رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
(1)
تعريف مصطلح "السياسة" (خطأٌ شائع)، أو بالأصح أو الأدق تعريف وظيفة السياسة بأنها "فن الحصول على الممكن" هي نظرية (لمكيافيلي) الذي ظهر في القرن السابع عشر. ولا تكتمل نظريته الفلسفية هذه إلا مع نظرية فلسفية أخرى مكملة لها وهي أن "الغاية تبرر الوسيلة" في ممارسة السياسة.
(2)
طبعاً كلتا النظريتين مطبقتان وبقوة في السياسة العالمية. لأن (مكيافيلي) اليهودي الصهيوني – حسب مصادر أمريكية وأوروبية - أصلاً ومن الأساس أنشأ النظرية للأقوى لتبرر أفعاله في العالم كما سيمر بنا (مثال: احتلال واغتصاب فلسطين). وقد لا يُلام (هتلر) الذي هاجر من بلده النمسا إلى ألمانيا وفي ذهنه تصفية الصهاينة من اليهود الذين يرون أنهم فوق العالم. وهو أيضاً دليلٌ على استيعاب (هتلر) لنوايا اليهود الصهاينة المبكرة في أوروبا والعالم.
(3)
إنه منذ نهاية الحرب الكونية الثانية أخذ الغرب (الطرف الأقوى) المنتصر هذه النظرية وصهاينة اليهود (نميزهم عن يهود آخرين معادين للصهيونية وهم كثر في العالم وفي بريطانيا وهم الحاخامات) طبعاً في الطليعة باعتبارهم أو باعتبار أسلافهم ضحايا للنازية الأوروبية للسيطرة على العالم وللانتقام والمتاجرة "بالهولوكوست".
(4)
النظرية عنصرية (وقطعاً الصهيونية شكل من أشكالها) بلا أدنى ريب (والريب هنا أوسع من مجرد الشك) ولا تقل عنصرية عن نظرية (داروين) "البقاء للأقوى" أي للعنصر الأبيض الأقوى التي برزت خلال القرن التاسع عشر. هنا أيضاً البصمة الصهيونية اليهودية واضحة فداروين يهودي صهيوني يؤمن بتفوق العنصر الأبيض اليهودي الأمريكي والأوروبي. وإلى حد ما النظرية الثانية هذه (لداروين) تكمل النظريتين الأوليين (لمكيافيلي)، وكل السلوكيات السياسية لأمريكا والغرب وإسرائيل في العالم العربي وغيره كما سيتضح ترجمة فعلية لهاتين المدرستين "المكيافيلية" و"الداروينية".
(5)
القاسم الأعظم المشترك بين نظريتي (مكيافيلي) ونظرية (داروين) هو القوة والتسلط وضمان نجاح تفوق اليهود على العالم باستخدام قوى منتصرة وغنية وهو ما حدث بالفعل ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد حاول (هتلر) بدءاً من 1933 أن يقلص نفوذهم إلى حد ما. الأقوى وهو العنصر الأبيض اليهودي الصهيوني (في أمريكا والغرب بالتحديد وفي روسيا وأوروبا الشرقية) أذكى من سواه وبالنتيجة يستحق البقاء. وعليه أن يُفْني كل من هو ليس بأبيض أو يهودي لأنه أقل ذكاءً وبالتالي لا يستحق البقاء. وعليه؛ فإن العنصر الأبيض القوي هو من يحدد ما هو ممكن وما هو غير ممكن لأن في السياسة "الغاية تبرر الوسيلة".
(6)
لتكتمل الصورة هنا نعطي مثالاً على ماهية الممكن أمريكيا وهي قصة تاريخية مثيرة. فعندما اكتشف علماء (مدرسة فرانكفورت) الألمانية أسرار القنبلة النووية أو الذرية بعد مجيء (هتلر) للسلطة في ألمانيا أخفوا الخبر عنه؛ لأنهم افترضوا أنه مجنون وإن قدموا له القنبلة فسيحرق العالم. وعليه ارتأوا أن يهاجروا إلى أمريكا ففعلوا وافترضوا بالمقابل أن (هاري ترومان) الرئيس الأمريكي عاقل فقدموا له القنبلة، ولأنه تلميذ مدرسة "السياسة فن الممكن" ألقى القنبلة على هيروشيما ونجازاكي عام1945 وأحرق مئات آلاف اليابانيين منهيا الحرب لصالحه ولصالح الحلفاء وطبعاً نعرف جميعاً ما يعانيه اليابانيون من جراء ذلك إلى هذا اليوم نتيجة الإشعاعات.
(7)
"الغاية تبرر الوسيلة" تعني أن تصل في السياسة إلى غايتك بصرف النظر عن نوع الوسيلة؛ تسرق.. تعتدي.. تقتل.. تحتل.. تدمر.. مثال: (ترومان والقنبلة الذرية على اليابان) إلخ.. تحت مظلات مثل الحرية.. الديمقراطية.. وخلاص الشعوب وغيرها. وهي سياسة بدون أخلاق، ولم يسلم الفردُ الأمريكي والأوروبي منها فقد انتقلت عدوى حكوماته إليه. فكثير من الأفراد يتبناها أسلوب حياة وغدت حالة ذهنية مترسخة لديه. وهي أخلاق يهودية صهيونية بامتياز (انظر مسرحية "تاجر البندقية" مثلاً لشكسبير).
(8)
مثلاً؛ عندما يأتي الأمريكي أو الأوروبي الغربي ليعمل في أحد البلاد العربية أو غيره (يأتي على الأقل بحالة ذهنية متصهينة) مما أطلق عليها الغرب تسمية "العالم الثالث" ليهينها ويستغلها لأن شعوبها – كما يفترضون - أقل ذكاء منهم وغير قادرين على تسيير وإدارة بلدانهم (أي أنهم يُنظر إليهم على أنهم زومبيز) يستهينون بقدرات الشعوب الذين يأتون لبلدانهم للعمل وطلب لقمة العيش ورغم ذلك يتعاملون معم باستعلاء.
(9)
لما كان ذلك كذلك؛ فإن الأقوى هو من يحدد ماهية الممكن وعلى الضعفاء أن يذعنوا ويكتفوا بالإصغاء ويتحولوا إلى عبيد مأمورين. هذه الحقائق عن نظريتي (مكيافيلي) و(داروين) لا يفقهها الكثير ممن يمكن أن يوصفوا أو لا يوصفوا "بالنخبة" في العالم العربي.
(10)
في أحاديثهم غالباً ما يعرِّفون السياسة بأنها "فن الحصول على الممكن"، وكأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل، طبعاً هم في ظني لا يدركون أنهم مضللون في ذواتهم ومضللون لغيرهم في آنٍ واحد. مجرد انبهار بالعبارة حتى أن كثيراً منهم لا يعرفون من قائلها ومتى وما دوافع النظرية.
(11)
أذكر – فيما أذكر - أن مذيعاً في إحدى القنوات المرئية العربية العالمية الموصوفة "بالمستقلة" كان يستضيف شخصاً وصفه بالمفكر - ولا أدري ما المعايير التي على أساسها بني وصفه – في حصة أو حلقة تناقش ما يُعرف "بحل الدولتين" فإذا بالمفكر كسائر "مفكري النخبة العربية" يثير إعجاب المذيع بقوله: "السياسة في النهاية هي فن الممكن"، واعتقد المذيع أن تلك المقولة من بنات أفكار المفكر ولم يُخفِ انبهاره بها.
(12)
ربما أن كليهما لم يعرفا أن المقصود بالممكن هو الذي لا يحدده الجانب الفلسطيني ولا العربي لأنه طرف ضعيف، وإنما الذي يحدد الممكن هو إسرائيل ومعها ومن ورائها أمريكا والغرب لأنها الطرف الأقوى. ولذلك تجد الجانب الفلسطيني أو العربي يذعن على غرار قول المتنبي: "ومن نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى عدواً له ما من صداقتِهِ بُد".
(13)
إسرائيل هي من تحدد أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأن بناء ما يسمى بالمستوطنات أو المغتصبات في القدس الشرقية والضفة الغربية حق مشروع لها، وأن القتل والهدم والاعتقالات دفاع مشروع عن النفس، وكله يتنافى طبعاً مع القانون الدولي، ولكن من يحدد القانون الدولي؟ الأقوى، والأقوى أمريكا تقول إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وكأن الفلسطينيين هم الذين يحتلون إسرائيل، إلى غير ذلك من الممكنات التي يحددها القوي والأقوى حسب النظرية.
(14)
إذن؛ إسرائيل وأمريكا والغرب ودول الكثافة اليهودية الصهيونية الأخرى كروسيا وأوروبا الشرقية تفرض على العالم تقريباً كل يوم أن "السياسة هي فن الحصول على الممكن" وأن "الغاية تبرر الوسيلة" وأن البقاء للأقوى وأنهم - من خلال السطور - لا يحترمون إلا القوي (تأملوا مثلاً كوريا الشمالية وإيران والصين)، وبالنتيجة يريدون أن يملوا علينا أنْ ليس في الإمكان أفضل أو أبدع مما كان، وهي مقولة يرددها كثير من العرب حكاماً ومحكومين. بمعنى ارضوا بالممكن الذي نحدده نحن الأقوياء الصهاينة ومن ورائهم وليس من أمامهم أمريكا وكل قوى الممكن المفترضة.
(15)
لكن هزيمة الأمريكيين ومعهم الناتو في فيتنام ولاوس والكوريتين وأمريكا اللاتينية وأفغانستان والعراق وجنوب لبنان وفلسطين – غزة (رغم قسوة الحصار) تدل على هزيمة الممكن.. عربيا مثلاً؛ لأول مرة في تاريخ الصراع يستطيع (حزب الله) – مع كل اختلافنا معه في الأزمة السورية – في 2006 أن يظل يطلق صواريخه على إسرائيل بكل قوة دول الممكن أمريكا والغرب وبعض دول العرب إلى آخر لحظة قبل عملية وقف الحرب. وكان انتصاره وفق معيارين: الأول؛ قدرته على شن إطلاق الصواريخ إلى آخر لحظة، والثاني؛ عدم تمكن الممكن الإسرائيلي ومعه كل قوى الممكن الأمريكية والغربية وغيرها من تحرير أسيريه، وقبلها في 2000 حرر "حزب الله" الجنوب ومعتقلي معتقل الخيام ودحر الممكن الصهيوني الأمريكي الغربي.
(16)
كذلك لأول مرة (مثال عربي آخر) في تاريخ الصراع (حماس) في غزة تفرض شروطها على إسرائيل خلال الحرب الصهيونية على غزة خلال السنة الوحيدة لولاية الرئيس المصري (محمد مرسي) المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الممتد لاثني عشر ألف سنة. هزيمة أخرى للممكن.. إذن لنخرج نحن العرب من نفق "أن السياسة هي فن الممكن" الصهيوني الأمريكي الأوروبي شرقيِّه وغربيِّه ونحدد نحن الممكن عربيا.
إعدام بيروقراطي
في زمن تتسارع فيه المتغيرات، وتتوسع فيه متطلبات التنمية، لم يعد العمل الحكومي التقليدي قادرًا على مواكبة حجم... اقرأ المزيد
270
| 02 ديسمبر 2025
تخلَّص من صدماتك
جسد الإنسان يختزل الكثير من الأمور، وكذلك دماغه قد ينسى بعض الأمور غير المهمة ويتذكر بعض الأمور التافهة... اقرأ المزيد
147
| 02 ديسمبر 2025
الحماية الجنائية للموظف العام.. من يملك حق تحريك الدعوى؟
يواجه موظفو خدمة الجمهور في الجهات الحكومية مواقف متباينة خلال تعاملهم اليومي مع المراجعين، وقد تتجاوز بعض الردود... اقرأ المزيد
162
| 02 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2349
| 30 نوفمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة كأس العرب، حيث ستتحول الدوحة إلى قلب نابض بالإثارة والتشويق. الشوارع مزدانة بالأعلام، والطرق مكتظة بالجماهير المتجهة إلى الملاعب، كأن المدينة كلها أعدت نفسها ليوم يُكتب في التاريخ كعيد رياضي عربي كبير. لحظة البداية ليست مجرد صافرة، بل شرارة ستشعل الحماس في نفوس كل من يترقب الحدث، لتنطلق بطولة يُتوقع أن تكون من أقوى نسخها على الإطلاق. تجمع هذه البطولة المنتخبات العربية تحت مظلة واحدة، لتعيد للكرة العربية روحها التنافسية وتمنح الجماهير فرصة مشاهدة المواجهات مباشرة، حيث تتقاطع المهارات مع الإثارة في مباريات لا تخلو من المفاجآت. إنها فرصة لاختبار جاهزية المنتخبات وقياس مدى تطورها، وفتح الأبواب أمام مواهب جديدة لتسطع في سماء البطولة. كما أنها مناسبة لتأكيد قدرة قطر على تنظيم أحداث رياضية كبرى، وتقديم تجربة استثنائية للفرق والجماهير على حد سواء. ومع اقتراب لحظة الافتتاح، يدخل العنابي البطولة محملاً بآمال الشارع الرياضي القطري، الذي سيحضر بأعداد كبيرة ليكون جزءاً من لحظة تاريخية. الجماهير تنتظر أداءً متميزاً منذ البداية وروحاً عالية تليق بمنتخب يعتاد رفع سقف طموحاته على أرضه. الأماني واضحة: بداية قوية، ثبات نحو اللقب، وإظهار شخصية البطل منذ صافرة البداية. هذه البطولة ليست مجرد مشاركة، بل تحدٍ لإضافة إنجاز جديد لسجل المنتخب. الدعوة مفتوحة لكل الجماهير العربية للحضور والمساهمة في صناعة أجواء لا تُنسى، حيث تتحد الهتافات وتتوحد الأصوات العربية في المدرجات، لتصبح طاقة تجمع الشعوب رغم اختلاف الانتماءات الكروية. كلمة أخيرة: اليوم تبدأ الحكاية، ومعها تنطلق الإثارة. صفحة جديدة ستُكتب في تاريخ الكرة العربية، ومنافسة يُتوقع أن يكون كل يوم فيها أجمل من الذي قبله.
1125
| 01 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات عبر المجالس والمنصّات دون تروٍّ أو ميزان، يعود الحديث النبوي ليوقظ الضمير الإنساني تحذيرًا وتنبيهًا: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة، ما يتبيّن فيها، يهوِي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب». إنه ليس توصيفًا مبالغًا فيه، بل حقيقة تهزّ القلب؛ فالكلمة التي لا تستغرق ثانية قد تحدّد مصيرًا، وترسم طريقًا لا يلتفت إليه المتحدث إلا بعد فوات الأوان. وفي القرآن الكريم تتجاوز الكلمة كونها صوتًا عابرًا؛ فهي عمل محسوب، يُسجَّل في سجلّ العدل الإلهي بلا زيادة ولا نسيان: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]. هذه النظرة القرآنية العميقة تجعل مسؤولية اللسان مسؤولية أخروية في المقام الأول. فالكلمة تكشف القلب قبل أن تُسمع الأذن. ويُصوّر القرآن حال المنافقين بوضوح حين قال: ﴿يَقُولُونَ بِأَفوَاهِهِم مَّا لَيسَ فِي قُلُوبِهِم﴾ [آل عمران: 167]. إنها إشارة إلى أن معيار الصلاح ليس كثرة الكلام، بل صدقه، ونقاؤه، وانسجامه مع ما في الصدر من تقوى. وإذا كان للكلمة هذا الثقل، فإنّ القرآن يدعو إلى تحويلها من مصدر أذى إلى منبع صلاح، فيأمر بقولٍ رفيق يهذّب العلاقات ويرفع الخلاف: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا﴾ [البقرة: 83]، ويجعل الكلمة الطيبة شجرة وارفة الجذور والثمار: ﴿كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَة طَيِّبَةٍ أَصلُهَا ثَابِت وَفَرعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ﴾ [إبراهيم: 24]. فهي ليست مجرد تعبير، بل أثر باقٍ، وبركة ممتدّة، وصدقة جارية قد ترفع قائلها في الدنيا والآخرة. ويظلّ أخطر ما في الكلمة أنها تُقال أحيانًا بلا انتباه، فيقع صاحبها في الظلم أو السخرية أو الغيبة دون أن يشعر بثقل ما قال. ولعلّ هذا ما عناه الحديث الشريف: إنّ الهلاك لم يأتِ من خطاب طويل، ولا من نية متعمّدة، بل من «كلمة» لم يتوقف صاحبها لحظة ليتفكّر فيها. وهنا يظهر جوهر التربية القرآنية: أن يسبق التفكير النطق، وأن تُوزن الكلمات بميزان التقوى قبل أن تُرسل للناس. وفي عالم تتكاثر فيه المنابر وتتسع فيه دوائر البوح، يبقى درس القرآن ثابتًا: للكلمة طريقان؛ طريق يرفع إلى السماء، وطريق يورد موارد الهلاك. والمكلّف هو الإنسان وحده… بين لسانه وربّه.
639
| 28 نوفمبر 2025