رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


[email protected]
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

345

خولة البوعينين

حين يكون الفرق.. مكرُمة !

24 يونيو 2025 , 04:36ص

في محادثة دافئة جمعتني بصديقة قريبة من روحي، نظرت إليّ (سميرة) بعينٍ متأملة وقالت بابتسامة مستغربة:

“حينما أقرأ لك، أنبهر بأسلوبك وعمق فكرك، ولكني حين أجلس معك، أراك هاشّة، باشّة، لطيفة المعشر، بسيطة التعامل، وكأنكِ شخصٌ آخر».

ابتسمتُ، لم أُسرع إلى التبرير، بل تركت المسافة بين السؤال والجواب تتنفس قليلًا، ثم قلت:

«هذا الفرق، يا صديقتي، قد يكون في ظاهره تناقضاً، لأنك قد توقعتِ مسبقاً أن كل صاحب فكر لابد أن يكون على هيئةٍ مُعينة، أو مظهر مخصوص من الحركة والتصرف، أما من جهتي فأنا أرى ذلك مكرمة من المكرمات».

لأنه ليس من الضرورة أن تُشبهنا حروفنا في ظاهرها، فنحن نكتب بعمق لأننا نُحب الحياة من جوهرها، ونُصيغ أفكارنا بعناية لأننا نُقدّس الكلمة ونعرف وقعها، أما في تعاملاتنا، فتمثلات ذاك الفكر والشعور تظهر في بساطة من غير تكلف، ولطافة من غير اصطناع، و بشاشة من غير قيد،

بلا ثقلٍ فلسفيّ يستعرض عضلات الفكر و طبقات الشعور.

ذلك لأن الله يهب من يشاء القدرة على التلوّن برقي، فلكل مقامٍ مقال، ولكل سياق أدبه و أسلوب تعامل يوافقه ليس من باب الزيف الخادع، أو الظهور المجامل، بل من باب العيش على طبيعتك وبساطتك.

بحيث توهب القدرة على أن تكون في الكتابة صوتًا مُتأمِّلًا، وفي الحياة حضورًا يسيرًا مطمئن الحضور، خفيف على الأفئدة.

ولعل هذا ما يجعل التوازن فناً لا يتقنه إلا من تعمّد أن (ينصت) إلى الحياة من الداخل، دون اضطرارٍ إلى (شرحها) طوال الوقت.

بل إن من أجمل ما أمتنّ له، أن هذا العمق الذي قد يبدو متناقضاً في ظاهره، لم يتشكّل على هيئة حواجز أو أبهةٍ مصطنعة، بل يسير بخفة كما تسري الروح في الجسد بلا تكلّف، عمقٌ لا يحتاج أن يُعلن عن نفسه، أو يبرهن على وجوده، يتجلى بوضوح لمن يعرف كيف يرى بعين بصيرته لا بعين بصره فحسب.

ألم يكن طه حسين مفكرًا موسوعيًا، ثم تراه في بيته مُحبًا للمزاح ومجالس الأنس؟

ألم يكتب نزار قباني عن الثورة والعاطفة بشاعرية مزلزِلة، لكنه حين يتحدث، يبدو كمن يمشي على أطراف النغم، بسلاسة وعذوبة؟

وحتى الجاحظ، الذي أبهر الناس بعقله، أضحكهم أيضًا بحكاياته وبطرافة حواراته.

وهذا في ظني من أعظم ما يميّز الإنسان، أن تكون جذوره ضاربة في العمق، وظله خفيفًا على من حوله، ليس على سبيل التواضع فحسب، بل عن سجيّة متدفقة، سهلة ممتنعة.

فلا عجب أن نكتب بعمق ونعيش بلطف، أن نحمل فينا فكرةً وابتسامة، نباهةً وسكينة، فلا ضد بينهما من الأصل، بل هي في أساسها مظهر صادق عاكس لما توغلت فيه نفسك من الأعماق، و ما سبرته من عوالمها وأكوانها الداخلية بحق.

فالحقائق العميقة لا تحتاج أن تلبس ملامحنا على هيئة مخصوصة مثقلة بالتكلّف، بل يكفي أن تُضيء نصوصنا، وتنعكس بخفة في تعاملنا، وهذا هو الأليق بالالتفات والتثمين. لحظة إدراك:

القدرة على الجمع بين عمق الفكرة وبساطة الحضور هي من فضائل العيش وفق السهل الممتنع، فالرهافة الحقيقية لا تعني التكلّف في التصرفات، والفكر الثاقب ليس تعقيداً في التعاملات، ذلك لأنك عندما مُتأمّلًا في داخلك، وهادئًا في حضورك، فأنت صاحب مكرمة لا تُدرَك إلا بذائقة رفيعة، وحسٍ عالٍ.

وهذا الاتزان، هو الجمال الذي الذي لا تحيط به المقاييس، ولا توزن به الكلمات، قدره أن يُستشعر فحسب بالتواصل الحق.

مساحة إعلانية