رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبد الله النعمة

مساحة إعلانية

مقالات

147

د. عبد الله النعمة

الوقف والزكاة.. إعادة التوازن من الإغاثة العاجلة إلى التمكين المستدام

24 سبتمبر 2025 , 06:23ص

حين نسمع عن الزكاة والوقف، تتبادر إلى أذهاننا صورة سلة طعام رمضانية أو فاتورة تُسدد. هذه أعمال جليلة، لكنها أشبه بإعطاء ماء بارد لعطشان. السؤال الأهم: ماذا عن اليوم التالي؟ هنا يظهر الخلل في الميزان بين «الإغاثة العاجلة» التي تعالج الأعراض، و»التمكين المستدام» الذي يستأصل جذور المشكلة. لقد شُرعت الزكاة والوقف ليكونا علاجاً شافياً للمرض، لا مجرد مسكن مؤقت للألم.

فالزكاة، في تصميمها الأصلي، أداة للقضاء على الفقر لا لإدارته. هدفها النهائي ليس إبقاء الفقير معتمداً على المساعدة، بل انتشاله من دائرة الحاجة ليصبح هو نفسه مزكياً. والوقف، بفكرة «حبس الأصل وتسبيل المنفعة»، هو النسخة الأصلية والأكثر استدامة للاستثمار الاجتماعي، وهو المحرك الذي بنى الجامعات والمستشفيات عبر تاريخنا.

لماذا إذن يطغى نموذج الإغاثة؟ لأن أثره فوري وحاجته ملحة. لكن الاعتماد الكلي عليه يخلق ثقافة الاتكالية. المؤسسة الخيرية التي تكتفي بالإغاثة تشبه مستشفى لا يملك إلا غرفة طوارئ؛ يقوم بعمل بطولي، لكنه لا يساهم في رفع المستوى الصحي العام للمجتمع.

إن الدعوة هنا ليست لإيقاف الإغاثة، بل لإعادة توجيه الجزء الأكبر من مواردنا نحو «التمكين». هذا التحول ليس مجرد كفاءة اقتصادية، بل هو «جبر للخواطر»؛ فالأرملة التي تبيع أول قطعة من خياطتها لا تحصل على مال فقط، بل تسترد شعوراً بـ «فخر الإنتاج» الذي لا يمكن لأي مبلغ إغاثي أن يمنحه.

قد يعترض البعض بأن الفتاوى الغالبة تدفع نحو الإغاثة العاجلة. هذا صحيح، لكنه ليس الصوت الفقهي الوحيد. فهناك مسار فقهي آخر، تبناه علماء أجلاء قديماً وحديثاً، يفتح الباب واسعاً لاستخدام أموال الزكاة في أمور تمكينية تحقق الغنى المستدام، وهو الأقرب لحكمة التشريع الأصيلة.

كيف يبدو هذا على أرض الواقع؟

نحو زكاة تمكينية: بدلاً من إعطاء العاطل مبلغاً شهرياً، يمكن تسجيله في دورة تدريب مهني تضمن له وظيفة. وبدلاً من إعطاء الأرملة صدقة، يمكن شراء ماكينة خياطة لها وتدريبها على بدء مشروعها.

نحو وقف يصنع الفرص: الوقف أداة بناء حضاري. تخيل «وقفاً للمحتوى العربي الرقمي» يمول إنتاج محتوى علمي لمواجهة التفاهة، أو «وقفاً لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي» لكيلا نكون مجرد مستهلكين سلبيين لتقنيات العصر.

ولتحقيق ذلك، يجب أن نغير مقاييس نجاحنا. فبدلاً من قياس «عدد السلال الموزعة»، يجب أن نقيس «عدد الأسر المكتفية» التي لم تعد بحاجة لمساعدتنا. هذا أصعب ويتطلب متابعة، لكنه المقياس الحقيقي للنجاح.

إن جوهر هذه الدعوة هو الانتقال من «عطاء الرحمة» الضروري لإطفاء الحرائق، إلى «عطاء الحكمة» الذي يمنع نشوبها مستقبلاً. أن ننتقل من دور «المسعف» إلى دور «البنّاء» الذي يشارك في تشييد مجتمع قوي، منتج، ومعافى.

مساحة إعلانية