رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، من على منبر الأمم المتحدة، ليس خطابًا اعتياديًا، بل رسالة سياسية وإنسانية مركبة، لم يكن بيانا شكلياً في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين لغايات دبلوماسية روتينية، بل خطابا اتسم بتجديد موقف راسخ في زمن يؤمن بأن البقاء للأقوى!، وإعلاناً صريحاً بأن قطر، ورغم استهداف الكيان الغادر لقلب عاصمتها، ستظل صانعة سلام لا تتراجع أمام الضغوط، ولن تكف عن دورها النبيل كوسيط لإيقاف حرب مسعورة على غزة منذ ما يقارب ثلاثة أعوام.
فالقصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة لتصفية الوفد المفاوض من قيادات حركة المقاومة الإسلامية «حماس» لم يكن عدوانًا عابرا بقدر ما كان تصرفا غادرا ودنيئا من أحد أطراف الحرب الدائرة، إذ استهدف دولة الوساطة في محاولة يائسة لإسكات صوت يرفض أن يبيع العدالة على طاولة المساومات. فاستهداف قطر لم يكن موجها لسيادتها فقط، بل للنيل من رمزية رسالة الوساطة التي حملتها دائمًا، ومن المسار الذي اختارته حين آمنت أن السلام العادل هو الطريق الوحيد لإنهاء الحروب، لا العنف ولا شريعة الغاب.
ومع ذلك، جاء خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مساء الثلاثاء، مليئا بالقوة والوضوح، مؤكدا موقف قطر الثابت تجاه القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تعد بوصلة كل صاحب مبدأ، فالاعتداء السافر الذي استهدف مدينة الدوحة في التاسع من سبتمبر عزّز إصرارها على المضي قدمًا في حمل الملف الفلسطيني والدفاع عن حق شعبه في الحرية والاستقلال مهما بلغت شراسة الضربات، وهو بمثابة درس للعالم في معنى الالتزام الحقيقي بقيم السلام.
وفي هذا السياق، برزت النقطة المفصلية في خطاب صاحب السمو بالإشارة إلى الاعتراف الأوروبي الأخير بدولة فلسطين، والذي لم يتعامل معه سموه كمجرد لفتة رمزية، بل وضعه سموه في مكانه الصحيح، معتبرا إياه تحولًا نوعيًا في الوعي الدولي، فهذا الاعتراف، وإن جاء متأخرا، إلا أنه أربك المحتل وكسر سرديته التي سعت لعقود إلى شيطنة الفلسطيني وإسقاط حقه في أرضه التاريخية، ليأتي اليوم تثبيتًا لحق الشعب الفلسطيني في أرضه، ودليلًا على أن جدار الإنكار يتصدع وأن العالم بدأ يستعيد شيئًا من بوصلته الأخلاقية، غير أن الاعتراف وحده لا يكفي، فجاء الموقف القطري واضحًا. فهذه الخطوات لا معنى لها إن بقيت حبيسة البيانات الدبلوماسية، والمطلوب أن تتحول إلى فعل سياسي قادر على وقف نزيف الدم وإنهاء الاحتلال، لا أن تبقى كلمات متطايرة في الهواء بينما غزة تواجه إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا لم يعرف التاريخ أفظع منه، فلا عدالة بلا إنهاء الاحتلال، ولا سلام بلا دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
ولم يقتصر خطاب صاحب السمو على السياسة وحدها، بل استحضر البعد الإنساني الذي تحاول بعض القوى طمسه تحت ركام الأرقام والبيانات، فاستعاد سموه صور الأطفال الذين يسقطون جوعا وقصفا، والنساء اللواتي يبحثن عن مأوى في مدن منكوبة، والرجال الذين يموتون على أبواب المستشفيات بلا دواء، ففلسطين في خطاب صاحب السمو لم تكن مجرد خطوط جغرافية على خريطة الشرق الأوسط، بل بشر يناضلون للبقاء، وأرواح تطالب العالم ألا يدير ظهره.
لقد رسّخ خطاب سمو الأمير معادلة جديدة في الوعي الدولي أن الدولة الصغيرة جغرافيا قد تكون أكبر بكثير من حيث ثقلها الأخلاقي والسياسي، وأن الوساطة ليست موقع ضعف بل مصدر قوة، لأنها تستند إلى مبدأ ثابت لا إلى مصلحة عابرة، وحين تتعرض هذه الدولة للاستهداف بسبب دورها، فإنها لا تنكسر بل تزداد حضورا، وهنا تكمن خصوصية التجربة القطرية في أنها لم ولن تسمح للقصف بأن يحرفها عن مسارها أو يعرقل مسيرتها في تكريس الدبلوماسية واللجوء إلى طاولة المفاوضات لحل أكثر الملفات تعقيداً، بل حولته إلى فرصة لتذكير العالم أن العدالة لا تموت مهما بلغ الظلم مداه، وأن صوت الوسيط لا يُسكت، وستبقى قطر بوصلة للسلام رغم أنف المتربصين والمعتدين.
ختامًا…
خرجت رسالة دولة قطر من الأمم المتحدة لتقول للعالم إن فلسطين ليست اختبارا للفلسطينيين وحدهم، بل امتحانا لأصحاب الضمير والشرفاء، وامتحانًا للإنسانية جمعاء، وأن استهداف دولة قطر، لم ينجح إلا في جعل موقفها أكثر وضوحاً، وموقعها أكثر رسوخاً في معركة الدفاع عن الحق والعدالة، فقطر ستبقى بوصلة للسلام.
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
117
| 01 أكتوبر 2025
في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد
141
| 01 أكتوبر 2025
في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد
141
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
صحفية فلسطينية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5394
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5085
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4425
| 29 سبتمبر 2025