رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

210

مها الغيث

ما باحت به شهرزاد لشهريار

24 سبتمبر 2025 , 02:15ص

بعيداً جداً عن الألف ليلة وليلة التي نسجت سماءها شهرزاد بحكايات حيّرت شهريار بين (كان) و(ما كان)، تطالعنا اليوم أبيات عذبة تقول (ما لم تقله شهرزاد) من كلام مباح، تطلّب بالضرورة تبرير (ما لم يفهمه شهريار) منه، وكأن لسان حاله يقول: ليتها صمتت كعادتها عن الكلام المباح!

وبينما تضع الديوانين الباحثة والمترجمة وأستاذة التعليم العالي الجزائرية (د. سامية عليوي)، يقدم لديوانها الأول (ما لم تقله شهرزاد)، أ. د. عبدالمجيد حنون الذي هو -لا عجب- أستاذها من قبل، وزوجها الذي أهدت له باقتها وقد «شغلته شهرزاد راوية وإنسانة» كما خطّت في إهدائها.

لقد أصاب بدوره زوجها، حين أهال على شعرها صفات تميّزه، مثل: «الروح الأنثوية» التي تصف أحاسيسها دونما صراع جندري، «تعدد القضايا والموضوعات» فيه والتي تتفاعل مع الحياة وتتنوع بتنوعها، «السهل الممتنع» الذي على بساطته قلما يتمكن أحد من القول بمثله أو أن يستبدل كلمة جاءت فيه بأخرى، «الطابع الغنائي» الذي يجعل من كل قصيدة غنّاء الإيقاع تنتظر لحناً، وأخيراً وعلى وجه خاص «وحي شهرزاد» الذي استلهمت منه الشاعرة الأكاديمية ما قد تمنعت عن قوله شهرزاد الأولى في تلك الليالي، فتجرأت هي على قوله هذا الصباح، وأصبح كما لم يكن بالأمس.. كلام مباح!

أما ديوانها الثاني (ما لم يفهمه شهريار)، فتكشف فيه شهرزاد عن هذا اللبس الذي تملّك الملك السعيد، بعد أن أفاض عليه سحر شهرزاد الطاغي في أنوثته، بما أحاله إنساناً بعد أن كان مجرد رجل، في أبياتها! يقول مقدّم هذا الديوان، د. مختار نويوات، أستاذ الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة باجي مختار ـــ عنابة، عنها، بأنها «شاعرة موهوبة» وعن شعرها بأنه «رصين أخاذ». إنها كذلك بالفعل وشعرها، ورغم ما لم تقل وما لم يُفهم مما قالت، يبدو أنه قلّما يبرز في أيامنا هذه شعر يأخذ بالألباب إلى عوالم أخرى، وإلى ليلك ليالي تمتد بعد الألف والألف. لا تشبه ليالينا!

وعلى سبيل الاستحسان، أقتبس من باقة الديوان الأول، (مطالب شهرزاد) التي فاضت طغياناً أنثوياً يليق بها، قائلة: 

وسألتني يا شهرياري جاهداً عمّا أريد 

ووقفت أسأل بعدما أعطيتني كل الدنا: 

هل من مزيد؟؟

إني أريد من السماء نجومها

ومن الرياض ورودها 

كي يشتعل هذا الجليد

وسألتني، وسألتني عمّا أُريد 

أتراك تجهل يا مليكي ما أريد؟؟

إني أريدك ساجداً

كي ما تسبح جاهداً

باسمي أنا مثل العبيد

كم يبدو هذا طاغياً! ليس هذا وحسب، بل إنها لا تتردد في أن تبدو متمرّدة وهي تحذّر شهريارها من جديد في قصيدة (عناده وعنادي) ببضع كلمات قائلة:

خالفني كي أعند أكثر

وتمرّد كي أغدو أخطر

فشراستي حلمك يجهلها

إني حذرتك.. فاحذر

غير أن شهريار، رغم أنه يبدو في أول قصيدة (شهرزادي.. هل تدركين؟) دامياً بخنجرها الذي غرسته غدراً في قلبه القتيل، فهو يخاطبها بعذوبة قائلاً: 

وجئتكِ أشدو بلحن حزين 

وخادعت قلبي وجرح دفين

وعدتُ لروضك

أشدو بحبّك

أواه يا أنتِ لو تعلمين؟

لكن شهرزاد في ديوانها الثاني، تبدو وهي تسأل شهريارها (هل قلبك حقاً يهواني؟) كالتي تقمصّت روح حواء وخلقت -بحب- آدم من جديد:

يا آدم أرضي وجناني

تذكرني؟ أم قلبك ينساني؟

أتراني بُعثت ويا عجباً

للدنيا لتوقد نيراني؟

تطفئني إن شئت وتشعلني

وتثير جنوني من ثاني 

وتبعث عمري أشتاتاً 

وتجمّع بعضي بثواني 

قل إنك تهواني

وبأن جفونك ترعاني

وبأن البسمة في شفتي

تهديك محبتي وحناني 

وترفرف طيراً بعيونك 

نشوان بكل الأزمان

بل إنها في قصيدتها الأولى (لماذا أنت لا تفهم؟) التي اقتبس منها الديوان عنوانه، تضج بشهريار الذي يبدو أنه لا يفهمها -جاداً أو متعمداً- فتقول ما تقول بعد أن تحاول إفهامه، ظلام عالمها حينما يهجر، وطير سمائها الذي يرفرف حين يعود:

لماذا أنت لا تفهم؟

بأني حينما ترحل

أراني وحيدة أُقتل

فكيف تُراك لا تعجل

لقائي قبل أن تندم؟

لماذا أنت لا تفهم؟ 

بأن الأرض من حزني 

‎ستلبس حالك اللون

‎وتزرع في رُبا الكون

‎نبات الشوك والعلقم

‎لماذا أنت لا تفهم؟

‎بأنك إن تجافيني

‎تمت كل الرياحين

‎وأنك إن تناديني

‎سأبعث مثلما تعلم

لماذا أنت لا تفهم؟

ختاماً، قد يأتي استحسان هذه المراجعة للديوانين، بمثابة «رجع الصدى»، كما تمنت الشاعرة في خاطرة (قبل البدء) بأن تتحدث، بل بأن تصرخ. غير مبالية بعدد من سيسمع إن كان قليلاً أو كثيراً. قائلة: «حسبي إذاً أن أصرخ، وحسبي أن أسمع رجع الصدى».

 

اقرأ المزيد

alsharq بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على... اقرأ المزيد

1758

| 26 سبتمبر 2025

alsharq عندما يبلغ الحلم سبعينا

أن تقضي أكثر من سبعين عاماً في هذه الحياة ليس مجرد مرور للزمن، بل هي رحلة مليئة بالتجارب،... اقرأ المزيد

255

| 26 سبتمبر 2025

alsharq الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة، تتراوح بين الصدمات النفسية، والانقسامات المجتمعية، وانهيار البنى الثقافية والاجتماعية.... اقرأ المزيد

537

| 26 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية