رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

م. حسن الراشد

مساحة إعلانية

مقالات

837

م. حسن الراشد

القيمة المضافة المحلية (ICV)

20 أكتوبر 2025 , 12:00ص

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين القطاع الخاص نحو التخصصية:

انطلقت مبادرة القيمة المضافة المحلية (In Country Value ) أولًا في سلطنة عُمان عام 2013 كبادرة رائدة، وتبعتها دول الخليج الأخرى؛ إذ تبنّت الإمارات البرنامج عبر شركة “أدنوك” عام 2018، وأطلقت السعودية برنامج “اكتفاء” (IKTVA)، ثم قطر عام 2019 ببرنامج “توطين” (Tawteen) تحت قيادة “قطر للطاقة”، التي جعلت من المحتوى المحلي دافعًا رئيسيًا لدعم ونمو القطاع الخاص، ومعيارًا إلزاميًا للمشاركة في المناقصات والمشاريع الصناعية والخدمية.

يُعد برنامج القيمة المضافة المحلية إطارًا استراتيجيًا يهدف إلى تعظيم النمو الاقتصادي من خلال تحفيز دورة رأس المال المحلي، والحد من استنزاف العملات الأجنبية، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. كما يسهم البرنامج في تحسين الموازنة العامة للدولة عبر رفع الإيرادات غير الريعية وخفض النفقات الخارجية، بما يدعم تحقيق الاستقرار المالي ويُسهم في تقليص العجز التجاري.

ويهدف البرنامج كذلك إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص الكفء في المشاريع التنموية الكبرى، وزيادة حصته في سلاسل التوريد المحلية. ويقوم نجاحه على تمكين هذا القطاع ليكون شريكًا فاعلًا في بناء منظومة توريد وطنية متكاملة، من خلال منح الأفضلية للشركات المحلية وإلزام الشركات العالمية بالتعاون معها في توطين الصناعات والخدمات المساندة، بما يضمن نقل المعرفة والتقنية، ويزيد من جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن تأهيل الكفاءات الوطنية لضمان استدامة التنمية غير الريعية.

ويتميز المحتوى المحلي (Local Content) بإيجابيات تنموية شاملة تخدم جميع الأطراف؛ فبالنسبة للمشتري يضمن استمرارية التوريد وجودة الخدمة وسرعة الاستجابة للتسليم، مع تقليل مخاطر سلاسل الإمداد العالمية وبأسعار تنافسية مناسبة. أما للشركات المحلية، فيفتح أمامها آفاق النمو المستدام، ونقل المعرفة والخبرات، وتوسيع التحالفات العالمية، ويوفر للاقتصاد الوطني بيئة خصبة لتنمية الكفاءات وبناء قاعدة صناعية متينة تحقق منفعة متبادلة تعود بالخير على الجميع.

وفي هذا الإطار، يجب على الشركات المحلية أن تدرك أن الأسعار المقدمة للسلع والخدمات يجب أن تكون تنافسية ومناسبة، إذ إن الهدف الاستراتيجي هو بناء صناعة محلية قادرة على البقاء دون الاعتماد على الحماية أو التفضيلات الدائمة. فغياب المنافسة السعرية قد يحوّل برنامج القيمة المضافة من أداة تنموية إلى عبء اقتصادي على المشتري مستقبلاً، مما يفقد المحتوى المحلي قيمته الحقيقية ومبرر وجوده.

ويُعد التعاون بين الجامعات وشركات القطاع الخاص ركيزة أساسية في هذا المسار، حيث تسهم برامج التدريب العملي وتبادل الخبرات في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والكفاءة، وربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق الفعلية. وتشير الدراسات إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في المحتوى المحلي بقطاع الطاقة تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بما بين 0.2% و0.4% سنويًا.

ولا يقتصر دور البرنامج على تعزيز التنمية الصناعية وتوطين التقنيات فحسب، بل يمتد إلى خلق فرص عمل نوعية في القطاعات عالية القيمة، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي والخاص عبر إعادة تدوير رأس المال محليًا، وتعزيز التنافسية الإقليمية لسلاسل التوريد.

ولضمان نجاح البرنامج، يجب أن يكون القطاع الخاص مؤهلًا تنظيميًا وماليًا وإداريًا، وقادرًا على تنفيذ المشاريع وفق معايير عالمية، مع توفير بيئة عمل محفزة تستقطب الكفاءات الوطنية وتضمن تطورها المهني. كما يتعين على الشركات المحلية تعزيز أنظمة الحوكمة والكفاءة التشغيلية لضمان استدامتها وقدرتها على المنافسة محليًا وإقليميًا.

ومن المهم ألا يقتصر تطبيق البرنامج على قطاعي الطاقة والصناعة، بل ينبغي أن يتوسع ليشمل قطاعات أخرى حيوية كالبنية التحتية، والتعليم، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والخدمات الاستشارية، مما يسهم في بناء اقتصاد متنوع قائم على الابتكار والمعرفة.

ولتحقيق ذلك، يُقترح تشكيل لجنة فنية للمحتوى المحلي تتبع وزارة المالية أو وزارة التجارة والصناعة، ويُضم في عضويتها ممثلون عن قطر للطاقة، لدراسة التجربة القائمة والاستفادة من نجاحاتها وتلافي تحدياتها وسلبياتها عند وضع استراتيجية وطنية شاملة لتوطين الخدمات والمنتجات ذات الأولوية، مع خطة زمنية واضحة وأهداف قابلة للقياس والتنفيذ، والأهم من ذلك تبسيط الإجراءات التشريعية والإدارية.

ورغم إيجابيات البرنامج، إلا أنه يواجه تحديات مثل ضعف القاعدة الصناعية المحلية في بعض المجالات، والبيروقراطية في التقييم والتصنيف، واختلاف معايير التطبيق بين الجهات. كما يحتاج إلى موازنة دقيقة بين حماية السوق المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي دون تعقيدات، وتحويل الالتزام بالتوطين من إجراء إلزامي إلى فرصة استثمارية جاذبة. ويجب الحذر من التوطين الشكلي، عبر التدقيق المستقل وقياس الأداء الفعلي للمشاريع.

إن برنامج القيمة المضافة المحلية ليس مجرد أداة لتقييم العروض، بل رؤية اقتصادية متكاملة لبناء اقتصاد منتج قائم على الكفاءة والإبداع والاستمرارية، وأداة تحفيزية للإصلاح الاقتصادي من خلال تشجيع الشركات العالمية على تبني خطط استثمارية طويلة الأمد محليًا.

فمن أراد أن يكون جزءًا من مستقبل مشاريع الدولة، عليه أن يكون شريكًا حقيقيًا في استراتيجيتها، وداعمًا لمحتواها المحلي واستدامتها.

مساحة إعلانية