رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

روضة مبارك راشد العامري

مساحة إعلانية

مقالات

363

روضة مبارك راشد العامري

ما لا يتزحزح فينا

23 سبتمبر 2025 , 04:10ص

كلّما تبدّلت الوجوه وتسارعت الخطى، شعرتُ بأن العالم يُعاد ترتيبه بلا توقف، كأنّنا نعيش داخل لوحة لا تجفّ ألوانها. في قلب هذا الحراك المستمر، ثمّة ما لا يتزحزح، ما يبقى واقفًا كالنخيل في العاصفة، هي الثوابت التي لا تصرخ، لكنها تمنحنا سكينة الداخل وسط ضجيج الخارج، وتُذكّرنا بأن العمق لا يُقاس بالحركة، بل بالثبات المليء بالمعنى.

نشأتُ على تلك القناعات كما ينشأ الطير في عشه الأول. كانت والدتي تحفظ من الشعر ما يفوق دروس المدرسة، وكان والدي لا يمرّ على جملة عربية دون أن يتوقف عند إيقاعها ودلالتها. لم نكن نردد الكلمات، بل نحملها. ولم نكن نعيش في قطر كمكان فقط، بل كامتداد لهُوية أكبر من الجغرافيا: هوية عربية وإسلامية وجمالية في آنٍ واحد.

ومع تزايد الإيقاع العالمي، وتسلل التغيرات إلى منازلنا عبر الشاشات واللغات واللهجات، أدركتُ أن الثوابت ليست ما يقيّدنا، بل ما يُبقينا نحن. هي ليست جدرانًا نغلق بها النوافذ، بل جذورًا نمتدّ بها في الأرض حتى حين نحلّق. الأصالة لا تعني رفض الحداثة، بل الانطلاق منها بثقة من يعرف تاريخه.

الثوابت الثقافية والاجتماعية ليست فقط طقوسًا أو رموزًا جامدة، بل منظومة قيمية متجددة، تُزرع في القلب وتُروى بالفكر والوعي. هي التي تُلهم الفن حين يفقد اتجاهه، وتوجّه الكلمة حين تتعدد المنابر.

قد يبدو الحديث عن «الثوابت» في عالم سريع وكأنّه تغنٍّ بالقديم، لكن الحقيقة أنّه نداءٌ للحفاظ على ما يجعلنا بشرًا لا نسخًا. أن نكون جزءًا من التطور لا يعني أن نذوب فيه، بل أن نضيف عليه بصمتنا، بلغتنا، بوجه جداتنا، وبأملنا الذي لا ينكسر.

ولهذا أكتب، لا لأعيد تعريف الهوية، بل لأحتفي بما لم يتغير فيها، ولأقول للأجيال القادمة: لا تخجلوا من الجذور، فالشجرة لا تقوى إن أنكرت أصلها.

مساحة إعلانية