رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بات من المسلمات حرص واهتمام الرؤساء الأمريكيين بتخليد إنجازاتهم وإرثهم الرئاسي كما شرحت في كتبي عن مبادئ الرؤساء الأمريكيين من جورج واشنطن إلى باراك أوباما، كرجال دولة وقادة الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً على المستوى الدولي - في تهديد أو تعزيز الأمن والاستقرار والحرب والسلم والرخاء.
أحرقت حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي الرئيس جونسون وأجبرته على عدم خوض رئاسة ثانية عام 1968. وبرغم تصنيف الرئيس ريتشارد نيكسون من الرؤساء العظام والمؤثرين مع وزير خارجيته هنري كيسنجر، لانفتاحه على الصين وتصديه للسوفييت والشيوعية في الحرب الباردة، لكن فضيحة وترغيب، أجبرت نيكسون على الاستقالة عام 1974! ودمرت إرثه، وأدخلته التاريخ بكونه أول رئيس أمريكي يجبر على الاستقالة، وإلا كان الكونغرس سيعزله.
وبرغم نجاح الرئيس كارتر وإدارته بالتوصل لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل محققاً اختراقاً تاريخياً كسر عزلة إسرائيل وأخرج مصر من الصف العربي عام 1979-وحسب مقولة كيسنجر الشهيرة «لا حرب في الشرق الأوسط بدون مصر ولا سلام في الشرق الأوسط بدون سوريا»، إلا أن الانهيار الاقتصادي وفشل الرئيس كارتر في إنقاذ الدبلوماسيين الرهائن المحتجزين في إيران بعد الثورة عام 1979. خرج بإرث ضعيف ويصنف من الرؤساء الضعاف لعجزه عن كبح التدهور الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة والفائدة. ما جعله رئيسا لفترة واحدة!.
أما إرث الرئيسين ريغان وبوش الأب فكان تسريع إنهاء الحرب الباردة وإنهاك الاتحاد السوفييتي وسقوطه وتحول النظام العالمي لنظام أحادي القطبية بقيادة وهيمنة أمريكا عليه. وتدشين نظام عالمي جديد وتحرير دولة الكويت وإعادة الحياة للأمم المتحدة بعد أربعة عقود من شللها بسبب تبادل الفيتو بين الأمريكيين والسوفييت طوال مرحلة المواجهة والتصدي والاحتواء وحروب بالوكالة من كوريا وفيتنام إلى أفغانستان والشرق الأوسط ونيكارغوا وأنغولا!.
فاز الرئيس بوش الابن مرتين بطرق غير مسبوقة. وكان أول رئيس ينُصّب بحكم تاريخي من المحكمة العليا عام 2000 برغم خسارته التصويت الشعبي لآل غور نائب الرئيس كلينتون.
تثبت استطلاعات الرأي الرئيس أن الرئيس بوش الابن-الأقل شعبية، بسبب تخبطه بالسياسات الأمنية والدفاعية والخارجية وشنه حروبا على الإرهاب واستباقية غير شرعية واحتلال أفغانستان والعراق. وجعلت جماعة «المحافظون الجدد» أمريكا دولة مارقة تحتل دولا وتدمر توازن القوى الهش في الشرق الأوسط والخليج وتقلق حلفاءها ويتحداها خصومها!، وتحولت إيران لدولة بنفوذ إقليمي، وكوريا الشمالية دولة نووية-وتعمقت كراهية أمريكا. ووُصف إرثه بالرئيس الأكثر إضراراً بسمعة ومكانة أمريكا.
وبقيت عقدة إرث الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن لثمانية أعوام منع إيران امتلاك السلاح النووي. حتى لا يسقط من قائمة الرؤساء المميزين والعظماء. لذلك خاض الشيطان الأكبر مفاوضات سرية وعلنية لسنوات للتوصل لاتفاق نووي بين إيران ومجموعة (5+1)-عام 2015-على حساب الحلفاء الخليجيين. ما عمق «معضلة الحلفاء الخليجيين الأمنية» بتضخيم الهجران والتبعية بين حليف قوي وحلفاء ضعاف. وسمح لإيران في عهده بالتفاخر بالسيطرة على أربع عواصم عربية!.
وتلطخ إرث الرئيس ترامب بتجاوزات، وخالف برعونة ونزق وقلة خبرة سياسات رؤساء أمريكا الثابتة، بعقلية التاجر وليس الزعيم. فتعامل داخلياً وخارجياً بمفهوم المقايضة وليس بعقلية رجل دولة الحاذق. انسحب من الاتفاقيات التي وقعها الرئيس أوباما-الاتفاق النووي مع إيران واتفاق باريس للمناخ.. واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل! وتفاوض مع طالبان للانسحاب من أفغانستان. وأثار ترامب قلق الحلفاء الخليجيين برغم جعل السعودية، بخلاف جميع الرؤساء السابقين، وجهة رحلته الخارجية الأولى إلى المملكة العربية السعودية. لكنه لم يحرك ساكناً عندما اعتدي على منشآت أرامكو وابقيق وخريص في المنطقة الشرقية بأسلحة وصواريخ ومسيرات إيرانية عام 2019-مدعياً أن ذلك حدث في السعودية وليس الولايات المتحدة الأمريكية.
ترك ترامب إرثاً مرتبكاً وأساء لمكانة ودور أمريكا. وبرغم خسارته انتخابات التجديد عام 2020 لجو بايدن في التصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي-إلا أنه طعن بالنتيجة دون أي دليل أو إثبات ووصف الانتخابات بالمزورة وتشبه انتخابات دول العالم الثالث! وحرّض أنصاره على اقتحام الكونغرس! ولتعميق مأزقه وتفرده بكونه الرئيس السابق الوحيد الذي حوكم مرتين في الكونغرس، ووجه له القضاء وهيئة المحلفين والمحقق الخاص ثلاث تهم فيدرالية جنائية على تجاوزات أخلاقية وإخفاء وثائق سرية والتلاعب بنتائج انتخابات مقاطعة فولتون في جورجيا ولم تحسم هيئة المحققين اتهامه بتحريض أنصاره اقتحام الكونغرس.
وورث الرئيس بايدن أمريكا منقسمة ومتصارعة من ترامب، وتفاخره «أمريكا أولاً» وتكريسه صورة ومكانة سلبية للولايات المتحدة في الخارج! وقراره الترشح لرئاسة ثانية برغم تجاوزه 80 عاماً، يجعله أكبر رئيس بتاريخ أمريكا عمراً!، يظهر ذلك بهفواته وشبه ضياعه المتكرر لتقدمه بالعمر. ما قد يؤثر على إرثه. لكن يُحسب للرئيس بايدن إخراج أمريكا من وباء كورونا.
يكرر الرئيس بايدن بسخريته من حصاد ترامب: «عندما أؤكد أمريكا عادت لقيادة النظام العالمي يسألني بعض القادة «إلى متى ستمسك بزمام القيادة قبل تراجعها»! كما يؤخذ على بايدن الانسحاب المرتبك والفوضوي من أفغانستان، لكن يحرص بايدن على تكريس إرثه بمواجهة روسيا والصين وخاصة بعد حرب أوكرانيا. وبمنع إيران أن تصبح دولة نووية السلاح في رئاسته في تكرار لموقف إدارة الرئيس أوباما، الذي كان بايدن نائبه. ما يدمر إرث بايدن كلياً.
لكن واضح هدف الرئيس بايدن بعد نصف قرن في العمل السياسي سناتور ورئيس-التميز بمواجهة روسيا والصين، وتحقيق اختراق تاريخي بإعطاء اهتمام وأولوية لتحقيق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهي مبادرة غير واقعية نظراً لتطرف إسرائيل، ليتجاوز انجاز الرئيس كارتر باتفاقية سلام تاريخية بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1979.
نفصل في مقال الأسبوع القادم.
الســـودان القضيــة التي ماتت
عام 2025 يوشك على الانتهاء بعد شهرين من الآن وأزمة السودان التي تفجرت منذ 15 أبريل 2023 تتفاقم... اقرأ المزيد
156
| 02 نوفمبر 2025
الذكاء الاصطناعي.. من يقرر ملامح الحقيقة القادمة؟
لم يعد سؤال الهيمنة في عصر الذكاء الاصطناعي مجرّد منافسة تقنية على أدوات السيطرة، بل تحوّلًا بنيويًا في... اقرأ المزيد
114
| 02 نوفمبر 2025
زمن الشهرة الزائفة
لم يعد التغيير الذي أصاب النفوس البشرية خفيًّا أو محدودًا، بل أصبح واضحًا لكل من يتأمل طبيعة العلاقات... اقرأ المزيد
165
| 02 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6681
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2754
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2385
| 30 أكتوبر 2025