رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بداية.. بكل الحب.. بكل الترحاب.. نقول أهلاً وسهلاً ومرحباً بقادة دول مجلس التعاون الخليجي في بلدهم وبين أهلهم وبضيافة أخيهم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في دوحة الخير، وكلنا ثقة بأن هذا اللقاء الأخوي سيتعزز بمخرجات ترسخ مسيرة العمل الخليجي المشترك، وتوطد تماسك بناء منظومة المجلس، وتخلق دروعاً جديدة لحمايتها، والتصدي لكل المخاطر... تنعقد القمة الخليجية الرابعة والأربعون بالدوحة اليوم في ظروف استثنائية، ووسط تحديات وأزمات متفاقمة إقليميا ودوليا، وملفات مفتوحة على أكثر من صعيد. قادة مجلس التعاون الذين يجتمعون بالدوحة تلتفت إليهم الأنظار شعبيا ـ على صعيد الشعوب الخليجية ـ وإقليميا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة ما يتعلق بالعدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، والجرائم والمجازر التي يرتكبها الكيان بحق أهلنا في غزة. هذه التحديات تفرض اليوم أكثر مما كان في السابق على المنظومة الخليجية، مزيدا من العمل البيني التكاملي الاتحادي، فالمخاطر تحدق بنا جميعا، لن تستثني أحدا، والاستهداف في نهاية المطاف لنا جميعا دون استثناء، وهو ما يحتم تقوية الصف الخليجي على مختلف المستويات، وتدعيمه عبر مزيد من الشراكات والمشاريع النوعية التي من شأنها توطيد العلاقات بصورة أكبر، وإشراك الشعوب الخليجية عبر القطاعات الخاصة والمشاريع الاستثمارية البينية، بما يخلق كتلة خلجية موحدة متماسكة، تتصدى لكل التحديات والعواصف التي قد تتحرك في أي لحظة. نعم مجلس التعاون الخليجي صمد أمام كل التحديات والعواصف والحروب التي مرّت على المنطقة، وهو الكيان العربي الوحيد الذي مازال صامدا في وجه العواصف، بعد أن تلاشت كل الكيانات التي أتت بعده ـ عدا الجامعة العربية بالطبع ـ ولم تستمر إلا سنوات، وعصفت بها الخلافات، ثم اندثرت أو ظلت هياكل وأسماء، إلا أن الحروب والصراعات والأحزمة النارية لازالت تحيط بالخليج، مما يستدعي المزيد من اليقظة والحيطة والتعاون والتكاتف. إن بقاء هذه المنظومة الخليجية، والحفاظ على استمرارية انعقاد دورات المجلس الأعلى للقادة ـ حتى في وقت الأزمات ـ أمر يحسب لقادة الخليج من المؤسسين إلى الجيلين الثاني والثالث، وهو ما يؤكد إيمان الخليج قيادة وشعبا بهذا الكيان، وأهمية استمراره وبقائه، وأنه لا خيار أمامنا إلا هذه الوحدة، وهذا التكامل بروح أخوية، جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. اليوم أنظار الشعوب تتجه نحو القمة الخليجية في دوحة الخليج، وسط آمال وتطلعات معقودة على اجتماع القادة وما سيخرجون به من قرارات وتوصيات تعزز مسيرة العمل الخليجي المشترك، الذي هو هم يحمله القادة، كما تحمله الشعوب أيضا. 42 عاماً من مسيرة عمل خليجي رسمي، تحققت فيها مكتسبات ومنجزات وإنجازات، وقطعنا أشواطا في اندماج وتكامل مشاريع متعددة، وهو أمر لا خلاف عليه، ونعتز بما تحقق، وان كانت الآمال والتطلعات لازالت أكبر مما تحققت، وأجزم بان القادة طموحاتهم وتطلعاتهم لإنجاز ما هو أفضل وأكثر مما تحقق، لازال قائما، ويعملون على إنجاز وتحقيق المزيد من هذه المشاريع التي هي محل بحث وتساؤل العديد من المواطنين في خليجنا المعطاء. هناك مشاريع أنجزت كالربط الكهربائي والمواطنة الخليجية والتنقل والعمل.. وغيرها، ومشاريع تمضي في الطريق وينتظر اكمالها كما سكك الحديد والسوق الخليجية ومنطقة التجارة الحرة وتوسيع مساحات المواطنة الخليجية في كل القطاعات..، وربما كان الاستثمار الأهم خليجيا كان في قطاعات التعليم والصحة والمواطن الخليجي نفسه والبنى التحتية.. وطالما نحن نسير على الطريق فإننا سوف نصل بإذن الله تعالى. وإذا كانت الشعوب الخليجية معنية بشكل مباشر بقرارات الدورة الرابعة والأربعين للقمة، فإن الشعوب العربية ومعها الشعوب الإسلامية تجد فيها ملاذها وأملها. إن القمة الخليجية التي تستضيفها الدوحة للمرة السابعة لم تعد شأنا خليجيا فحسب، بل أصبحت شأنا عربيا خصوصا وأنها تنعقد في ظل العدوان الغاشم على قطاع غزة وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.. وقد كانت دول الخليج متحدة ومنفردة سباقة في اتخاذ المواقف منذ اليوم الأول للعدوان، وكانت أول جهة تصدر بيانا كمنظمة إقليمية أدانت فيه العدوان فيما بادرت الشقيقة المملكة السعودية السعودية إلى جمع العالم العربي والإسلامي في قمة عربية إسلامية، بينما بذلت قطر جهودا جبارة للتوصل إلى هدنة وإدخال المساعدات إلى غزة، واستطاعت عبر وساطتها إنجاز الهدنة الانسانية، وما زالت مساعيها مستمرة لتحقيق دائم لإطلاق النار، فيما لم يدخر جهدا كل من الأشقاء في الكويت وعمان والإمارات والبحرين، وبذلوا جهودا، وساندوا الجهود السعودية والقطرية، وكان لدول الخليج الدور الإغاثي والإنساني الأكبر للأشقاء في غزة، دون فضل أو مَن، فدول الخليج ـ قيادتها وشعوبها ـ ترى أن دعم القضية الفلسطينية والأشقاء في غزة في هذا الظرف العصيب لهو واجب يمليه ديننا وأخوّتنا وعروبتنا. في العدوان على غزة كان السقف الخليجي في التنسيق وتقديم الدعم وتوحيد المواقف عاليا، وهو أمر نحييه ونشيد به، وهو موقف مبدئي أصيل ثابت تجاه دعم القضية الفلسطينية في الماضي والحاضر وسيظل كذلك في المستقبل، ويستشعرون أن غزة تمثّل حائط صد أمام التغول الإسرائيلي في المنطقة. ومن المؤكد أن الموقف الذي ستخرج به القمة بشأن فلسطين سيكون له أثره وفاعليته لدى المجتمع الدولي وصناع القرار، ليس بخصوص وقف العدوان فقط بل أيضا بخصوص الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية، بعدما أصبح دور دول الخليج أساسيا في أي حل مستقبلي لقضية فلسطين. ولم يعد خافيا على أحد أن مجلس التعاون الخليجي اصبح رافعة العمل العربي ونقطة الثقل والارتكاز بعدما تراجع الدور العربي وتقاعس بعض العرب، فقادة دول الخليج أخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية تجاه جميع قضايا الأمتين العربية والإسلامية كما انهم يمثلون ضمير الأمة. ولعل حرص القادة على دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمشاركة في قمة الدوحة لها دلالات وأبعاد على مستويين: الأول على المستوى الإسلامي لما تمثله تركيا من ثقل وازن بين الدول الإسلامية، والثاني على مستوى العلاقات الخليجية التركية حيث تعتبر تركيا شريكا إستراتيجيا لدول الخليج وتربطها علاقات استثنائية ومميزة مع جميع دول الخليج. لقد تمكن مجلس التعاون الخليجي من الصمود طوال أربعة عقود في وجه الكثير من التحديات واستطاع اجتياز اصعب وادق المراحل بنجاح وجدارة. فقد جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 خلال الحرب العراقية الإيرانية، وما رافقها من تداعيات طوال ثماني سنوات، ثم ما تعرضت له الكويت الشقيقة من غزو غاشم، والذي اظهر مجلس التعاون تماسكا عظيما، واسنادا بكل ما يستطيعون لعودة الشقيقة الكويت، واحتلال العراق والصراع بين شطري اليمن ثم الحرب اليمنية واشتعال ثورات الربيع العربي..، فخلال العقود الأربعة لم تهدأ المنطقة من الصراعات، إلا أن المجلس أظهر قدرة عالية من الحكمة السياسية، ومهارة التعامل مع الملفات الساخنة بمرونة، وسياسة خارجية متزنة اكدت تماسكه ووحدته وعززت مكانته الدولية، مما جعله من انجح وافضل المؤسسات الإقليمية على مستوى العالم. هذه المكانة الدولية لدول الخليج ومصداقيتها في المجتمع الدولي ليست وليدة الصدفة بل هي ثمرة عمل دؤوب وجهد متواصل وسياسات حكيمة ومتوازنة، اثبتت خلالها للعالم أجمع، بأنها شريك موثوق فيه، وشريك حقيقي. وقد ساهمت الأذرع التنموية التي ينفرد مجلس التعاون بتعزيز دوره الإنساني وحضوره الكبير على الصعيد التنموي عربيا واسلاميا وعالميا مما جعله شريكا استراتيجيا للمجتمع الدولي والمؤسسات والمنظمات الإقليمية. قمة الدوحة نراها تشكّل روحا جديدة من التعاون، وستدفع بالعمل الخليجي المشترك خطوات إلى الأمام، وستعزز من التعاون البيني، وستفتح آفاقا جديدة من التعاون والتنسيق والتكامل، فالخليج وأبناؤه أسرة واحدة، ولا يمكن أن تجد بيتا في خليجنا إلا وله ارتباط بأي شكل من الأشكال مع بيت أو بيوت عدة في دولنا الخليجية، هذا النسيج الواحد هو الضمانة لبقاء هذه المنظومة قائمة وفاعلة، إضافة إلى إيمان قادة المجلس بها. وما يميّز الخليج أن قياداته وشعوبه، متوافقة ومتواصلة ومتلاحمة ومترابطة، على قلب رجل واحد. أهلاً بقادة الخليج في دوحة الخليج
2277
| 05 ديسمبر 2023
من جديد، تبرز قطر كصانعة سلام في بحر متلاطم من الحروب والصراعات والأزمات، إلا أنها تظل متفردة في سياساتها ونهجها ودورها الإقليمي والدولي، الذي يتربع على مصداقية عالية، وثقة كبيرة من المجتمع الدولي. يحسب لدولة قطر وسياستها الحكيمة والراشدة، ودبلوماسيتها النشطة والوازنة، إنجاز وساطة ناجحة وتحقيق هدنة تبدأ من اليوم في قطاع غزة، الذي تعرض لعدوان غاشم، ومجازر وحشية من قبل الكيان الإسرائيلي. فعلى مدار 46 يوما قادت قطر بدبلوماسيتها النشطة والمؤثرة، جهودا جبارة لوقف العدوان على أهلنا في قطاع غزة، وبذلت مساعي سياسية ودبلوماسية مكثفة إقليميا ودوليا، واستقبلت وفودا متعددة بعضها على مستوى رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء لدول فاعلة في العالم. منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان الموقف القطري واضحا في تحليله لتطورات الأوضاع، فكانت قطر أول دولة تصدر بيانا يحمل الكيان الإسرائيلي مسؤولية التصعيد، بسبب السياسات العنصرية والإجراءات غير القانونية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني في القدس والمسجد الأقصى وأراضي 48 ومناطق مختلفة. لم يكن التوصل إلى انجاز الهدنة أمرا سهلا وميسرا، بل كانت هناك تحديات وصعاب وإشكالات، لكن كل ذلك لم يمنع قطر من مواصلة العمل بكل جهد وإخلاص لوقف العدوان على غزة، إيمانا منها بالواجب الأخوي تجاه أهل غزة والشعب الفلسطيني عموما، لذلك واصلت جهودها لنحو شهر ونصف الشهر عبر تحركات واتصالات ومشاورات ومباحثات وزيارات لمنع الكيان الإسرائيلي من مواصلة عدوانه على غزة. ولم تقف قطر وقيادتها عند التنديد أو الاستنكار، أو تتخذ موقف المتفرج لما يتعرض له الأشقاء في قطاع غزة، بل قادت حراكا على كل صعيد، وتولى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في مراحل متعددة إدارة الجهود والتحركات والاشراف ومتابعة المستجدات، بل اضافة الى استقباله لعدد من رؤساء الدول والحكومات والمسؤولين الذين توافدوا على الدوحة، التي تحولت لمحور عالمي لأوسع حركة دبلوماسية، قام سموه بجولات وزيارات لعدد من الدول، وكان وقف العدوان على غزة في صدارة مباحثات سموه مع قادة الدول التي زارها، وقاد بنفسه وفود قطر إلى القمم التي عقدت بعد العدوان على غزة، ايمانا من سموه بضرورة وقف العدوان المتصاعد على اهلنا في غزة، فكرست قطر وقيادتها جهودها عبر وساطة صادقة ومخلصة لتحقيق وقفا للعدوان، فكان أن تحققت هذه الهدنة، التي تمثل انتصارا للضمير الإنساني في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية. الهدنة – التي تحققت بجهود مشتركة مع الأشقاء في مصر - ستتيح ادخال عدد أكبر من القوافل الانسانية والمساعدات الاغاثية بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الانسانية لأهلنا في قطاع غزة، تعد انتصارا ذا اتجاهين، وقف العدوان الاسرائيلي والمجازر الوحشية والجرائم التي لم يشهد لها التاريخ الحديث التي ترتكب بحق المدنيين والمؤسسات المدنية والصحية والتعليمية في غزة، وفي نفس الوقت هي انتصار جديد للسياسة القطرية في معالجة الأزمات، لتؤكد من جديد سلامة نهجها وعلاقاتها الخارجية، وما تحظى به من مصداقية وثقة العالم في وساطتها والأدوار التي تقوم بها. العالم وشعوبه الحرة تنفس الصعداء بتحقيق وانجاز هذه الهدنة، وما رأيناه من ترحيب من دول العالم ومنظماته المختلفة، خير شاهد على تقدير الدور القطري، وتثمين الجهود التي افضت الى هذه النتيجة، والأمل أن تكون هذه الهدنة هي البداية لوقف كامل للاعمال العسكرية الإسرائيلية. وظفت قطر ما لديها من علاقات مع دول العالم، وما تتمتع به من مصداقية، وخبراتها في مجال الوساطة وادارة الازمات بحكمة وعقلانية، من أجل الدفاع عن أهلنا في غزة، والسعي لوقف العدوان، وهو ما تكلل بتحقيق هذا النجاح. انتصرت قطر لغزة، ولن ينسى التاريخ مواقف أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، العظيمة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة الداعمة والدائمة لغزة وللشعب الفلسطيني، على كل صعيد، وفي كل محفل. وستظل قطر وقيادتها وشعبها ملتزمة بمبادئها وقيمها، منتصرة لقضايا أمتها وشعوبها، داعمة للقضايا الإنسانية أينما كانت.
4332
| 23 نوفمبر 2023
يؤسس خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام القمة العربية الاسلامية الطارئة التي عقدت أمس بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية الشقيقة مرحلة جديدة لـ «الفعل» العربي الإسلامي المطلوب فورا لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في غزة. حمل خطاب سمو الأمير رسائل واضحة ومحددة في التعامل مع العربدة الاسرائيلية والمجازر التي ترتكبها بحق أهل غزة، مطالبا بـ «اتخاذ موقف حازم من الجريمة المتواصلة في غزة، ولا يجوز الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار، بل علينا اتخاذ خطوات رادعة لوقف جريمة الحرب المتواصلة، بحيث تظهر ايضا ثقل ووزن الدول الاسلامية، فمواصلة اسرائيل عدوانها وارتكاب جرائم الابادة بهذا الاستهتار لا يلحق الضرر بالامن القومي العربي والاسلامي فحسب، بل ايضا بالأمن الوطني لدولنا». هذه الرسالة هي التي يجب أن تصل الى الكيان الاسرائيلي، الذي لم يعد يعير أي اهتمام للبيانات او المطالبات العربية، لأنه بات على يقين أنها «مجرّد» بيانات فارغة من اي فعل حقيقي على الأرض، أو خطوات ملموسة يمكن أن تؤثر عليه. هذه المواقف العربية الاسلامية هي التي دفعت ايضا الاطراف الدولية لعدم الانصات الى الصوت العربي الاسلامي، أو ما يصدر من القمم والاجتماعات التي تعقد على جميع المستويات للاسف الشديد، فلو أن هناك «فعلا» عربيا لازم كل قرار صدر من عشرات القمم والاجتماعات طوال السنوات الماضية، لما رأينا هذا الاستهتار بالعالم العربي والاسلامي، الذي يبلغ عدد دوله 57 دولة، وعدد سكانه قرابة 2 مليار مسلم، يتوزعون في قارات العالم الخمس، مع مواقع استراتيجية بالغة الأهمية والدقة، وممرات مائية تربط قارات العالم، ويمتلكون من الثروات تحت الأرض وفوقها ما لا يعد، وبالرغم من ذلك لا وزن حقيقيا لهذه الكتلة الجغرافية والسكانية والاقتصادية المسماه بـ «العالم الاسلامي»، وقبله «العالم العربي». كان خطاب سمو الأمير المفدى خطاب الزعيم والقائد الذي يستشعر حجم المسؤولية، في هذه المرحلة التاريخية، وهو يرى ما يعانيه شعب من أمته يتعرض لحرب ابادة علنية، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، الذي لم يحرك ساكنا، بل وصل الأمر الى «تبلد المشاعر»، وتحول الأمر الى ظواهر غير مألوفة، فقد «ارتفعت بشكل ملحوظ معدلات المناعة لدى بعض الدول التي تدعي حماية القانون الدولي والنظام العالمي، حيث رأينا مناعتهم تجاه مناظر القتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين سواء كانوا اطفالا او نساء، وكذلك قصف المستشفيات والملاجئ اصبح لا يؤثر فيهم، ووصلت معدلات المناعة لديهم الى رؤية جثث الابرياء وهي تنهشها الكلاب لا تحرك لتلك الدول ساكنا، - سبحان الله - قوة المناعة فقط على أشقائنا الفلسطينيين». وفي الوقت نفسه فقد لامس الخطاب مشاعر الشعوب العربية والاسلامية التي تتطلع الى موقف حازم وصارم ينتصر لأهل غزة، ويوقف هذه المجازر الوحشية التي يتعرض لها اخوتهم في فلسطين، وتحدث بلسان هذه الشعوب العربية المسلمة التي سموه واحد منها، فأشار الى أن «قلوبنا تنفطر ألما لمشاهدة قتل الأطفال والنساء والشيوخ بالجملة». هذا الخطاب جمع بين الزعامة لقائد تحرك منذ اللحظات الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة، ولم يدخر جهدا في سبيل وقف هذا العدوان الوحشي، سواء عبر التواصل مع زعماء العالم، او عبر اللقاءات واستقبال الوفود على جميع المستويات من اطراف عدة، وتحولت الدوحة طوال الأيام الماضية شعلة نشاط سياسي ودبلوماسي ومركزا لوقف العدوان على غزة، او القيام بجولات مكوكية متنقلا من عاصمة لأخرى، حاملا هم فلسطين وأهل غزة، أو مساعي الوساطة التي تقودها قطر بجهود كبرى، سواء لفتح الممرات الانسانية وادخال المساعدات الاغاثية، لتوفير ما يمكن توفيره لأهل غزة من مساعدات غذائية وطبية وايواء وغيرها من المساعدات، سواء التي ارسلتها دولة قطر الى قطاع غزة عبر مدينة العريش المصرية، او جهود ومساعي فتح الممرات الآمنة بصورة دائمة. وفي نفس الوقت عبّر الخطاب عن مشاعر ووجدان الانسان العربي والاسلامي تجاه ما يحدث من انتهاكات وجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وتحديدا ما يحدث اليوم بحق اشقائنا في قطاع غزة. الحرب على غزة فضحت الغرب الذي طالما تغنى بشعارات حقوق الانسان والحريات وحماية الاطفال والنساء، واذا بهذه القيم التي ادعى أنه يحملها، ما هي الا شعارات جوفاء، انهارت واختفت مع أول قنبلة وصاروخ نزلا على رؤوس الابرياء في غزة، وسقطت كل الاقنعة التي طالما توارت خلفها انظمة غربية، فبانت حقيقة ما يدعون أنها مجرد ادعاءات اذا ما كان المتضرر هو الانسان العربي والمسلم. اليوم حتى الجوانب الانسانية لم يعد الغرب يعيرها اهتماما، فالحصار الظالم المضروب على اهل غزة ليس فقط منذ 37 يوما مع بدء هذه الحملة الشعواء من العدوان والمجازر، بل منذ 17 عاما وأهل غزة يعانون من الحصار الظالم، لكن اليوم باتت غزة وأهلها محرومين حتى من الغذاء والماء والدواء والوقود، وبات الاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس وسيارات الاسعاف والمساجد والملاجئ، يمر مرور الكرام على حضارة الغرب «اللاإنسانية»، وهي تتعامل مع أهل غزة. هذه الحضارة الغربية وهذا النظام الدولي يرى بأم عينيه قصف المستشفيات بمن فيها، ويرى عائلات وأحياء سكنية تباد بالكامل وشعبا يجبر على النزوح والتهجير قسريا، لكنه صامت بل مشارك في هذه الجرائم، هذه هي حضارة القرن الواحد والعشرين. لقد طرح سمو الأمير المفدى قضية الشعب الفلسطيني، التي تشكل عنوانا بارزا وتتصدر الأولويات في قطر، قيادة وشعبا، ومتجذرة في الوجدان القطري، وتحدث عن معاناة أهلنا في غزة وهم يتصدون للعدوان الاسرائيلي المتواصل عليهم منذ 37 يوما، وشخّص الواقع الدولي، وقدم الحلول على الصعيد العربي والاسلامي، وشدد على أن الحل الوحيد والمستدام لقضية الشعب الفلسطيني هو اقامة دولته المستقلة، والاعتراف بحقوقه كاملة. فلسطين قضيتنا، والدفاع عنها والوقوف الى جانب أهلها واجب ديني ووطني واخلاقي، والتصدي للمشروع الصهيوني مسؤولية عربية اسلامية.
1344
| 12 نوفمبر 2023
خطاب تاريخي لسمو الأمير أمام مجلس الشورى كلمة حق بوجه مجتمع دولي جائر خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد السنوي الثاني والخمسين لمجلس الشورى كان موعدا مع التاريخ، مع لحظة الحقيقة، وصوت الحق، والضمير العربي، الذي يأبى التخلي عن شعب فلسطين وقضيته العادلة، مهما بلغ التحالف العالمي مع الباطل والعدوان ضد العدل وحقوق الإنسان. كان هذا الخطاب لحظة من التاريخ لأنها أول مرة يبدأ صاحب السمو خطابه السنوي أمام مجلس الشورى بالحديث عن قضية أو شأن خارجي، باعتبار أن هذا الخطاب موجه للداخل بقدر كبير، ويرسم استراتيجية العمل خلال المرحلة المقبلة، ويضع خريطة طريق للحكومة في عملها القادم، لكن هذه المرة تجاوز سموه ذلك، وكسر هذا العرف، ليبدأ بالحديث عن القضية الفلسطينية، لأنها هي الأخرى تعيش مرحلة فارقة من التاريخ، في ظل هذا العدوان البربري الذي تتعرض له غزة، وهذا التآمر العالمي مع المجرم على حساب الضحية، ومنحه الغطاء لارتكاب جرائمه الوحشية دون رادع. الشأن الفلسطيني تصدر خطاب سمو الأمير في افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى لأول مرة قبل الشأن المحلي، وهي رسالة للعالم أن فلسطين في الأجندة القطرية ليست مجرد قضية تخص السياسة الخارجية، بل هي في موضع الأولوية والأهمية لدى دولة قطر، قيادة وحكومة وشعبا. لقد عبر سموه عن الوجدان العربي، وألقى باللائمة على سلطة الاحتلال، وما تقوم به من حرب إبادة لا مثيل لها في العصر الحديث، مستخدمة كل أنواع الأسلحة الفتاكة والممنوعة دوليا، وبالتوازي تقع اللائمة على المجتمع الدولي، الذي يغض الطرف عن هذه الجرائم ضد الإنسانية ويكيل بمكيالين، مؤكدا أن ما يجري خطير للغاية، بما في ذلك الدوس على جميع القيم والأعراف والشرائع السماوية والقوانين الدنيوية، وليس على القانون الدولي فحسب، بل إن التصرف بات وكأن حياة أطفال فلسطين لا تحسب، وكأنهم بلا وجوه ولا أسماء. خطاب سمو الأمير رسم صورة واضحة للحقيقة الماثلة أمام العيان، وحدد موقف قطر الصريح والواضح، وأهاب بالمجتمع الدولي، بدوله ومنظماته للوقوف صفا واحدا ضد هذه الهجمة الشرسة والعدوان الغاشم ضد شعب آمن أعزل تستباح حياته وممتلكاته ويسلب أبسط حقوق الإنسان، وضد التهجير القسري الذي يجاهر به الكيان الإسرائيلي. هذه الحقيقة سوف يسجلها التاريخ، وستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال الذين سيحفظون مواقف صاحب السمو الذي انتصر للشعب الفلسطيني وساند حقوقه العادلة في وقت تخلى العالم عنهم وتلكأ بعض العرب عن نصرة فلسطين وقضيتها. انتصار سمو الأمير لفلسطين ليس لمجرد أنها قضية عربية أو إسلامية، أو انتصار لمنطقة جغرافية، بل لأنها قضية حق وعدل، قضية عادلة، قضية شعب محتل، سلبت حقوقه وأراضيه ومقدساته، ويعاني القتل والتشريد والتدمير، ويعيش في الملاجئ، ويراد له اليوم التهجير الثاني أو الثالث في تاريخه. سيذكر التاريخ أن أمير قطر دشن خطابه أمام مجلس الشورى بالوقوف إلى جانب فلسطين والتضامن معها، خلافا لما درجت عليه خطابات سنوات ماضية، وأحداث سبقت، وفعل ما لم يفعله زعيم آخر، وأعلن بوضوح أنه يرفض الكيل بمكيالين كما يفعل المجتمع الدولي الذي ينحاز بشكل أعمى للعدوان الإسرائيلي. وسيذكر التاريخ أن سموه قال بصراحة: «كفى. لا يجوز أن تـمنح إسرائيل ضوءاً أخضر غير مشروط وإجازة غير مقيدة بالقتل، ولا يجوز استمرار تجاهل واقع الاحتلال والحصار والاستيطان، ولا يفترض أن يسمح في عصرنا باستخدام قطع الماء ومنع الدواء والغذاء أسلحة ضد شعب بأسره». هذا الموقف النبيل والأخلاقي لسمو الأمير ليس بالأمر المستغرب على سموه، الذي لطالما انتصر للشعوب وللقضايا العادلة، ودافع عن قضايا الأمة وشعوبها. هذا الموقف أثلج صدور الشعوب العربية التي وجدت في خطاب سمو الأمير تعبيرا صادقا عن وجدانها، ورسالة للمجتمع الدولي المنحاز للكيان الإسرائيلي وممارساته الإجرامية. شكرا سمو الأمير على هذا الموقف المنحاز إلى الحق والعدالة وحقوق الإنسان، والذي جاء أيضا كوقفة مدوية بوجه الضمير العالمي المستغرق في انحيازه وتجاهله لأبشع حرب إبادة تجري في العصر الحديث بحق المدنيين والأبرياء، بحق شعب فلسطين المحاصر في غزة. ولذلك دعا سموه إلى «وقفة جادة إقليمياً ودولياً أمام هذا التصعيد الخطير الذي نشهده والذي يهدد أمن الـمنطقة والعالم، وندعو إلى وقف هذه الحرب التي تجاوزت كل الحدود، وحقن الدماء وتجنيب الـمدنيين تبعات الـمواجهات العسكرية، والحيلولة دون اتساع دائرة الصراع». شكرا سمو الأمير لقد لامست كلماتك ـ التي خرجت من القلب ـ الوجع الفلسطيني حيث غاب الأصدقاء وتقاعس الأشقاء. شكرا سمو الأمير لأنك عبرت في خطابك، وتحدثت بلسان الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، التي تتألم لألم أهل غزة وشعب فلسطين وما يلاقونه من جرائم وحشية بكل دقيقة وثانية. شكرا لأنك الصوت المرتفع دفاعا عن فلسطين وأهلها فيما يتوافد رؤساء الدول الكبرى والعظمى إلى إسرائيل للتضامن معها والإعلان عن تحالف عسكري معها في حرب الإبادة الشاملة بحق أهلنا في غزة. شكرا سمو الأمير لإعادة تصويب الحقائق بسؤالك للمصطفين خلف الحرب ويعملون على إسكات الصوت المخالف: ماذا بعد هذه الحرب؟ شكرا سمو الأمير لردك الحاسم والجازم بوجه كل من يدعو لترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم بأن «الشعب الفلسطيني باق»، ولن ينفع استمرار الحصار والمصادرة والاستيطان في إنهاء أو القضاء على القضية الفلسطينية. شكرا سمو الأمير لكلمة الحق والحقيقة أن الحرب لا تقدم حلاً من أي نوع، وأنها سوف تفاقم الـمعاناة وازدياد عدد الضحايا، وكذلك الشعور العميق بالغبن. شكرا سمو الأمير لأنك أخبرتهم أن صمت المجتمع الدولي يوازي التجربة المروعة لأطفال فلسطين الذين قتل أهلهم وأترابهم أمام أعينهم. شكرا سمو الأمير لأنك أعدت تذكير هذا المجتمع الدولي المتخاذل بأن السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار للشعبين هو ما يتم تجنبه حتى الآن، وهو تحقيق السلام العادل والدائم وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الـمشروعة التي أقرتها الهيئات الدولية، بـما فيها إقامة دولته الـمستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. صناعة السلام لقد جاءت هذه الوقفة المدوية دفاعا عن فلسطين وأهلها منسجمة ومتكاملة مع سياسة قطر الخارجية التي أكد سمو الأمير المفدى أنها تقوم على دور بناء في صنع السلام وحل النزاعات بالطرق السلمية، والتشديد على العدالة في العلاقات الدولية. هذا الدور يأتي في صلب سياسة قطر الخارجية انطلاقا من قول سموه «نحن لا نقف متفرجين إزاء استمرار تردي الأوضاع في بعض الدول الشقيقة، ونعمل ما بوسعنا للمساعدة في معالـجتها من منطلقات التضامن والـمسؤولية والاستقرار الإقليمي، ونشعر بالارتياح لأي تقدم في حل الـخلافات من خلال الـحوار بين الدول». لقد نجحت قطر في القيام بهذا الدور حتى صارت تعرف بأنها وسيط موثوق به في صنع السلام وفض النزاعات عبر الحوار والدبلوماسية، هذا النجاح هو موضع فخر للدبلوماسية القطرية وهو صفحة مضيئة تسطرها قطر على جبين التاريخ. اقتصادنا بخير وفي إضاءة سموه على الشأن المحلي حضر الاقتصاد حيث إن الأزمات والتحديات تعصف بالاقتصاد العالمي غير أن اقتصادنا الوطني ما زال معافى وبخير، يواصل نموه وازدهاره، معززا بمشروع توسعة الغاز وإستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، كما استفاد اقتصادنا الوطني من ارتفاع أسعار الطاقة عن السعر الـمعتمد في الـموازنة العامة للدولة، مما ساهم بتحقيق فائض مالي يستخدم في خفض الدين العام، والذي انخفض من 73% في 2020 إلى ما دون 40% بنهاية النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يشكل إنجازا للاقتصاد القطري واستقراره. وأكد سمو الأمير أن الدولة ماضية في اتخاذ إجراءات على الـمستويين التشريعي والإداري لتعزيز الانفتاح الاقتصادي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وحماية حقوق الـملكية الفكرية، ودعم تنافسية الـمنتج الوطني، والتحول الرقمي. وفي هذا الإطار يأتي اهتمام سمو الأمير بتطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمار وتحقيق الفائدة من البنية التحتية الـمتاحة، مع التأكيد على تفعيل آلية تطوير التشريعات الـمنظمة للاستثمار الأجنبي لإزالة الـمعوقات التي تواجه ذلك الاستثمار، وإبراز قطر على الصعيد الدولي كحاضنة للاستثمار الدولي الـمباشر. ومن بين القضايا المهمة التي تطرق سموه لها ما يتعلق بالثغرات البيروقراطية والقانونية لتعزيز الاستثمار، لافتا إلى أن هذه الثغرات قد تنجم أحياناً من جهل الـموظفين أنفسهم بها، والتضارب بين الهيئات، وهي أمور يـمكن حلها بسهولة. في خطاب سمو الأمير لم تغب قضية التنمية التي موقع الأولية في رؤية قطر الوطنية والتي أساسها الاستثمار في رأس المال البشري، كما أن البيئة تحتل مرتبة مهمة في التنمية، حيث تعمل الدولة على زيادة المساحات الخضراء. وحضرت السلطة القضائية في خطاب سمو الأمير، فالارتقاء بالمنظومة القضائية وصولا لتحقيق العدالة الناجزة وذلك عبر استكمال البنية التشريعية القضائية وصدور القوانين المعززة للسلطة القضائية، يشكل أولوية لسموه، وفي كل خطاب يركز سموه على ضرورة إنجاز كل ما يتعلق بتحقيق العدالة الناجزة. ولم يغب عن خطاب سمو الأمير مضامين تتعلق بالقيم والمبادئ والأخلاق، وهو ما درج عليه سموه في ترسيخها عبر الإشارة إليها في خطابات مجلس الشورى في كل مرة، وهذه المرة أشار إلى ضرورة إدراك المواطن أهمية دوره كل في موقعه، والمسؤوليات التي تقع عليه، وواجباته تجاه الوطن، وتكامل الأدوار على مستوى الأفراد والمؤسسات، لينعكس ذلك إيجابا في صورة قطر الخارجية، والتفاعل الحضاري، وتقبل الاختلاف، وهو أمر لا يتناقض مع الهوية القطرية والعربية المسلمة، بل يسهم في مزيد من التقدم والتطور، ويواكب متطلبات المرحلة التي تعيشها المجتمعات. إن خطاب سمو الأمير في دور الانعقاد الجديد لمجلس الشورى جعلنا مطمئنين إلى أحوالنا الداخلية والتنموية وفخورين بسياستنا الخارجية والمواقف التاريخية التي أعلنها سموه انتصارا للشعب الفلسطيني، وما يعانيه أهلنا في غزة في هذه المرحلة التاريخية الصعبة من عدوان غاشم لا يراعي قيما ولا عرفا وقانونا ولا تشريعا.
1533
| 25 أكتوبر 2023
انهيار المنظومة الأخلاقية تجاه أكبر جريمة إنسانية الغرب ارتكب مجزرة «الحقيقة» في التعامل مع غزة إذا كان الكيان الإسرائيلي يمارس المجازر الوحشية الجماعية وبشكل ممنهج، بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ولم ينجُ منه الحجر والشجر والبشر، على مرأى ومسمع من العالم أجمع طوال 16 يوماً، فإن الغرب وأمريكا عدا عن قيامهم بتقديم كل الدعم والمساندة العسكرية واللوجستية للكيان الإسرائيلي، فإنهم مارسوا بشاعة أكبر، ومجازر أخرى لا تقل عن المجازر الصهيونية، تمثلت في محاولة وأد الحقيقة، وطمس حرية التعبير، وتقديم الرواية الإسرائيلية على أنها ـ بكل فضائحها وفبركتها وكذبها ـ هي الحقيقة. الغرب وأمريكا الذين طالما تفننوا في تقديم المحاضرات للعالم العربي والإسلامي، والعالم الآخر غير الغربي، عن حقوق الإنسان، والحريات، ومارسوا ضغوطا على الدول العربية من منطلق هذه الشعارات، هم اليوم في حرب غزة، الأكثر قمعاً لكل ما ينقل الواقع الحقيقي للجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني. حقوق الإنسان وحريات التعبير التي لطالما صدعونا بها، ومارسوا الابتزاز بحق أنظمة وشعوب مختلفة، ولا يكاد مسؤول غربي أو أمريكي يزور المنطقة إلا و»يحاضر» عن القيم الغربية في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، هم اليوم داسوها بأقدامهم، وبصورة متعمدة، إكمالاً للجريمة الإسرائيلية في غزة. بدءا من الإدارة الأمريكية برئيسها ومسؤوليها الذين اعتمدوا الرواية الإسرائيلية بكل ادعاءاتها الكاذبة، مروراً ببريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية التابعين، ولم يقتصر الأمر على اعتماد الرواية الإسرائيلية رغم افتضاح كذبها، بل فرضوا عقوبات على كل من يحاول سرد الحقيقة، وصلت في دول أوروبية إلى معاقبة المخالفين بأحكام سجن تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، هذه هي الحريات الأمريكية والغربية التي صَدَّعونا بها. والأمر تجاوز ذلك، بالسقوط السيئ لوسائل إعلام غربية وأمريكية وإعلاميين بارزين، الذين أصروا على تبني الرواية الإسرائيلية، والدفاع عنها، دون حتى الالتفات إلى الطرف الضحية، رغم كل الوحشية والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بما فيها ما هو محرم ارتكابه في القوانين الغربية كما هو العدوان على المستشفيات والمدارس وسيارات نقل المرضى والكنائس. حرية التعبير وحقوق الإنسان التي يتحدث الغرب عنها، وتحمل الولايات المتحدة الأمريكية لواءها، ما هي إلا شعارات ترفع وقتما أرادوا ذلك، وحسب التوظيف المطلوب. ليس هناك قيم غربية يؤمن بها الغرب إيماناً كاملاً، ويمكن أن ينتصر لها، ويدافع عنها، حتى وإن كانت مع خصمه. مؤسسات إعلامية غربية وأمريكية لعبت لعقود دور «الحامي» و»المدافع» عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، سقطت في اختبار غزة سقوطاً مريعاً، وكل ما كانت تنادي به من أخلاقيات ومهنية ومواثيق شرف، تبخرت في العدوان الغاشم على غزة العزة. لقد شكَّلَت غزة امتحاناً لتمحيص الكثير من الوجوه، سياسيين ومفكرين ومثقفين وإعلاميين ومؤسسات فكرية وثقافية وإعلامية، وسقطت أقنعة عن وجوه كالحة، ظننا لعقود أنها تناصر العدالة، وأن دفاعها عن حقوق الإنسان والحريات، دفاع قائم على المبادئ والقيم، وأن الأمر غير مرتبط بجنس أو ثقافة أو حتى شعب من الشعوب، وأن انتصار أولئك لما ينادون له، ويشنون من أجله حروباً ـ عسكرية وإعلامية ـ وحصاراً على الآخرين نابع من قناعات حقيقية، ويحرصون على مناصرة حقوق الإنسان ـ أي إنسان ـ أينما كان. غزة هي الكاشفة والفاضحة لهؤلاء الذين صَدَّعُونا بالحديث عن احترام حقوق الإنسان وحريات التعبير والرأي الآخر، وإذا بهم في حرب غزة يتساقطون، وينحازون للمجرم على حساب الضحية. هذا هو الوجه الحقيقي للغرب، بعيداً عن المكياج الذي يضعه إذا ما أراد أن يقابلنا به في مناسبات هو يختارها لأغراض هو يريدها منا، بما فيها حالات ابتزاز كثيرة لدول وأنظمة ومؤسسات في العالم العربي والإسلامي. تخيلوا أن من يحمل علماً لفلسطين في دول غربية يعاقَب بالسجن، ومن يدافع عن المظلومين في غزة، يعرض نفسه للمساءلة والعقاب، وغير مستغرب أن تتم محاكمة الأفراد على نواياهم. هذه هي عدالة الغرب ومؤسساته الإعلامية، مؤسسات إعلامية يفترض أن لها تاريخاً طويلاً من المهنية والمصداقية والدفاع عن الحريات.. هكذا كانوا يرددون علينا في كل مناسبة، وأنهم منحازون للحقيقة، الحقيقة فقط، وأنهم يقفون على مسافة واحدة في تغطياتهم ومناقشاتهم وحواراتهم.. وإذا بالوضع في العدوان الإسرائيلي على غزة مختلف تماماً، خاصة في هذا العدوان الغاشم هذه المرة، والذي لم يرَ العالم الحديث مثيلاً له في الإجرام والقتل والمجازر الوحشية. أمريكا والعالم الغربي المتواطئ ـ أقصد سياسييه والعديد من كبريات مؤسساته الإعلامية ـ يشاهد هذه الجرائم في غزة ويصمت عنها، بل ينفيها، وينحاز إلى القاتل وسرديته، ويتهم الضحية بأن دمها لوّث رصاص قاتلها. نحن أمام انهيار المنظومة الأخلاقية الغربية في تعاملها مع الآخر، وفي تعاملها حسب مصالحها، ليس هناك أخلاق أو قيم أو مبادئ لدى كثير من الأطراف في الغرب، سياسيين وإعلاميين ومؤسسات. غزة كشفت عورات الغرب، وأسقطت أقنعة يرتديها سياسيون وإعلاميون ومثقفون ومفكرون.. كثر، بما فيهم بالمناسبة في عالمنا العربي، الذين لم يختلفوا كثيراً عما شاهدناه في الغرب. صمود غزة لم يسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر كما أرادوا أن يفهمونا عن الكيان الإسرائيلي، بل أسقط صورة الغرب، الذي لطالما أراد تصديرها بأنها المدافع عن حقوق الإنسان، وضرورة احترامها، والإيمان بالحريات العامة وحرية التعبير.. وإذا بكل ذلك يسقط في التعامل مع غزة، الصغيرة بجغرافيتها، الكبيرة ببطولاتها، العظيمة بتضحياتها..
1131
| 22 أكتوبر 2023
من العار على النظام العربي أن يقف متفرجاً على المذابح التي ترتكب بحق المدنيين في قطاع غزة، في مشهد مخزٍ من التخاذل عن الوقوف في وجه الآلة الوحشية للكيان الصهيوني، الذي فشل فشلا ذريعا من الوقوف أمام كتيبة المقاومين من كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، الذين اجتاحوا الجدار الفولاذي الإلكتروني الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومرغوا أنوف الكيان وقادته، وداسوا على قواعده ورؤوس جنوده، واثخنوا فيهم قتلا تجاوز عددهم الألف قتيل، وأسروا المئات، في مشهد لم يألفه الكيان الغاصب منذ قيامه على أرضنا الطاهرة المقدسة. هذا المشهد العاجز عن الحركة للنظام العربي، قابله نجدة سريعة للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة جسر جوي مباشر لنقل الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية للكيان الإسرائيلي، وتحريك أكبر حاملة طائرات ترافقها مدمرات للتوجه إلى شواطئ فلسطين المحتلة، بعد أن كانت متمركزة في محيط أوكرانيا، مع تأكيد للرئيس الأمريكي بايدن بدعم الكيان الإسرائيلي، ومنحها الحق في فعل كل شيء، بل دعاها إلى أفعال أكثر « حسما « كما قال في مؤتمره الصحفي بالأمس. ولم يقف اسناد الكيان الإسرائيلي عند أمريكا، بل إن بريطانيا وأوروبا مجتمعة تعلن الوقوف مع هذا الكيان، ومنع حتى التعاطف مع الشعب الفلسطيني أو الضحايا في قطاع غزة، ثم تأتيك أوروبا لتتحدث عن الحريات وحقوق الإنسان. هذا الكيان ـ الذي للأسف يراهن عليه البعض في عالمنا العربي ـ هش لدرجة أنه لا يستطيع بكل ما يملكه من آلة عسكرية مدججة بكل الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا، من الوقوف أمام فصيل مقاوم في فلسطين، الذي أذاقه شر الهزيمة، واخترق كل التحصينات التي أقامها، وكل أجهزة التنصت التي زرعها، وكل « القباب « التي قال إنها الأكثر تقدما للتصدي للصواريخ، وإذا بها تنهار أمام صلابة إرادة القساميين. عجز الكيان بكل قواته عن المواجهة العسكرية في الميدان، فلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، فاستخدم كل أنواع الأسلحة عبر سلاحه الجوي ليقدم على إبادة مربعات سكنية مدنية بالكامل، مع حصار شامل للقطاع، بما فيها معبر رفح، الذي يربط القطاع مع مصر. دعونا من العالم الغربي والمجتمع الدولي المتواطئ، ماذا قدم النظام العربي لنصرة ونجدة أهل غزة الذين يبادون بشكل علني ممنهج؟. النظام العربي اليوم يتفرج على ما يرتكبه الصهاينة من جرائم بشعة في غزة، ولم يحركوا ساكنا، ولم يعلنوا عن مواقف عملية للتصدي لهذه الجرائم المرتكبة، وكأن ما يحدث في غزة مشهد سينمائي يشاهده هذه النظام العربي في سهراته. عار على العرب اليوم هذا الموقف المتخاذل تجاه ما يحدث في غزة، وما كان يحدث من غطرسة صهيونية في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وجنين.. والداخل الفلسطيني المحتل. غزة وأهلها ومقاومتها تدفع ثمن الدفاع عن مقدسات العرب والمسلمين، بعد أن تقاعس الجميع من الانتصار لها أمام الغطرسة والوقاحة الصهيونية التي نشاهدها يوميا في اقتحامات المسجد الأقصى وفي التعدي على الأعراض وحرائر فلسطين، اللاتي يدافعن عن حرمات مقدساتنا، كان الأولى بالنظام العربي والإسلامي الدفاع عنها. العرب في جاهليتهم كانوا ينتصرون لبني قومهم، وإن كانوا ظالمين، ويتدافعون لنصرته: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، هكذا كانت مروءتهم، بغض النظر عن صوابيتها أو خطئها، لكنهم يرفضون ـ من دافع الحمية ـ الاعتداء على قومهم، فما بال عرب اليوم حتى مروءة الجاهلية قد تخلوا عنها. غزة ستُبعث من جديد، ولن تستطيع الآلة العسكرية الصهيونية ومعها كل حلفائها من تركيع الشعب الفلسطيني، أو اخضاع أهل غزة، أو كسر إرادة المقاومة، بل على العكس تماما، فما انجزته المقاومة في السابع من شهر أكتوبر 2023 في عملية طوفان الأقصى يمثل مرحلة جديدة دخلتها مسيرة التحرير لكل فلسطين، فما بعد هذه العملية لن يكون كما كان قبلها، لكن في نفس الوقت سيظل ما يحدث لأهل غزة من حرب إبادة عبر الصواريخ والقنابل الموجهة عن بعد من قبل الكيان الإسرائيلي، وصمة عار في جبين النظام العربي، الذي يتفرج على ما يحدث دون أن يحرك ساكنا، أو يسجل موقفا مشرفا ونبيلا وشجاعا، لا أقول لنصرة غزة وأهلها، إنما لتحسين صورته واسترداد ولو جزء من شعبيته وشرعيته، فالانتصار لغزة إذا ما تم ـ وإن كان متأخرا ـ سيمثل قيمة أخلاقية للنظام العربي. أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أيها النظام العربي.
6357
| 11 أكتوبر 2023
ليس الصهاينة اليوم في صدمة، بل العالم أجمع بات يعيش صدمة من وقع قدرات المقاومة في غزة المحاصرة منذ أكثر من 17 عاما. ما حدث بالأمس من اجتياح قامت به المقاومة الفلسطينية تقودها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، لما يعرف بغلاف غزة من ( مدن وقرى فلسطينية محتلة ) والسيطرة على عدد منها يمثل منعطفا جديدا في مسيرة تحرير فلسطين، كل فلسطين. ليس أسلوب المباغتة الذي قامت به المقاومة هو الصدمة، بل ما أظهرته من قدرات وإمكانيات وخطط ميدانية وتحركات مدروسة، ليمثّل ذلك حرباً شاملة، حسب اعتراف الكيان الإسرائيلي، الذي اعلن حالة الحرب، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ 50 عاما ( حرب أكتوبر 1973 ). لم نألف هذه الأجواء ونحن في حالة حرب، حسب تصريحات الصهاينة. هجوم بري، رافقه دفعة أولى من الصواريخ تجاوزت 5000 صاروخ، ومعها انزال خلف قواعد العدو، وحرب إلكترونية شملت تشويشا على شبكات الاتصال الإسرائيلية وقطع لبعضها، في مشهد غير مألوف على الساحة العربية في مواجهة الكيان الإسرائيلي، الذي أثبتت هذه العملية البطولية أنه « بيت العنكبوت «. أرقام قتلى الصهاينة في تزايد بالمئات ( حتى اللحظة 250 قتيلا باعتراف الصهاينة)، وأن مصابيهم تجاوزوا الألف، وأسراهم عدد لم يعلن عنه بعد، وتدمير دبابات ومدرعات وآليات عسكرية، والأكثر « فخامة « جرجرة جنود الصهاينة على الأرض في مشهد « يشفي صدور قوم مؤمنين «. هذه العملية، وهذا التاريخ 22 ربيع الأول 1445، الموافق السابع من أكتوبر 2023 سيكون له ما بعده، فقواعد الاشتباك قد اختلفت، ولم تعد غزة تدافع عن جغرافية محدودة هي محاصرة فيها أصلا، بل باتت تمتلك زمام المبادرة، وتفرض على العدو معادلة جديدة، وأصبحت تختار توقيت ومكان المعركة، وهو أمر لم يألفه العدو الصهيوني، الذي لم يخض معركة فعلية مع أنظمة عربية منذ أكثر من 50 عاما. ظنت أنظمة عربية أن هذا العدو « لا يقهر « ولا يمكن التصدي له، فما بالكم باتخاذ قرار بدء المعركة، كما فعلت المقاومة في فلسطين، وقادت معركة « طوفان الأقصى، انتصارا للمسجد الأقصى، وللأسرى والأسيرات في سجون العدو، لوقف العربدة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، والتعدي على الأعراض والنساء في القدس والمسجد الأقصى. قد يقول البعض إن حركة حماس بهذا العمل « الجنوني « تدفع « إسرائيل « لاحراق غزة، والضحية سيكون الأبرياء من سكان غزة. وهذا كلام العاجزين والمنهزمين والمثبطين والمحبطين والمستسلمين.. أولا الكيان الإسرائيلي ليس بحاجة إلى مبررات لاستهداف غزة أو أي مدينة فلسطينية، فهذا الكيان قائم على العدوان والجرائم والقتل الممنهج، ونرى ذلك يوميا في عدوانه على القدس والأقصى والشعب الفلسطيني بكل شرائحه. هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، دون ذلك فهو استسلام، وكل التجارب التي دخلتها الأطراف العربية فيما يسمى بـ « السلام « شكلت وبالا على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقدساته، من أوسلو 1993 إلى هذه اللحظة. الأمر الآخر الكيان الإسرائيلي انسحب من غزة بفضل ضربات المقاومة، التي أجبرته على الانسحاب، بعد أن دفع أثمانا باهظة نظير احتلاله لقطاع غزة، وهو لو وجد مقاومة وضربات فعلية ـ وليس تنسيقا أمنيا ـ في الضفة الغربية لما بقي يوما واحدا. ثم مَن قال إن تحرير الأوطان يأتي على طبق من ذهب، دون تضحيات وشهداء وآلام؟. أي شعب استرد حريته ووطنه دون ذلك، فما بالكم إذا كان المحتل هو الكيان الصهيوني، الذي أتى إلى أرضنا المقدسة بعقيدة دينية يهودية تلمودية، وبالتالي لا يمكن طرد هذا العدو إلا بعقيدة دينية. الجبهة الداخلية للمجتمع الصهيوني لا تتحمل مشاهد الصواريخ التي تراها وهي تتساقط على مدن فلسطين المحتلة والمغتصبة، والتي يجثم على أرضها مستوطنون غرباء أتوا من مشارق الأرض ومغاربها، لأنهم يعرفون أن هذه الأرض ليست أرضهم. ثم إن جيش الاحتلال أجبن من أن يصمد أمام مقاومين لديهم عقيدة قتال مترسخة فيهم، كما هو الحال مع كتائب القسام أو فصائل فلسطينية أخرى اثخنت في العدو عند المواجهة الحقيقية. اليوم أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحطمت بفعل هذه العملية النوعية التي سيكون لها ما بعدها، أسطورة الردع الصهيوني انهارت، كما انهارت قبلها القبة الحديدية التي زعموا أنها تحمي سماء الكيان الصهيوني، فإذا هي كـ « المشخال « أمام صواريخ المقاومة التي انهالت على مدن فلسطين المحتلة، بما فيها تل أبيب، التي أصبحت في مرمى الصواريخ. هذه الصواريخ في يوم ما، كان مسؤولون عرب يسخرون منها، ويصفونها بـ « ألعاب نارية «، وإذا بها اليوم تمثّل رعبا للكيان الصهيوني، وردعا لمغامراته وعربدته في فلسطين. غزة ـ التي قال عنها الهالك إسحاق رابين « أتمنى أن استيقظ يوما من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر « ـ هي اليوم كابوس للصهاينة، رغم أنها محاصرة، ورغم جغرافيتها الصغيرة التي لا تتجاوز 365 كيلو مترا مربعا، إلا أنها تقدم دروسا في الفخر والعزة والكرامة، في زمن « الهرولة « العربية نحن الكيان الصهيوني، والاحباط الذي أصاب الشارع العربي بفعل لغة الاستسلام والعجز التي تتحدث بها أنظمة عربية، وهي تتعامل مع الكيان الإسرائيلي. طوفان الأقصى غيّر معادلة الصراع، وكسر هيبة الاحتلال، ومثّل مرحلة جديدة في المواجهة العسكرية، وأحيا لدى الشعوب العربية الأمل بالتحرير الكامل لأرض فلسطين. طوفان الأقصى يؤسس لطوفان انتفاضة شاملة، ليس فقط بين غزة العزة والكيان الإسرائيلي، بل انتفاضة لفجر عربي جديد، وإن لم تظهر ملامحه الآن، لكنه يتشكّل في سنوات قليلة قادمة.
1530
| 08 أكتوبر 2023
سمو الأمير أمام الأمم المتحدة رؤية قائد ينشد السلام والازدهار لشعوب العالم جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شاملاً لأزمات العالم، مُشخّصاً الواقع، مُستعرضاً القضايا، واضعاً الحلول، ومُلامساً لتطلعات الشعوب، آمالها وآلامها. خطاب بدأ بالجانب الإنساني، عندما تقدم بالتعازي لأشقائنا في المغرب وليبيا بضحايا الزلزال والفيضانات، مؤكداً تضامن قطر مع الشعبين الشقيقين، وهو تضامن عملياً بدأ منذ اللحظات الأولى لهاتين الكارثتين، عبر جسور جوية من المساعدات لأشقائنا، واجب علينا وليس منة أو تفضلاً. لقد خاطب سمو الأمير المفدى العالم من موقع القائد المسؤول، الذي لا يحمل في محتوى خطابه مطالب تخص دولته، بل تحدث من موقع الشريك الإستراتيجي للأمم المتحدة في تشخيص مكامن المعاناة في مناطق النزاعات وتقديم المقترحات والحلول الناجحة. كان سمو الأمير يتحدث بلغة صانع السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ، ولهذا كان خطابا بمثابة البُشرَى التي تُبشّر العالم بإمكانية الخروج من النفق المظلم لكثير من الشعوب والدول. إنها البُشرَى التي تعيد تصويب لغة التخاطب في العالم، فبدلاً من خطب التهديد والوعيد يأتي خطاب سموه حاملاً بشائر السلام، بلغة القائد الواثق من قدرة بلاده بدبلوماسيتها المميزة، وهي للتو قد حققت إنجازاً تاريخياً بإتمام اتفاق بين دولتين بينهما من المشاكل والأزمات ما لا حصر لها، أمريكا وإيران، ليؤكد للعالم النهج الذي تدعو له قطر في حل الأزمات وهو الحوار العقلاني والمتزن، بعيداً عن لغة القوة والحلول العسكرية. لعل ما يميز الخطاب الحادي عشر لسمو الأمير في الأمم المتحدة أنه يأتي مستنداً إلى رصيد كبير من المبادرات الإنسانية التي قدمتها قطر لشعوب العالم، وإلى شراكة دولية أممية رسخت مكانة قطر بين الدول والأمم، وكجسر يربط بين الشرق والغرب، وقد لا نبالغ إن قلنا إن قطر غيّرت المعادلة السائدة في هذا العالم منذ عقود، فهي لم تعد بحاجة إلى الدول الكبرى لنزع فتيل الأزمات، بل أصبحت الدول الكبرى بحاجة إلى جهود قطر ودورها الدبلوماسي وقوتها الناعمة. لقد جسّد خطاب سمو الأمير التزام قطر القوي بهموم وقضايا العالم والمجتمع الدولي، لا سيما ما يتعلق بالمسائل التي تخص التنمية والسلام والأمن والاستقرار، وعلى رأسها التعليم باعتباره الركيزة الأساسية والمحورية المحركة لكل تلك الجهود. وظلت قضايا أمتنا وشعوبها تشكل الأولوية ـ كالعادة ـ لسمو الأمير في مثل هذا المحفل الأممي، فقد صارح سموه العالم في الحديث عن قضية فلسطين وما يعانيه شعبها من احتلال وتعسف صهيوني، وحصار لغزة، في ظل تقاعس للمجتمع الدولي، مروراً بالشعب السوري وما يعانيه من ظلم فادح ولا يجوز التسليم به على أنه قدر، وكانت السودان ولبنان واليمن وليبيا جميعها حاضرة في الخطاب، مؤكدا سموه على أن الحل في جميع هذه الدول الشقيقة التي ذكرت يكمن في الإجماع على كيان الدولة والمواطنة واحترام تطلعات الشعوب. لقد تحدث سمو الأمير عن هموم الإنسانية كما لم يتحدث مسؤول حيث تناول في البداية معاناة البشرية في ظل الهوة الكبيرة بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين تفاقم الأزمات وارتفاع معدلات البطالة وغياب العدالة في توزيع الثروات وازدياد المخاطر على البيئة ملخصا المشهد بعبارة بليغة قال فيها: «كأن شعوب الكرة الأرضية تعيش في عصرين مختلفين». سمو الأمير تحدث بلغة القائد المسؤول عن قضايا الشعوب والأمة ولذلك كان حريصا ان ينبه المسلمين انه لا يجوز ان يشغلنا معتوه او مغرض كلما خطر بباله ان يستفزنا بحرق القرآن الكريم او بنذالة أخرى. متوجها لكل من يبرر هذه الأفعال القبيحة بأنها حرية تعبير بالقول: لا يجوز ان يكون المس المقصود بمقدسات الآخرين نموذجا عن حرية التعبير. دولة قطر استطاعت تقديم صيغة بناء جديدة وفريدة مفادها أنها في مقدمة الدول التي تتبنى نهج الحداثة، دون أن تتخلى عن ثوابتها ومرتكزاتها الأصيلة، وهو ما لمسه العالم بأسره خلال استضافتها لبطولة كأس العالم، وتقديمها نسخة استثنائية، تنظيمياً وإدارياً وفنياً، وحملت رسائل ثقافية وحضارية وتاريخية. للمساهمة بالتقريب بين شعوب العالم، مع التزامها بالمحافظة على القيم القطرية الأصيلة على مختلف المستويات. قطر بلغت مكانة متميزة في الأمم المتحدة، وبما لها من دور فاعل يُشار إليه من قبل المنظمة الدولية والدول الأعضاء إزاء القضايا المطروحة على الساحة الدولية، حيث تعرف دولة قطر بشراكاتها الجادة والمثمرة مع أجهزة الأمم المتحدة، علاوة على إنجازاتها واحترامها للالتزامات الدولية ومبادراتها في مختلف المجالات، لدعم العمل الدولي المتعدد الأطراف لمواجهة التحديات المشتركة، وهو ما دفع المنظمة الأممية لفتح «بيت الأمم المتحدة» بالدوحة، والذي يضم 12 مؤسسة أممية، وهو دليل على ثقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمكانة التي تتبوؤها، والمصداقية العالية التي تتمتع بها. شكّل خطاب سمو الأمير المفدى بوصلة تحدد أولويات القضايا على الخارطة الدولية، وتطرح معالجات جذرية للعديد من الأزمات التي تجتاح العالم. إنها رؤية قائد ينشد السلام لشعوب العالم وازدهاره وللأجيال القادمة.
909
| 20 سبتمبر 2023
الشرق .. 36 عاماً من مسيرة متـجددة التكـامل بين الورقي والرقمـي عنـوان المرحلة الجديـدة خلال 36 عاما من مسيرتها الصحفية، التزمت «الشرق» التي انطلقت في الأول من سبتمبر 1987ـ بميثاق وطني وأخلاقي، ومهنية صارمة، ومصداقية عالية، وسعت إلى نقل منجزات الوطن ومكتساباته، وعبّرت عن قضايا الوطن، ولامست قضايا المواطن، وظلت منبرا حرا منضبطا بقيم وأخلاقيات وعادات وتقاليد مجتمعنا وخصوصيته. وخلال هذه المسيرة شهدت «الشرق» قفزات متتالية من التطور والإبداع في العمل الصحفي، وقادت مبادرات نوعية، إعلامية واجتماعية وثقافية وفكرية..، وواكبت المشهد الصحفي بكل تفاصيله على الدوام. نؤمن في «الشرق» أن التطور سنة الحياة، وشرط أساسي للنجاح والتقدم، ومن يتقاعس عن مواكبة العصر، ويتباطأ في عملية التجديد والتطوير يتجاوزه الزمن، ويتلاشى تدريجيا حتى يفقد القدرة على الاستمرار. لذلك نحن في «الشرق» اتخذنا من التطوير الدائم استراتيجية ونهجا حتى نحافظ على موقع الصدارة في مسيرتنا الإعلامية، ونواكب تطلعات قرائنا، ومتطلبات المراحل التي يمر بها مجتمعنا. لقد واجهت الصحف الورقية تحديات قاسية على امتداد العقد الأخير، وبلغت أوجها مع وباء كورونا، مما اضطر عددا من الصحف في عواصم عالمية إلى التوقف عن طباعة النسخ الورقية قسريا، وتراجع الإيرادات المالية ونزيف من الكوادر والكفاءات الإعلامية، وترافق ذلك مع تغير مزاج القارئ الذي استقطبته وسائل التواصل والإعلام الحديث. «الشرق» عملت على تجاوز التحديات التي أصابت المؤسسات الصحفية، واستعادت زمام المبادرة لتطل على قرائها بحلة جديدة، وبرؤية طموحة، تقوم على التطور التفاعلي الذي لن يتوقف عند حدود الشكل والمحتوى، بل هو عملية مستمرة من التطوير في النسخة المطبوعة والموقع الإلكتروني والمنصات الرقمية، تستند الى التفاعل مع احتياجات المجتمع والقراء، لتبقى «الشرق» سباقة في تقديم الأفضل والأحدث والأرقى في الشكل والأدوات والمحتوى. لقد بدأنا اليوم مرحلة جديدة من مسيرة الشرق الإعلامية الزاخرة بالإنجازات منذ انطلاقتها عام 1987. فقد كانت «الشرق» ومازالت سبّاقة في تبني قضايا الوطن والمجتمع، ومواكبة كل المشاريع التنموية الرائدة وتغطية هموم الناس وتطلعاتهم. تطل «الشرق» بثوبها الجديد، لتدشن مرحلة من المشاريع الإعلامية المميزة التي تشمل الصحيفة الورقية والموقع الإخباري ومنصاتها الرقمية المختلفة، والإعلان عن إطلاق مشروع بودكاست عبر منصة «نبراس»، إحدى منصات «الشرق»، لتكون بذلك أول صحيفة محلية تدشن منصة بودكاست، وتقدم برامج مميزة، نخبوية واجتماعية ورياضية وثقافية واقتصادية وتربوية، لتشكل بذلك إطلالة إعلامية جديدة تثري المشهد الاعلامي، وتلبي تطلعات المشاهدين والقراء. حرصت «الشرق» أن تكون إطلالتها الجديدة منسجمة مع طموحنا الإعلامي لتحقيق التكامل الإبداعي بين الشكل والمضمون، بما يمكنها من خدمة قضايا الوطن، وتلبية تطلعات المجتمع والقراء لجهة تقديم مجموعة متكاملة من المواضيع المفيدة والمستجدة كذلك، مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة بالإضافة إلى شؤون التعليم والصحة والقضايا التي تهم الشباب. إن أولويتنا في هذه المرحلة من مسيرتنا الإعلامية هو ترسيخ الالتزام بالمصداقية، ونقل الحقيقة بدون مواربة أو تحريف، وطرح المزيد من المواضيع للحوار والنقاش، لنكون العين التي تنقل إلى المسؤول ما يجب نقله، لتصويب المسار، وتصحيح الخلل بكل موضوعية ومهنية، وتعزيز الإيجابيات والأعمال الناجحة، لقد أثبتت تجربة الإعلام الرقمي ووسائل التواصل أن الصحف الورقية تبقى المصدر الأهم للمصداقية، بينما كثير من الأخبار الزائفة جرى تداولها في بعض مواقع التواصل دون تصويبها، في حين أن الصحيفة ملزمة بتصويب أي معلومة خاطئة. وهذه النقطة ستكون موضع اهتمام وأولوية في كل الأدوات الإعلامية لصحيفة «الشرق» من النسخة المطبوعة إلى المنصات الرقمية، ذلك أن المصداقية والموضوعية في استراتيجية عملنا تتقدم على السبق الصحفي. ستمضي «الشرق» في عملية تطوير المحتوى بمهنية واحترافية، بحيث يتم تحرير الأخبار والمعلومات بأسلوب جديد يجذب القارئ. وسيكون للصورة دورها وحضورها خصوصا وأننا نعيش زمن الإبهار البصري، وستجدون القصص الإخبارية في مقاطع الفيديو المصورة بأحدث التقنيات. «الشرق» في إطلالتها الجديدة تحمل عنوان التكامل بين المطبوع والمسموع والمرئي.. التكامل بين الورقي والرقمي .. سيتاح لقراء «الشرق» مشاهدة ما ينشر على صفحات الجريدة، فالحوارات الحصرية ستكون مصورة وتبث عبر قناة «الشرق»على اليوتيوب، فيما تبث المنصات الرقمية أهم المقاطع المصورة، وكذلك الحال بالنسبة للتغطيات الصحفية والتقارير الإخبارية. ونحن نبدأ مرحلة جديدة، نواكب من خلالها أهم المستجدات على الساحة الإعلامية، فإننا نجدد التأكيد على أن أبواب «الشرق» مفتوحة للكوادر القطرية، وهي فرصة لندعوهم مجددا للانضمام الى مسيرتها الإعلامية، وخوض تجربة العمل الصحفي سواء بالصحيفة المطبوعة أو الموقع الإلكتروني أو المنصات الرقمية أو ببرامج البودكاست.. فأهلا بكل مساهمة في مسيرة «الشرق» الإعلامية، التي هي بالأساس صحيفتكم، ولسان حالكم، ومنبر آرائكم.
1371
| 03 سبتمبر 2023
يتوجه الآلاف من أبنائنا اليوم إلى المدارس، لبدء عام دراسي جديد، نتطلع جميعاً أن يكون عاماً أكثر فاعلية وتحصيلاً علمياً وتميزاً في الأداء الأكاديمي والتربوي. لا نشك أبداً بجاهزية وزارة التربية والتعليم في الاستعداد للعام الدراسي الجديد، فهناك جهود كبيرة تبذل لتوفير بيئة تعليمية ذات خصوصية، ومتوافقة مع أفضل النظم العالمية، وتجهيزها بالوسائل والأدوات المطلوبة، واختيار الهيئة الإدارية والتدريسية من أصحاب الكفاءة العالية. ربما حديثي ليس عن جاهزية الوزارة وما تتمتع به من إمكانات مادية ولوجستية، بقدر ما هو حديث عن الجوانب التربوية، التي تمثل العنصر الأبرز في دور وزارة التربية والتعليم، وهو دور أثق أن الوزارة بقيادييها ومنتسبيها يعملون جاهدين لترسيخ قيم التربية في أبنائنا، فعلمٌ إذا خلا من تربية وأخلاق وقيم، لا معنى له، ولا جدوى منه، ولا يمكن أن يبني حضارة، أو يدفع بتقدم مجتمع. لذلك نتأمل أن تضع القرارات والتعاميم التي تنظم العملية التعليمية، سواء في علاقاتها بين الإدارة العليا بالوزارة وبين الهيئات الإدارية أو التدريسية في المدارس، حيزاً للعلاقة الإنسانية، دون الإخلال، بالطبع، بالقوانين والأنظمة ومصلحة العمل، والأداء بالصورة المثلى، إنما يكون هناك تفهم للحالات والظروف الإنسانية التي يتعرض لها الإداري أو المدرس، وهو ما يخلق ولاءً أكبر، وإخلاصاً أكثر، وعطاء أفضل، للوزارة وطلابها. الأمر الآخر في علاقة المدرسين / المدرسات مع أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، هذه العلاقة نتوقع ألا تكون مجرّد علاقة تربط مدرساً / مدرسةً يقوم بتدريس مادة في صف لمدة 45 دقيقة، وفي آخر الشهر يتقاضى راتباً على ذلك. جميعنا مر بتجارب عديدة، إيجابية وسلبية، في العلاقة بينه وبين مدرس مادة ما، لا زالت عالقة في ذهنه، وربما تركت أثراً لا زال حاضراً، هذا الأثر نريده أن يكون إيجابياً، نريد من إخواني وأخواتي المدرسين والمدرسات أن يكونوا قدوات ـ وهنا للتذكير فقط، لأننا نؤمن بأنهم كذلك ـ في علاقتهم مع الطلبة والطالبات، سواء بالكلمة الحسنة، أو المعاملة الحسنى، أو التبسط في العلاقة، أو التمهل في إيصال المعلومة..، وقبل ذلك كله في السلوك والمعاملة. نحن بأمسّ الحاجة إلى مربين ومعلمين يقدمون نماذج رفيعة أمام طلابهم، أخلاقاً وقيماً، تعاملاً وسلوكاً، وهو ما نحتاجه اليوم في مؤسساتنا التعليمية، في ظل فضاء مفتوح، يحمل طوفاناً من السلوكيات والأخلاقيات، المرفوض الكثير منها دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، وعبء هذا الإصلاح أو التصدي لهذا الطوفان لا يقع فقط على كاهل المدرس أو المدرسة أو وزارة التربية والتعليم، إنما جميعنا مسؤولون عن ذلك، خاصة الأسرة، وهو ما يتطلب المزيد من التواصل بين الأسرة ـ البيت ـ والمدرسة والمدرسين والمدرسات، وأن تكون هناك علاقة وثيقة تربط بين الطرفين، وألا يتحسس الآباء أو الأمهات إذا ما نقل إليهم أن مدرساً / مدرسة قام بتعنيف أحد أبنائهم. للأسف البعض من أولياء الأمور تجده غائباً عن متابعة أمور ابنه بالمدرسة طوال العام، حتى اللقاءات أو اجتماعات مجالس الآباء نادراً ما يكلف نفسه بحضورها، لكنه ينزعج كثيراً إذا ما وصلت إليه معلومة ناقصة عن موقف تعرض له ابنه / ابنته من قبل مدرس أو مدرسة، دون التأكد من تلك المعلومة. نريد تكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة في التربية، فهذا الجيل سيكون يوماً صانع قرار في المجتمع، فلا ينبغي التساهل في عدم إقامة شراكة حقيقية بين الطرفين، المدرسة والأسرة، من أجل أبنائنا. الأمر الآخر، نتمنى من الأخوة المدرسين والأخوات المدرسات أن يكونوا أصدقاء للطلبة والطالبات، مع حفظ المكانة طبعاً، بعيداً عن الشدة والغلظة وعبوس الوجه... اليوم هو الأول في العام الدراسي، قد يتأخر بعض الطلاب في شراء اللوازم المدرسية لظروف أسرية، قد يكون منها عدم القدرة المالية، خاصة إذا ما كان في الأسرة أكثر من ابن في مراحل تعليمية مختلفة، فلا داعي لتعنيفه أو توبيخه أمام زملائه، كن إنسانا قبل أن تكون أستاذاً، فاليوم الأول قد يحفظه لك هذا الطالب أمد الدهر، سلباً أو إيجاباً. كونوا أيها الأخوة والأخوات نماذج في المبادرات النوعية على صعيد الصف والمدرسة والوزارة، حتى تدفعوا الطلاب والطالبات للاقتداء بكم، والسير على خطاكم.. اتركوا أثراً طيباً، فهؤلاء الطلاب سيحفظون لكم ذلك.
1752
| 27 أغسطس 2023
طوال 12 عاما، وهي المدة الفاصلة بين فوز قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2010، وافتتاح البطولة في نوفمبر 2022، كان كلما «كح» أو «عطس» عامل في أي قطاع يعمل في قطر، تلقفته «ماكينات» ما تسمى بمنظمات العمل أو حقوق الانسان في الغرب، لتصنع منه قصصا من الخيال، وتتحدث عما تسميه بالحياة «المأساوية» التي يعيشها عمال كأس العالم في قطر، رغم كل الشواهد التي كان تنفي ذلك. قبل أيام كشف في فرنسا عن وفاة عامل في يونيو الماضي يبلغ من العمر 51 عاما، ولديه 5 أطفال، يعمل في تجهيز أحد المرافق الرياضية استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024. هذا العامل الذي كشف عن وفاته بعد نحو شهر، هو واحد ضمن عمال آخرين فقدوا أرواحهم ضمن مشاريع ومرافق يتم تجهيزها في فرنسا لاستضافة دورة الألعاب الاولمبية، لكن لا نجد هذا الصراخ - ولو نصفه بل عُشره - من نفس المنظمات الغربية التي لطالما تحدثت عن أوضاع حقوق العمال في قطر. «كل يوم في فرنسا يموت شخصان في المتوسط في العمل، ويكون هناك العديد من الجرحى، بعضهم جراحهم خطيرة، إنها مذبحة غير مرئية، نادرًا ما تكون في قلب النقاشات السياسية أو الإعلامية، لكنها تحمل الكثير من التفاوتات المستمرة في عالم العمل». هذا الملخص قدمه موقع ميديا بارت Mediapart الفرنسي لملف أعده عن معاناة عمال المنشآت، وبالذات تلك التي تهيئ لألعاب باريس الأولمبية. باريس ومدن فرنسية وغربية أخرى هي نفسها التي رفضت نقل فعاليات افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، ومنعت وضع شاشات عرض لمباريات تلك البطولة، أو السماح بإقامة ساحات للمشجعين، بدعوى انتهاكات لحقوق العمال كما يحلو لهم أن يسموها، في وقت كانت بيئات العمل والرواتب التي يتقاضاها عمال كأس العالم في قطر تضاهي نظيرتها في الغرب وأمريكا، إن لم تكن أفضل منها وتتجاوزها، مع وجود صندوق تعويضات لأي عامل قد يتعرض لمرض أو إصابة عمل، وقوانين تحفظ حقوقهم وحتى ساعات العمل وفترات العمل، كما هو قانون الإجهاد، الذي لا يوجد في الغرب مثيل له. قبل عدة أشهر فجرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، فضيحة مدوية، حيث كشفت عن معاناة العمال الأجانب الذين يتم استغلالهم بصورة بشعة في أماكن العمل، دون أن يتحرك الساسة الفرنسيون أو المنظمات الحقوقية والانسانية. هؤلاء العمال أعربوا عن استنكارهم لظروف العمل، وتنقل الصحيفة في هذا الصدد عن أحدهم ويدعى «عبدو»، تأكيده: ‘‘ليس لدينا حقوق، ليس لدينا ملابس عمل، ولا توفر لنا أحذية أمان، ولا نتقاضى أجراً مقابل التنقل. ليس لدينا الحق في الفحوصات الطبية، ولا عقود عمل. إذا مرض أحدنا أو أصيب يقومون بتغييره في اليوم التالي’’. وشاهدنا قبل أيام في مظاهرات شهدتها مدن فرنسية مختلفة على خلفية مقتل الشاب الفرنسي «وائل» كيف ظهر حجم الاحتقان من السياسات الفرنسية، فواقعة القتل على يد شرطي لطفل كانت مجرد شرارة فتحت جرحا عميقا في المجتمع الفرنسي. ليست فرنسا البلد الغربي الوحيد الذي يشهد انتهاكات لحقوق الانسان ولحقوق العمال ولحقوق الاطفال، فهناك بلدان غربية أخرى تسير في نفس الركب الفرنسي، لكننا لا نجد انتقادات لهذه الدول لمخالفات عمالية، كما شهدنا ذلك في حالة قطر، التي تعرضت لهجوم ممنهج، وغير أخلاقي، ليس فقط من قبل منظمات وجمعيات تدعي أنها تحمل لواء الدفاع عن حقوق العمال، بل إن ساسة غربيين شاركوا في الهجوم على قطر، بينما لا نرى لهم حراكا أو تصريحا ولو مقتضبا - كوزيرة الداخلية الألمانية التي أساءت إلى قطر - عما يدور في المجتمعات الغربية من انتهاكات لحقوق العمال كما في الحالة الفرنسية، التي تستعد لاستضافة أولمبياد العام المقبل، وشهدت حالات وفيات في مواقع العمل، دون أن تجد التنديد المناسب، كما كان في الوضع مع قطر، التي كانت تستهدف بهجمات على كل المستويات. المنظمات والجمعيات الحقوقية والإنسانية ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع في الغرب لا تتردد في توجيه الانتقاد والاتهام والإساءات لدول عربية وإسلامية تحت مبررات وأسباب وعناوين «فضفاضة» كما في مفاهيم حقوق الانسان أو العمال أو الأسرة، فلماذا لا نجد من المنظمات والجمعيات العربية والاسلامية إقامة نقاشات مماثلة لما يدور في المجتمعات الغربية من انتهاكات وممارسات لا إنسانية تجاه قطاعات العمال والأقليات والمهاجرين والأطفال؟!. ومما يثير الدهشة صمت المنظمات الغربية عن المخالفات الجسيمة التي تقع في دول الغرب وتشددها تجاه حوادث بسيطة وعادية عند وقوعها في أي بلد خارج منظومة القارة الاوروبية، ولماذا يجوز لتلك المنظمات الغربية فرض سلطتها ومفاهيمها وثقافتها على مجتمعاتنا العربية، فيما تحجم منظماتنا العربية الحقوقية والإنسانية عن الحديث عن الانتهاكات التي تحدث في المجتمعات الغربية؟!. لم تعد المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الدول والمنظمات الغربية مع قضايا العالم العربي والإسلامي خافية عن العيان، فقد أصبحت مقززة وبصورة فجة. وإذا عجزت منظماتنا العربية الحقوقية عن الحديث عن الانتهاكات والممارسات غير الأخلاقية، التي تحدث في المجتمعات الغربية، فإن على إعلامنا العربي تناول ذلك وإثارته بكل موضوعية ومصداقية ومهنية، لإطلاع الرأي العام على حجم تلك المخالفات والانتهاكات التي ترتكب في المجتمعات الغربية.
1203
| 16 يوليو 2023
لست هنا للحديث عن المواقف العربية حيال ما يتعرض له مخيم جنين من حرب بربرية من قبل القوات الإسرائيلية التي ترتكب الجرائم بحق سكان هذا المخيم، كما في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالمواقف العربية لم تتجاوز أسطراً بكلمات «منمقة»، وما تسمى بـ «بيانات» شجب واستنكار، فالوضع العربي «الضائع» و«المشتت» لم يعد محل بحث أو اهتمام الشعوب العربية، التي بُحت حناجرها وهي تنادي وتطالب بموقف عربي جاد للتصدي للغطرسة الإسرائيلية، وبالتالي فإن الضرب في «الميت» حرام. وطبعاً ما تسمى بالسلطة الفلسطينية فموقفها أكثر ذلاً وخذلاناً لشعبها، فبالرغم من أن جنين يفترض أنها في «حماها» – ليست كما غزة – إلا أن السلطة باتت تشكّل «عوناً» للصهاينة في تنسيقها الأمني المخزي مع الكيان الإسرائيلي ضد أبناء شعبها المقاوم. مخيم جنين بات أيقونة العمل المقاوم في كل فلسطين، هذه البقعة الجغرافية التي لا تتجاوز مساحتها «½» كيلو متر مربع، أصبح «إمبراطورية» يقف شامخاً في وجه العدوان الإسرائيلي، الذي استخدم كل أنواع الأسلحة من قطاعات برية (دبابات.. مدرعات.. آليات.. مركبات) مع قوات النخبة يدعمها سلاح الجو بمقاتلاته الحديثة وطيرانه المسيّر وأقماره الصناعية، كل ذلك ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحقيق أهدافها التي أعلنتها وهي تبدأ هجومها البربري على سكان هذا المخيم. «إسرائيل» بكل إمكاناتها تخوض معركة مع «دولة» اسمها مخيم جنين، ولم تستطع تحقيق أهدافها، التي قالت إنها تريد «اجتثاث» الإرهابيين في هذا المخيم، فلم تتمكن من اعتقال أحد منهم، وعندما عجزت عن تحقيق ذلك، قامت بتجريف الشوارع والمنازل وارتكاب الجرائم ضد المدنيين في المخيم. هذه ليست المرة الأولى التي تقتحم القوات الإسرائيلية هذا المخيم المقاوم، هناك الكثير من المرات التي اقتحمته، وفي كل مرة تعود خائبة، منكسرة، لكن في هذه المرة – والتي سبقتها – الأمر مختلف، فنحن لا نتحدث عن مرور سريع للدبابات والمدرعات والمركبات والجنود الصهاينة في «أزقة» هذا المخيم، واغتيال وتصفية من تشاء، وتدمير ما تريد، والخروج منه دون كلفة حقيقية، الوضع بات مختلفاً، الدخول إلى مخيم جنين باتت له كلفة، كما في غزة، وعلى الكيان الإسرائيلي وقواته أن تدفعها في المخيم وعلى أطرافه، فقد رأينا كيف كانت المواجهات العسكرية بين المقاومين من فصائل وكتائب، وبين الغزاة، ورأينا كيف فجرت وعطلت آليات ومركبات إسرائيلية، ورأينا كيف يقوم الاحتلال باستبدال قواته بأخرى، ورأينا جنود الصهاينة يهربون عند اشتداد المواجهات. مخيم جنين «إمبراطورية» وإن كانت مساحته الجغرافية «½» كيلومتر مربع، إلا أن «زيارته» من قبل قوات الاحتلال لم تعد «نزهة»، وبات يحسب ألف حساب لأي مغامرة يقدم عليها. في كل مرة يخرج مخيم جنين من المواجهات مع قوات الاحتلال أكثر قوة وصلابة، فلم تنجح المرات الماضية من الاقتحامات الصهيونية في إسكات المقاومة، ولن تنجح هذه المرة، بل إننا أمام مرحلة جديدة من المقاومة في مخيم جنين، الذي لم يعد يقاوم داخل جغرافيته المحدودة، ففي الوقت الذي كانت المقاومة تتصدى لاقتحامات قوات الصهاينة، كان مقاوم آخر يضرب قلب تل أبيب عبر دهس وطعن، فيوقع إصابات بالغة، ويفجر المقاومون عبوات في أكثر من مكان في مدينة جنين ومخيمها في مركبات ومدرعات القوات الإسرائيلية. هذه الحالة الجديدة لم تكن موجودة في السنوات الماضية عند اقتحام القوات الإسرائيلية لمدينة جنين أو مخيمها، صحيح كانت هناك مقاومة لكن ليست بالصورة التي عليها اليوم. الإعداد والتجهيز الإسرائيلي لاقتحام مخيم جنين، يعادل الإعداد والتجهيز لخوض حرب من دولة، وهذا وضع القيادات الإسرائيلية في مأزق، فبالرغم من كل هذه التجهيزات العسكرية فإن أهدافهم التي تحدثوا عنها لم يتحقق منها شيء، فلجأوا إلى خيار تدمير البنية التحتية للمخيم، بل إنهم عجزوا عن الوصول إلى أبطال المقاومة، وما يتحدثون عنه من اعتقالات فهي حيلة العاجز، فهؤلاء المدنيون من سكان المخيم ألقي القبض عليهم للتغطية على الفشل الذريع للعملية العسكرية الصهيونية.
1320
| 05 يوليو 2023
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6678
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2751
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2352
| 30 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1710
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1518
| 27 أكتوبر 2025
نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1410
| 30 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1056
| 29 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
1038
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
969
| 27 أكتوبر 2025
عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...
876
| 26 أكتوبر 2025
بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...
861
| 27 أكتوبر 2025
أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
693
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية