رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة وفنون

2829

"كافود" لـ"الشرق": إهمال اللغة العربية.. مخالفة دستورية

22 فبراير 2015 , 06:40م
alsharq
محمود سليمان

يعد أحد أعمدة الفكر العربى، وواحدا من القلائل المهمومين بحال اللغة والتراث على الصعيد المحلى والخليجى والعربى، وهو الباحث فى شئون الفكر واللغة والأدب والحضارة الإنسانية، له الكثير من الدراسات البحثية والنقدية فى عدد من المجالات ذات الطبيعة الثقافية، حاصل على دكتوراه في "النقد الحديث في الخليج العربي" عمل وزيرا للتربية والتعليم ورئيساً للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، عضو فى العديد من المجالس واللجان والروابط ذات الطبيعة العلمية والفكرية، مثل قطر في العديد من المؤتمرات لوزراء الثقافة والتربية والتعليم — والتعليم العالي.

وشارك في العديد من الندوات واللقاءات الفكرية والثقافية على المستوى المحلي والعربي والدولي. صدر له العديد من الدراسات والمؤلفات فى مجالات الادب والنقد والقصة القصيرة والشعر والمسرح وقضايا الثقافة المعاصرة، يعد لدراسة عن تاثير الفضائيات على اللغة العربية يرتقب ان تصدر قريبا، إنه الدكتور محمد عبدالرحيم كافود، الذى التقته الشرق فى حوار شامل تطرق من خلاله للحديث عن واقع اللغة العربية ومستقبلها، ودور المنظومة الثقافية العربية وعلاقة الأمن الثقافى بالامن القومى، ودور الكيانات العربية فى الحفاظ على اللغة وإثراء المشهد الثقافى، ومدى إمكانية اعتبار إهمال اللغة العربية "مخالفة دستورية" استنادا الى دساتير وقوانين الدول العربية، ودور المؤسسات والإصدارات المحلية وعلاقة الاعلام بتردى حال اللغة، وأهم مقترحاته للحفاظ على اللغة والتراث باعتبارهما أهم مكونات الهوية العربية، وتطرقنا معه للعديد من القضايا الثقافية واللغوية وذلك فى سياق حوارنا التالي.

فى البداية ماهو تقييمك لحال اللغة العربية اليوم وأنت أحد أهم المدافعين عنها والمعنيين بها؟

حال اللغة العربية شبيه تماما بحال الأمة فى كل اوضاعها، فهناك قواعد معروفة فى علم السياسة والاجتماع منها ان المجتمع عندما يصاب بالوهن يسرى هذا الوهن فى كل مفاصله الحيوية بما فيها اللغة والثقافة، وكلنا نعرف أن حال العرب أصبح يرثى له، وهنا تحضرنى مقولة لابن خلدون "ان الامة التى تشعر بالضعف تحاول تقليد غيرها" واعتقد اننا نعيش هذه الحالة فى الوقت الراهن بالنسبة للغتنا واللغات العالمية السائدة فى المجتمع، فنحن فى حالة تعلق باللغات الأخرى ونحن فى حاجة الى تعلمها لكن يجب الا يكون ذلك على حساب اللغة القومية للأمة، واعتقد ان الوضع الحالى وضع غير مقبول من الأمة أن تتخلى عن لغه تعد من اللغات العالمية ولو وجدت الرعاية والاهتمام لأصبحت لغة عالمية فهى من اللغات المعتمدة بالامم المتحدة، التى حققت سبقا علينا فى مبادرتها بتخصيص يوم عالمى للغة العربية، كما أن الالمان اعلنوا عن اللغات الباقية وذات الطابع الحضارى وجاءت اللغة العربية ضمن خمس لغات يمكن ان تسهم فى الرقى الحضارى، لكنها مازالت تعانى التهميش فى أوطانها المجزأة ومن ثم أصبحت لغة ثانوية فى التعليم فى بعض الدول العربية وهو ما يعد هدرا وتهميشا لها فى هذه البلدان.

وكيف وصلنا الى هذا الحال وما العلاج من وجهة نظرك؟

معروف ان اللغة كائن لا ينمو ولا يتطور مع متطلبات الحياة الا إذا تم استخدامه وتنميته فهى كمجرى النهر إذا لم يكن له روافد تغذيه سيجف فى يوم من الأيام ومالم تدعم اللغة بالمفردات والمصطلحات التى تستخدم فى الحياة اليومية ستحل محلها مفردات ومصطلحات بديلة مكتسبة من لغات أخرى، وهذا واقع حاليا، فنحن نستخدم الكثير من المفردات الاجنبية الامر الذى يتسبب فى اعاقة تنمية لغتنا العربية مما يؤدى لتجمد مفرداتها ويشكل ذلك أرضا خصبة لنمو المصطلحات الدخيلة، وهو أمر موجود فى الإعلام والتعليم واصبح الشباب يستخدمون مصطلحات وافدة فى الكثير من جوانب الحياة حتى فى مرحلة رياض الأطفال التى يتشكل فيها القاموس الأساسى للطفل، وستبقى اللغة محفوظة فهى لغة القرآن والدين،وسوف يحافظ عليها القرآن لكن عندما نتجاوزها ستواجه خطر الاندثار كما اننا لا نرغب فى ان تكون لغة تعبد فقط، فقد اندثرت العديد من اللغات وبقيت فقط فى الكتب المقدسة.

استراتيجيات

كنت ممن طالبوا باصدار استراتيجية للثقافة العربية فالى أى مدى وصلت تلك الاستراتيجية؟

الاستراتيجية وضعها وزراء الثقافة العرب قبل ثلاثه عقود بدولة الكويت التى تبنت طبع الموسوعة ونشرها وبعد طباعتها ونشرها فى عدد من المجلدات تضمنت عددا من التوصيات للارتقاء بالثقافة العربية وفى مقدمتها قضايا التعريب والترجمة ووزعت على الدول العربية فى تسعينيات القرن الماضى واكاد أجزم ان كثيرا من وزراء الثقافة العرب لم يقرأوها فما بالك بترجمتها الى عمل تنفيذى، ومعروف عنا نحن العرب أننا كثيرا ما نضع استراتيجيات ورؤى وتصورات ومخططات لكنها تبقى مجرد حبر على ورق.

كيف ترى وعى المجتمع العربى بأهمية اللغة العربية وهل هناك من كيانات أو مؤسسات لهذا الغرض؟

شهدت السنوات الاخيرة حالة من عودة الوعى لبعض المؤسسات والاشخاص والقيادات للاهتمام باللغة العربية ونتج عن ذلك وجود عدد من المؤسسات التى تعمل على إعادة الاعتبار للغة وصدرت بعض القرارات فى بعض الدول العربية بالزامية التعليم والخطاب الاعلامى باللغة العربية لكنها للأسف لم تسر فى مجراها الجاد على أرض الواقع. لكنها محاولات لها اإيجابياتها لأنها تهدف لحماية مصير الأمة ووحدة لغتها كمكون للهوية ومتى ضعفت اللغة تشرذمت الامة، فاللغة هى محور القومية وعندما يكون هناك اهتمام على مستوى قومى سيخدم التوجهات القومية للأمة، وهناك مشروع قطرى للنهوض باللغة العربية ترعاه سمو الشيخة موزا بنت ناصر ومشروع "صاحبة الجلالة" الذى يتبناه سمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم فى دبى، ومركز الملك عبدالله بالمملكة العربية السعودية وهو يضم الكثير من الدراسات والابحاث، وسوريا ايضا لديها مشروع لتمكين اللغة العربية، الامر الذى يعد مؤشرا على تنامى الوعى الذى يجب ان يتم ترجمته لأعمال اجرائية بحيث يكون للغة دور مشهود فى التعليم ووسائل الاعلام وتعريب الكثير من النظم فى المناهج التعليمية لتكون العربية لغة التخاطب الاولى.

ما هو دور المؤسسات الرسمية فى حماية اللغة العربية ومن هى الجهات المسئولة عن ذلك؟

المؤسسة الرسمية الأولى هى "الدولة" التى يجب أن تكون قوانينها نافذة فى مجال استخدامات اللغة، كما هو معمول به فى بعض الدول الغربية، بحيث لا تتجاوز اى لغة مهما كانت اللغة الوطنية أو الرسمية للدولة، مثل فرنسا على سبيل المثال، التى انشأت اللجنة الوطنية التى تحظر استخدام اللغات الاخرى فى الندوات والمحاضرات الا فى حالات الضرورة وان تكون مصحوبة بترجمة للفرنسية، هذا بالاضافة الى التعليم الذى يجب ان تكون لغته الاساسية هى اللغة المحلية، كما أن لدينا قصورا فى أداء المجامع اللغوية فى التعريب السريع للمصطلحات التى ترد الينا من الخارج بسبب التطور الصناعي والتكنولوجى وما يواكب ذلك من تعاطى مجتمعى واعلامى.

وما مدى تاثير توصيات المجامع اللغوية بتعريب مصطلحات العلوم المختلفة؟

هناك استجابة لتوصيات المجامع لكنها ليس لها صفة الالزام بعكس ما هو معمول به فى الدول الاخرى بحسب علمى، فالمجامع نفسها بها اختلافات حول مفاهيم المصطلحات وهو امر وارد لكن لا يفترض أن يعوق عملية التعريب ويجب التوصل لنوع من التوافق حول المصطلحات لانها فى النهاية تخدم لغة موحدة، وقد تم إنشاء مؤتمر للتعريب بالمغرب يعقد كل سنتين لتدارس وضع التعريب، كما أن هناك بعض المجامع قطعت اشواطا كثيرة فى تعريب المصطلحات، ولى تجربة فى ذلك حيث التحقت قبل عامين كعضو مراسل بمجمع اللغة بالقاهرة وحضرت بعض اللجان المهتمة بتعريب المصطلحات واحتوت على نقاشات ثرية لعمل جيد لكنه يضاف لقائمة الأعمال الورقية فقط ولا يلامس الوقع.

هل يعد إهمال اللغة فى وطننا العربى مخالفة دستورية استنادا الى أن كل الدساتير العربية تنص على أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للدولة؟

أميل إلى ان الاهمال قد يرقى لان يكون مخالفة دستورية لان الممارسات الفعلية تختلف عما أقرته الدساتير والقوانين، فيجب ان تكون الممارسات الفعلية ترجمة لما هو مدون بالقوانين والدساتير، ومرجع ذلك لغياب الدور المؤثر والفاعل لمؤسسات المجتمع المدنى التى يجب ان تدافع عن القضايا التى تخص الأمة وذلك مقارنة بما هو معمول به فى الدول الغربية.

نحن فى حاجة لمعرفة لغة الآخر للاطلاع على ثقافته فلماذا كل هذا التخوف من اللغات الاخرى على لغتنا الأم؟

ليس هناك تخوف من تعلم اللغات الاجنبية بل ان تعلمها واجب لكننا نعنى ألا تطغى اللغة الاجنبية على اللغة الرسمية والقومية، وبعض المناهج الدراسية تضطر لاستخدام الانجليزية لعدم وجود تعريب لتلك العلوم يفى باحتياجات مناهج عربية مستقلة كما هو الحال فى علوم الطب والهندسة.

قلت ان اللغة ليست وسيلة تواصل فقط وإنما هى جزء من كينونة الأمة وهويتها فهل لك أن توضح لنا ذلك؟

اللغة هوية فنحن ننتسب للهوية العربية ومن المعروف ان اللغة هى أهم العناصر المرتبطة بالقومية العربية وهى عنصر أساسي للتواصل الاجتماعى والفكرى كما أنها الوعاء الحافظ للثقافة والهوية وكلها مكونات تكمل بعضها فى الحفاظ على عناصر الهوية فكل ما افرزته الحضارة العربية كانت اللغة هى الوعاء والناقل والمكون الاساسى له.

وسائل الإعلام

هل يتحمل الإعلام دور فى تدهور حال اللغة العربية؟

نعم يتحمل الإعلام جزءا كبيرا من تدهور حال "اللغة العربية" فله تاثيرات إيجابية وأخرى سلبية، غير أن سلبياته فى هذا المجال أكثر، فللإعلام تأثيره على المتلقى من كافة الفئات العمرية، وخاصة الإعلام التلفزيونى، حيث البرامج الأجنبية، والأخرى بلهجات عربية مختلفة وترجمة المسلسلات والبرامج الأجنبية تتم بلهجات عربية محلية لبعض الدول، وقد اجريت تقصيا قبل فترة ووجدت أن هناك 1350 محطة فضائية عربية أو تنطلق من الوطن العربى، ولا يتجاوز عدد القنوات الملتزمة باللغة العربية فيها 10 أو 12 قناة، من بينها الجزيرة والعربية والبى بى سى، واعتقد أن الجزيرة هى الأكثر إلتزاما لأنها لم تستخدم اللغة كوسيله فقط وانما استخدمتها كغاية أيضا، لانها بالفعل وضعت مشروعا للغة العربية وانشأت مواقع على شبكة الإنترنت، وعملت على تعريب بعض المصطلحات للعربية الفصحى والتزمت فى برامجها وتقاريرها باللغة العربية ولها موقع لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ولها الكثير من الابحاث والدراسات فى وسائل الاعلام وأصدرت معجم اللغة العالية وهو مصدر جيد للعاملين فى وسائل الإعلام الى جانب إصدار نحوى لاستخدام الالفاظ العربية ومن إيجابيات اهتمام الجزيرة باللغة العربية أنها عملت على تنمية الحاسة اللغوية لدى المهاجرين فى الخارج.

أصدرت جريدة الشرق العام الماضى ملحقها الثقافي فما تقييمك له ومدى أهمية وجود ملاحق ثقافية بالصحف؟

ملحق الشرق الثقافى إصدار جيد ومنوع وبه متسع للعديد من مكونات الثقافة، ويواكب تطلعات المجتمع الثقافية من الاعلام المقروء، وأرى أن هناك ضرورة لوجود ملاحق ثقافية اسبوعية بالصحف، فهناك اهتمام باصدار ملاحق رياضية واقتصادية، والثقافة تعد المكون العام الذى يجمع بين كل هذه المجالات كما أن الملاحق الثقافية يمكنها طرح موضوعات فى مجالات متعددة بمعالجة ورؤية ثقافية، فضلا عن وجوب الاهتمام بالجوانب الثقافية فى التغطيات اليومية فى كل مجالات العمل الصحفى، فالاعلام ليس ناقلا للخبر فقط وانما دوره أن يقدمه فى قالب يضمن تثقيف المجتمع.

تنظم صالوناً ثقافياً أسبوعياً، وهناك بعض الصالونات الثقافية والأدبية التي ينظمها بعض الشخصيات، فما رأيك فيها وأهميتها المجتمعية؟

الصالونات الثقافية جزء من الواجب الاجتماعي، ووجودها متأصل في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية منذ أوائل العصر الإسلامي ووجدت في مصر في العصر الحديث لعدد من كبار الأدباء والمثقفين، مثل العقاد وطه حسين ومي زيادة، وتعد المجالس الحالية في قطر والخليج مدارس مختصة في هذا المجال، فهي مفتوحة للحديث في مجالات الأدب والفنون والسياسة، ولذلك تسمى بالصالون الثقافي، هذا إلى جانب البعد الاجتماعي وإفرازاته المتمثلة في "التقارب والتعاون والتعارف، فضلا عن كونها إسهاما مجتمعيا في الثراء المعرفي.

ماذا قدمت للغة العربية خلال فترة عملك كوزير للتربية والتعليم؟

حاولت أن تكون العربية هي الأساس في مناهج التدريس، ولا أدعي أنني قدمت ما لم يقدمه أحد، ولكنني حافظت على اللغة العربية في الفترة التي عملت بها كوزير للتربية والتعليم، واللغه العربية الأولى والإنجليزية ثانية، إلى جانب الفرنسية في بعض المدارس وتمكنا من إحداث حالة من التوازن في المناهج الدراسية باللغة العربية وكنا ندرس مناهج الإنجليزية من واقع عربي مترجم، وكان هناك حرص على تفعيل دور اللغة فى مجال التعليم في تلك الفترة.

وماذا عن الدور الذي تؤديه المؤسسات الثقافية، وقد كنت رئيساً للمجلس الوطني للثقافة؟

للثقافة مفهوم واسع وشامل يشمل الكثير من الجوانب المختلفة، وقد كان لدينا مهرجان ثقافي كبير يقام سنويا على مستوى عالمي، وأرى في الوقت الحالي أن الثقافة القطرية تعمل على تنشيط المؤسسات المحلية لتحافظ على اللغة وتقتبس من اللغات الأخرى بالترجمة والندوات والروايات والأعمال المسرحية، وذلك حسب الاحتياجات والموازنات المتوافرة وواقعها الحالي به إيجابيات لا تخلو من سلبيات، حيث لا يوجد عمل متكامل في هذا الجانب.

هل ترى أن المطبوعات والإصدارات الثقافية تفي بالغرض المطلوب لإثراء المشهد الثقافي، أم أنها مازالت لا تواكب التطلعات المنشودة منها؟

ربما أهم الإصدارات التي سألت عنها هي "مجلة الدوحة" التي تم إعادة إصدارها بعد توقفها لفترة، وكان لها دور كبير على الصعيد العربي، ووجدنا أنه لا بد من عودتها مع إعادة النظر في محتواها وإخراجها وموضوعاتها، ولكني لا أستطيع الجزم بأن لها تأثيرا كبيرا كما كانت في السابق بسبب تغير الأوضاع والسياسات الثقافية وظهور الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي وتعدد مصادر المعلومات التي تتميز بسرعة الانتشار في مواجهة مجلة شهرية، خاصة أن المواقع الثقافية أصبحت منافسا قويا لهذه النوعية من الإصدارات.

وماذا عن دور الأندية والمراكز الشبابية في خدمة المثقف القطري وخاصة فئة الشباب؟

كان في مقدمة هذه الأندية والمراكز "نادي الجسرة" الذي كان شعلة من النشاط على مدى ثلاثة عقود من الزمن وكان يعتبر مركز إشعاع ثقافي في قطر، بما قدمه من ندوات ومحاضرات، ولكنه تراجع اليوم بسبب طغيان الوسائل الأخرى، فحياة المؤسسات والدول شبيهة بحياة الإنسان، بها فترات طفولة وشباب وشيخوخة، حتى أضخم الإصدارات والمراكز مثل "ناشيونال جغرافيك"، فهي الآن ليست كما كانت قبل عدة عقود، رغم أن موادها متطورة واستخدمت أجهزة حديثة وتمتلك قنوات تلفزيونية.

هل تؤمن بأن للثقافة حدوداً جغرافية، أم أنها عابرة للزمان والمكان؟

الثقافة ليس لها حدود جغرافية، ولكن لها بيئة ناشئة تكون جذورها فيها أقوى، فأي ثقافة هي مكون لمجموعة عناصر وخصوصا ما يتعلق منها بالجانب الإنساني، والجانب المحلي به قدر من الخصوصية ثم تتدرج من البيئة المحلية إلى القومية ومنها إلى العالمية إن امتلكت هذه المقومات، كما أن جوانب الأعراف والقيم تلعب دورا على المستوى الإنساني، ولذلك تتداخل الثقافات والحضارات مع بعضها البعض، وكلما كانت الثقافة منتجة كان انتشارها أكثر بسبب وجود الكثير من المفاهيم المشتركة التي تمهد لهذا التفاعل.

الساحة المحلية

هل تمتلك الساحة المحلية من النقاد والفنانين والمثقفين ما يمكنهم من القيام بأعمال النقد والتحليل المطلوبة لإحداث حالة من الحراك الثقافي المحلي؟

هناك دور مقدر للمشهد الثقافي القطري به بعض الاجتهادات وبعض الكُتَّاب لهم دور مشهود في مجال القصة والرواية، حيث يعد هذا الجانب أكثر فاعلية من جانب "الشعر الفصيح"، ولا أستطيع تقييم هذه الحالات في الوقت الحالي، حيث يحتاج ذلك إلى دراسات خاصة في هذا المجال، كما أن هناك تطورا إلى حد كبير في مجال الرواية العربية في قطر والقصة القصيرة وفي المسرح، هناك أنشطه لكن تطوراته غير ملموسة حتى الآن، وهناك نصوص أغلبها بالعامية، وهي مشكلة عربية وليست قطرية فقط.

أجريت دراسة خلصت منها إلى أنه إما التعريب أو التغريب، فهل لك أن توضح لنا أسس هذه الدراسة؟

الدراسة كانت تستهدف مجال التعليم العالي في مجال الطب والبعدين الاقتصادي والإعلامي، وخلصت منها إلى أنه إذا لم يكن هناك تعريب يواكب التطورات والسرعة الهائلة في الانفجار المعلوماتي المعاصر، فإن النتيجة ستكون "التغريب"؛ لأن الانفجار المعرفي في مختلف مجالات الحياه لا بد له من يواكبه ويعبر عنه بلغتنا، وإذا لم نتمكن من مواكبة هذه التطورات المعرفية فستستبدل بلغة أخرى.

كيف ترى الواقع الثقافي واللغوي للأجيال الشابة؟

هناك شباب لديهم أعمال جيدة في مجال الرواية والقصة القصيرة كما ذكرت وأبدعوا في هذه المجالات ونأمل أن يكون هناك تطور يخدم الثقافة على المستوى الخليجي والعربي.

كنت المسؤول الأول عن الشأن الثقافي فكيف ترى محاولات إحياء التراث ودور المؤسسات العاملة في هذا المجال؟

كلنا نعلم أهمية التراث في الحفاظ على هوية المجتمع، فهو من عناصر مكونات المجتمع، وهو من المسؤوليات الأساسية لوزارات الثقافة، وعلى الجهات المسؤولة أن تكون أكثر حرصا على التراث المادي والمعنوي والأدبي، وقد تم إدخال الكثير من عناصر التراث في المناهج التعليمية ليتربى عليها الأبناء، وقطر من الدول الحريصة على الاهتمام بالتراث، باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الهوية، كما أن الواقع القطري يشهد الكثير من الفعاليات والمهرجانات المخصصة لإحياء التراث، كما تم إنشاء مركز قطر للتراث والهوية، كما أن للتراث دورا مهما في مواجهة العولمة من خلال التحلي بقدر من المناعة للحفاظ على الصبغة المحلية، كما أن التراث أمر يفرضه الواقع لمواجهة إملاءات الهيمنة العالمية.

كيف يمكن استثمار المؤسسات الثقافية والتراثية مثل "كتارا" وسوق واقف في تفعيل الحياة الثقافية من وجهة نظرك؟

"كتارا" وسوق واقف وغيرها من المؤسسات لها دور كبير كبنية تحتية على مستوى عالٍ وبإمكانيات مادية جيدة، وهي بحاجة إلى خطط ورؤى واضحة للأهداف المراد تحقيقها، وهي تقوم بدور جيد في خدمة الشأن المحلي والانفتاح على الثقافة العالمية، والاهتمام بالتراث والهوية القطرية، ويجب الالتزام بالخطط الموضوعة لتحقيق نوع من التوازن بين الهوية المحلية والثقافة العالمية، وهي مؤسسات مؤهله للقيام بهذا الدور، على أنه يجب على هذه المؤسسات ألا تعيش حالة من التناقض بين ما يجب وما هو كائن بالفعل، وذلك لتجنب الذبذبة في الخطط المستهدفة، وحتى لا تصطدم بواقع البيئة المحلية، وسبيلها في ذلك تحقيق التوازن بين الفهم والرؤية الواضحة لتجنب الخلل في تكوين الشخصية المستهدفة مع عدم التعصب للمفاهيم التي أصبحت تمثل عقيدة في عرفنا اليومي.

ما هي أحدث الدراسات التي أجريتها مؤخراً؟

لدي دراسة أعمل عليها حالياً، وهي عن "دور الفضائيات وتأثيرها في اللغة العربية"، ولم أنتهِ منها بعد، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء منها قريبا.

قلتَ أن هناك لغات ولهجات تندثر، فهل تتخوف على لغتنا من خطر يهدد وجودها؟

هناك دراسة ألمانية تمت ترجمتها بعنوان "اندثار اللغات"، وترى هذه الدراسة أن كل عشر سنوات تختفي مجموعة من اللغات في العالم، وبعض الدول بها الكثير من اللهجات التي يختفي منها الكثير وبعضها لم يعد يتحدثها إلا كبار السن، وذلك خسارة كبيرة للغة الإنسانية، لأن بعضها قيم وتراث الشعوب وحضارات كان يمكن أن تشكل مصدرا لإثراء وترعرع الثقافة الإنسانية.

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الكيانات والمجالس الكبرى مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والإيسيسكو؟

هذه الكيانات يعتبر دورها الأساسي هو الحرص على اللغة والهوية، ولكن جامعة الدول العربية كرست جهدها للسياسة ولم تفلح في ذلك، ولكن أسست منظمات متخصصة مثل المنظمة العربية للثقافة والعلوم، وهي المعنية بجوانب الثقافة، ولكن دورها غير فاعل، فلم تتمكن من فرض نفسها عربيا، ولم يتم منح الجامعة دورا منذ نشأتها بسبب خلافات الدول العربية، كما أن مجلس التعاون لم يحقق الكثير مما كان ينتظره المواطن الخليجي، ولا نلوم القائمين على هذه المؤسسات بقدر ما نلوم الدول الخليجية والعربية التي لم تتخذ قرارات ملزمة لتفعيل دورها.

الأمن الثقافي

من وجهة نظرك، ما هي العلاقة بين الأمن الثقافي والأمن القومي؟

العلاقة هنا علاقة تلازم، ومن الطبيعى أن تكون كذلك، فمن يتمكن من تكوين منظومة ثقافية موحدة واعية ذات رؤية يستطيع أن يحافظ على أمن بلاده، فالأمن ليس عسكريا فقط، ولكنه أمن فكري وقناعات مجتمعية، تلتزم بقيم ومفاهيم موحدة؛ لأن الجانب الأمني من أهم شروطه أن يكون هناك توحد في الرؤية والمصالح، وإذا لم يتحقق ذلك يصبح المجتمع قابلا للانشقاق، فما يحدث في المجتمع العربي من تشرذم عقائدي وطائفي أدى إلى صدام أمني داخلي، ووجود الأسس المتفق عليها أمر يعد مسؤولية الثقافة مع وجود مساحة للاختلاف، وهو أمر طبيعي ومطلوب.

وهل ينطبق ذلك على المشهد الثقافي العربي؟

المشهد الثقافي الخليجي والعربي به نوع من عدم الرؤية المشتركة بين الشعوب، ووجود الاختلاف في الرؤى أدى إلى نوع من النزاعات التي تحدث دائما، ونحن بحاجة إلى أن تكون الثقافة على وعي وإدراك قوي لتكوين مفاهيم مشتركة بين الشعوب على اختلاف معتقداتها لبناء مجتمع متماسك.

كيف ترى الواقع الحالي للمكتبة العربية؟

المكتبات لها دور أساسي، خاصة في مجال الدراسات الأكاديمية والبحثية والثقافة العامة والمتخصصه، وهي بحاجة إلى وجود كُتَّاب يثرون محتواها، فمفهوم المكتبة العصرية لم يعد مفهوما تقليديا، حيث يجب أن تزود المكتبات بالوسائل المعلوماتية المعاصرة، وعليها أن تتوسع في استخدام التقنيات المعاصرة لأنواع المعرفة المختلفة؛ لأن الكثير من القراء والباحثين قد لا يتمكنون لأسباب مختلفة من الوصول إلى بعض المعلومات بالطرق الشخصية المتاحة لديهم، ولذا فالمكتبات هي الوسيله التي تساعد الباحث والمتخصص للوصول إلى مثل هذه المعلومات، وعليها أيضا التواصل مع المكتبات العالمية.

الكتاب الإلكتروني

وماذا عن توقعاتك لانتشار الكتاب الإلكتروني ومستقبل الكتاب الورقي؟

لا شك أن هناك قدرا من المنافسة من الكتاب الإلكتروني لنظيره الورقي، لكنه لن يتمكن من إلغاء الكتاب الورقي، فوجوده نوع من التراث الإنساني كعادة متجذرة لدى الإنسان، وليس ذلك على الصعيد العربي فقط، بل على مستوى العالم، ودليل ذلك أن الغرب عندما تصدر الرواية أو الكتاب يصطف الناس في طوابير لساعات طويلة لحجز نسختهم من الإصدار الجديد، هذا فضلا عن أن القراءة الورقية بها قدر كبير من المتعة والراحة للقارئ، ولأن طبيعته اعتادت هذا النوع من القراءة، إلى جانب أن الكتاب الإلكتروني رغم سرعة الحصول على المعلومة من خلاله، إلا أنه تبقى هناك بعض المآخذ التي تتعلق بالدقة في توثيق المعلومات والمراجع، إلا إذا تمت ميكنتها بطريقة دقيقة لتكون طبق الأصل من النسخة الورقية، وإلا فإن الكثير من المعلومات ستكون مبتسرة وغير موثقة في أحايين كثيرة، وخاصة ما يؤخذ منها عن طريق الشبكة العنكبوتية.

شاركت في ندوة ثقافية في الكويت مؤخراً، فما طبيعة تلك المشاركة؟

مشاركتي كانت من خلال ندوة بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والتراث بالكويت، وكانت الندوة بعنوان "صورة العربي لدى الآخر في الرواية"، وكانت الندوة ضمن احتفالات "القرين"، وقد تطرق النقاش إلى رؤية الآخر للعربي من خلال الرواية ونظرتهم إلى الإنسان الخليجي والعربي، وكانت ندوة ثرية، حيث تطرق الباحثون إلى العديد من القضايا التي وردت في تلك الروايات التي كانت موضع الدراسة أو من خلال النماذج التي عرضها الباحثون، وأشار البعض من الباحثين إلى قصور من جانبنا نحن العرب، لأننا لم نقم بما يجب أن نقوم به من ترجمة إسهاماتنا العربية والإسلامية في الحضارة الإنسانية.

مساحة إعلانية