رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم الشمري

مساحة إعلانية

مقالات

651

جاسم الشمري

الاضطراب الجماعي.. مجتمع ينخره الرعب!

24 أكتوبر 2025 , 12:59ص

يعاني الإنسان منذ القدم من الأمراض الجسدية والنفسية البسيطة والمعقدة، ويبدو أن الأمراض الجسدية تَقلّصت بمرور الأيام وبتطوّر علوم الطب والكيمياء والصيدلة وغيرها.  ومقابل هذا التقلّص بعموم الأمراض الجسدية هنالك تصاعد من حيث الكمّ والنوع في الأمراض النفسية والعقلية التي تداخلت وتعسّرت نتيجة التعقيدات المركبة والمتسارعة للحياة الإنسانية الملوثة بالأنانية، والتكالب «الوحشي» على الماديات، وهشاشة التلاحم الإنساني!

والأمراض النفسية «الاضطرابات» هي «حالة نفسية تنطوي على حدوث أعراض جسدية وغالبا ما يصعب تفسيرها طبّيا»!

وهنالك العديد من الأمراض النفسية المركبة والبسيطة، التي تصيب الرجال والنساء والصغار والكبار، وأبرز أسبابها الظروف الحياتية الصعبة، والعوامل الوراثية، والوقائع المهلكة ومنها الحروب، والكوارث الطبيعية الضخمة، وبعض الألعاب الإلكترونية وغيرها. وهنالك عدة أنواع من الأمراض النفسية، ومنها القلق من المستقبل، ونوبات الهلع، والكآبة، والاضطرابات العقلية، والصدمات النفسية الحادة، والأرق، ومتلازمة القلب المكسور وغيرها من الأمراض المدمرة للفكر والعقل، وبالمحصلة للجسد والحياة!

ومع نهاية طوفان الأقصى، وبعد عامين من الضغط العسكري والمعنوي والمالي والاقتصادي والنفسي على «إسرائيل»، كشف التقرير السنوي الصادر عن المركز «الإسرائيلي» للإدمان والصحة النفسية (ICA)، ونشر بصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، يوم 18 كانون الأول/ أكتوبر 2025 عن جانب آخر من المآسي «الإسرائيلية» التي طالت حوالي 3 ملايين نسمة من أصل 10 ملايين!

ورسم التقرير صورة مرعبة لمجتمع تنخره الأمراض النفسية والعقلية ويعاني هشاشة واضحة وجماعية نتيجة الصدمات المزعجة والمرهقة التي خلفتها حرب غزة! ويُبيّن تقرير المركز «الإسرائيلي» للإدمان أن «26.6 % من الإسرائيليين، أي أكثر من ربع السكان، يستخدمون مواد مسببة للإدمان في مستوى خطر مرتفع».

وأكد التقرير زيادة بنسبة «170 % في استهلاك الكحول، و180 % في القنّب الهندي (الحشيش)، و250 % في المواد الأفيونية». وقال روني روكاش، مدير القسم السريري في الجمعية «الإسرائيلية» لمكافحة الإدمان، إن «واحدا من كل أربعة أشخاص أبلغ عن زيادة بتعاطي المخدرات، بعد أن كان واحدا من كل عشرة، هو أمر لا يكاد يُصدَّق»! 

وسبق لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن ذكرت بداية أيلول/ سبتمبر 2024 أن أكثر من 50 % من جنود الجيش «الإسرائيلي» اعترفوا بأنهم تعاطوا «مخدر الحشيش»! 

وكشفت منظمة «أران/ERAN» العبرية للإسعافات الأولية النفسية، منتصف أيار/ مايو الماضي، بأن 48% من المكالمات التي تصلها ترتبط بالشكوى من مؤشرات القلق، والصدمة، والشعور بالفقد، والعزلة، والاكتئاب، وصعوبة النوم، وهو رقم قياسي منذ تأسيسها بالعام 1971، ووصفت ما يحدث بأنه «تسونامي نفسي عصبي»!

وبحسب دراسة حديثة، نقلتها افتتاحية صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 23 حزيران/ يونيو 2025، وأُجريت في الجامعة العبرية ومستشفى هداسا: فإن «نصف المواطنين في إسرائيل يعانون من الأرق، وأن عواقبه على الصحة النفسية والجسدية خطيرة»!

واستجابة لهذه الأوضاع المتدهورة، أطلق المركز «الإسرائيلي» برنامجا باسم «طريق آخر»، لمعالجة الصدمة والإدمان معا!

فماذا يعني انتشار تلك الظواهر والأمراض في المجتمع «الإسرائيلي»؟

يمكن القول بأنها تشير لعدة جوانب، ومن أبرزها تخوّف السكان من المستقبل المظلم، وبالذات بالنسبة للذين جاؤوا إلى «إسرائيل» من أرجاء الأرض بحثا عن «الجنسيّة والعمل وتأمين مستقبلهم»!

وتؤكد أيضا عدم ثقة «الجمهور» بالقدرات العسكرية والأمنية «الإسرائيلية» في مواجهة الأساليب المتنوعة والمتطوّرة للمقاومة الفلسطينية واحتمالية اختراقها للحدود الفاصلة، وتنفيذ عمليات نوعية ومتجدّدة بالعمق الصهيوني، وكذلك التشكيك بقدرات الجيش على إنهاء إمكانيات بضع مئات من رجال المقاومة لصلابتهم!

وتُدلّل تلك الظواهر كذلك على أن المواطنين الصهاينة محبطون ويتوقّعون الموت في كل زمان ومكان، وهذا قمّة الرعب والخوف والحرب النفسية!

وبالمحصلة هذه دلائل واضحة على عجز حكومة «إسرائيل» عن إدارة الأزمات الأمنية والاجتماعية والصحية وغيرها!

وهكذا فإن حرب غزة انتهت في الميدان، ولكن أعتقد أن «إسرائيل» تنتظرها العديد من الحروب الداخلية والخارجية، في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والنفسية، وستظل تعاني تبعاتها، المعقدة والمتداخلة، لسنوات طويلة!

مساحة إعلانية