رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتصدى دولة قطر للعديد من التحديات المتعلقة بعمليات الإنتاج الغذائي نظرًا لطبيعة تضاريسها المستوية ومناخها الصحراوي. ومع ذلك، شهدت السنوات الماضية تحسنًا ملحوظًا بفضل استخدام أساليب زراعية متقدمة ومدعومة بالتكنولوجيا، وتعكس هذه الخطوة التزام الدولة بتحقيق أمنها الغذائي. ففي يونيو من هذا العام، صرّح يوسف خالد الخليفي، مدير إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية، أن المزارع المحلية تنتج حاليًا ما يقارب 100 % من الخضراوات المباعة في مواسم الذروة، ويشمل ذلك الخيار، والطماطم، والباذنجان، والكوسا، وهو ما يعد إنجازًا مهمًا نحو زيادة الإنتاج الغذائي المحلي في دولة قطر بحلول عام 2030.
ولتعزيز أمنها الغذائي تحتاج دولة قطر إلى اعتماد أساليب زراعية أكثر استدامة وتقنيات تستهلك كميات أقل من المياه والطاقة، كاللجوء للزراعة المائية والنُّظم الغذائية المائية. وفي هذا السياق، يعمل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة على تطوير أنظمة عملية تعزز من كفاءة المرافق الزراعية المائية والبيئية، حيث تستهلك هذه الأساليب، التي لا تعتمد على التربة، كميات قليلة من المياه وتُعد أكثر ملاءمة لمناخ البلاد القاسي.
وتتطلب الزراعة على مدار العام في دولة قطر استخدام البيوت الزجاجية التي تحتاج إلى الكهرباء للتبريد والإضاءة، فضلًا عن إمدادات ثابتة من المياه النظيفة والمغذيات. وتفرض هذه الاحتياجات عبئًا ماليًا وبيئيًا كبيرًا على المنشآت الزراعية. ولمجابهة هذه التحديات، يسعى معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة إلى تطوير نظام يساعد المزارعين على استخدام هذه الموارد بشكل أكثر كفاءة، ويمكّنهم من اتخاذ القرارات والتخطيط لها بشكل أفضل.
وتركز جهود المعهد حول تطوير أداة لإدارة الموارد باستخدام أجهزة استشعار لرصد درجة الحرارة، والرطوبة، وجودة المياه. كما تعمل الأداة على جمع البيانات وإرسالها إلى نظام سحابي، حيث يتم تحليلها والقيام بثلاث مهام أساسية: توفير معلومات فورية عن المزرعة، وتقديم توصيات حول سبل توفير المياه والطاقة، وتحديد خيارات أكثر فعالية من حيث التكلفة. وتهدف هذه المنصة إلى دعم دولة قطر في تحقيق أهدافها الغذائية والحد من إهدار الموارد لتعزيز الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2030. وعلاوة على ذلك، يعمل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة على تطوير مؤشر استدامة لتقييم أداء المزارع، وفقًا للمعايير المتعلقة باستخدام المياه والطاقة، وإنتاج الغذاء، والجدوى المالية، والأثر البيئي لمساعدة المزارعين والمخططين على تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
وتساهم منصات المعهد في تمكين المزارع المحلية من زيادة إنتاج الغذاء ودعم عملية صنع السياسات الزراعية. كما تشير البيانات الحكومية الأخيرة إلى أن 98 % من الخضراوات الموسمية باتت تُزرع محليًا، الأمر الذي يعكس نجاح هذه الجهود. وتُعد أنظمة الزراعة المائية، التي تشكل جزءًا رئيسيًا من هذا التقدم، نموذجًا بارزًا في كفاءة استخدام المياه، إذ تقلل الاستهلاك بنسبة تتراوح بين 70 % و90 % مقارنة بالزراعة التقليدية. وعلى الرغم من أن الزراعة المائية تتطلب طاقة للتشغيل، إلا أن دمج مصادر الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الشمسية، يساعد في تلبية هذه المتطلبات بطريقة مستدامة، وبالتالي تظل أسعار الغذاء في مستويات تنافسية، وتتراجع حاجة دولة قطر إلى استيراد الغذاء، الأمر الذي يعزز الأهداف الوطنية للأمن الغذائي والاستدامة البيئية. وبالرغم من أن دولة قطر قد حققت بالفعل تقدمًا ملموسًا، إلا أنه لا تزال هناك حاجة لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي على مدار العام لتعزيز الأمن الغذائي حتى بعد مواسم الذروة؛ ولتحقيق ذلك، يتعين السماح للمزيد من المزارع بالوصول إلى هذه التقنيات والأنظمة التي تعزز الزراعة الذكية والمستدامة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2139
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1569
| 26 سبتمبر 2025