رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ناقشت في مقالي الأسبوع الماضي في الشرق «اعتداء إسرائيل على قطر… يُسّرع بتشكيل تحالفات تردع إسرائيل!!- لتشكيل تحالف لردع إسرائيل ولجم عدوان نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفا. وأشرت لنجاح دولة قطر بحشد موقف عربي-إسلامي-دولي-والتضامن الواسع لمكانة وما تملكه قطر من شبكة علاقات بفضل دبلوماسيتها النشطة وقوتها الناعمة ونجاح حراك القيادة القطرية بعقد قمة عربية-إسلامية استثنائية بسرعة قياسية في الدوحة. تبعها عقد اجتماع لرؤساء أركان ووزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي وتفعيل مجلس الدفاع الخليجي المشترك لتعزيز التكامل الدفاعي الخليجي، وتكثيف وربط الأنظمة الدفاعية لمواجهة جميع المخاطر والتحديات بما يضمن تحقيق أمن واستقرار وسلامة دول المجلس بالتعاون والتصدي للتهديدات والاعتداءات المحتملة التي تهدد استقرار المنطقة.
وشكّل تحركات القيادة القطرية بالمشاركة الفعالة والمواقف ورسائل الشيخ تميم بن حمد في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة الثمانين في نيويورك تطورا ملفتا. ووصف الشيخ تميم بن حمد: «استهداف الهجوم الإسرائيلي حركة حماس في الدوحة ب»خرق سافر للأعراف الدولية وفعلة شنعاء صنفناها إرهاب دولة». وذكّر بالجملة التي حظيت بتعليق وترديد واسع في وسائط التواصل الاجتماعي عن خداع ومكر إرهاب الدولة-بالتعليق الملفت: «يزورون بلادنا ويخططون لقصفها والتعامل مع هذه العقلية يكاد يكون مستحيلا». وانتقد الشيخ تميم حرب إسرائيل على غزة لأن هدفها الحقيقي تدمير غزة، «لتنعدم فيها مقومات الحياة الإنسانية تمهيدا لتهجير سكانها»، معتبرًا أنه «إذا كان ثمن تحرير الرهائن هو وقف الحرب فإن حكومة إسرائيل تتخلى عنهم». وأشار الشيخ تميم الى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، دون ذكر اسمه، «يحلم أن تصبح المنطقة العربية «منطقة نفوذ إسرائيلية»... «يؤمن بما يسمى أرض إسرائيل الكاملة ويعتبرها فرصة لتوسيع المستوطنات وتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي، ويخطط لعمليات ضم في الضفة الغربية. وأن «تغيير واقع المناطق المحتلة وفرض وقائع جديدة على الإقليم هو هدف هذه الحرب». وذكر سموه، بتحذيرات القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة «من عواقب هذا الوهم الخطير».
وكان ملفتا الاجتماع المهم بين قادة من دول عربية-وإسلامية الثلاثاء الماضي. بحضور أمير دولة قطر وملك الأردن، والرئيس التركي أردوغان- والرئيس الإندونيسي ورئيسي وزراء باكستان ومصر ووزير خارجية المملكة العربية السعودية، ووزير خارجية دولة الإمارات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيويورك على هامش دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة- وبلورة رسالة عربية-إسلامية واضحة للرئيس ترامب عن فداحة وخطر تفلت ما يقوم به نتنياهو وحكومته المتطرفة من تهديد أمن ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط والحاجة الملحة لوقف حرب الإبادة في غزة وإنهاء المعاناة والتجويع وإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية والعاجلة.
أكد البيان المشترك بعد اللقاء «شرح قادة الدول العربية والإسلامية الوضع المأساوي والكارثة الإنسانية والخسائر البشرية الفادحة، والعواقب الخطيرة على المنطقة وتأثيره على العالم الإسلامي ككل في قطاع غزة والحاجة لوقف الحرب بشكل فوري ودائم. وإطلاق سراح الرهائن والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الكافية بوصفه الخطوة الأولى نحو سلام عادل ودائم.
وكرر القادة الموقف المشترك في البيان الختامي للقمة العربية-الإسلامية في الدوحة، برفضهم القاطع للتهجير القسري لسكان غزة وضرورة السماح بعودة الذين غادروا. إضافة إلى ضرورة إنهاء الحرب وتحقيق وقف فوري لإطلاق النار. والالتزام بالتعاون مع ترامب، وعولوا على قيادته في إنهاء الحرب وفتح آفاق لسلام عادل ودائم. وشدد القادة على ضرورة وضع تفاصيل خطة لتحقيق الاستقرار، مع ضمان استقرار الضفة الغربية والمقدسات في القدس. وأعربوا عن دعمهم لجهود إصلاح السلطة الفلسطينية. وضرورة وضع خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، وترتيبات أمنية، مع مساعدة دولية لدعم القيادة الفلسطينية، وأعربوا عن التزامهم بالعمل معا لضمان نجاح الخطط وضمان بناء حياة الفلسطينيين في غزة. وطالب القادة باستمرار الزخم حتى يكون اجتماع نيويورك مع الرئيس ترامب، بداية مسار على الطريق الصحيح نحو مستقبل يحقق السلام والتعاون الإقليمي.
وكان ملفتا وصف الرئيس ترامب الاجتماع مع قادة عرب ومسلمين بأنه «أهم اجتماعاتي، وهو الاجتماع الذي يهمني كثيرًا لأنه سيمكننا من إنهاء أمر ربما لم يكن يجب أن يبدأ أصلًا». «وشارك جميع اللاعبين الكبار باستثناء إسرائيل، لكن ذلك سيكون لاحقًا»- (إشارة لاجتماعه الرابع المرتقب مع نتنياهو الاثنين القادم). لمناقشة الحرب في غزة «نريد إنهاء الحرب في غزة، وربما يمكننا إنهاؤها الآن».
وأكد الشيخ تميم بن حمد مخاطبا الرئيس ترامب: «الوضع سيئ في غزة، ونلتقي بكم لفعل كل ما بوسعنا لوضع حد لهذه الحرب واستعادة الرهائن»... ونعوّل على قيادتكم لإنهاء الحرب ومساعدة سكان غزة».
لكن لم يكشف الرئيس ترامب، عن خطته لوقف حرب غزة وإدارة القطاع بعد الحرب، إلا بعد يومين من الاجتماع، الذي وصفه مبعوثه للشرق الأوسط ويتكوف بأن أجواء الاجتماع كانت إيجابية.
واضح ان اجتماع قادة دول عربية وإسلامية مع ترامب آتى أُكله. فاجأ الرئيس ترامب الجميع بتصريح ملفت بوضوحه وصرامته في اجتماعه مع الرئيس التركي أردوغان في البيت الأبيض: «لن اسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية»-وتم تسريب مقترح خطة ترامب تحتاج لتفاصيل وموافقة نتنياهو. وإدارة مدنية انتقالية برئاسة طوني بلير في غزة. وتقترح مشاركة قوات دول عربية وإسلامية مكان الجيش الإسرائيلي، وإعادة الإعمار. كما طالب القادة العرب والمسلمون برفض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية. وتقديم ضمانات بعدم تكرار هجمات إسرائيلية على دول خليجية.
نشهد حراكا مهما يلجم تغول وتفلت ويعزل نتنياهو. ويمهد لمناخ أمن واستقرار وإنهاء التصعيد والحروب. يؤسس لمرحلة تعظيم المصالح والرخاء. لكن كل ذلك مرهون بقناعة ترامب بطرح القادة العرب والمسلمين، وممارسته ضغوطا فعالة على نتنياهو وتحالفه المتطرف المعزول والمنبوذ!!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5112
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4392
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4236
| 25 سبتمبر 2025