رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

222

د. جاسم الجزاع

هل الفوضى الخلاقة عدوة للمنظمات أم سر لتجديدها؟

24 سبتمبر 2025 , 06:24ص

حين نتأمل في تاريخ المؤسسات والمنظمات، ندرك أن ما يسمى بالفوضى لم تكن يومًا نقيضاً تاماً للنظام، بل كانت في كثير من الاحيان تمثل القوة الخفية التي تدفع نحو التغيير والإبداع، فالفوضى في معناها الإداري لا تعني انهيارًا ولا ضياعًا، وإنما تشير إلى تلك المرحلة الانتقالية التي تتصدع فيها البنية القديمة، لتُفسح المجال أمام ولادة أنماط جديدة إدارية أكثر قوة ومرونة، ومن هنا يظهر مفهوم «الفوضى الخلّاقة»، الذي يعيد النظر في علاقتنا بالاضطراب، فلا نراه خطرًا يهدد البقاء بقدر ما نراه فرصة لصنع واقع أفضل.

والفوضى الخلّاقة في عالم الإدارة تقول لنا بوضوح إن الارتباك ليس نهاية، بل قد يكون بداية، فكثير من المؤسسات التي حاولت التمسك بالنظام الجامد السابق، وجدت نفسها في تراجع مع الزمن، وأما المؤسسات التي تعاملت بذكاء مع المفاجآت والمتغيرات، واحتضنت التغيير بدلًا من مقاومته، فقد استطاعت أن تتعلم وتتطور، وأن تجعل من الفوضى وقودًا للإبداع، فالابتكار في حقيقته لا يولد إلا في ظل ظروف الاضطراب والفوضى. 

وليس المقصود من مصطلح «الفوضى الخلّاقة» أنها مؤامرة أو حركة تُصنع عمدًا لهدم الأنظمة – رغم أن بعض السياسيين استخدموها بهذا المعنى في خطاباتهم – بل الأصل في المصطلح أنه توصيف لظاهرة طبيعية أو إدارية تحدث عندما يدخل النظام في حالة اضطراب تؤدي إلى خلق شكل جديد من النظام أكثر مرونة وحيوية.

وإذا أخذنا المؤسسات الناشئة كمثال حي على ذلك، فهي لا تعمل في أجواء مستقرة، بل تمتلئ محاولاتها بالارتباك والتجريب في بداية طريقها، ولكنها رغم ذلك، أو لعله بسبب ذلك، تستطيع أن تطرح أفكارًا جديدة تحدث أثرًا يفوق ما تفعله الشركات الكبرى ذات الأنظمة المعقدة، فالفوضى التي تعيشها هنا ليست خطرًا، بل هي بيئة تسمح بولادة إبداعات جديدة، وفي عالمنا العربي، رأينا مؤسسات إعلامية وتجارية كسرت الرتابة والبيروقراطية، ومنحت موظفيها مساحة للحركة والمغامرة والمجازفة، فكانت النتيجة تغييرات أعادت إليها قوتها وجعلتها أكثر قربًا من جمهورها.

لكن في الوقت نفسه ينبغي أن نفهم أن الفوضى الخلّاقة ليست دعوة إلى الانفلات والتسيب، فهي ليست قبولًا بالعشوائية ولا إلغاءً للأنظمة، وإنما هي دعوة إلى أن نرى في الاضطراب فرصة، لا كعثرة، وإنها تطلب من القائد أن يخرج من دائرة الراحة والاعتياد، وأن يتعامل مع التغيير بمرونة، ومن الفريق أن يراجع المسلّمات التي ربما كبّلته وقيدته لسنوات. 

وفي النهاية، قد تبدو الفوضى كلمة مُقلقة، لكن حين نفهمها في إطارها الصحيح، نكتشف أنها ليست عدوًا وخصماً بل شريكًا نافعاً في حدود، وإنها الوجه الآخر للنظام، وصدى يحتاج أن يسمعه الإنسان وكذلك المؤسسة ويحفزهم إلى التغيير، وحين نحسن إدارة الفوضى الخلاقة، تصبح جسرًا يعبر بنا من الجمود إلى الإبداع، ومن التكرار إلى التجديد، ومن الخوف إلى القوة، وهكذا، تتحول من بؤرة خسارة إلى سر للبقاء.

مساحة إعلانية