35 سنة لم أقض رمضان مع أهلي، لعل كل شيء بالتكرار يصبح مألوفا. وحول الأكلات التي يفضلها في الشهر الكريم قال: أحب "الهريس" كثيرا.. أما الكتابة فأكد أنها تقلّ، معللا ذلك بضيق الوقت، حيث قال: ليس متاحا أن أكتب ولكن القراءة لا تقل. وأفاد نزار عابدين بأنه لم يعد مرتبطا بالإذاعة كمذيع وهو متفرغ حاليا للكتابة ومرتبط بالإذاعة كمتعاون حيث حافظ على إعداد وتقديم برامج

يواصل الإعلامى نزار عابدين رحلته الأسبوعية التى تبحث فى روائع النغم العربى عبر أثير موجات إذاعة قطر من خلال برنامجه الأسبوعي "كنوز الألحان "وفي حلـقة اليوم من "كنوز الألحـان" يسـتضيف الـبرنامـج الملحـن والمخـرج والمصـمم القـطري فيصل التـميمي ليلـقي الضوء على ثلاث أغـان قديمة، الأولى لشـادي الخليج وعنوانها "هولو" تعود إلى بدايات شادي الخليج، والثانية "شكل تاني" للمطربة نجاة من كلـمات حسـيـن السـيـد وألحان محمد عـبد الوهـاب وغـنتهـا عام 1966 لكن الجـديـد في البرنامج أنه يقدمها بصوت الفنان السعودي الشهير عبادي الجوهر، مع بيان لماذا غنى عبادي هذه الأغنية، وهل نجح في أدائها أم لا ؟كما يعرض البرنامج في حلقة اليوم أسرار أغنية "ياهلى" للفنان الراحل عبدالحليم حافظ الذي غناها عندما زار الكويت في عام 1965، ولم تكن الألحان الكويتية والخليجية عامة قد انتـشـرت، ولذلك وجد الملحن عبد الحميد السـيد الذي رحل عن دنيانا قبل فترة قصيرة فرصة ليلحن لعبد الحليم أغنية اشتهرت كثيراً وهي "يا هلي" من كلمات وليـد جعـفر، لكن الجديـد الذي يـقـدمه البرنامـج هـو أغنية "يا هلي" بصوت ملحـنها عبد الحميد السـيد مع تقرير عن الملحن ومسـيرته الفنية، وقلائل من يعرفون أن هذه الأغنية من فـن "الصوت" الخليجي، لكن الملحن اخـتار أبسـط أشـكال الصـوت، وهـو فن عريق يصعب على كثيرين من مطربي الخليج أداؤه، فما بالك بمطرب غير خليجي؟ "كنوز الألحان"... برنامج أسبوعي يذاع في التاسعة والنصف مساء الجمعة، من إعداد وتقديم نزار عابدين ويسـتضيف فى كل حلقة فـناناً أو ملحناً أو موسـيـقياً للمسـاعـدة في شـرح الألحان المختارة، وهي من روائع الغناء العربي الكلاسـيكي الجميل التي لا تذاع إلا نادراً، وكثيرون من أبناء الجيـل الجديد لم يسمعوها ولم يسمعوا بها.