رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عالم الاقتصاد والمالية يملك حساسية عالية لما يدور حولهما من بيئة استثمارية أو تنموية. أو ما يدوران حوله من جماعات وأفراد. فالبيئة التي تمارس فيها النشاطات الاقتصادية تؤثر تأثيرا مباشرا على سلاسة تحرك الأموال والسيولة والاستثمارات وعلى توجيه الاستثمارات في الاقتصاد الوطني للجهات الأكثر حاجه لتلك الاستثمارات. والأفضل مردود على الاستثمار. مما ينتج عنه رفع الكفاءة بشكل عام. وتلك السلاسة هي المسهل لآليات الاقتصاد على الحركة وتسيير عجلة الاقتصاد. كلما تعسرت حركة المال كلما قلت كفاءة عمل آليات الاقتصاد. وهذا مؤشر على زيادة قوى المقاومة مثل الفساد والرشوة والمحسوبية والبيروقراطية بقدر ما تقوى هذه القوى في الاقتصاد بقدر ما تتراجع كفاءة مشاريع التنمية والنمو الاقتصادي ويزداد الهدر وتكثر الفجوات في الاقتصاد. والمستثمر عادة ما يٌقبل أو يٌدبر عن الاستثمار في أي دولة من خلال رؤيته لمدى الشفافية في تعاطي المعلومات وسيادة القانون وحجم قوى المقاومة في المجتمع. فإن كانت قوية تراجعت جاذبية الاستثمار وإن ضعفت ازدادت جاذبية الاستثمار. ويذهب المستثمرون لمدى بعيد للتحقق من مدى ضعف أو قوة قوى الدعم. من شفافية وسيادة القانون وانعدام الرشوة أو العكس وعليه تتخذ القرارات بالاستثمار من عدمه. وحتى في الحالات التي يعتقد المستثمر أن الفساد سيخدمه يأتي اليوم الذي يدفع ثمن ذلك الفساد. كما في حالة المملكة للاستثمار في أراضي توشكا.
قد يعتقد البعض أن الاقتصاد هو عالم موضوعي بحت. محشو بالأرقام والنظريات والحسابات القومية والناتج الحلي والقومي وميزان المدفوعات والميزان الجاري وخطط التنمية والسياسات النقدية والمالية وأسعار الفائدة والقطاع المالي والصناعي وهلم جرى. ولكن في واقع الأمر الأساس هو الإنسان وروحه المعنوية وسلوكياته وأخلاقياته. مدى المصداقية والشفافية في تعاملاته وتصرفاته وكذلك حصيلة مفاهيم وأخلاقيات الناس في ذلك المجتمع. مما يخلق بيئة عامة إما شفافة وإما تفتقر للمصداقية. ومن ينظر للأرقام دون أخذ عناصر البيئة الاستثمارية في أصل القرار الاستثماري فهو يرتكب خطأ المبتدئ. وهذه الديناميات الداخلية هي المحرك لسلوكيات الناس وفي المرحلة الأخيرة برزت العوامل الداخلية والفردية على السطح وأخذت حيزا أكبر كعنصر من عناصر اتخاذ القرار سياسي أو اقتصادي. وعليه فالبلدان التي ترى في الاستثمار المباشر هدفا مهما تعرف ما هو متطلب منها لاجتذاب المستثمرين فالبداية وجود بيئة صالحة شفافة حاضنة للاستثمار. ثم توفير بنية تحتية متقدمة من طرق ومواصلات وشحن وتخزين وتقنيات عالية للاتصالات ويتوج ذلك بمشاريع تنمية ونمو اقتصادي جاذب. وفي معظم الأحيان يريد المستثمر أن يرى مدى جدية والتزام الدولة من خلال تبنيها لمشاريع داعمة للحراك الاقتصادي ومحفزة له من خلال الميزانيات العامة.
والدولة تعلم أنه مهما كانت الإجراءات العملية المطبقة في العملية الاقتصادية أو السياسات النقدية تبقى غير أكيدة النتائج لأن المتغيرات عديدة ولا يمكن شمولها في تكوين التوجهات الأولية لبناء مراحل معينة في تسيير السياسات النقدية والمالية. وتبقى العملية وعلى أفضل حال مجرد اجتهادات مدروسة ومجربة ومقننة ولكن ليست أكيدة. فالاقتصاد يشمل فيما يشمل الإنسان وهو عامل يصعب توقع واحتمالات رد الفعل لديه. فكما يعتمد البعض أن الردود تكون متماشية مع الإجراءات تأتي الردود بعكس ذلك في بعض الأحيان. كما رأينا في الثورات العربية واستراتيجيات الأنظمة العربية في التعامل معها. وفي معظم الأحيان تأتي الردود مخالفة لما وضعت الاستراتيجيات من أجل بلوغه. بالتالي فمدى تعاون المواطن مع ما تختطه السلطة وترسمه أمر حاسم لنجاح أو فشل أي مشروع تنتوي الدولة بناءه. ولذلك فإن قبول المجتمع للمشاريع يرفع من إمكانية نجاحها. وعليه فإن الدرس الأهم من ثورات العرب هو إشراك المواطن والتواصل معه وتهيئته لتقبل المشاريع وإحساسه أنه شريك ومؤتمن على تلك المشاريع. وأن إرادة الدولة في بعض الأحيان مفاجأة المواطن بما يسعده ويعود عليه بالنفع. إلا أن إحساسه بالعزلة لا يخدم في حشد قواه وإمكاناته لدعم المشاريع.
وبما أن الثورات العربية خلقت واقعا جديدا يظهر مدى أهمية تقبل المواطن من عدم تقبله لما ترتئي الدولة القيام به من مشاريع اجتماعية إلى مشاريع تنموية فإن مكنون النفس الإنسانية خاصة لدى المواطن هو العنصر الأهم في أي عملية لتوجيه أو تحفيز أو دعم قطاع أو قطاعات عامة أو القطاع الخاص. أهمية ما يختلج في صدر المواطن لا يمكن تجاهله في لحظات رسم قرار أو بناء فرضيات لإقامة مشروع أو تنفيذ برنامج. ولذلك فالتناغم مع روح المجتمع يجنب الحكومة والمجتمع الدخول في صراعات عن مدى جدوى هذا المشروع من عدم جدواه. قد يقول البعض ولكن الحكومة مطالبة بقيادة المجتمعات من أجل التغير الإيجابي إن كان في مجال حقوق الإنسان أو تحديث بنى المجتمع لتواكب التطورات والتغير في المفاهيم أو من أجل وضع رؤية طويلة الأمد لتحديث المجتمع. هذا كله مقبول ولكن لابد من العمل على اطلاع المواطن ومحاورته وإقناعه وتهيئته للتغير القادم. تحتاج الدولة ممثلة في جهازها التنفيذي الحكومة لمعرفة ودراسة المفاهيم التي هي حجر الزاوية لدى المواطن. والعمل على أخذها في صنع القرار. لتحفيز وحشد طاقاته لمساندة الدولة في مسعاها لتنمية المجتمع. . خاصة ومع مرور الوقت ستجد الحكومة مسؤولة التوافق مع روح المواطن تزداد حساسية وأن المواطن لم يعد سهل الانقياد دون موافقة ضمنية يجب الفوز بها قبل الإقدام على القرارات الكبرى.
وقد يكون من المفارقة أنه في الوقت الذي يزداد القبول لدى المواطن للتغير يزداد في الوقت نفسه الإحساس بالاستقلالية والقدرة على التقييم ولذلك الميل للمسائلة والتحقق جراء تنامي الثقة لديه أنه قادر على الحكم إذا ما استشير. هذا المزيج من القدرة على تقبل والتعامل مع التغير نتيجة للأحداث الخيرة وزيادة الثقة وطلب إبداء الرأي فيما يعمل باسمه هو خليط حساس. يحتاج الكثير من التمعن والتدبر قبل القيام بمشاريع قد لا تجد قبول من طرف المجتمع، وإن لم يكن هذا الموضوع بنفس الحساسية في الماضي ولكن هناك مؤشرات على أن المستقبل سيكون أكثر حساسية. أي قبل قيام أي إدارة بتنفيذ مشروع لابد أن يسبق ذلك تواصل يقصر أو يطول حتى يكون هناك تقبل للمشروع من قبل المجتمع حتى لا يتكون لدى المواطن إحساس بالغربة في وطنه فهو آخر من يعلم ويظل ذلك الإحساس يعشش في داخله لحد الانعزال وعدم الاهتمام. فهو لم يشارك ولم يعلم ولا يدري هذا صنع بأيدي من ولا لمن ولا الهدف من ورائه.
ولكن قبول عامل التغير وتقبله لدى أفراد المجتمع يبشر بالخير. فما كان ينقص الشعوب العربية هو تقبل التغير والتفاعل معه بايجابية. فليس هناك تطور أو تحديث أو تطوير أو ابتكار أو مبادرة دون عامل التغير ولذلك فإن تطوير وتحديث الاقتصادات العربية وصنع نهضة عربية لن يتم دون الأخذ بعامل التغير. دون سريان التغير في العملية الاقتصادية يعني بطبيعة الحال الركود والتكلس والتهالك كما هو حال بعض الأنظمة العربية. وتلك البنى لابد من إزالتها وإحلال بنى مرنة دينامكية قابلة للتطور والتحديث. وهذا يولد المسؤولية الفردية فليس هناك وصاية. وكل فرد مطالب في جو من الحرية أن يسعى ويعمل ويبتكر فلم يعد ما يعيق جهوده بل إن عوامل الدعم والتحفيز متوفرة. وإن كان الاقتصاد وعالم الأعمال يرتكز على المعطيات الكمية إلا أن فعاليته واستمراريته ونجاحه يعتمد على ما يجول بالنفس والفكر فإن صفى نشط الاقتصاد وإن كدر تردى الاقتصاد. وليس أدل على ذلك من الأزمات التي تعصف بالأسواق. بعد تراجع عوامل الثقة بالاقتصادات الأوروبية والاقتصاد الأمريكي. حيث إن العامل النفسي هو المسير لعجلة الاقتصاد والمال. فإذا أقبل المستهلك على الشراء ارتفعت وتيرة النشاط الاقتصادي وإن أدبر تراجعت. وبالقياس فإن 60% من الاقتصاد الأمريكي يعتمد على المستهلك ورغبته في الاستهلاك.
باستقامة العدالة.. تستقيم مسارات السلام
افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى – حفظه الله – منتدى... اقرأ المزيد
78
| 08 ديسمبر 2025
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
150
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
216
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4194
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1752
| 07 ديسمبر 2025