رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

168

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

ماذا استفادت القضية الفلسطينية بعد حرب غزة؟

26 أكتوبر 2025 , 03:41ص

شهدت القضية الفلسطينية واحدة من أكثر اللحظات دراماتيكية في تاريخها الحديث، حين اندلعت مواجهة غير مسبوقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. حرب غزة لم تكن مجرد حدث عسكري، بل نقطة تحول غيَّرت مسار الصراع وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الوعي الدولي والسياسي تجاه القضية الفلسطينية. وقد شكّلت صدمة للعالم أجمع، وأعادت طرح أسئلة جوهرية حول جذور الصراع، وحقوق الشعب الفلسطيني، ومستقبل السلام في المنطقة. فماذا استفادت القضية الفلسطينية من هذه الأحداث، وما هي حدود هذه الاستفادة؟

* من أبرز نتائج حرب غزة إعادة إدراج القضية الفلسطينية على أجندة العالم. فبعد سنوات من التهميش التدريجي، عاد الحديث بقوة عن الاحتلال، والتمييز، وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. بدأت جلسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تعقد بصورة متكررة لبحث الأوضاع في غزة، وتصدرت صور الدمار والنزوح نشرات الأخبار في كل القنوات العالمية. حتى الدول التي كانت تتجنب انتقاد إسرائيل وجدت نفسها أمام واقع إنساني لا يمكن تجاهله. كما برزت موجة من التقارير الحقوقية الدولية التي وثقت الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين، مما أعاد تعريف الصراع كقضية عدالة وحقوق إنسان، وليس كصراع أمني فقط.

* أحدثت الحرب على غزة هبّة تضامن غير مسبوقة في العواصم العربية والغربية على حد سواء. فقد خرجت ملايين الأصوات في شوارع لندن وباريس ونيويورك وعمّان والدوحة مطالبة بوقف الحرب ورفع الحصار، ومنددة بازدواجية المعايير في المواقف الغربية. في المقابل، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي عالمي جديد تجاه القضية الفلسطينية، حيث تصدرت الوسوم المؤيدة لفلسطين المنصات العالمية، وانتشرت شهادات مباشرة من الميدان وثّقت معاناة المدنيين. وبفضل هذا الزخم الشعبي، باتت القضية الفلسطينية جزءًا من الوعي الجمعي الإنساني، لا يمكن محوه بسهولة.

* اكتسبت المعركة القانونية زخمًا غير مسبوق. فقد أعادت الأحداث التذكير بضرورة تفعيل آليات العدالة الدولية، سواء عبر محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية. وقدمت عدة دول ملفات قانونية تتعلق بجرائم الحرب والإبادة في غزة، وهو ما ساهم في إحياء النقاش العالمي حول مفهوم العدالة والازدواجية في تطبيق القانون الدولي. كما تم طرح قضايا مثل حماية المدنيين في زمن الحرب، وحظر استخدام الحصار كسلاح سياسي، والاعتراف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال وفق ميثاق الأمم المتحدة.

* امتدت تأثيرات الحرب إلى المشهد السياسي الإقليمي، حيث أعادت بعض الدول العربية النظر في مسار التطبيع مع إسرائيل. توقفت أو تجمدت مشاريع سياسية واقتصادية كانت تُطرح تحت عنوان «السلام الإقليمي»، وبدأت موجة من المراجعات الهادئة في العواصم العربية حول كيفية التعامل مع ملف فلسطين مستقبلًا. كما دفعت الأحداث الدول الكبرى إلى إدراك أن تجاهل القضية الفلسطينية يعني استمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ما جعل بعض القوى الدولية تعيد طرح مبادرات للسلام الشامل أو التهدئة طويلة الأمد.

* لكن في مقابل ذلك دفعت فلسطين ثمنًا فادحًا، فقد تجاوز عدد الشهداء عشرات الآلاف، وتهجر أكثر من مليون ونصف المليون إنسان داخل القطاع، وتحولت غزة إلى منطقة منكوبة شبه مدمرة. هذا الواقع المأساوي جعل من الصعب الحديث عن استفادة مباشرة، لأن الخسائر المادية والبشرية طغت على أي مكسب سياسي أو إعلامي. كما أدى تصاعد وتيرة العنف إلى تصلب المواقف الإسرائيلية والدولية تجاه المقاومة الفلسطينية، وزيادة الانقسام الداخلي بين الفصائل حول جدوى العمل المسلح مقابل الحلول السياسية.

* ربما تكمن الفائدة الحقيقية للقضية الفلسطينية بعد الحرب في تراكم الوعي والتجربة. لقد أثبتت الأحداث أن العالم لا يمكنه تجاوز القضية الفلسطينية مهما حاول، وأن أي محاولة لإرساء سلام في الشرق الأوسط من دون معالجة جوهر الاحتلال مصيرها الفشل. لكن الاستفادة الكبرى مرهونة بقدرة الفلسطينيين على تحويل هذا الزخم إلى مسار سياسي موحد، يستثمر التعاطف الدولي ويحوّله إلى مكاسب ملموسة على الأرض. وذلك يتطلب توحيد الصف الوطني، وتجديد الخطاب السياسي، وتفعيل الدبلوماسية الفلسطينية في المنظمات الدولية، إضافة إلى تعزيز التحالفات العربية والإسلامية المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

لقد كانت الحرب حدثًا مفصليًا في تاريخ فلسطين والمنطقة بأسرها. فهي لم تمنح الفلسطينيين انتصارًا ماديًا، لكنها منحتهم عودة قوية إلى الواجهة، وأعادت للعالم تذكيره بجوهر الصراع. القضية الفلسطينية اليوم تقف أمام مفترق طرق: إما أن تستثمر هذا الزخم الدولي لإعادة بناء مشروعها الوطني، وإما أن تضيع الفرصة وسط الركام والانقسام. ويبقى الأمل أن تكون هذه الأحداث، رغم مأساتها، بداية وعي عالمي جديد بأن الحرية لا يمكن قمعها إلى الأبد، وأن العدالة وإن تأخرت، فإنها لا تموت.

مساحة إعلانية