رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة العصيمي

مساحة إعلانية

مقالات

351

فاطمة العصيمي

المدرسة بيتُنا الثاني.. كيف نبني بيئة تعليمية آمنة

02 مايو 2025 , 02:00ص

في كل مرة نُطلق على المدرسة وصف «البيت الثاني»، نتعامل مع هذا التعبير كما لو كان شعارًا مألوفًا لا يستوقف التأمل. ولكن الواقع يؤكد أن هذا المفهوم، إذا طُبّق بعمق، يمكن أن يكون مفتاحًا لصياغة بيئة تعليمية متكاملة، تحتضن الطالب نفسيًا ومعرفيًا، وتصنع منه إنسانًا منتميًا، واثقًا، مبدعًا. وفي دولة قطر، حيث يُمثّل التعليم حجر الزاوية في رؤية 2030، تزداد الحاجة إلى أن تتجلى هذه الرؤية في تفاصيل الحياة اليومية داخل المدرسة، بكل مكوناتها: الإدارة، والمعلمين، والمرافق، والأنشطة، والقيم.

- الإدارة والمعلم أساس الثقة والانتماء

تبدأ البيئة المدرسية من القائد التربوي. فالإدارة المدرسية الواعية هي التي ترى في كل معلم شريكًا، وفي كل طالب مشروع إنسان، وليس مجرد رقم في سجل الحضور. والإدارة الناجحة تبني مناخًا من الثقة والتشاور، وتستمع بصدق لنبض المدرسة، وتعمل على تهيئة مناخ نفسي إيجابي يتجاوز حدود الجدران. وأما المعلم، فهو حجر الأساس في هذه المنظومة؛ لأنه من خلال شخصيته، وطريقة تواصله، ونظرته للطلاب، يستطيع أن يحوّل الصف من بيئة جامدة إلى حاضنة تربوية حيّة. المعلم الذي يحترم طلابه، يثق بهم، ويحتويهم في لحظات ضعفهم قبل قوتهم، يصنع في وجدانهم علاقة وجدانية تربطهم بالمدرسة، وتجعلهم يأتون إليها بشغف لا بواجب. ولذا، فإن دعم المعلم وتمكينه وتدريبه المستمر في مجال المهارات النفسية والتربوية، ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية لبناء بيئة تعليمية آمنة.

- المرافق والأنشطة.. الجدران التي تتنفس

المكان له لغة يتحدث بها. والمرافق المدرسية ليست مجرد أبنية أو فصول، بل هي عناصر نفسية وتربوية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل تجربة الطالب. وفي حين تكون جدران المدرسة مبهجة، والساحات خضراء، والفصول مزودة بمساحات تفاعلية، فإن الطالب يشعر بالراحة والانتماء. المرافق الذكية والمصممة بطريقة إنسانية تسهم في تخفيف القلق، وتحفّز الإبداع، وتساعد على التفاعل الطبيعي بين الطالب والمكان. كما أن الأنشطة اللاصفية - من الرياضة إلى المسرح، ومن الفنون إلى الأندية العلمية - توفّر متنفسًا نفسيًا، وتمنح الطالب فرصة لاكتشاف ذاته خارج حدود المناهج. وعندما يشعر الطالب أنه يملك مساحة للتعبير والحضور، تتحول المدرسة فعلًا إلى بيتٍ ثانٍ.

- القيم والمشاركة.. صناعة الإنسان قبل المواطن

لا يكتمل بناء المدرسة الآمنة دون أن تكون القيم الإنسانية والوطنية جزءًا من نسيجها اليومي. القيم ليست موضوعًا في حصة التربية فقط، بل يجب أن تكون حاضرة في سلوك الإدارة، وفي طريقة تعامل المعلمين، وفي آليات حل المشكلات بين الطلاب. والاحترام، والتسامح، والعمل الجماعي، والانتماء، كلها مفاهيم تُكتسب عبر التجربة والمعايشة لا التلقين.

وإشراك الطلاب في صنع القرارات المدرسية، عبر المجالس الطلابية أو لجان الحوار، يُعزز من شعورهم بأنهم فاعلون، وأن المدرسة ملك لهم، لا عليهم. هذا الإحساس بالملكية، والقدرة على التأثير، هو ما يربط الطالب بالمدرسة بوصفها امتدادًا لبيته الأول.

 إن بناء بيئة مدرسية آمنة ومحفّزة في دولة قطر، يتطلب مقاربة شاملة، تؤمن أن المدرسة ليست مركز تحصيل دراسي فحسب، بل مركزًا لصناعة الإنسان، وتكوين الشخصية. وعندما ننجح في جعل الطالب يقول من قلبه: «أحب مدرستي كما أحب بيتي»، نكون قد أنجزنا نصف طريق النهضة.

مساحة إعلانية