رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين القطاع الخاص نحو التخصصية:
انطلقت مبادرة القيمة المضافة المحلية (In Country Value ) أولًا في سلطنة عُمان عام 2013 كبادرة رائدة، وتبعتها دول الخليج الأخرى؛ إذ تبنّت الإمارات البرنامج عبر شركة “أدنوك” عام 2018، وأطلقت السعودية برنامج “اكتفاء” (IKTVA)، ثم قطر عام 2019 ببرنامج “توطين” (Tawteen) تحت قيادة “قطر للطاقة”، التي جعلت من المحتوى المحلي دافعًا رئيسيًا لدعم ونمو القطاع الخاص، ومعيارًا إلزاميًا للمشاركة في المناقصات والمشاريع الصناعية والخدمية.
يُعد برنامج القيمة المضافة المحلية إطارًا استراتيجيًا يهدف إلى تعظيم النمو الاقتصادي من خلال تحفيز دورة رأس المال المحلي، والحد من استنزاف العملات الأجنبية، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. كما يسهم البرنامج في تحسين الموازنة العامة للدولة عبر رفع الإيرادات غير الريعية وخفض النفقات الخارجية، بما يدعم تحقيق الاستقرار المالي ويُسهم في تقليص العجز التجاري.
ويهدف البرنامج كذلك إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص الكفء في المشاريع التنموية الكبرى، وزيادة حصته في سلاسل التوريد المحلية. ويقوم نجاحه على تمكين هذا القطاع ليكون شريكًا فاعلًا في بناء منظومة توريد وطنية متكاملة، من خلال منح الأفضلية للشركات المحلية وإلزام الشركات العالمية بالتعاون معها في توطين الصناعات والخدمات المساندة، بما يضمن نقل المعرفة والتقنية، ويزيد من جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن تأهيل الكفاءات الوطنية لضمان استدامة التنمية غير الريعية.
ويتميز المحتوى المحلي (Local Content) بإيجابيات تنموية شاملة تخدم جميع الأطراف؛ فبالنسبة للمشتري يضمن استمرارية التوريد وجودة الخدمة وسرعة الاستجابة للتسليم، مع تقليل مخاطر سلاسل الإمداد العالمية وبأسعار تنافسية مناسبة. أما للشركات المحلية، فيفتح أمامها آفاق النمو المستدام، ونقل المعرفة والخبرات، وتوسيع التحالفات العالمية، ويوفر للاقتصاد الوطني بيئة خصبة لتنمية الكفاءات وبناء قاعدة صناعية متينة تحقق منفعة متبادلة تعود بالخير على الجميع.
وفي هذا الإطار، يجب على الشركات المحلية أن تدرك أن الأسعار المقدمة للسلع والخدمات يجب أن تكون تنافسية ومناسبة، إذ إن الهدف الاستراتيجي هو بناء صناعة محلية قادرة على البقاء دون الاعتماد على الحماية أو التفضيلات الدائمة. فغياب المنافسة السعرية قد يحوّل برنامج القيمة المضافة من أداة تنموية إلى عبء اقتصادي على المشتري مستقبلاً، مما يفقد المحتوى المحلي قيمته الحقيقية ومبرر وجوده.
ويُعد التعاون بين الجامعات وشركات القطاع الخاص ركيزة أساسية في هذا المسار، حيث تسهم برامج التدريب العملي وتبادل الخبرات في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والكفاءة، وربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق الفعلية. وتشير الدراسات إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في المحتوى المحلي بقطاع الطاقة تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بما بين 0.2% و0.4% سنويًا.
ولا يقتصر دور البرنامج على تعزيز التنمية الصناعية وتوطين التقنيات فحسب، بل يمتد إلى خلق فرص عمل نوعية في القطاعات عالية القيمة، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي والخاص عبر إعادة تدوير رأس المال محليًا، وتعزيز التنافسية الإقليمية لسلاسل التوريد.
ولضمان نجاح البرنامج، يجب أن يكون القطاع الخاص مؤهلًا تنظيميًا وماليًا وإداريًا، وقادرًا على تنفيذ المشاريع وفق معايير عالمية، مع توفير بيئة عمل محفزة تستقطب الكفاءات الوطنية وتضمن تطورها المهني. كما يتعين على الشركات المحلية تعزيز أنظمة الحوكمة والكفاءة التشغيلية لضمان استدامتها وقدرتها على المنافسة محليًا وإقليميًا.
ومن المهم ألا يقتصر تطبيق البرنامج على قطاعي الطاقة والصناعة، بل ينبغي أن يتوسع ليشمل قطاعات أخرى حيوية كالبنية التحتية، والتعليم، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والخدمات الاستشارية، مما يسهم في بناء اقتصاد متنوع قائم على الابتكار والمعرفة.
ولتحقيق ذلك، يُقترح تشكيل لجنة فنية للمحتوى المحلي تتبع وزارة المالية أو وزارة التجارة والصناعة، ويُضم في عضويتها ممثلون عن قطر للطاقة، لدراسة التجربة القائمة والاستفادة من نجاحاتها وتلافي تحدياتها وسلبياتها عند وضع استراتيجية وطنية شاملة لتوطين الخدمات والمنتجات ذات الأولوية، مع خطة زمنية واضحة وأهداف قابلة للقياس والتنفيذ، والأهم من ذلك تبسيط الإجراءات التشريعية والإدارية.
ورغم إيجابيات البرنامج، إلا أنه يواجه تحديات مثل ضعف القاعدة الصناعية المحلية في بعض المجالات، والبيروقراطية في التقييم والتصنيف، واختلاف معايير التطبيق بين الجهات. كما يحتاج إلى موازنة دقيقة بين حماية السوق المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي دون تعقيدات، وتحويل الالتزام بالتوطين من إجراء إلزامي إلى فرصة استثمارية جاذبة. ويجب الحذر من التوطين الشكلي، عبر التدقيق المستقل وقياس الأداء الفعلي للمشاريع.
إن برنامج القيمة المضافة المحلية ليس مجرد أداة لتقييم العروض، بل رؤية اقتصادية متكاملة لبناء اقتصاد منتج قائم على الكفاءة والإبداع والاستمرارية، وأداة تحفيزية للإصلاح الاقتصادي من خلال تشجيع الشركات العالمية على تبني خطط استثمارية طويلة الأمد محليًا.
فمن أراد أن يكون جزءًا من مستقبل مشاريع الدولة، عليه أن يكون شريكًا حقيقيًا في استراتيجيتها، وداعمًا لمحتواها المحلي واستدامتها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3528
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025