رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عُقدت القمة العربية الثانية والثلاثون، والخامسة في السعودية منذ عام 1976، بغياب نصف القادة العرب لأسباب مختلفة. وسمعنا في القمة العربية تكرار لخطب إنشائية بمركزية القضية الفلسطينية، والتصدي لمحاولات تحويل منطقتنا لمنطقة صراعات. وإصلاح وتفعيل دور الجامعة العربية، وتكثيف جهود التنسيق والتعاون العربي المشترك! ليتكرر المشهد نفسه بترحيل الأزمات للقمم التالية.
وسط أجواء ومزاج عام محتقن وفي ظروف صعبة، كان لافتاً ارتفاع منسوب التفاؤل الذي برز بكلمات القادة برغم غياب نصفهم لأسباب مختلفة. والتأكيد على محورية وحل القضية الفلسطينية ورفض التدخلات الخارجية وتعزيز وتكثيف الجهود والعمل العربي المشترك. على أمل تحقيق بعض الآمال والطموحات التي عجز النظام العربي عن تحقيقها، لضعف بنية النظام وانشغال الأنظمة العربية بمواجهة التحديات الوطنية في الداخل والخارج. ما يمنع صياغة استراتيجية متكاملة تفضي لمشروع عربي جامع في نظام دفاع مشترك وتفعيل متطلبات الأمن الجماعي والتحالفات، يمكنه التصدي للقوى الإقليمية.
اللافت أيضاً في قمة جدة ما أفضى إليه التقارب بين السعودية وإيران بعد سبعة أعوام عجاف من قطع العلاقات والحرب الباردة وحرب الوكالات على رقعة المنطقة من اليمن إلى سوريا ومن العراق إلى لبنان- واستمرار العمل بالهدنة بين السعودية والحوثيين- واللافت تسارع الأحداث لتأهيل وإعادة نظام الأسد لجامعة الدول العربية بعد 12 عاماً من تعليق عضويته بسبب جرائم حرب النظام وتنكيله بشعبه لوأد انتفاضتهم ومطالبهم بحياة كريمة وحرية وعدالة!
تعويم وتأهيل النظام العربي للنظام السوري وحضور رأسه بشكل مثير للجدل ويفتقد للقبول وللإجماع العربي-دون تقديم التزامات-وتعهدات بسبب بدعة النظام العربي الذي سهل لنظامه العودة معادلة «الخطوة مقابل خطوة»! وكان صادماً ومستفزاً خطاب الأسد الشوفيني الفوقي بأن سوريا هي قلب العروبة وفي قلبها! وكلامه المستفز عن الأحضان والانتماء!، وانضم لفريق منتقدي تركيا والإخوان بانتقاده بإسقاطات «الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة» -يؤكد أنه لم يتب ولا يرغب بالانتزاع من الحضن الذي يريد البقاء فيه!
لذلك يبقى موقف دولة قطر مبدئي الوحيد الرافض لتأهيل وتعويم نظام الأسد، الموقف الوحيد الذي يحرم حصول النظام على الاجماع العربي، ويلامس الواقع بسبب نهج النظام السوري على خرق المعاهدات والاتفاقيات بما فيها قرارات مجلس الأمن. لقناعة القوى الفاعلة في المنطقة وبدعم دولي بأن بقاء نظامه ضرورة ملحة ولأن البديل سيكون أسوأ.
وكان رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن، عبّر بوضوح عن موقف دولة قطر من رفض عودة النظام السوري لجامعة الدول العربية والتطبيع معه. مؤكداً «أن الحل الوحيد لتطبيع العلاقات مع النظام السوري هو إيجاد حل شامل وعادل يرضي الشعب السوري، فالمشكلة ليست بين قطر والنظام، وإنما بين النظام وشعب عانى من ويلات الحرب على مدار الـ12 سنة الأخيرة. وأوضحت قطر موقفها منذ اتخاذ القرار بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بأن قطر لا تريد الخروج عن الإجماع العربي حول هذا الموضوع، لكن يُترك لكل دولة قرارها السيادي في تطبيع العلاقات الثنائية.
ومع تأهيل نظام الأسد في سوريا وعودته المشكوك فيها لكنف الحضن العربي التي تبدو من متطلبات المرحلة بعد التقارب السعودي الإيراني-ودور وكلائها في المنطقة، دون انتزاع أي تنازلات سياسية ومصالحات ملحوظة من النظام وعودة آمنة للاجئين والمهجرين الذي قتل وشرد نصف شعبه-ليعود وكأن شيئا لم يكن- لذلك كان المطلوب قبل إعادة النظام العربي للنظام السوري إلى الحضن العربي وضع خريطة طريق وآلية لفك ارتباطه من الحضن والنفوذ الإيراني وقيامه بخطوات يلتزم فيها بحوار جاد وبمخرجات واضح مع المعارضة ويلتزم بمخرجات جنيف 1 وبتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 قبل إعادته للحضن العربي؟
وفي سابقة حضر الرئيس الأوكراني زيلنسكي ضيف شرف القمة في جدة بدعوة من الدولة المضيفة، وطالب بدعم أوكرانيا ومسلمي التتار وانتقد بشكل واضح حياد بعض الأنظمة من أخذ موقف ضد حرب روسيا. لكن كيف تقرأ روسيا مشاركته وتداعياتها على الحياد الخليجي والعربي حول حرب روسيا على أوكرانيا؟!
لكن تبقى الأزمات العربية مستعصية. استمرت وتفاقمت القطيعة بين الجزائر والمغرب. وشن جنرالات السودان حرباً ضارية للاستئثار بالسلطة والحكم لدولة تصنف من بين الدول الأكثر هشاشة وتفككاً في مؤشر الدول الهشة في العالم، ليزداد وضع السودانيين بؤساً!
وتعقدت الأزمات في كثير من الدول العربية. بعد سبعة أشهر من نهاية رئاسة ميشيل عون يبقى لبنان بلا رئيس جمهورية وحكومة تصريف أعمال وبرلمان لا يجتمع إلا نادراً ووضع اقتصادي هو الأسوأ وتقزم حلم اللبنانيين للحصول على خدمات الماء والكهرباء والتوظيف وحلم الطبقة المثقفة تذكرة سفر بلا عودة في هجرة للأدمغة نشهدها في عدد من الدول العربية!
وانهارت الأوضاع المالية والاقتصادية في دول عربية، وصاحبها ارتفاع التضخم والغلاء والبطالة، ما أدى لانهيار العملات الوطنية أمام الدولار، وتآكل الطبقة الوسطى ودخل ملايين العرب تحت خط الفقر في اليمن والسودان ولبنان وسوريا ومصر وليبيا.
واستفرد النظام في تونس بالسلطة وعطل مؤسسات الدولة وصاغ دستوراً وزاد من قبضة الاعتقالات والقرارات المتفردة لدولة كان ينظر إليها العرب بأنها مهد التغيير فيما عرف بالربيع العربي الكاذب، قبل أكثر من عقد من الزمن! وللأسف يبقى الشتات عقبة كـأداء أمام التعاون العربي المطلوب.
طالما فشل النظام العربي بالتحول لنظام يمكنه حماية والدفاع عن دولنا الاثنتين والعشرين 22 و450 مليون عربي لأكبر تكتل بشري وجغرافي وثروات طبيعية ومضائق على البحار الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وينهي حالة التبعية والضعف ويتصدى للمشاريع الإقليمية والدولية. سنبقى عرضة للتهديد والتآمر والتعدي على دولنا وشعوبنا من مشاريع الآخرين، ومن داخل كياناتنا العربية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
6030
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4695
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2571
| 05 نوفمبر 2025